وجاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله في المجلد الحادي عشر (في ترجمة الخليفة العباسي المعتضد) قال:
ذكر القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي عن شيخ من التجار قال:
أن تاجرا من ضعفاء الناس كان له على بعض الكبراء مال كثير ..
فماطله ومنعه حقه .. وكلما طالبه الفقير به آذاه .. وأمر غلمانه بضربه ..
فاشتكاه إلى قائد الجند .. فما زاده ذلك إلا منعاً وجحوداً ..
قال هذا الضعيف المسكين :
فلما رأيت ذلك يئست من المال الذي عليه ودخلني غمّ من جهته .. فبينما أنا حائر إلى
من أشتكي ..
إذ قال لي رجل : ألا تأتي فلاناً الخياط إمام المسجد ..
فقلت : ما عسى أن يصنع خياط من هذا الظالم ؟ وأعيان الدولة لم يقطعوا فيه !
فقال : الخياط هو أقطع وأخوف عنده من جميع من اشتكيتَ إليه .. فاذهب لعلك أن تجد
عنده فرجاً ..
قال : فقصدته غير محتفل في أمره .. فذكرت له حاجتي ومالي وما لقيت من هذا الظالم ..
فقام وأقفل دكانه .. ومضى يمشي بجانبي حتى وصل إلى بيت الرجل .. وطرقنا الباب ..
ففتح الرجل الباب مغضباً .. فلما رأى الخياط .. فزع .. وأكرمه واحترمه ..
فقال له الخياط : أعط هذا الضعيف حقه ..
فأنكر الرجل وقال : ليس له عندي شيء ..
فصاح به الخياط وقال : ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذنتُ ..
فتغير لون الرجل ودفع إليّ حقي كاملاً ..
ثم انصرفنا ..
وأنا في أشد العجب من هذا الخياط .. مع رثاثة حاله .. وضعف بنيته .. كيف انطاع
وانقاد ذلك الكبير له ..
ثم إني عرضت عليه شيئاً من المال فلم يقبل ..
وقال : لو أردتُ هذا لكان لي من المال مالا يحصى ..
فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه .. فلم يلتفت إليَّ .. فألححت عليه ..
وقلت : لماذا هددته بأن تؤذن ؟! ..
قال : قد أخذت مالك فاذهب .. قلت : لا بدَّ والله أن تخبرني ..
فقال : إن سبب ذلك أنه كان عندنا قبل سنين في جوارنا أميرٌ تركي من أعالي الدولة
وهو شاب حسن جميل .. فمرت به ذات ليلة امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب
مرتفعة ذات قيمة ..
فقام إليها وهو سكران .. فتعلق بها .. يريدها على نفسها .. ليدخلها منزله ..
وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها .. وتستغيث بالناس .. وتدافعه بيديها ..
فلما رأيت ذلك ..قمت إليه .. فأنكرت عليه .. وأردت تخليص المرأة من بين يديه ..
فضربني بسكين في يده فشج رأسي وأسال دمي .. وغلب المرأة على نفسها فأدخلها منزله
قهراً ..
فرجعت وغسلتُ الدم عني وعصبت رأسي .. وصحت بالناس وقلت :
إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص المرأة منه ..
فقام الناس معي فهجمنا عليه في داره فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي
والسكاكين يضربون الناس .. وقصدني هو من بينهم فضربني ضرباً شديداً مبرحاً حتى
أدماني .. وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة والذل ..
فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء ..
فنمت على فراشي فلم يأخذني النوم .. وتحيرتُ ماذا أصنع .. والمرأة مع هذا الفاجر ..
فأُلهمتُ أن أصعد المنارة .. فأؤذنَ للفجر في أثناء الليل .. لكي يظن الخبيث أن
الصبح قد طلع فيخرجها من منزله ..
فتذهب إلى منزل زوجها ..
فصعدت المنارة وبدأت أؤذن وأرفع صوتي ..
وجعلت أنظر إلى باب داره فلم يخرج منه أحد .. ثم أكملت الأذان فلم تخرج المرأة ولم
يفتح الباب ..
فعزمت على أنه إن لم تخرج المرأة .. أقمتُ الصلاة بصوت مسموع .. حتى يتحقق الخبيث
أن الصبح قد بان ..
فبينما أنا أنظر إلى الباب .. إذ امتلأت الطريق فرساناً وحرساً من السلطان ..
وهم يتصايحون : أين الذي أذن هذه الساعة ؟ ويرفعون رؤوسهم إلى منارة المسجد ..
فصحت بهم : أنا الذي أذنت .. وأنا أريد أن يعينوني عليه ..
فقالوا : انزل ! فنزلتُ ..
فقالوا : أجِب الخليفة .. ففزعت .. وسألتهم بالله أن يسمعوا القصة فأبوا .. وساقوني
أمامهم .. وأنا لا أملك من نفسي شيئاً حتى أدخلوني على الخليفة ..
فلما رأيته جالساً في مقام الخلافة ارتعدتُ من الخوف وفزعتُ فزعاً شديداً ..
فقال : ادنُ فدنوتُ ..
فقال لي : ليسكُن روعك وليهدأ قلبك .. وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي ..
فقال لي : أنت الذي أذنت هذه الساعة ؟
قلت : نعم يا أمير المؤمنين ..
فقال : ما حملك على أن أذنت هذه الساعة .. وقد بقى من الليل أكثر مما مضى منه ؟
فتغرَّ بذلك الصائم والمسافر والمصلي وتفسد على النساء صلاتهن ..
فقلت : يؤمّنني أميرُ المؤمنين حتى أقصَّ عليه خبري ؟
فقال : أنت آمن .. فذكرتُ له القصة .. فغضب غضباً شديداً ..
وأمر بإحضار ذلك الرجل والمرأة فوراً .. فأُحضرا سريعاً فبعث بالمرأة إلى زوجها مع
نسوة من جهته ثقات .. ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له :
كم لك من الرزق ؟ وكم عندك من المال ؟ وكم عندك من الجواري والزوجات ؟ فذكر له
شيئاً كثيراً ..
فقال له : ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله .. وتعديت على
حدوده .. وتجرأت على السلطان ؟!
وما كفاك ذلك ..
حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر .. فضربته وأهنته وأدميته ؟!
فلم يكن له جواب .. فغضب السلطان ..
فأمر به فجُعل في رجله قيد وفي عنقه غلّ ثم أمر به فأدخل في كيس ..
وهذا الرجل يصيح ويستغيث .. ويعلن التوبة والإنابة .. والخليفة لا يلتفت إليه ..
ثم أمر الخليفة به فضرب بالسكاكين ضرباً شديداً حتى خمد ..
ثم أمر به فأُلقيَ في نهر دجلة فكان ذلك آخر العهد ..
ثم قال لي الخليفة :
كلما رأيتَ منكراً .. صغيراً كان أو كبيراً ولو على هذا – وأشار إلى صاحب الشرطة –
فأعلِمْني ..
فإن اتفق اجتماعُك بي وإلا فعلامة ما بيني وبينك الأذان .. فأذّن في أي وقت كان ..
أو في مثل وقتك هذا .. يأتك جندي فتأمرهم بما تشاء ..
فقلت : جزاك الله خيراً .. ثم خرجت ..
فلهذا : لا آمر أحداً من هؤلاء بشيء إلا امتثلوه .. ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه
خوفاً من المعتضد وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن . انتهى
الخلاصة:
1. السلطان او الخليفة ظل الله في الأرض يأوي اليه كل ضعيف وملهوف, وهو الذي لا يُستغنى عنه طرفة عين, كيف لا وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه و عباده, ففيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد التي بها قوام الخلق, ما يشبه أن يكون ظل الله في الأرض, فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس, وإذا فسد فسدت بحسب فساده, كما قال إبن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى الكبرى شارحاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده) رواه البزار وابن حبان عن أنس بن مالك ورواه عنه الديلمي _ فيض القدير شرح الجامع الصغير
2. أن الأصل في المجتمع الإسلامي السليم أنه يعرف المعروف ويرضاه ويأمر به . وأنه ينكر المنكر ويأباه وينهى عنه. لذلك اعتبر ذلك العلماء علامة بينة على مدى سلامة مجتمع ما، أو فساده بالإجمال. وما واقعنا اليوم ومجتمعاتنا تموج بالمنكرات والمحرمات والبدع والأهواء والإعراض عن شرعة الله إلا من رحم ربي، إلا أبعد ما يكون عما شرف الله به هذه الأمة في وصفه إياها, (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران 110 . وقد فرق سبحانه بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ) التوبة67 . وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة71. وجاء في حاشية ابن عابدين: ( إن من قال: "فضولي" لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتد ).
عباد الله:
كم من الأيامى والنساء صرخن في جنبات الأرض وا معتصماااه ،، ولا ناصر أو مجيب؟!
كم من الرجال قُهر، يتآمر عليهم حكامهم ، يبيعونهم بثمنٍ بخس دراهم معدودة، يصرخون واغوثااااه, ولا مغيث؟!
وكم من الحرائر اغتصبن وأصبحن يحملن في أحشائهن نطف الكفار المذرة؟!
وكم من حامل بُقر بطنها في الجزائر وكوسوفا والشيشان ولا من مغيث؟!
وكم من طفل أُلقي من فوق المآذن والقباب، وقد جُدِعت أنوفهم وقُطعت آذانهم واجتثت حلاقيمهم، ولا من يد حامية أو ناصرة؟!
انظروا للسماء فوقكم, بودها لو تتبرأ من صمتكم وغفلتكم, فأمسكت ماءها، ولو ملكت أمرها لحبست هواءها!!!
هذا الصحابي الجليل سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه يقول: شهدت مصرع خبيب بن عدي رضي الله عنه وأنا على الشرك يوم إذن ، ورأيت قريشا تقطع من جسده , وهي تقول له : أتحب ان يكون محمدا مكانك وأنت ناج ؟ فيقول (والله ما أحب ان أكون آمنا وادعا في أهلي وولدي ، وان محمدا يوخز بشوكة) ، واني والله ما ذكرت ذلك اليوم , وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت ان الله لن يغفر لي, وما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي.
أيها المسلمون:
لقد شاهدنا مصرع أخوة لنا في بلاد الرافدين وفلسطين وأفغانستان والصين وكوسوفا ووووو, أخوة لنا رفعوا راية الجهاد حتى لا يدنس الكفار دينهم وعقيدتهم ، أخوة لنا هدمت بيوتهم وشردت عائلاتهم ويتّم أطفالهم ورمّلت نسائهم كل ذلك في سبيل عزة دين الله ، فهل تعلمنا منهم ما تعلمه سعيدا من خبيب رضي الله عنهم؟ !!!
هل وقفنا من منكرات حكامنا وتخاذلهم عن نصرتنا كما وقف سفيان الثوري رحمه الله من منكرات زمانه, حيث يروي يحيى بن يمان عن سفيان رحمه الله قال : (إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه ، فلا أفعل, فأبول دما. تنفث كبدي حرقــه). سير أعلام النبلاء
هل ما زال بيننا من يقول أصلح الفرد يصلح المجتمع؟!!!
أخرج البخاري في الصحيح عن قيس ابن حازم رحمه الله قال: { دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب, فرآها لا تتكلم, فقال: ما لها لا تتكلم ؟! فقالوا حجت مصمتة, فقال لها تكلمي, فإن هذا لا يحل, هذا من عمل الجاهلية, فتكلمت فقالت: من أنت ؟ قال: أنا امرؤٌ من المهاجرين, قالت أي المهاجرين؟ قال من قريش, قالت: من أي قريش؟ قال إنك لسؤول, أنا أبو بكر, قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت بلى, قال: فهم أولئك على الناس}. فهذا الحديث يؤكد أن صلاح الأمر باستقامة الأئمة.
ما عدت أصبر أمتي, فإلى متى؟!!
إن البغاث بأرضنا يستنسرُ, قلمي يُراودُني لأقذفَ جمرةً مما حوى صدْري منَ النيران
ما عاد يحْوِيني سُكوتي والبُكا, أنَاْ لستُ مَجْبُولاً على الخُذلانِ, أنا في يميني سيف يُشْرقُ عزةً, والعِزُّ كُلّ العزِّ في إيماني...
يا أمّتي آن الأوانُ لدولة, فاستبشِري بخلافة تَؤزُّ كالزلزالِ.
فإلى العمل مع العاملين لاستئناف حكم الله في أرضه بإقامة دولة خلافة المسلمين أدعوكم أيها المسلمون...
إلى تنصيب جُنّتنا وحامينا ووازعنا أدعوكم أيها المسلمون... من قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمين ندمهم, ولا هم يعتذرون...
وعندها ولاتَ ساعةَ مَندمِ ولاتَ حينَ مَناص.
