[rtl]حين تَجتاحُ "الكورونا الاجتماعيّةُ" النساءَ[/rtl]
[rtl]د. رفيف رضا صيداوي[/rtl]
[rtl]مؤسّسة الفكر العرب[/rtl]
[rtl]السؤال الأوّل الذي يتبادر إلى الذّهن عند تناول علاقة المرأة العربيّة بجائحة كورونا يتمثّل بأسباب تخصيص المرأة في موضوعٍ يتعلّق بجائحةٍ ألمَّت بالعالَم بأسره، ولاسيّما أنّ هذه الجائحة عابرة للقوميّات والدول والمُجتمعات والطبقات الاجتماعيّة والأعراق والأجناس والشرائح العمريّة كافّة. أمّا جوابنا فهو أنّ هذه الجائحة، وإنّ كانت ذات طبيعة وبائيّة/ صحيّة، وتُطاول صحّة الجنسَيْن، إلّا أنّ ارتداداتها وتداعياتها الاجتماعيّة، تقع على المرأة أكثر من الرجل لأسباب ينبغي البحث عنها على المستوى الاجتماعيّ العامّ بمكوّناته الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والقيميّة كافّة.[/rtl]
[rtl]الشواهد عن اللّامُساواة والتفاوُت الإنسانيّين وغيرهما من الظواهر التي عمَّقتهما العَولَمة وليبراليّتها المتوحّشة كثيرة ومُثبتة بالأرقام. فثمّة تفاوتات ناتجة عن غياب العدالة في توزيع الثروة والدخل، سواء على مستوى العالَم أم داخل كلّ بلد على حدة، فضلاً عن التفاوتات البيئيّة، والتفاوتات في الحصول على الخدمات الصحّيّة والسكن والغذاء والمَعارِف وغيرها. ففي هذا الزمن "الاستهلاكيّ" بامتياز، حيث بات كلّ شيء، وأكثر من أيّ زمنٍ من أزمنة الرأسماليّة ومراحلها، خاضعاً لمنطق السوق المُعولَمة، مع ما يُرافق ذلك من تكريسٍ للتمييز ضدّ الفئات المهمَّشة، ولاسيّما النساء، من المتوقّع أن تفضي تداعيات الوباء إلى تعميق التمييز بأشكاله كافّة على النساء وزيادة الأعباء عليهنّ.[/rtl]
[rtl]التمييز المائل إلى مصلحة الرجل في العالَم بأسره، ولاسيّما في مُجتمعاتنا العربيّة، والمُحدَّد بالسلطة الأبويّة التي أنتجت تصوّراتٍ نمطيّة تجاه دَور كلٍّ من الرجل والمرأة، وشرعنت التمييز ضدّ المرأة تحديداً في المجتمع والعائلة، أو في المجالَيْن العامّ والخاصّ، هذا الواقع تثبته الأرقام؛ حيث يتبيّن أنّ متوسّط قيمة الفوارق بين الجنسَين للدول العربيّة، وفقاً لـدليل التنمية البشريّة لعام 2019 (تقرير التنمية البشريّة لعام 2019، برنامج الأُمم المتّحدة الإنمائي - 2019)، بلغ حوالى 0.531، وأنّ هذه القيمة تزيد عن نظيراتها على مستوى الدول النامية البالغة 0.466، كما تزيد بفارق شاسع عن نظيراتها في دول منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، البالغة 0.182، لكنّها تقلّ عن نظيراتها في البلدان الأقلّ نموّاً حيث تبلغ 0.561.[/rtl]
[rtl]ما قبل جائحة كورونا[/rtl]
