بسم الله الرحمن الرحيم
تشخيص وعلاج:-
حينما ترى في اي مجتمع بشري : ان الغني يزداد غنىََ، في حين تجد ان الفقير يزداد فقراً، فاعلم ان الخلل يكمن في :
1- المنظومة الفكرية الناظمة للرؤيا في حياة المجتمع والناس. ...
2- في منظومة المفاهيم والقيم الموجهة لطبقات المجتمع وسلوكياتهم .. 3- وبالتالي المنظومة التشريعية التي تعمل على تأمين وحماية زيادة غنى الغني على حساب زيادة فقر الفقير ...
ان النظم الراعية للفساد وقيمه ومفاهيمه ونظمه، التي ترى وتتوهم فيها تحقيق مصالح الاقلية الفرعونية المتحالفة مع الاقلية القارونية المسخرة لاقلية الكهنوت والسحرة ، تعمل على تضليل الناس بنشر ثقافة القدرية الغيبية ، او ما يسميه بعض الفلاسفة بحتمية السنن المجتمعية التاريخية،
وهذا الوهم المضل للناس عن طريق الهدى والنور ، ازاله القران الكريم -ذلك الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه -وازالته السنة المطهرة سنة النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ، حيث بين القران وكذلك السنة كما سنبين لاحفا ان الجانب القدري في الامر هو ان هناك نهج بشري يستوجب التوفيق والثواب كما ان هناك نهج ومسلك بشري يستوجب العذاب والعقاب ، فقدر انعدام التوفيق يستوجب قدر العقاب المترتب على من اختاره ، وكذا قدر التوفيق لمن اختار الهداية على سبل الغواية استوجب الثواب و حسن الماب ، حيث بيت القران الكريم، والسنة الشريفة ، في عدة مواضع، ان الله تعالى خلق الانسان حرا مختارا صاحب ارادة وقرار، فلذلك جعله الله اهلا للتكاليف ، التي على اساسها يتم الحساب ويكون له الثواب ان قام بها واحسن الاتيان بها في حياته فاستام على امر الله كما امره ،،، او يستوجب العقاب ان اخل بالقيام بها او قصر ..
ويكفي ان نقرأ في القران الكريم قول ربنا تعالى ذكره :- ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) سورة التكوير
واستمع لما يوحى واقرأ وتدبر : (وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ (1) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (3) إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (7) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ () وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (10) وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (11) إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ (13) فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى (15) ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (17) ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ (19) إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (20) وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ (21) سورة الليل
فنجد من النصوص السابقة ان الله تعالى كلف انسانا حرا مريدا مختارا عاقلا صاحب مشيئة وارادة يترتب عليها الجزاء والحساب ...
اما في معرض حديث الله عز وجل وبيان هديه في السنن الاجتماعية، فنجد انه سبحانه ربط حدوثها وحتمية وقوعها بمشيئته وارادته تعالى العلية، التي تترتب على مشيئة الانسان نفسه واختياره ، المخلوق لتحقيق العبودية لله تعالى وحده وليس للافساد في الارض واهلاك الحرث والنسل ، وبين لنا ذلك في عدة مواضع كقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(لأنفال:53). وكقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) {الشورى:30}.
وقال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم سلمة: أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا كثر الخبث ـ فقد يكون الرجل صالحا في نفسه وليس مُصلحا لغيره، وليس من شرط الصالح أنه لا يقع في معصية، بل تقع المعصية حتى من الرجل الصالح، عندما يكون الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر متعينا عليه، ومع ذلك يقصر فيه، لان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤلية مجتمعية بها يحفظ المجتمع قوامه و مسيرة اجياله، وحديث: أنهلك وفينا الصالحون؟ ورد عن عائشة أيضا بلفظ: إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ، أَنْزَلَ اللهُ بَأسَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَالِحُونَ, يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسُ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ.
قال ابن القيم رحمه الله : وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11}. ومن تأمل ما قص الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
فما حفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس... اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: إذا كثر المفسدون وقَلَّ الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. اهـ.
وفي المقابل تترتب سنن التوفيق والانعام على البشر الذين سلكوا طريق الهداية والايمان، واختاروها سبيلا لحياتهم ومنهجا لعيشهم : "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" سورة الأعراف آية:٩٦ ... فالإيمان بالله، وتقواه يؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض ، و من لزم التقوى رزقه الله الحياة المطمئنة، وانقلبت المحنة في حقه الى منحة .
فنلاحظ ان اضطراد العقاب المجتمعي تماما كاضطراد النعيم المجتمعي، ان توافرت الاسباب الوجبة لكل منهما ، فكلاهما قدر الله وسنته المتعلقة بمشيئة العباد واختيارهم لنمط سلوكهم وتفكيرهم ونمط صبغة حياتهم .
فلذلك نجد ان الله تعالى ذكره قد حذرنا ان لا نخالف عن امره ولا نفارق ذكره المنزل هدىً للعالمين ، فقال عن النتيجة الحتمية لمن يعرض عن هذا القران الذي يهدي للتي هي اقوم ، فنصحنا وحذرنا في نفس الوقت فقال عز من فائل :- قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127) سورة طه .
فمشيئة الله تعالى بالثواب او العقاب هنا مرتبطة ومترتبة على ما تريد وتختار وتقرر انت ايها الانسان كفرد تعيش في نجتمع كل فرد فيه مسؤل عن صيانته من الفساد واصلاحه عن الضلال .
