أحــلام صـغيرة...!!!
بقلم :ملكة احمد الشريف
كانت تجلس القرفصاء في ذلك الركن البعيد، تحتضن خبزتها الصغيرة بكلتا يديها، وهي تقضم
منها لقيمات دون تلذذ، وكانت النسمات تداعب خصلات ضفائرها الكستنائية التي لوحتها الشمس،
لتصبغ أطرافها بلون سنابل القمح الذهبية، فترسم بعض ملامح وجهها الغض البريء.
جلست هناك بعد أن خارت قواها، ولم تعد قادرة على حمل جسدها النحيل...
تقحم عينيها الحائرتين بين تلك الحشود الغاضبة... تبحث عن أمها هناك...
تعرف أنها كبرت قبل الأوان... تمر بذاكرتها تلك الأيام وهي تجلس في ذات المكان، وعيناها
تحملان صورة أبيها في الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى...
تتذكر كيف كانت ترفق بها أمهات الأسرى وزوجاتهم، وكيف كن يشفقن على طفولتها من قيظ
الصيف، وبرد الشتاء القارس...
ها هي أمها تعود شامخة كالعنقاء، ترفع رأسها للسماء وكأن بينهما سرا لا يعيه أحد غيرها...
لوحت الشمس لون الطفلة ليصبح كتراب الأرض الممزوج بطينه...
كل ذلك لم يؤثر على قوامها الممشوق، ولا على بريق عينيها العسليتين اللتين أضناهما الانتظار...
كانت دائما تتمنى أن تتوشح دفء عينيه، وأن تلمس بيدها الصغيرة تفاصيل وجهه التي لم تعرفها
إلا من خلال صورته المعلقة في صدر بيتهم الصغير، وهي تتمنى أن تنادي أباها كما يفعل
أصدقاؤها وأبناء عمومتها...
... ... ...
كانت تحلم به يحملها بين يديه الكبيرتين.
يشاركها لعبها...
فطورها...
يحمل لها عيديتها والحلوى...
يشرح لها كلمات الأنشودة التي حفظتها...
أو ينظر في خطوط قلم الرصاص التي رسمتها بإيحاء من خيالها ومن صورته المعلقة في صدر
البيت...
أو يحضر مجلس الآباء المنعقد رأس كل شهر...
كانت تحلم به يشاركها تفاصيل حياتها الصغيرة...!!!
ولكنها الآن تعودت الانتظار، والإشفاق، والحرمان، و...
أحيانا تجد نفسها تمل الانتظار، وأحيانا أخرى تزعل من أبيها نفسه لأنه لا يأتي... ولكنها تعود
وتنتظره معللة نفسها في كل لحظة بأن الألم سيحزم أمتعته يوما ويرحل، وأن القادم سيكون
أفضل...
... ... ...
يخرجها من شرودها أصوات الحناجر الملتهبة هنا وهناك: الشعب يريد إنهاء الانقسام...!!
تغوص عيناها للحظات تبحث عن أمها التي اندست في الزحام...
تتراءى أمها من وسط الزحام... تأتي لتحضنها وتمسح على رأسها الصغير...
تسألها الصغيرة: أماه أين أبي؟؟؟؟
تضغط بيدها الصغيرة يد أمها...
تناديها بصوت عال:
- أمي أين أبي؟؟؟
وتظن أنها لم تسمعها بفعل الحناجر الملتهبة التي تنادي بإنهاء الانقسام...
فتشد على يد أمها بكل ما أوتيت من قوة...
وتهزها وتصرخ بأعلى صوتها: يا أماه أين أبي؟؟؟؟
دموع أمها المتساقطة لسعت جبينها الصغير... عرفت فيها بعض الجواب.
تحتضنها أمها بعمق... تتشابك أيديهما، وبخطوات قوية وثابتة ذابتا في الزحام من جديد وهما
ترددان بإصرار: الشعب يريد إنهاء الاعتقال!!
الشعب يريد إنهاء الاعتقال!!!!