[rtl]هذه الخلفيّة البطريركيّة الذكوريّة للمُجتمعات العربيّة، تُفضي إلى آثار سلبيّة مُضاعَفة على الفتيات والنساء، لكونهنّ أساساً الحلقة الأضعف في منطقة تَصِل معدّلات الفقر فيها (على مقياس الفقر المتعدّد الأبعاد) إلى 41 في المائة في عشرة بلدان عربيّة تضمّ حوالى 75 في المائة من سكّان المنطقة، ويُواجه فيها الفقراءُ والنازحون صعوبةً في الحصول على ما يكفي من الغذاء في الكثير من الأحيان بسبب عدم كفاية خدمات الرعاية الصحيّة والمياه والصرف الصحّي، وبما يحول دون الاستفادة من المغذّيات على نحوٍ مُلائم، فضلاً عن مؤشّرات أخرى مثل: بقاء المتوسّط الإقليمي العامّ لمعدّلات وفيّات الأمّهات عند 142 حالة وفاة لكلّ 100,000 مولود حيّ في العام 2015، وهو ضعف المتوسّط العالَمي؛ وعدم حصول 70.5 مليون شخص على الحدّ الأدنى الأساسيّ من خدمات الصرف الصحّي في المنطقة؛ كما وعدم حصول 47.5 مليون شخص على خدمات مياه الشرب، مع العِلم أنّ الافتقاد لخدمات المياه والصرف الصحّي يؤثّر سلباً على معدّل تسرّب الفتيات من المدرسة، ويؤدّي نقصه، في مرافق الرعاية الصحيّة، إلى زيادة معدّلات مرض الأمّهات ووفاتهنّ، ولاسيّما في المناطق الريفيّة (التقرير العربي للتنمية المُستدامَة 2020، الإسكوا) التي تزيد معدّلات الفقر فيها عن معدّلاتها في المناطق الحضريّة. هذا مع ضرورة الإشارة إلى أنّ 83 في المائة من السكّان الواقعين ضمن الفقر المُدقع و 67 في المائة من الواقعين ضمن الفقر يقيمون في المناطق الريفيّة (التقرير العربي حول الفقر المتعدّد الأبعاد، الإسكوا، 2017).[/rtl]
[rtl]أوجه المُساواة بين الجنسَيْن هذه، تنسحب، فضلاً عمّا تقدَّم، على كلّ ما يتعلّق بالعمل والادّخار، ومعدّلات الأجور وغيرها، ولاسيّما أنّ شريحة واسعة من النساء والفتيات يشغلن وظائف غير آمنة أو يعشن في مستويات قريبة من مستوى الفقر؛ فالنساء يعملن في الغالب في القطاع الزراعي، حيث تزيد نسبة العاملات فيه على 37 في المائة من مجموع القوى العاملة في مصر، وعلى 50 في المائة في العراق، وعلى 60 في المائة في المغرب.[/rtl]
[rtl]أمّا نسبةُ النساء اللّواتي يمتلكن الأراضي، فلا تتجاوز 7 في المائة في جميع أنحاء المنطقة (التقرير العربي للتنمية المُستدامَة 2020). وإذا كانت المنطقة العربيّة تُسجِّل نسبة مُرتفعة للعمل غير النظامي، باستثناء القطاع الزراعي، تتراوح في بعض البلدان بين 45 في المائة وأكثر من 75 في المائة من مجموع القوى العاملة، وإذا كان الفقرُ أكثر انتشاراً بين العاملين في هذا القطاع، ولاسيّما مع ارتفاع نِسَب الإعالة الأسريّة، فإنّ عمالة المرأة في المنطقة العربيّة تتّسم بمستوياتٍ عالية من العمالة غير النظاميّة والهشّة، إذ ينخرط عددٌ كبير من النساء في العمل المنزلي أو حتّى العمل الزراعي غير مدفوعَيْ الأجر، عِلماً أنّ النساء في البلدان العربيّة يَقمن بنحو 80 في المائة إلى 90 في المائة من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر (إعادة التفكير في اللّامساواة في البلدان العربيّة - نظرة عامّة، الإسكوا، 2019).[/rtl]
[rtl]بين الحقائق والتوقّعات[/rtl]
[rtl]حيال ما تُنبئ به التوقّعاتُ بشأن أزمة كورونا من أزمات اقتصاديّة لا بدّ أن تشمل غالبيّة بلدان العالَم، بات من المنطقيّ أن تتفاقم التداعيات السلبيّة للأزمة في العالَم العربي بخاصّة، بفعل مُعاناة دوله أساساً، ولاسيّما على صعيد بنياتها الاقتصاديّة، من اختلالاتٍ بنيويّة لافِتة، تجعلها أقلّ قدرة، مُقارنةً بسواها من الدول، على حماية اقتصاداتها من تداعيات الجائحة؛ إذ كانت التوقّعات قد تنبّأت بتراجُع معدّلات النموّ الاقتصادي للبلدان العربيّة للعام (2020) من حوالى 3.3% قبل تفشّي الوباء إلى أقلّ من 2% بعد تفشّيه (مستقبل المشروعات المتوسّطة والصغيرة ومُتناهية الصغر في المنطقة العربيّة في ظلّ الجائحة ..، منظّمة العمل العربيّة، تمّوز/ يوليو 2020). وذلك مع إمكانيّة وصول أعداد المُشتغلين الذين ينتمون إلى أسرٍ تنخفض عن خطّ الفقر الدولي (1.9 $ في اليوم) إلى نحو 9.3 مليون مُشتغل مُقارنةً بنحو 7.6 مليون مُشتغل في الأوضاع الطبيعيّة، وبلوغ نسبة المُشتغلين في الوظائف الهشّة نحو 49.4 مليون مُشتغل (تقرير حول تداعيات مُحتمَلة لفيروس كورونا المُستحدَث على الدول العربيّة وآليّات المُواجَهة، منظّمة العمل العربيّة، 2020)، وارتفاع الوظائف المُتوقَّع فقدها خلال الجائحة على مستوى الوطن العربي إلى 483.0 ألف وظيفة، مع توقّعات بطالة على مستوى الوطن العربي للعام 2021 أيضاً تصل إلى نحو 20.5 مليون مُتعطّل مُقارنةً بنحو 15.3 مليون مُتعطّل من دون أن يكون هناك أيّ أحداث أخرى مضرّة بالاقتصاد، أي بسبب الجائحة الوبائيّة وحدها التي ستتسبَّب في زيادة أعداد المُتعطّلين بنحو 5.2 مليون (تقرير حول تداعيات مُحتمَلة لفيروس، م س).[/rtl]
[rtl]في المُقابل، ولمّا كانت المنطقة العربيّة قد سجَّلت قبل الجائحة أدنى مستوى مُشارَكة اقتصاديّة للمرأة في العالَم (لا يتجاوز 25 في المائة في العام 2014)، مُقارَنةً بمتوسّط عالَمي قدره 50 في المائة، فيما تُزاوِل 38 في المائة من النساء العاملات في المنطقة أعمالاً غير مستقرّة (التقرير العربي للتنمية المُستدامَة 2020، م س)، ولمّا كانت الأدوار الاجتماعيّة النمطيّة تُبعد النساء عموماً عن سوق العمل، وخصوصاً عند الزواج والإنجاب، وتُفقِد بعضهنّ المهارات التي كنّ يحصلن عليها قبل الزواج، حيث سجَّلت المنطقة العربيّة في العام 2018 أدنى معدّل عمالة لدى الأمّهات اللّواتي تتراوح أعمار أطفالهنّ بين 0 و5 سنوات على المستوى العالَمي، وهو معدّل بلغ في المنطقة العربيّة نحو 9,3 في المائة فقط مقارنةً بـ 47,6 في المائة على الصعيد العالَمي (آفاق تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات في المنطقة العربيّة، الإسكوا، 2019)، يُتوقَّع ارتفاع معدّلات البطالة لدى النساء في ضوء تضرُّر عدد من القطاعات الاقتصاديّة التي تُسهم فيها النساء بشكل أساسيّ، وعلى رأسها قطاع السياحة الذي يُسهم بمعدّلات تتراوح ما بين 12 إلى 19 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي في بعض الدول العربيّة (اقتصاد الرعاية في الدول العربيّة.. نحو الاعتراف بأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وتخفيضها وإعادة توزيعها، هيئة الأمم المتّحدة، 2020). كما يُتوقَّع انخراطٌ أكبر للنساء في العمل غير النظامي، والوقوع في براثن الفقر، أي للتهميش، ولاسيّما