اللهم اجعلنا ممن انرت بصيرتهم فاختاروا منهج طاعتك وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهم مصلحون لما افسد الناس صالحون لا يبتغون عن هداك رب حولا و يبتغون رضوانك والجنة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تشخيص وعلاج:-
حينما ترى في اي مجتمع بشري : ان الغني يزداد غنىََ، في حين تجد ان الفقير يزداد فقراً، فاعلم ان الخلل يكمن في :
1- المنظومة الفكرية الناظمة للرؤيا في حياة المجتمع والناس. ...
2- في منظومة المفاهيم والقيم الموجهة لطبقات المجتمع وسلوكياتهم .. 3- وبالتالي المنظومة التشريعية التي تعمل على تأمين وحماية زيادة غنى الغني على حساب زيادة فقر الفقير ...
ان النظم الراعية للفساد وقيمه ومفاهيمه ونظمه، التي ترى وتتوهم فيها تحقيق مصالح الاقلية الفرعونية المتحالفة مع الاقلية القارونية المسخرة لاقلية الكهنوت والسحرة ، تعمل على تضليل الناس بنشر ثقافة القدرية الغيبية ، او ما يسميه بعض الفلاسفة بحتمية السنن المجتمعية التاريخية،
وهذا الوهم المضل للناس عن طريق الهدى والنور ، ازاله القران الكريم -ذلك الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه -وازالته السنة المطهرة سنة النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ، حيث بين القران وكذلك السنة كما سنبين لاحفا ان الجانب القدري في الامر هو ان هناك نهج بشري يستوجب التوفيق والثواب كما ان هناك نهج ومسلك بشري يستوجب العذاب والعقاب ، فقدر انعدام التوفيق يستوجب قدر العقاب المترتب على من اختاره ، وكذا قدر التوفيق لمن اختار الهداية على سبل الغواية استوجب الثواب و حسن الماب ، حيث بيت القران الكريم، والسنة الشريفة ، في عدة مواضع، ان الله تعالى خلق الانسان حرا مختارا صاحب ارادة وقرار، فلذلك جعله الله اهلا للتكاليف ، التي على اساسها يتم الحساب ويكون له الثواب ان قام بها واحسن الاتيان بها في حياته فاستام على امر الله كما امره ،،، او يستوجب العقاب ان اخل بالقيام بها او قصر ..
ويكفي ان نقرأ في القران الكريم قول ربنا تعالى ذكره :- ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) سورة التكوير
واستمع لما يوحى واقرأ وتدبر : (وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ (1) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (3) إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (7) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ () وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (10) وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (11) إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ (13) فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى (15) ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (17) ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ (19) إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (20) وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ (21) سورة الليل
فنجد من النصوص السابقة ان الله تعالى كلف انسانا حرا مريدا مختارا عاقلا صاحب مشيئة وارادة يترتب عليها الجزاء والحساب ...
اما في معرض حديث الله عز وجل وبيان هديه في السنن الاجتماعية، فنجد انه سبحانه ربط حدوثها وحتمية وقوعها بمشيئته وارادته تعالى العلية، التي تترتب على مشيئة الانسان نفسه واختياره ، المخلوق لتحقيق العبودية لله تعالى وحده وليس للافساد في الارض واهلاك الحرث والنسل ، وبين لنا ذلك في عدة مواضع كقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(لأنفال:53). وكقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) {الشورى:30}.
وقال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم سلمة: أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا كثر الخبث ـ فقد يكون الرجل صالحا في نفسه وليس مُصلحا لغيره، وليس من شرط الصالح أنه لا يقع في معصية، بل تقع المعصية حتى من الرجل الصالح، عندما يكون الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر متعينا عليه، ومع ذلك يقصر فيه، لان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤلية مجتمعية بها يحفظ المجتمع قوامه و مسيرة اجياله، وحديث: أنهلك وفينا الصالحون؟ ورد عن عائشة أيضا بلفظ: إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ، أَنْزَلَ اللهُ بَأسَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَالِحُونَ, يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسُ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ.
قال ابن القيم رحمه الله : وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11}. ومن تأمل ما قص الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
فما حفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس... اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: إذا كثر المفسدون وقَلَّ الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. اهـ.
وفي المقابل تترتب سنن التوفيق والانعام على البشر الذين سلكوا طريق الهداية والايمان، واختاروها سبيلا لحياتهم ومنهجا لعيشهم : "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" سورة الأعراف آية:٩٦ ... فالإيمان بالله، وتقواه يؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض ، و من لزم التقوى رزقه الله الحياة المطمئنة، وانقلبت المحنة في حقه الى منحة .
فنلاحظ ان اضطراد العقاب المجتمعي تماما كاضطراد النعيم المجتمعي، ان توافرت الاسباب الوجبة لكل منهما ، فكلاهما قدر الله وسنته المتعلقة بمشيئة العباد واختيارهم لنمط سلوكهم وتفكيرهم ونمط صبغة حياتهم .
فلذلك نجد ان الله تعالى ذكره قد حذرنا ان لا نخالف عن امره ولا نفارق ذكره المنزل هدىً للعالمين ، فقال عن النتيجة الحتمية لمن يعرض عن هذا القران الذي يهدي للتي هي اقوم ، فنصحنا وحذرنا في نفس الوقت فقال عز من فائل :- قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127) سورة طه .
فمشيئة الله تعالى بالثواب او العقاب هنا مرتبطة ومترتبة على ما تريد وتختار وتقرر انت ايها الانسان كفرد تعيش في نجتمع كل فرد فيه مسؤل عن صيانته من الفساد واصلاحه عن الضلال .
اللهم اجعلنا ممن انرت بصيرتهم فاختاروا منهج طاعتك وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهم مصلحون لما افسد الناس صالحون لا يبتغون عن هداك رب حولا و يبتغون رضوانك والجنة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .