الأوضاع البحرينية والتعاطي معها
هيام ضمرة
التعاطي السياسي مع واقع ذات الأحداث الثورية التي تحصل في بلدين وتباين الحكم عليها من قبل بعض الجهات يجعلنا نستغرب بأي العقول هم يفكرون وبأي المفاهيم يستوعبون الأحداث والحوادث، ولأي غاية تتوضح الرؤى أمامهم على غير تساويها وتوازيها، وما الهدف المعني في تغير وجهات نظرهم وبالتالي منح أحكامهم .. أليس غريباً أن يرى الأخوة الشيعة في سوريا ولبنان والعراق أن متظاهري البحرين الذين يرفعون شعارات طائفية ويحملون صوراً لرموز إيرانية، وينتهكون القانون، وبرتكبون جرائم القتل الوحشية في حق رجال الأمن والمواطنين، ويروعون طلاب وطالبات الجامعة في عقر قاعات محاضراتهم، على أنهم فئة شعبية تثور مطالبة بالاصلاح، فيما ينظرون إلى العنف ضد ثوار أشرف وعمليات الاعدام اليومية بالعشرات الذي تمارسه ايران بحق الأقليات الدينية والمعارضين السياسين على أنها ضرورة أمنية مبررة لضبط الأوضاع السياسية والأمنية، أعجب كيف يخرجون بتحليلين متناقضين مبنيان على المفهوم الطائفي، وأعجب كيف تتغير الأفكار وفق مقتضيات رغبة دفينة ترى نفس اللون بعدة ألوان، فكيف تكون ثورة مشروعة وأخرى غير مشروعة، كيف توصف ثورة من أجل الحرية والعدالة الداخلية على أنها غير مشروعة؟ وثورة من أجل أجندة خارجية لدولة مجاورة مشروعة، فهل يتلون الدم تبعًا لطائفة المهدورة دمائهم؟.. ما فائدة أن ندعي العدالة وفي الوقت ذاته نمارس التمييز؟.. كيف تحارب الطائفية وتمارس في الوقت نفسه؟
كان هذا حال الإخوة الشيعة في كل من سوريا والعراق ولبنان، وهم حقاً إخوة في الاسلام فكيف يقسمونه إلى إسلامين؟ وكيف يفصلون أنفسهم إلى شعبين؟ يفردون عبارات المدح لإيران رغم الأرواح التي تزهق يومياً على المشانق وفي السجون والطرقات، ويكيلون القدح بحكومة البحرين وحاكمها على طريقة تعاطيه مع ثوار أهدافهم طائفية لا لبس فيها، أما زالت هذه الشعوب لا تتعاطى مع العبر التي حدثت في كل من العراق ولبنان والحروب الأهلية التي نكبت الأمة وأرجعتها للوراء مئات السنين، أستغرب كيف تناست المعارضة الشيعية في البحرين دور الملك حمد في تبني سياسة الاحتواء لحل معضلة الإخوة الشيعة، نتيجة قناعته بأن سياسة الإقصاء التي كان والده المرحوم الشيخ عيسى يمارسها مع الشيعة على أثر اضطرابات تسببوا بها لن تخلف غير الأحقاد، فحقق الشيعة في عهده كثيراً من المكتسبات ونالوا حرية كبيرة، وأفرغت السجون من أهل الرأي منهم، ومارسوا مواطنة متعادلة وعادلة، وشغلوا كل مستويات وظائف الدولة، وأسسوا جمعياتهم السياسية، وأثروا الساحة السياسية بوجهات نظرهم، ومارسوا أدوار صنع القرار في البحرين وكان تأثيرهم نافذاً، وأنشأ الملك حمد دستور 2002 لتوسيع دائرة الحريات والمساواة، وحققت البحرين من الحرية على المستوى العربي ما لم تحققع دولة عربية أخرى، ونال المعارضة بصفة خاصة حريات ومكاسب جمة، وربما جمعية الوفاق كانت أكثر المحققين للمكاسب
البحرين اليوم تحولت لمرآة سياسية لإيران، وأيدي الحرس الثوري طالت بعبثها في البحرين مستغلة الأكثرية الديموغرافية من أصول ايرانية شيعية، على الأخص بعد وصول المعادلة المتطرفة للحكم 2005، هذا التدخل جعل حكومة البحرين تهدئ من وتيرة اصلاحاتها تخوفاً، وتنظر حولها بحذر.. فما الذي دفع بالشيعة للثورة؟.. أظن أن ظهور الفئات المتطرفة كان له الأثر الكبير في تحريك الشارع الشيعي الذي ما زال يعاني متلازمة الاضطهاد القديم، ووجدت حتى الجهات المعتدلة منهم نفسها في خضم المشاركة من قبيل التكاتف فقط حتى لا تفقد حصتها في حال نجحت الثورة الشيعية البحرينية، واستنفرهم الاعلام بكل طاقاته ولم يجدوا غير اعلام ايران من يدعمهم، فراحوا يهولون مسألة أعداد المجنسين السنة ويطلقون عليهم الألقاب، فيما شعور الاستفزاز الذي أصاب السنة أثارهم للتحرك المضاد من قبل تجمع الوحدة الوطنية في الفاتح للاعلان عن وجهة نظرهم
لعدة مرات وجه الملك حمد خطاباً للحوار الوطني، ولم يستجب له الشارع الشيعي وهي الخطيئة الكبرى التي ستعرض البحرين للمخاطر، والغريب أن رد فعلهم تحول بعدها للعنف وجنحوا للتطرف والعصيان مطالبين بتغيير الحكم إلى جمهورية بدل الملكية، وأمام هذه المعضلات لم يجد الملك بداً من قبول المساعدة من السعودية، ومن الطبيعي أن تتدخل السعودية ومصالحها النفطية والاقتصادية والعسكرية القريبة جداً من حدود البحرين ستكون عرضة للخطرفي حال تبدلت الظروف السياسية في البحرين، فحقلين للنفط ومصنع للبتروكيماويات، وأكبر قواعد السعودية الجوية "قاعدة الملك عبد العزيز" ومطار الملك فهد، ومعمل تحلية المياة في العزيزية، هي مواقع استراتيجية قريبة جداً من البحرين، ووصول معارضة متطرفة إلى الحكم في البحرين كفيل بتهديد أمن السعودية ومصالحها، بل تحويل الأمر كارثياً، وربط المصالح السعودية مع المصالح البحرينية ليس من فراغ، فليس السبب كون الثائرين شيعة كما يعتقد البعض تتحرك السعودية السنية، وإنما لارتباط المصالح المتخوف عليها من فوضى عارمة قد تجلبها الثورة الشيعية في البحرين، فالشيعة المتطرفة يمثلون تهديداً وجودياً للمنطقة وعلى هذا فالسعودية تملك الحق بالتدخل في البحرين، ولن تتوانى عن حق سلامها
نتمنى أن يراجع الإخوة الشيعة البحرينيين موقفهم من ثورتهم قبل أن تتأزم الأمور لغير صالحهم، ونتمنى على ايران ألا تتدخل في الوضع الداخلي للبحرين، وتعنى بقضاياها الداخلية وتحل معضلة الأقليات الدينية بعدالة وتمنحهم حقوقهم الانسانية وتوقف التعذيب الوحشي وهدر الدماء هناك.. نسأل الله للجميع الهداية والسلام