العُنف الإمبريالي المُسلّح في الخارج والعُنف الطّبَقِي في الدّاخل:
ذكرنا في فقرة سابقة أن عدد الفقراء يُقدّر بحوالي ثمانية وثلاثين إلى أربعين مليون أمريكي، نصفهم في حالة فَقْرٍ مُدْقَعٍ، سنة 2019، أو أكثر من 12% من العدد الإجمالي للسّكّان، من بينهم ما لا يقل عن 13 مليون طفل، يعيشون تحت خط الفَقْر (حوالي 16,5% من أطفال أمريكا)، بحسب صندوق الدفاع عن الأطفال (منظمة أمريكية غير حكومية)، في بداية شهر أيار/مايو 2019، ويضطر قرابة 14,5 مليون أمريكي لشراء الغذاء المُدعّم بواسطة قسائم الغذاء (فائض الإنتاج الزراعي الذي تشتريه الحكومة من كبار المزارعين وتوزعه وزارة الفلاحة على الفقراء بأسعار مدعمة)، ويُقدَّرُ عدد المُشَرَّدِين الفاقدين للمأوى، في أكبر اقتصاد رأسمالي عالمي، بنحو 553 ألف وقع إحصاؤهم، سنة 2017، وقد يرتفع عددهم إلى 1,5 مليون نسمة، بسبب جائحة كورونا وارتفاع عدد المُعْوزين وارتفاع إيجار المسكن، وارتفاع حجم الدّيون المصرفية وفوائدها، وعجز المواطنين عن تسديدها، ما يجعل العديد منهم يفقد المسكن، ويسكن عشرات الآلاف من هؤلاء داخل سياراتهم، أو في مآوي مؤقّتة تُديرها المنظمات الإنسانية، وسبق أن أشار تقرير للأمم المتحدة (أيار/مايو 2018) أعدَّهُ مقرر الأمم المتحدة بشأن الفقر المدقع وحقوق الإنسان "فيليب ألستون" إلى أن "إن الفقر في الولايات المتحدة واسع النطاق ويستفحل في ظل إدارة ترامب الذي يبدو أن هدف سياساته هو تحفيز الأثرياء، وإلغاء شبكة الأمان التي تحمي الفقراء".
لم تطرح مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة في برامجها، وفي جدول أعمالها، مكافحة الفَقْر والحدّ من الفجوة الطبقية، لأن مكافحة الفَقْر تُؤَدِّي إلى انخفاض طفيف في أرباح رأس المال، ولئن قال الرئيس ليندون جونسون، قبل حوالي 55 سنة: "نَشُنُّ حربًا وطنية على الفَقْر، وسوف ننتصر عيه"، وفي الحقيقة لم يشن الحرب على الفَقْر بل عَزّز مناخ الحرب العدوانية، وأرسَلَ مزيدًا من فُقراء الولايات المتحدة للمشاركة في العدوان على شعب فيتنام وكمبوديا ولاوس...
طرحت مجلة "إيكونوميست" السؤال: كيف يمكن لأغنى دُول العالم أن تضم هذا العدد الكبير من الفقراء؟ ويؤكّد مُعدُّو التّقرير الذي نشرته الصحيفة (نهاية شهر أيار/مايو 2018)، أن تخصيص مبلغ إضافي يقل عن خمسة آلاف دولار سنويا للفرد يمكنه إنقاذ شخص من الفقر، بدل إنفاق إنفاق 167 ألف دولار، سنويًّا، على السجين الواحد (صيانة المبنى ورواتب الحرّاس وعمليات الرّقابة، وغير ذلك )...
ارتفع عدد من يلجأون إلى "بنوك الغذاء" بنسبة 65% بين 2002 و 2017، وبلغ عددهم حوالي 16 مليون أمريكي، بالإضافة إلى من يستخدمون "قَسائم الغذاء"، ويبلغ متوسط قيمة كل قسيمة 1,4 دولارا للوجبة الواحدة لكل فرد، بحسب بيانات المسح السنوى لمكتب الإحصاء حول الأمن الغذائى، سنة 2017، ويُشير التّقرير أن شبكة بنك الطعام تُقدّر عدد من استفادوا من خدماتها لتوزيع الطّعام، بشكل غير دوري، بنحو 46 مليون أمريكي، سنة 2017، وجمعت المنظمات الخَيْرِيّة لمكافحة الفقر في الولايات المتحدة 428 مليار دولارا، سنة 2018، تم استخدامه في مُساعدة الفُقراء على توفير الغذاء والدّواء وعلى البقاء في مساكنهم، وتؤكّد العديد من هذه المنظمات أن الحل يكمن في توفير العمل المُستقر برواتب تكفي لمجابهة المصاريف الضرورية، وما المُساعدات سوى حل مُؤَقّت وظَرْفِي، فمعظم الوظائف المتوفرة، منذ عدة سنوات هي وظائف بدوام جزئي وبرواتب منخفضة وعقود هشّة...
هذه بعض القضايا والمشاكل التي يُعاني منها المواطنون الأمريكيون الفُقراء، والتي تُهْمِلُها الحُكومات المتعاقبة، فيما يتزايد الإنفاق على السلاح وعلى الحروب العدوانية الخارجية، بالتوازي مع تكثيف القَمْع الدّاخلي لكل حركة احتجاج ضد التفاوت الطّبقي الهائل وضد الإجرام المُؤَسّساتي (جرائم عناصر الشرطة) وانحياز جهاز القضاء لصالح الأثرياء...
______