بقلم :ملكة احمد الشريف
كانت تجلس القرفصاء في ذلك الركن البعيد، تحتضن خبزتها الصغيرة بكلتا يديها، وهي تقضم
منها لقيمات دون تلذذ، وكانت النسمات تداعب خصلات ضفائرها الكستنائية التي لوحتها الشمس،
لتصبغ أطرافها بلون سنابل القمح الذهبية، فترسم بعض ملامح وجهها الغض البريء.
جلست هناك بعد أن خارت قواها، ولم تعد قادرة على حمل جسدها النحيل...
تقحم عينيها الحائرتين بين تلك الحشود الغاضبة... تبحث عن أمها هناك...
تعرف أنها كبرت قبل الأوان... تمر بذاكرتها تلك الأيام وهي تجلس في ذات المكان، وعيناها
تحملان صورة أبيها في الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى...
تتذكر كيف كانت ترفق بها أمهات الأسرى وزوجاتهم، وكيف كن يشفقن على طفولتها من قيظ
الصيف، وبرد الشتاء القارس...
ها هي أمها تعود شامخة كالعنقاء، ترفع رأسها للسماء وكأن بينهما سرا لا يعيه أحد غيرها...
لوحت الشمس لون الطفلة ليصبح كتراب الأرض الممزوج بطينه...
كل ذلك لم يؤثر على قوامها الممشوق، ولا على بريق عينيها العسليتين اللتين أضناهما الانتظار...
كانت دائما تتمنى أن تتوشح دفء عينيه، وأن تلمس بيدها الصغيرة تفاصيل وجهه التي لم تعرفها
إلا من خلال صورته المعلقة في صدر بيتهم الصغير، وهي تتمنى أن تنادي أباها كما يفعل
أصدقاؤها وأبناء عمومتها...
... ... ...
كانت تحلم به يحملها بين يديه الكبيرتين.
يشاركها لعبها...
فطورها...
يحمل لها عيديتها والحلوى...
يشرح لها كلمات الأنشودة التي حفظتها...
أو ينظر في خطوط قلم الرصاص التي رسمتها بإيحاء من خيالها ومن صورته المعلقة في صدر
البيت...
أو يحضر مجلس الآباء المنعقد رأس كل شهر...
كانت تحلم به يشاركها تفاصيل حياتها الصغيرة...!!!
ولكنها الآن تعودت الانتظار، والإشفاق، والحرمان، و...
أحيانا تجد نفسها تمل الانتظار، وأحيانا أخرى تزعل من أبيها نفسه لأنه لا يأتي... ولكنها تعود
وتنتظره معللة نفسها في كل لحظة بأن الألم سيحزم أمتعته يوما ويرحل، وأن القادم سيكون
أفضل...
... ... ...
يخرجها من شرودها أصوات الحناجر الملتهبة هنا وهناك: الشعب يريد إنهاء الانقسام...!!
تغوص عيناها للحظات تبحث عن أمها التي اندست في الزحام...
تتراءى أمها من وسط الزحام... تأتي لتحضنها وتمسح على رأسها الصغير...
تسألها الصغيرة: أماه أين أبي؟؟؟؟
تضغط بيدها الصغيرة يد أمها...
تناديها بصوت عال:
- أمي أين أبي؟؟؟
وتظن أنها لم تسمعها بفعل الحناجر الملتهبة التي تنادي بإنهاء الانقسام...
فتشد على يد أمها بكل ما أوتيت من قوة...
وتهزها وتصرخ بأعلى صوتها: يا أماه أين أبي؟؟؟؟
دموع أمها المتساقطة لسعت جبينها الصغير... عرفت فيها بعض الجواب.
تحتضنها أمها بعمق... تتشابك أيديهما، وبخطوات قوية وثابتة ذابتا في الزحام من جديد وهما
ترددان بإصرار: الشعب يريد إنهاء الاعتقال!!
الشعب يريد إنهاء الاعتقال!!!!