ثـرثـرة
بقلم: ملكة أحمد الشريف
أخذت على عاتقها الحديث عن كل شيء، وعن أي شيء، وكأنه لا يوجد غيرها في المكان، لم تعر أحاديثنا اهتماما وكأننا تجمعنا كي نصغي لها...
انتقلت من حديثها عن نفسها وبيتها وعما حدث فيه من تغييرات وإضافات إلى الحديث عن بيت مجاور لبيتها... ثم تبرعت بنقل أخبار البيت الذي يليه، انتهت من بيوت (الحارة) لتحكي لنا أحداث ذلك الكابوس الذي راودها بتفاصيله المملة... لنعلم في النهاية أنه مجرد كابوس.
حاولنا جاهدين خلال ذلك أن نحيد قليلا عن مواضيعها المجحفة في حقنا، فلم نستطع إلى ذلك سبيلا...
صمتنا جميعا وكأننا اتفقنا على ذلك، فلم نكن -أنا وزوجي، وزوجها- نشاركها سوى ببعض الإيماءات المتثاقلة، أو ببعض الابتسامات المتكلفة.
كنا نتبادل النظرات بين الرضا والامتعاض... لا يوجد لنا حل سوى قضم بعض مكسرات الضيافة التي أمامنا في الطبق ليبثها كل منا شعوره تجاه ما يسمع.
رغم تضايقنا من تداول الأخبار التي تناولتها، إلا أنه-وصدقا أقول- كان لها أسلوب ماتع في سرد أحداثها، من حيث الإلقاء، وحركات الأيدي المسرحية، وتنغيم الصوت.
تحدثت... واستمعنا... وتحدثت واستمعنا، وتابعت الحديث...
وفي النهاية حمدت الله أنها لا تحب الخوض في سيرة احد بالحق أو الباطل.
-2-
عالمخيم... واحد ماشي... مخيم... مخيم يا عمي... راكب واحد وماشي... عالمخيم...
يبتلع ريقه الذي يكاد يجف... يمسح رأسه... يغسل تلك المحرمة القطنية في يده، ويعصرها، ويضعها على رأسه...
- واحد ماشي...
- يا عمي يلا متنا من الحر!
- يلا... يلا... واحد ماشي...
- لا حول ولا قوة إلا بالله!
- يا عمي استحملونا شوية بس راكب واحد وأمشي...
- ياعمي والله حاسس حالي زي كوز الذرة المشوي وأنا في هالسيارة!
- كوز مين، قصدك زي علبة السردين!
عقب الأخر مقهقها وهو يمسح ما استطاع من حبات العرق المتساقطة من أعلى صلعته:
- وتخيل علبة سردين وبدنا نشويها!
- خلاص ما بدنا هالراكب... كله إلا زعلكم...
يزج السائق بنفسه داخل علبة السردين...
- سامحونا بالله عليكم، ما انتم شايفين الوضع، والله في رقبتي كوم لحم، ومش ملاحق عليهم ولا على السيارة، مرة صيانة، ومرة ضريبة، ومرة تأمين، وكله بيقول هات...
- يلا بيعين الله!
يتصبب العرق من الجميع، الكل يمسك بمنديله يجفف عرقه، يبثه همومه...
- والله يا عمي الحياة كتير غالية، وعندي سبع أولاد برقبتي، ونصهم بيروح على المدارس، والكبير على الجامعة، والصغير بده حليب، واللي بيروحوا عالمدرسة بدهم مصروف زي أصحابهم... وكله بيقول هات يابا...
- بيعين الله... الحال من بعضه!
- آآآآآآآآآآخ بس لو أمسك هالحكومة شوي... والله لأوزع على كل الناس (مصاري) وما أخلي حدا محتاج... شوفوا هيني بدي أروح بنص السيارة ركاب ، وعـدي بأرجع فاضي، و....
- بيسترها الله يا عمي... عندك... عندك بالله، يشير أحدهم على السائق بالتوقف.
- حاضر يا عمي، حاضر... الله يسهل عليكم.
ينزل الراكبين من السيارة:
- بده يحملنا همه فوق همنا... هو إحنا ناقصين!
- والله على رأيك كل واحد همه على قده!
وافترقا كل يودع الآخر بعبارات مقتضبة.
بقلم: ملكة أحمد الشريف
أخذت على عاتقها الحديث عن كل شيء، وعن أي شيء، وكأنه لا يوجد غيرها في المكان، لم تعر أحاديثنا اهتماما وكأننا تجمعنا كي نصغي لها...
انتقلت من حديثها عن نفسها وبيتها وعما حدث فيه من تغييرات وإضافات إلى الحديث عن بيت مجاور لبيتها... ثم تبرعت بنقل أخبار البيت الذي يليه، انتهت من بيوت (الحارة) لتحكي لنا أحداث ذلك الكابوس الذي راودها بتفاصيله المملة... لنعلم في النهاية أنه مجرد كابوس.
حاولنا جاهدين خلال ذلك أن نحيد قليلا عن مواضيعها المجحفة في حقنا، فلم نستطع إلى ذلك سبيلا...
صمتنا جميعا وكأننا اتفقنا على ذلك، فلم نكن -أنا وزوجي، وزوجها- نشاركها سوى ببعض الإيماءات المتثاقلة، أو ببعض الابتسامات المتكلفة.
كنا نتبادل النظرات بين الرضا والامتعاض... لا يوجد لنا حل سوى قضم بعض مكسرات الضيافة التي أمامنا في الطبق ليبثها كل منا شعوره تجاه ما يسمع.
رغم تضايقنا من تداول الأخبار التي تناولتها، إلا أنه-وصدقا أقول- كان لها أسلوب ماتع في سرد أحداثها، من حيث الإلقاء، وحركات الأيدي المسرحية، وتنغيم الصوت.
تحدثت... واستمعنا... وتحدثت واستمعنا، وتابعت الحديث...
وفي النهاية حمدت الله أنها لا تحب الخوض في سيرة احد بالحق أو الباطل.
-2-
عالمخيم... واحد ماشي... مخيم... مخيم يا عمي... راكب واحد وماشي... عالمخيم...
يبتلع ريقه الذي يكاد يجف... يمسح رأسه... يغسل تلك المحرمة القطنية في يده، ويعصرها، ويضعها على رأسه...
- واحد ماشي...
- يا عمي يلا متنا من الحر!
- يلا... يلا... واحد ماشي...
- لا حول ولا قوة إلا بالله!
- يا عمي استحملونا شوية بس راكب واحد وأمشي...
- ياعمي والله حاسس حالي زي كوز الذرة المشوي وأنا في هالسيارة!
- كوز مين، قصدك زي علبة السردين!
عقب الأخر مقهقها وهو يمسح ما استطاع من حبات العرق المتساقطة من أعلى صلعته:
- وتخيل علبة سردين وبدنا نشويها!
- خلاص ما بدنا هالراكب... كله إلا زعلكم...
يزج السائق بنفسه داخل علبة السردين...
- سامحونا بالله عليكم، ما انتم شايفين الوضع، والله في رقبتي كوم لحم، ومش ملاحق عليهم ولا على السيارة، مرة صيانة، ومرة ضريبة، ومرة تأمين، وكله بيقول هات...
- يلا بيعين الله!
يتصبب العرق من الجميع، الكل يمسك بمنديله يجفف عرقه، يبثه همومه...
- والله يا عمي الحياة كتير غالية، وعندي سبع أولاد برقبتي، ونصهم بيروح على المدارس، والكبير على الجامعة، والصغير بده حليب، واللي بيروحوا عالمدرسة بدهم مصروف زي أصحابهم... وكله بيقول هات يابا...
- بيعين الله... الحال من بعضه!
- آآآآآآآآآآخ بس لو أمسك هالحكومة شوي... والله لأوزع على كل الناس (مصاري) وما أخلي حدا محتاج... شوفوا هيني بدي أروح بنص السيارة ركاب ، وعـدي بأرجع فاضي، و....
- بيسترها الله يا عمي... عندك... عندك بالله، يشير أحدهم على السائق بالتوقف.
- حاضر يا عمي، حاضر... الله يسهل عليكم.
ينزل الراكبين من السيارة:
- بده يحملنا همه فوق همنا... هو إحنا ناقصين!
- والله على رأيك كل واحد همه على قده!
وافترقا كل يودع الآخر بعبارات مقتضبة.