وقفة مع قوله تعالى:-
( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْأَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) يوسف 110 ..
ان جهود الدعاة وحملة الرسالة لن تذهب سدى..وان تضحياتهم ومعاناتهم لن تذهب هدرا ..بل ستجدها في يوم من الأيام اذا شاء ربك مخزونا فكريا في ذاكرة الامة.
ففي الاية الكريمة يخبر الله تعالى أن نصره ينزل على رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] ، وفي قوله : ( كذبوا ) قراءتان ، إحداهما بالتشديد : ” قد كذبوا ” ، وكذلك كانت عائشة – رضي الله عنها – تقرؤها ، قال البخاري :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله : ( حتى إذا استيئس الرسل ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا ؟ فقالت عائشة : كذبوا . فقلت : فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت : أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، ( حتى إذا استيئس الرسل ) ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .
يقول سيّد قطب (رحمه الله) في ظلاله:
إنها صورة رهيبة, ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل, وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود.وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل،
وتكر الأعوام والباطل في قوته، وكثرة أهله، والمؤمنون في عدتهم القليلة وقوتهم الضئيلة، إنها ساعات حرجة ، والباطل ينتفش ويطغى ويبطش ويغدر .
والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق لهم في هذه الأرض .
فتهجس في خواطرهم الهواجس . .
تراهم كذبوا ؟
ترى نفوسهم كذبتهم في رجاء النصر في هذه الحياة الدنيا؟
وما يقف الرسول هذا الموقف إلا وقد بلغ الكرب والحرج والضيق فوق ما يطيقه بشر وما قرأت هذه الآية والآيةالأخرى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ؟
في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب ، ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل ،
ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة .
في هذه اللحظة يجيء النصر كاملا حاسما فاصلا:
):جاءهم نصرنا , فنجي من نشاء , ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين(
تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد ، ولا بد من الكروب ، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة .
ثم يجيء النصر، بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس .
يجيء النصر من عند الله ، فينجو الذين يستحقون النجاة ، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون .
ويحل بأس الله بالمجرمين ، مدمرا ماحقا لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.
ذلك كي لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلا .
فلو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئا، أو تكلفه القليل .
ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثا ولا لعبا .
فإنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج، ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء .
والأدعياء لا يحتملون تكاليف الدعوة، لذلك يشفقون أن يدعوها، فإذا ادعوها عجزوا عن حملها وطرحوها، وتبيين الحق من الباطل على محك الشدائد التي لا يصمد لها إلا الواثقون الصادقون ;الذين لا يتخلون عن دعوة الله، ولو ظنوا أن النصر لا يجيئهم في هذه الحياة!
إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل ؛ إما أن تربح ربحا معينا محددا في هذه الأرض ، وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحا وأيسر حصيلة !
يجب أن يوطن الداعية نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل !
إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال
ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود !
ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله باستثارة شهواتها
وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات ! . .
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف ,
وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا
وأنه من ثم لا تنضم إليها -في أول الأمر – الجماهير المستضعفة ؛ إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا .
وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا ؛ ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق بعد جهاد يطول أو يقصر .
وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا.)اه
اللهم لا ناصر لنا غيرك ولا معين فنسالك ربي نصرك الذي وعدت وان تجعلنا اهلا له انك ولينا ونعم النصير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْأَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) يوسف 110 ..
ان جهود الدعاة وحملة الرسالة لن تذهب سدى..وان تضحياتهم ومعاناتهم لن تذهب هدرا ..بل ستجدها في يوم من الأيام اذا شاء ربك مخزونا فكريا في ذاكرة الامة.
ففي الاية الكريمة يخبر الله تعالى أن نصره ينزل على رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] ، وفي قوله : ( كذبوا ) قراءتان ، إحداهما بالتشديد : ” قد كذبوا ” ، وكذلك كانت عائشة – رضي الله عنها – تقرؤها ، قال البخاري :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله : ( حتى إذا استيئس الرسل ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا ؟ فقالت عائشة : كذبوا . فقلت : فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت : أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، ( حتى إذا استيئس الرسل ) ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .
يقول سيّد قطب (رحمه الله) في ظلاله:
إنها صورة رهيبة, ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل, وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود.وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل،
وتكر الأعوام والباطل في قوته، وكثرة أهله، والمؤمنون في عدتهم القليلة وقوتهم الضئيلة، إنها ساعات حرجة ، والباطل ينتفش ويطغى ويبطش ويغدر .
والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق لهم في هذه الأرض .
فتهجس في خواطرهم الهواجس . .
تراهم كذبوا ؟
ترى نفوسهم كذبتهم في رجاء النصر في هذه الحياة الدنيا؟
وما يقف الرسول هذا الموقف إلا وقد بلغ الكرب والحرج والضيق فوق ما يطيقه بشر وما قرأت هذه الآية والآيةالأخرى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ؟
في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب ، ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل ،
ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة .
في هذه اللحظة يجيء النصر كاملا حاسما فاصلا:
):جاءهم نصرنا , فنجي من نشاء , ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين(
تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد ، ولا بد من الكروب ، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة .
ثم يجيء النصر، بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس .
يجيء النصر من عند الله ، فينجو الذين يستحقون النجاة ، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون .
ويحل بأس الله بالمجرمين ، مدمرا ماحقا لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.
ذلك كي لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلا .
فلو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئا، أو تكلفه القليل .
ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثا ولا لعبا .
فإنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج، ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء .
والأدعياء لا يحتملون تكاليف الدعوة، لذلك يشفقون أن يدعوها، فإذا ادعوها عجزوا عن حملها وطرحوها، وتبيين الحق من الباطل على محك الشدائد التي لا يصمد لها إلا الواثقون الصادقون ;الذين لا يتخلون عن دعوة الله، ولو ظنوا أن النصر لا يجيئهم في هذه الحياة!
إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل ؛ إما أن تربح ربحا معينا محددا في هذه الأرض ، وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحا وأيسر حصيلة !
يجب أن يوطن الداعية نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل !
إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال
ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود !
ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله باستثارة شهواتها
وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات ! . .
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف ,
وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا
وأنه من ثم لا تنضم إليها -في أول الأمر – الجماهير المستضعفة ؛ إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا .
وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا ؛ ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق بعد جهاد يطول أو يقصر .
وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا.)اه
اللهم لا ناصر لنا غيرك ولا معين فنسالك ربي نصرك الذي وعدت وان تجعلنا اهلا له انك ولينا ونعم النصير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.