في ظلّ افتقار البلدان العربيّة ذات الدخل المُنخفض والمتوسّط على وجه التحديد إلى خدمات الحماية الاجتماعيّة. ونتجَ عن اتّجاه الأنظمة الصحيّة في ظلّ جائحة كورونا إلى تخصيص الموظّفين والمَوارِد لخدمات الرعاية الحرجة بعيداً عن مجالات الرعاية الأخرى، تراجُعُ خدمات الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة والسلع الأساسيّة في الوقت الذي لم تنتفِ فيه حاجات النساء إلى تنظيم الأسرة والإمدادات الخاصّة بالدورة الشهريّة والرعاية الصحيّة للأمّهات (Protecting sexual and reproductive health and rights, and promoting gender equality, UNFPA, March 2020).[/rtl]
[rtl]ويُشار في هذا السياق إلى أنّ النساء، ولاسيّما العاملات في الخطوط الأماميّة، واستجابةً للمطالب والخدمات الصحيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحن أكثر عرضةً لوباء كورونا، لأنّ غالبيّة العاملين في قطاع الخدمات الصحيّة والاجتماعيّة هنّ من النساء، ولأنّ معظم مُقدِّمات الرعاية هنّ من المُمرّضات، مع تمثيلٍ مُنخفض لهنّ في المستويات الوظيفيّة العليا وفي مَناصب المسؤوليّة، وتشكيلهنّ أغلبيّة موظّفي الخدمة في المرافق الصحيّة، مثل أعمال النظافة، وغسْل المَلابس، وإعداد الطعام، بحيث يُمثّلن في مصر ولبنان نسبة 80 و90% على التوالي من الجسم التمريضي (COVID 19 dans la région MENA: impact sur les inégalités de genre et réponses apportées en soutien aux femmes,OCDE,10 juin 2020).[/rtl]
[rtl]تداعيات كورونا على النّازحات واللّاجئات[/rtl]
[rtl]ولمّا كانت النِّزاعات والحروب والضغوط البيئيّة قد أسفرت عن نزوح أكثر من 15 مليون شخص داخل بلدانهم، ولاسيّما في سوريا والسودان والصومال والعراق واليمن، وبلوغ عدد المُهاجرين في بعض بلدان المنطقة العربيّة حوالى 29 مليون شخص، بحسب إحصاءات عائدة للعام 2017، نصفهم هاجر إلى داخل بلدان المنطقة (تقرير حالة الهجرة الدوليّة لعام 2019، الإسكوا، 2020)، ونظراً للأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة المُتدهورة التي تُواجهها البلدان المُضيفة للّاجئين حاليّاً، والتي تفاقمت بعد إجراءات الحجر التي فرضها فيروس كورونا، وما رافقَ ذلك من عزْل مُخيّمات النازحين عن الخارج في إطار الإجراءات الوقائيّة لمنْع وصول فيروس كورونا إلى داخل المُخيّمات، فإنّ النساء النازحات واللّاجئات أصبحن أكثر عرضة للتهميش بسبب تراجُع الخدمات التي كان يمكنهنّ الحصول عليها قبل الجائحة، كالخدمات الصحيّة وغيرها.[/rtl]
[rtl]على هذا، تتعدّد تداعيات وباء كورونا، ولاسيّما الاقتصاديّة منها، على النساء، حيث تشكِّل عاملاً إضافيّاً في إفقارهنّ وتهميشهنّ لكونهنّ أساساً الحلقة الأضعف التي تقع عليهنّ تبعات بنية الاقتصادات العربيّة نفسها وتحدّيات الاقتصاد الكلّي، ناهيك بالتداعيات الأخرى التي تقع عليهن في المجال الخاصّ، وأبرزها ما يُمارَس من عنف ضدّهنّ في الأسرة، والذي سنخصّص له مساحةً كلاميّة أخرى.[/rtl]