بسم الله الرحمن الرحيم
مناط الحكم بالكفر على موالاة الكفار
قال الله تعالى:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]
لا خلاف بين العلماء من الفقهاء واهل التفسير في أنّ موالاة الكفار بمحبّتهم أو نصرتهم لأجل دينهم كفرٌ مخرجٌ من الملّة، لكن حصل الإشكال لدى البعض في حكم موالاة الكفار لغرض دنيوي؛ فألحقوه بحكم موالاتهم على دينهم، ولم يفرّقوا بين الحالين.
فيكون غاية ما يدل عليه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] أن من حصلت منه الموالاة التي دلت الآيات على حصولها من المنافقين فإنه يكفر بذلك، والمنافقون لم يكفروا بمطلق الموالاة لأهل الكتاب او غيرهم من المشركين والكفار، وإنما كفروا لأنهم رضوا بعلو دين الكفار، وتمنوا علو الكافرين لكفرهم على المؤمنين لإيمانهم .
فقد أوجب الله الموالاة بين المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وجاءت نصوص كثيرة في تقرير هذا الأصل، وتحذير المؤمنين مما وقع فيه المنافقون من موالاة الكافرين.
وفي تعريف الولاية يقول الإمام الشوكاني رحمه الله : "أصل الولاية المحبة والتقرب، كما ذكره أهل اللغة، وأصل العداوة البغض والبعد" ..
وجاء في الصحاح للجوهري : "الوَلْيُ: القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْيٍ". "والوليّ ضد العدو". "والموالاة ضد المعاداة". "والمولى الحليفُ". "والوِلاية بالكسر: السلطان. والوَلاية: النصرة. يقال: هم عليَّ وِلاية أي: مجتمعون في النصرة".
وأمّا البراء فهو من الاصل اللغوي : "برأ" ويأتي في اللغة على أصلين: "أحدهما: الخلق... والأصل الآخر: التباعد من الشيء ومزايلته"[ معجم مقاييس اللغة لابن فارس].
وفي تقرير أصل الولاء والبراء وما يلزم عنه، وبيان الصلة بين المعنى اللغوي والحقيقة الشرعية للولاء والبراء يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: "أصل الموالاة هي المحبة، كما أنّ أصل المعاداة البغض، فإنّ التحاب يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي، وهو القرب، وهذا يلي هذا، أي يقرب منه. والعدو من العدواء، وهو البعد، ومنه العدوة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتصل به، كما أنه إذا عدي عنه ونأى عنه وبعد منه كان ماضيًا عنه.
فأولياء الله ضد أعدائه، يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم، ويكون عليهم منه صلاة، وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم، وهو إبعاد منه ومن رحمته، ويبغضهم ويغضب عليهم، وهذا شأن المتوالين والمتعادين" .
وقد قال الامام ابن جرير في تفسيره عند تفسيره لقول الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28]. وفي تفسيره للآية يقول: "معنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلّونهم على عوراتهم، فإنّه من يفعل ذلك {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28] يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر".
و قد فصل ابن تيمية رحمه الله تعالىلافي تقرير الاستدلال للتنافي بين الإيمان وموالاة الكفار حيث يقول : "وقال تعالى: فيما يذم به أهل الكتاب … {تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:80-81]. فبيّن -سبحانه وتعالى- أنّ الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأنّ عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم. وقال سبحانه: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22]. فأخبر سبحانه أنّه لا يوجد مؤمن يوادّ كافرًا، فمن وادّ الكفار فليس بمؤمن"[ اقتضاء الصراط ].
ومع ما قرره رحمه الله هنا من التنافي بين الإيمان وبين موادّة الكفار و موالاتهم إلا أنّه قد نصّ على أنّ تلك الموالاة إذا كانت لغرض دنيوي فإنّها لا تكون كفرًا. وفي ذلك يقول: "إذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله: أوجبَ بغضَ أعداء الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}[المائدة:81]. وقال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22].
وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]"[ الفتاوى ].
وقد قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره حاكيا عن أهل التفسير التفريق بين موالاة الكفار لأجل دينهم وبين موالاتهم فيما دون ذلك فقال: "قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] فيه قولان:
أحدهما: من يتولهم في الدين فإنّه منهم في الكفر، والثاني: من يتولهم في العهد فإنّه منهم في مخالفة الأمر"[ زاد المسير ].
وعليه فاننا نرى ان مولاة الكافرين بنصرتهم على المسلمين في القتال سواء بالمشاركة في تحالف معهم او بالتجند في جيوشهم كفر، واما موالاتهم بالتناصح معهم والتخابر تجسسا على المسلمين وكشف امرهم وعوراتهم للكفار فهو ان لم يكن كفرا فهو من كبائر الاثم والمعاصي ...
فقد نقل الامام الطبري في تفسيره عن السدّي أنّه قال في معنى قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [آل عمران:28] أي "فيواليهم في دينهم، ويظهرهم على عورة المؤمنين، فمن فعل هذا فهو مشرك، فقد برئ الله منه، إلا أن يتقي منهم تقاة، فهو يظهر الولاية لهم في دينهم والبراءة من المؤمنين".
وقد ذم الله تعالى وبكت حجج المنافقين في موالاتهم لليهود والنصارى. حيث وصفهم الله تعالى بقوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] "أي: يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] أي: يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكفار بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك"[ انظر تفسير ابن كثير ].
وعليه فاننا نقول فليحذر الناس من مخالفة امر الله كما قال لهم محذرا في سورة النور :-{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.} (سورة النور، الآية: 63).
( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مناط الحكم بالكفر على موالاة الكفار
قال الله تعالى:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]
لا خلاف بين العلماء من الفقهاء واهل التفسير في أنّ موالاة الكفار بمحبّتهم أو نصرتهم لأجل دينهم كفرٌ مخرجٌ من الملّة، لكن حصل الإشكال لدى البعض في حكم موالاة الكفار لغرض دنيوي؛ فألحقوه بحكم موالاتهم على دينهم، ولم يفرّقوا بين الحالين.
فيكون غاية ما يدل عليه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] أن من حصلت منه الموالاة التي دلت الآيات على حصولها من المنافقين فإنه يكفر بذلك، والمنافقون لم يكفروا بمطلق الموالاة لأهل الكتاب او غيرهم من المشركين والكفار، وإنما كفروا لأنهم رضوا بعلو دين الكفار، وتمنوا علو الكافرين لكفرهم على المؤمنين لإيمانهم .
فقد أوجب الله الموالاة بين المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وجاءت نصوص كثيرة في تقرير هذا الأصل، وتحذير المؤمنين مما وقع فيه المنافقون من موالاة الكافرين.
وفي تعريف الولاية يقول الإمام الشوكاني رحمه الله : "أصل الولاية المحبة والتقرب، كما ذكره أهل اللغة، وأصل العداوة البغض والبعد" ..
وجاء في الصحاح للجوهري : "الوَلْيُ: القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْيٍ". "والوليّ ضد العدو". "والموالاة ضد المعاداة". "والمولى الحليفُ". "والوِلاية بالكسر: السلطان. والوَلاية: النصرة. يقال: هم عليَّ وِلاية أي: مجتمعون في النصرة".
وأمّا البراء فهو من الاصل اللغوي : "برأ" ويأتي في اللغة على أصلين: "أحدهما: الخلق... والأصل الآخر: التباعد من الشيء ومزايلته"[ معجم مقاييس اللغة لابن فارس].
وفي تقرير أصل الولاء والبراء وما يلزم عنه، وبيان الصلة بين المعنى اللغوي والحقيقة الشرعية للولاء والبراء يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: "أصل الموالاة هي المحبة، كما أنّ أصل المعاداة البغض، فإنّ التحاب يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي، وهو القرب، وهذا يلي هذا، أي يقرب منه. والعدو من العدواء، وهو البعد، ومنه العدوة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتصل به، كما أنه إذا عدي عنه ونأى عنه وبعد منه كان ماضيًا عنه.
فأولياء الله ضد أعدائه، يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم، ويكون عليهم منه صلاة، وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم، وهو إبعاد منه ومن رحمته، ويبغضهم ويغضب عليهم، وهذا شأن المتوالين والمتعادين" .
وقد قال الامام ابن جرير في تفسيره عند تفسيره لقول الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28]. وفي تفسيره للآية يقول: "معنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلّونهم على عوراتهم، فإنّه من يفعل ذلك {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28] يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر".
و قد فصل ابن تيمية رحمه الله تعالىلافي تقرير الاستدلال للتنافي بين الإيمان وموالاة الكفار حيث يقول : "وقال تعالى: فيما يذم به أهل الكتاب … {تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:80-81]. فبيّن -سبحانه وتعالى- أنّ الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأنّ عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم. وقال سبحانه: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22]. فأخبر سبحانه أنّه لا يوجد مؤمن يوادّ كافرًا، فمن وادّ الكفار فليس بمؤمن"[ اقتضاء الصراط ].
ومع ما قرره رحمه الله هنا من التنافي بين الإيمان وبين موادّة الكفار و موالاتهم إلا أنّه قد نصّ على أنّ تلك الموالاة إذا كانت لغرض دنيوي فإنّها لا تكون كفرًا. وفي ذلك يقول: "إذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله: أوجبَ بغضَ أعداء الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}[المائدة:81]. وقال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22].
وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]"[ الفتاوى ].
وقد قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره حاكيا عن أهل التفسير التفريق بين موالاة الكفار لأجل دينهم وبين موالاتهم فيما دون ذلك فقال: "قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] فيه قولان:
أحدهما: من يتولهم في الدين فإنّه منهم في الكفر، والثاني: من يتولهم في العهد فإنّه منهم في مخالفة الأمر"[ زاد المسير ].
وعليه فاننا نرى ان مولاة الكافرين بنصرتهم على المسلمين في القتال سواء بالمشاركة في تحالف معهم او بالتجند في جيوشهم كفر، واما موالاتهم بالتناصح معهم والتخابر تجسسا على المسلمين وكشف امرهم وعوراتهم للكفار فهو ان لم يكن كفرا فهو من كبائر الاثم والمعاصي ...
فقد نقل الامام الطبري في تفسيره عن السدّي أنّه قال في معنى قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [آل عمران:28] أي "فيواليهم في دينهم، ويظهرهم على عورة المؤمنين، فمن فعل هذا فهو مشرك، فقد برئ الله منه، إلا أن يتقي منهم تقاة، فهو يظهر الولاية لهم في دينهم والبراءة من المؤمنين".
وقد ذم الله تعالى وبكت حجج المنافقين في موالاتهم لليهود والنصارى. حيث وصفهم الله تعالى بقوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] "أي: يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] أي: يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكفار بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك"[ انظر تفسير ابن كثير ].
وعليه فاننا نقول فليحذر الناس من مخالفة امر الله كما قال لهم محذرا في سورة النور :-{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.} (سورة النور، الآية: 63).
( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته