أمومة وطفولة » تربية آخر الزمان
بشرى بنت عبد الله اللهو
تقول: سلمت من صلاتي وصراخ أطفالي يضج بالمنزل، فحمدت الله أن رزقني إياهم وسألته تعالى أن يعينني على تربيتهم ويصب في قلبي صبرا كصبر سيدنا أيوب.
الحمد لله لا يوجد بقربي أحد! وضع ممتاز، لأذكر أذكار بعد الصلاة التي طالما حرموني إياها. لم يحضر أحد! إن شاء الله قد تقبل ربي الدعاء، فعادة وقبل أن أنتهي من صلاتي، تنهال علي عروض الشكاوى يمنة ويسرة.
تقول أمي حفظها الله حين أضج بالشكوى عندها.
تريدون أطفالا ولكنكم لا تريدون تحمل مسؤوليتهم فهل تظنونهم أطفالا كالدمى.؟
لم يحضر أحد! رائع ! لأقرأ القرآن. وما هي إلا لحظات حتى انساب صوت ابنتي عذبا.
- ماما، ماما. (في لكنة فيها جدية واهتمام).
- نعم يا روحي وحياتي.
خرجت من فمي ولا أدري كيف خرجت?!!! فلقد خرجت ثقيلة كثقل جبل أحد، ومتكلفة ولا روح للطبيعة فيها، فهي واضحة الاصطناع ولكن لا بأس، لن أتركها وسأكررها مرات ومرات حتى تعتاد علي أو أعتاد عليها.
فبعد نظرة فاحصة في حالي مع تربية أبنائي، رأيت الوضع السيئ والمتدهور يوما بعد يوم، وفي وقفة شجاعة مع النفس قررت التغيير وبفاعلية وصدق وحين سألت كيف السبيل؟ أخبرت أن هذا زمن الدورات وكأنني (اصح يا نائم) أتساءل ما معنى دورة؟ أليست هذه إجازة مدفوعة الراتب والمكافآت؟ ولا تنقص من رصيد الإجازة شيئا، التي يرسل إليها كبار الموظفين أو باﻷحرى أصحاب الواسطات للخارج للترويح عن النفس واصطحاب الأهل ولحضور دورة كما يقال.
- لا إنها مجموعة محاضرات تدفعين لها رسوم.....-
- ماذا ؟! أدفع و لا يدفع لي! ومنذ متى أصبحت المحاضرات بفلوس. هم يجب أن يحمدوا ربهم أني استجبت لهم ببلاش.
-لا داعي أن تحضري يا الحبيبة، فهم ليسوا في حاجة لك فعادة- التسجيل يكتمل العدد قبل بداية الدورة بزمن. بل أنت المحتاجة لتدريبهم.
وبدأت في المناورات الفكرية. إن زوجي تضيق عليه الدنيا إن طلبت منه مصروفا للبيت! فكيف إن طلبت منه رسوم دورة؟ وحين أسأله لماذا هذا البخل؟
- هذا ليس بخلا، هذا حسن تدبير، وأنت ليس عندك إلا التبذير.
سبحان الله! نحن في زمن تغير المسميات، أصبح البخل تدبيرا. وعقدت النية على أن أنضم إلى دورة عنوانها: كيف تردين على تعليقات زوجك النارية؟ ولم أر إعلانا عنها حتى الآن. بيد أن كل الدورات تحب أن تطفئ الحرائق الزوجية لا أن تزيدها اشتعالا.
آه لكم يضرب بأذني تعليقات أخواتي:
- أنت وضعت حبلا في عنقك وقلت يا ناس جروني. كيف تتركين وظيفة تدر عليك دخلا ثم تشحذين زوجا بخيلا؟
- هذه ليست شحاذة، فهو ملزم بالنفقة وقادر عليها ولم أترك الوظيفة إلا لتربية أبنائه.
- إذا تحمليه.
وتحملته وتيسرت رسوم الدورة.
كم كانت عظم دهشتي في الدورة حين صدمت بحقيقة تطالبني أنا بالتغيير قبل أن أغير من أطفالي، وأن أغلب تصرفات أبنائي التي أنبتت برأسي شيبا قبل وقته وألما في القلب وصداعا في الرأس طبيعية 100% وأن العيب أولا و آخرا يقع عليّ.
نعم، نحن حقا في آخر الزمان! لقد كنت أظن نفسي أما مثالية، وأن أبنائي يجب أن يحمدوا ربهم صباح مساء على ما أنعم الله عليهم بأم مثلي، فأنا لا أضرب إلا نادرا، وإن كانت كثرت في الآونة الأخيرة ووصلت إلي أحيانا وبعض المرات. وكنت أظن نفسي من رواد التربية الحديثة ولكن والحق يقال أفعل كل شيء غير الضرب كصراخ وسب ومقارنة، وأؤمن بها حقا مشروعا من حقوق الأمومة ولم أتخيل يوما.
أن ينتقدني أحد ولا يرفضها إلا نرجسي لم يرب طفلا قط، ولم يشاهده إلا بالتلفاز.
وبدأت تلك الدورات تعطيني حقائق ودراسات، وليس خيالا، وبدأت ورش العمل ومشاركة تجارب الآخرين وتحمست كثيرا وأردت التغيير وفورا، ولكن اصطدمت أمواج التغيير بصخور الواقع، لقد كان أمرا صعبا فرجعت في اليوم التالي وقلت هذه بضاعتكم ردت عليكم، أرجعوا نقودي، ولكم تفاجأت حين ضجت القاعة بالضحك بعد أن عرضت تجربتي.
- وماذا تظنين التربية؟! زر كمبيوتر تضغطين بنعم أو لا ويستجاب طلبك.
-- وهل تريدين بعد هذه السنوات الطويلة أن تتغيري بيوم أو ليلة أو بدورة؟ الأمر يحتاج إلى صبر طويل.
- وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.
لعل من أشد ما لفت نظري في موضوع التعامل مع الابنة هو أن ابنتك المراهقة يجب أن تعطفي عليها وتغرقيها بالعاطفة التي تحتاج لها كحاجتها للطعام والشراب، فإن لم توفريه لها فستبحث عنه من مصدر آخر، قد تكون بالصديقات ثم المعاكسات ثم تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه.
وفعلا بدأت بتطبيقه وكانت ردة فعل ابنتي رائعة، فلقد حدقت بعينيها بشدة كما لو صعقت، وذلك عندما سمعت أول عبارات حب وثناء مني، إن أردتم الحق فلقد خفت عليها من هول الصدمة (سامحهم الله لم يخبروني بهذا بالدورة) وابتعدت ابنتي عني قليلا وهي في وسط ذهولها حتى صدمت رأسها بالجدار.
وأسرعت للهاتف ولشدة قلقي عليها تتبعتها فسمعتها تقول:
-هل تصدقين يا أسماء؟ أمي تقول لي يا عمري يا حياتي.!
- صحيح !يا سلام! حتى أمي قالت لي هذا الكلام اليوم.
- لماذا؟ ما الذي حصل لهم؟.
كانت أم أسماء هي من دعتني إلى هذه الدورة.
لقد صدقت الدورة لقد اكتشفت أن ابنتي لا تشك لي همها، ولا تشركني في فرحها، وأن صديقتها تعرفها أكثر مني، أنا أمها والذي أقضي معها وقتي كله، وتنازلت عن وظيفتي لأجلها، ولكني اكتشفت أني كحاضر غائب، حضور جسد و ليس حضور روح.
لم ذلك؟! لقد أخبروني في الدورة وصدقوا فأنا كثيرة الانتقاد والتعليقات و لا أترك شاردة ولا واردة إلا وأوبخها في المأكل والمشرب والنوم والملبس وأصادر حريتها حتى في اختيار ملابسها الداخلية، التي لا يراها أحد، والتي يجب أن تكون هي وحدها مرتاحة لها، وحين تصبح الصباح وبدل أن أقبلها وأشعرها بمتعة وحنان الأم أمطرها بالانتقادات التي نسيت أن أذكرها الليلة الماضية، بل إني في أحيان كثيرة وحتى و هي نائمة أوقظها لكي أوبخها: لماذا هي ترفع تبريد المكيف؟ ولماذا توجهه على رأسها؟ وحين تعود من المدرسة أوبخها مقدما لبرنامج بقية اليوم من نوم القيلولة ودراسة وحفظ والنوم مبكرا. وكنت أظن نفسي أما صالحة تقوم ابنتها.
تجرأت وعرضت تجربتي بعد أن عرض الجميع تجاربهم. وكم كانت عظم دهشتي حين سمعت تعليقا ناريا حرق قلبي.
- احمدي ربك أن ابنتك مازالت في البيت ولم تفتح الباب وتهرب!.
- ماذا؟! لماذا؟ أنا أمها ولست زوجة أب ظالمة.
- ولكنك تخنقينها خنقا!
وبدأت أحاول شيئا فشيئا وأقدم قدما وأؤخر أخرى، فمرة تصيب ومرة تخطئ، لكني أتقدم رغم بطئي وأسأل الله الثبات
بشرى بنت عبد الله اللهو
تقول: سلمت من صلاتي وصراخ أطفالي يضج بالمنزل، فحمدت الله أن رزقني إياهم وسألته تعالى أن يعينني على تربيتهم ويصب في قلبي صبرا كصبر سيدنا أيوب.
الحمد لله لا يوجد بقربي أحد! وضع ممتاز، لأذكر أذكار بعد الصلاة التي طالما حرموني إياها. لم يحضر أحد! إن شاء الله قد تقبل ربي الدعاء، فعادة وقبل أن أنتهي من صلاتي، تنهال علي عروض الشكاوى يمنة ويسرة.
تقول أمي حفظها الله حين أضج بالشكوى عندها.
تريدون أطفالا ولكنكم لا تريدون تحمل مسؤوليتهم فهل تظنونهم أطفالا كالدمى.؟
لم يحضر أحد! رائع ! لأقرأ القرآن. وما هي إلا لحظات حتى انساب صوت ابنتي عذبا.
- ماما، ماما. (في لكنة فيها جدية واهتمام).
- نعم يا روحي وحياتي.
خرجت من فمي ولا أدري كيف خرجت?!!! فلقد خرجت ثقيلة كثقل جبل أحد، ومتكلفة ولا روح للطبيعة فيها، فهي واضحة الاصطناع ولكن لا بأس، لن أتركها وسأكررها مرات ومرات حتى تعتاد علي أو أعتاد عليها.
فبعد نظرة فاحصة في حالي مع تربية أبنائي، رأيت الوضع السيئ والمتدهور يوما بعد يوم، وفي وقفة شجاعة مع النفس قررت التغيير وبفاعلية وصدق وحين سألت كيف السبيل؟ أخبرت أن هذا زمن الدورات وكأنني (اصح يا نائم) أتساءل ما معنى دورة؟ أليست هذه إجازة مدفوعة الراتب والمكافآت؟ ولا تنقص من رصيد الإجازة شيئا، التي يرسل إليها كبار الموظفين أو باﻷحرى أصحاب الواسطات للخارج للترويح عن النفس واصطحاب الأهل ولحضور دورة كما يقال.
- لا إنها مجموعة محاضرات تدفعين لها رسوم.....-
- ماذا ؟! أدفع و لا يدفع لي! ومنذ متى أصبحت المحاضرات بفلوس. هم يجب أن يحمدوا ربهم أني استجبت لهم ببلاش.
-لا داعي أن تحضري يا الحبيبة، فهم ليسوا في حاجة لك فعادة- التسجيل يكتمل العدد قبل بداية الدورة بزمن. بل أنت المحتاجة لتدريبهم.
