حديث الصباح
اسعد الله صباحكم بكل طيب من الصفات والخصال والاخلاق....
الانانية والنزعة الفردية !!
ظهر مصطلح النزعة الفردية في فلسفات العصر الحديث الذي رافق التنظير للاستعمار والحملات الاستعمارية ، و أصحاب هذه النزعة يروّجون لممارسة أهدافهم ورغباتهم وشهواتهم في الحياة، ويحضون بذلك الاستقلال والاعتماد على الذات، ويدعون إلى أن مصالح الفرد يجب أن تحظى بالأولوية على مصالح الدولة أو على مصالح المجموعة المجتمعية. اي انهم يدعون للانانية المطلقة التي تجعل مصالح الفرد وشعوره بتحقيق الذات الذي يتم طبعا بتسخير الاخرين واستغلاله ضعفهم او عجزهم او نقصهم لخدمته الذاتية ...
فلذلك وجدنا الاستعمار يضطهد الشعوب المستعمرة ويستغلها لينهب ثرواتها بايدي ابناءها ويستنزف طاقاتهم لتحقيق مصالحه .. وفي سبيل ذلك استباحوا كل المحرمات وتجاوزوا كل المدركات بالبديهة و الفطرة الانسانية ، فتحولوا الى وحوش بشرية تأكل الاخضر واليابس وتهضم اللحم وتهشم العظم ... فالنزعة الفردية في فلسفتهم تكرس الانانية بابشع صورها واقذع اعمالها . و المفهوم السائد أن الإنسان الأناني هو ذلك الشخص الذي لا يهتم إلا بنفسه، ويتفاخر بتجاهل حاجات الآخرين ومشاعرهم، مما يتسبب في نفورهم منه وتجنبه. و مصطلح الأنانية يشير في الحقيقة إلى من يضع رغباته واحتياجاته فوق رغبات الآخرين واحتياجاتهم ويهتم بنفسه ولا يهتم بالاخرين الا من خلال اهتمامه بمصالحه معهم. فمثلا مالك السيارة الاناني الجشع عندما اخبروه بأن سيارته انقلبت لم يسأل عن السائق والركاب ، بل سأل عن السيارة ما حجم الضرر الذي لحق بها ..!!
في حين نجد ان الاسلام عالج النزعة الانانية التي قد يكتسبها الانسان من بيئته او ثقافة محيطه او تربيته بفرض الاخوة بين المسلمين (انما المؤمنون اخوة) وبتكريم جنس الانسان وتفضيله على العالمين ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)الاسراء.
كما وعالج الاسلام الانانية بايجاب الأثرة ،، و التي لا تكون إلا بالإيثار، وهو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. فقال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]. و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه].
وقد حرم الاسلام الشح والخل المتولد من الانانية لتهذيب النفس وتطهيرها من هذا الداء الخطير ، فقال تعالى في التغابن: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أى: ومن يستطع أن يبعد نفسه عن الشح والبخل، ومقصود الآية: حض الناس على التحلي بفضيلة السخاء والكرم. والشح أن تكون نفس المرء حريصة على المنع، و (يَعُمُّ الْمَالَ وَغَيْرَهُ، يُقَالُ: فُلَانٌ شَحِيحٌ بِالْمَالِ وَشَحِيحٌ بِالْجَاهِ وَشَحِيحٌ بِالْمَعْرُوفِ).. -ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون- فجائت بصيغة الخبر المفيد للطلب وحصرت الفلاح في وقاية شح نفسه، وتطلعها إلى ما منعت منه، وحرصها على ما يضيرها مما تشتهيه: من علو وترفع، ومال وجاه وأهل ومسكن، ومأكل ومشرب وملبس وغير ذلك . فإنها تتطلع إلى ذلك كله وتشتهيه، وهو عين هلاكها فمنه ينشأ البغي والظلم والتحاسد والحقد والتباغض، المولد للكرهية وانتشارها، وبالتالي التفكك وعدم التماسك بين ابناء الامة الواحدة ، وهو من اشد المنكرات في الاسلام .
والأنانية داء قاتل اذا انتشرت في المجتمعات ، فهي تجعل الانسان يغتر بنفسه ويركب مركب الغرور الذي يجعله يحتقر غيره، ولا يرى وجود الغير الا لتحقيق مصالحه وتلبية رغباته واشباع شهواته ، فيعمل على استغلاله و تسخيره لخدمته واشباع رغباته وشهواته ، فتنقتل عنده النخوة, و تمحق من نفسه الشهامة ، و بالتالي لا يعرف معنى الكرم و لا الكرامة .. فيتولد بذلك عنده الجبن البخل والحرص وحب السلامة, فلا ينفر لاغاثة ملهوف او دفع ضر عن مظلوم, او استجابة لمستصرخ مستغيث .. فالمهم عنده سلامة نفسه التي يعتبرها مركز الكون والوجود بما ولدت عنده الانانية من غرور .. فلاحظ في الغرب اليوم قد يدخل الرجل وزوجته او صاحبته المطعم فيحاسب كل مهم عن نفسه منفردا !!
في حين جعل الاسلام الكرم والسخاء من اكرم واحب السجايا والخصال وشرعها احكاما شرعية .. فلذلك وجدنا النبي سلام الله عليه يشترط في عام الوفود على وفود اهل الشام المتأثرين بطباع الرومان ان يضيفوا رسل رسول الله ثلاثة ايام ..
ورتب الشرع دفع الدية لمن طلب طعاما على شخص او جهة فمنعوه منه فمات جوعا او عطشا !! ..
وقانا الله واياكم من الشح والبخل وسيء الخصال والصفات واعزنا الله بنصره لمجاهدينا وتثبيته لمرابطينا والتمكين للأمة بدينه في الارض وجمعها في ظل راية نبينا صلى الله عليه واله وسلم ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-05-17, 9:47 am عدل 2 مرات