فالـبـدار الـبـدار
أخوكم تراب
ذكر القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي عن شيخ من التجار قال:
أن تاجرا من ضعفاء الناس كان له على بعض الكبراء مال كثير ..
فماطله ومنعه حقه .. وكلما طالبه الفقير به آذاه .. وأمر غلمانه بضربه ..
فاشتكاه إلى قائد الجند .. فما زاده ذلك إلا منعاً وجحوداً ..
قال هذا الضعيف المسكين :
فلما رأيت ذلك يئست من المال الذي عليه ودخلني غمّ من جهته .. فبينما أنا حائر إلى
من أشتكي ..
إذ قال لي رجل : ألا تأتي فلاناً الخياط إمام المسجد ..
فقلت : ما عسى أن يصنع خياط من هذا الظالم ؟ وأعيان الدولة لم يقطعوا فيه !
فقال : الخياط هو أقطع وأخوف عنده من جميع من اشتكيتَ إليه .. فاذهب لعلك أن تجد
عنده فرجاً ..
قال : فقصدته غير محتفل في أمره .. فذكرت له حاجتي ومالي وما لقيت من هذا الظالم ..
فقام وأقفل دكانه .. ومضى يمشي بجانبي حتى وصل إلى بيت الرجل .. وطرقنا الباب ..
ففتح الرجل الباب مغضباً .. فلما رأى الخياط .. فزع .. وأكرمه واحترمه ..
فقال له الخياط : أعط هذا الضعيف حقه ..
فأنكر الرجل وقال : ليس له عندي شيء ..
فصاح به الخياط وقال : ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذنتُ ..
فتغير لون الرجل ودفع إليّ حقي كاملاً ..
ثم انصرفنا ..
وأنا في أشد العجب من هذا الخياط .. مع رثاثة حاله .. وضعف بنيته .. كيف انطاع
وانقاد ذلك الكبير له ..
ثم إني عرضت عليه شيئاً من المال فلم يقبل ..
وقال : لو أردتُ هذا لكان لي من المال مالا يحصى ..
فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه .. فلم يلتفت إليَّ .. فألححت عليه ..
وقلت : لماذا هددته بأن تؤذن ؟! ..
قال : قد أخذت مالك فاذهب .. قلت : لا بدَّ والله أن تخبرني ..
فقال : إن سبب ذلك أنه كان عندنا قبل سنين في جوارنا أميرٌ تركي من أعالي الدولة
وهو شاب حسن جميل .. فمرت به ذات ليلة امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب
مرتفعة ذات قيمة ..
فقام إليها وهو سكران .. فتعلق بها .. يريدها على نفسها .. ليدخلها منزله ..
وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها .. وتستغيث بالناس .. وتدافعه بيديها ..
فلما رأيت ذلك ..قمت إليه .. فأنكرت عليه .. وأردت تخليص المرأة من بين يديه ..
فضربني بسكين في يده فشج رأسي وأسال دمي .. وغلب المرأة على نفسها فأدخلها منزله
قهراً ..
فرجعت وغسلتُ الدم عني وعصبت رأسي .. وصحت بالناس وقلت :
إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص المرأة منه ..
فقام الناس معي فهجمنا عليه في داره فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي
والسكاكين يضربون الناس .. وقصدني هو من بينهم فضربني ضرباً شديداً مبرحاً حتى
أدماني .. وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة والذل ..
فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء ..
فنمت على فراشي فلم يأخذني النوم .. وتحيرتُ ماذا أصنع .. والمرأة مع هذا الفاجر ..
فأُلهمتُ أن أصعد المنارة .. فأؤذنَ للفجر في أثناء الليل .. لكي يظن الخبيث أن
الصبح قد طلع فيخرجها من منزله ..
فتذهب إلى منزل زوجها ..
فصعدت المنارة وبدأت أؤذن وأرفع صوتي ..
وجعلت أنظر إلى باب داره فلم يخرج منه أحد .. ثم أكملت الأذان فلم تخرج المرأة ولم
يفتح الباب ..
فعزمت على أنه إن لم تخرج المرأة .. أقمتُ الصلاة بصوت مسموع .. حتى يتحقق الخبيث
أن الصبح قد بان ..
فبينما أنا أنظر إلى الباب .. إذ امتلأت الطريق فرساناً وحرساً من السلطان ..
وهم يتصايحون : أين الذي أذن هذه الساعة ؟ ويرفعون رؤوسهم إلى منارة المسجد ..
فصحت بهم : أنا الذي أذنت .. وأنا أريد أن يعينوني عليه ..
فقالوا : انزل ! فنزلتُ ..
فقالوا : أجِب الخليفة .. ففزعت .. وسألتهم بالله أن يسمعوا القصة فأبوا .. وساقوني
أمامهم .. وأنا لا أملك من نفسي شيئاً حتى أدخلوني على الخليفة ..
فلما رأيته جالساً في مقام الخلافة ارتعدتُ من الخوف وفزعتُ فزعاً شديداً ..
فقال : ادنُ فدنوتُ ..
فقال لي : ليسكُن روعك وليهدأ قلبك .. وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي ..
فقال لي : أنت الذي أذنت هذه الساعة ؟
قلت : نعم يا أمير المؤمنين ..
فقال : ما حملك على أن أذنت هذه الساعة .. وقد بقى من الليل أكثر مما مضى منه ؟
فتغرَّ بذلك الصائم والمسافر والمصلي وتفسد على النساء صلاتهن ..
فقلت : يؤمّنني أميرُ المؤمنين حتى أقصَّ عليه خبري ؟
فقال : أنت آمن .. فذكرتُ له القصة .. فغضب غضباً شديداً ..
وأمر بإحضار ذلك الرجل والمرأة فوراً .. فأُحضرا سريعاً فبعث بالمرأة إلى زوجها مع
نسوة من جهته ثقات .. ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له :
كم لك من الرزق ؟ وكم عندك من المال ؟ وكم عندك من الجواري والزوجات ؟ فذكر له
شيئاً كثيراً ..
فقال له : ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله .. وتعديت على
حدوده .. وتجرأت على السلطان ؟!
وما كفاك ذلك ..
حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر .. فضربته وأهنته وأدميته ؟!
فلم يكن له جواب .. فغضب السلطان ..
فأمر به فجُعل في رجله قيد وفي عنقه غلّ ثم أمر به فأدخل في كيس ..
وهذا الرجل يصيح ويستغيث .. ويعلن التوبة والإنابة .. والخليفة لا يلتفت إليه ..
ثم أمر الخليفة به فضرب بالسكاكين ضرباً شديداً حتى خمد ..
ثم أمر به فأُلقيَ في نهر دجلة فكان ذلك آخر العهد ..
ثم قال لي الخليفة :
كلما رأيتَ منكراً .. صغيراً كان أو كبيراً ولو على هذا – وأشار إلى صاحب الشرطة –
فأعلِمْني ..
فإن اتفق اجتماعُك بي وإلا فعلامة ما بيني وبينك الأذان .. فأذّن في أي وقت كان ..
أو في مثل وقتك هذا .. يأتك جندي فتأمرهم بما تشاء ..
فقلت : جزاك الله خيراً .. ثم خرجت ..
فلهذا : لا آمر أحداً من هؤلاء بشيء إلا امتثلوه .. ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه
خوفاً من المعتضد وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن . انتهى
الخلاصة:
1. السلطان او الخليفة ظل الله في الأرض يأوي اليه كل ضعيف وملهوف, وهو الذي لا يُستغنى عنه طرفة عين, كيف لا وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه و عباده, ففيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد التي بها قوام الخلق, ما يشبه أن يكون ظل الله في الأرض, فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس, وإذا فسد فسدت بحسب فساده, كما قال إبن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى الكبرى شارحاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده) رواه البزار وابن حبان عن أنس بن مالك ورواه عنه الديلمي _ فيض القدير شرح الجامع الصغير
2. أن الأصل في المجتمع الإسلامي السليم أنه يعرف المعروف ويرضاه ويأمر به . وأنه ينكر المنكر ويأباه وينهى عنه. لذلك اعتبر ذلك العلماء علامة بينة على مدى سلامة مجتمع ما، أو فساده بالإجمال. وما واقعنا اليوم ومجتمعاتنا تموج بالمنكرات والمحرمات والبدع والأهواء والإعراض عن شرعة الله إلا من رحم ربي، إلا أبعد ما يكون عما شرف الله به هذه الأمة في وصفه إياها, (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران 110 . وقد فرق سبحانه بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ) التوبة67 . وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة71. وجاء في حاشية ابن عابدين: ( إن من قال: "فضولي" لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتد ).
عباد الله:
كم من الأيامى والنساء صرخن في جنبات الأرض وا معتصماااه ،، ولا ناصر أو مجيب؟!
كم من الرجال قُهر، يتآمر عليهم حكامهم ، يبيعونهم بثمنٍ بخس دراهم معدودة، يصرخون واغوثااااه, ولا مغيث؟!
وكم من الحرائر اغتصبن وأصبحن يحملن في أحشائهن نطف الكفار المذرة؟!
وكم من حامل بُقر بطنها في الجزائر وكوسوفا والشيشان ولا من مغيث؟!
وكم من طفل أُلقي من فوق المآذن والقباب، وقد جُدِعت أنوفهم وقُطعت آذانهم واجتثت حلاقيمهم، ولا من يد حامية أو ناصرة؟!
انظروا للسماء فوقكم, بودها لو تتبرأ من صمتكم وغفلتكم, فأمسكت ماءها، ولو ملكت أمرها لحبست هواءها!!!
هذا الصحابي الجليل سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه يقول: شهدت مصرع خبيب بن عدي رضي الله عنه وأنا على الشرك يوم إذن ، ورأيت قريشا تقطع من جسده , وهي تقول له : أتحب ان يكون محمدا مكانك وأنت ناج ؟ فيقول (والله ما أحب ان أكون آمنا وادعا في أهلي وولدي ، وان محمدا يوخز بشوكة) ، واني والله ما ذكرت ذلك اليوم , وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت ان الله لن يغفر لي, وما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي.
أيها المسلمون:
لقد شاهدنا مصرع أخوة لنا في بلاد الرافدين وفلسطين وأفغانستان والصين وكوسوفا ووووو, أخوة لنا رفعوا راية الجهاد حتى لا يدنس الكفار دينهم وعقيدتهم ، أخوة لنا هدمت بيوتهم وشردت عائلاتهم ويتّم أطفالهم ورمّلت نسائهم كل ذلك في سبيل عزة دين الله ، فهل تعلمنا منهم ما تعلمه سعيدا من خبيب رضي الله عنهم؟ !!!
هل وقفنا من منكرات حكامنا وتخاذلهم عن نصرتنا كما وقف سفيان الثوري رحمه الله من منكرات زمانه, حيث يروي يحيى بن يمان عن سفيان رحمه الله قال : (إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه ، فلا أفعل, فأبول دما. تنفث كبدي حرقــه). سير أعلام النبلاء
هل ما زال بيننا من يقول أصلح الفرد يصلح المجتمع؟!!!
أخرج البخاري في الصحيح عن قيس ابن حازم رحمه الله قال: { دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب, فرآها لا تتكلم, فقال: ما لها لا تتكلم ؟! فقالوا حجت مصمتة, فقال لها تكلمي, فإن هذا لا يحل, هذا من عمل الجاهلية, فتكلمت فقالت: من أنت ؟ قال: أنا امرؤٌ من المهاجرين, قالت أي المهاجرين؟ قال من قريش, قالت: من أي قريش؟ قال إنك لسؤول, أنا أبو بكر, قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت بلى, قال: فهم أولئك على الناس}. فهذا الحديث يؤكد أن صلاح الأمر باستقامة الأئمة.
ما عدت أصبر أمتي, فإلى متى؟!!
إن البغاث بأرضنا يستنسرُ, قلمي يُراودُني لأقذفَ جمرةً مما حوى صدْري منَ النيران
ما عاد يحْوِيني سُكوتي والبُكا, أنَاْ لستُ مَجْبُولاً على الخُذلانِ, أنا في يميني سيف يُشْرقُ عزةً, والعِزُّ كُلّ العزِّ في إيماني...
يا أمّتي آن الأوانُ لدولة, فاستبشِري بخلافة تَؤزُّ كالزلزالِ.
فإلى العمل مع العاملين لاستئناف حكم الله في أرضه بإقامة دولة خلافة المسلمين أدعوكم أيها المسلمون...
إلى تنصيب جُنّتنا وحامينا ووازعنا أدعوكم أيها المسلمون... من قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمين ندمهم, ولا هم يعتذرون...
وعندها ولاتَ ساعةَ مَندمِ ولاتَ حينَ مَناص.
فالـبـدار الـبـدار
أخوكم تراب