وبدأت في المناورات الفكرية. إن زوجي تضيق عليه الدنيا إن طلبت منه مصروفا للبيت! فكيف إن طلبت منه رسوم دورة؟ وحين أسأله لماذا هذا البخل؟
- هذا ليس بخلا، هذا حسن تدبير، وأنت ليس عندك إلا التبذير.
سبحان الله! نحن في زمن تغير المسميات، أصبح البخل تدبيرا. وعقدت النية على أن أنضم إلى دورة عنوانها: كيف تردين على تعليقات زوجك النارية؟ ولم أر إعلانا عنها حتى الآن. بيد أن كل الدورات تحب أن تطفئ الحرائق الزوجية لا أن تزيدها اشتعالا.
آه لكم يضرب بأذني تعليقات أخواتي:
- أنت وضعت حبلا في عنقك وقلت يا ناس جروني. كيف تتركين وظيفة تدر عليك دخلا ثم تشحذين زوجا بخيلا؟
- هذه ليست شحاذة، فهو ملزم بالنفقة وقادر عليها ولم أترك الوظيفة إلا لتربية أبنائه.
- إذا تحمليه.
وتحملته وتيسرت رسوم الدورة.
كم كانت عظم دهشتي في الدورة حين صدمت بحقيقة تطالبني أنا بالتغيير قبل أن أغير من أطفالي، وأن أغلب تصرفات أبنائي التي أنبتت برأسي شيبا قبل وقته وألما في القلب وصداعا في الرأس طبيعية 100% وأن العيب أولا و آخرا يقع عليّ.
نعم، نحن حقا في آخر الزمان! لقد كنت أظن نفسي أما مثالية، وأن أبنائي يجب أن يحمدوا ربهم صباح مساء على ما أنعم الله عليهم بأم مثلي، فأنا لا أضرب إلا نادرا، وإن كانت كثرت في الآونة الأخيرة ووصلت إلي أحيانا وبعض المرات. وكنت أظن نفسي من رواد التربية الحديثة ولكن والحق يقال أفعل كل شيء غير الضرب كصراخ وسب ومقارنة، وأؤمن بها حقا مشروعا من حقوق الأمومة ولم أتخيل يوما.
أن ينتقدني أحد ولا يرفضها إلا نرجسي لم يرب طفلا قط، ولم يشاهده إلا بالتلفاز.
وبدأت تلك الدورات تعطيني حقائق ودراسات، وليس خيالا، وبدأت ورش العمل ومشاركة تجارب الآخرين وتحمست كثيرا وأردت التغيير وفورا، ولكن اصطدمت أمواج التغيير بصخور الواقع، لقد كان أمرا صعبا فرجعت في اليوم التالي وقلت هذه بضاعتكم ردت عليكم، أرجعوا نقودي، ولكم تفاجأت حين ضجت القاعة بالضحك بعد أن عرضت تجربتي.
- وماذا تظنين التربية؟! زر كمبيوتر تضغطين بنعم أو لا ويستجاب طلبك.
-- وهل تريدين بعد هذه السنوات الطويلة أن تتغيري بيوم أو ليلة أو بدورة؟ الأمر يحتاج إلى صبر طويل.
- وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.
لعل من أشد ما لفت نظري في موضوع التعامل مع الابنة هو أن ابنتك المراهقة يجب أن تعطفي عليها وتغرقيها بالعاطفة التي تحتاج لها كحاجتها للطعام والشراب، فإن لم توفريه لها فستبحث عنه من مصدر آخر، قد تكون بالصديقات ثم المعاكسات ثم تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه.
وفعلا بدأت بتطبيقه وكانت ردة فعل ابنتي رائعة، فلقد حدقت بعينيها بشدة كما لو صعقت، وذلك عندما سمعت أول عبارات حب وثناء مني، إن أردتم الحق فلقد خفت عليها من هول الصدمة (سامحهم الله لم يخبروني بهذا بالدورة) وابتعدت ابنتي عني قليلا وهي في وسط ذهولها حتى صدمت رأسها بالجدار.
وأسرعت للهاتف ولشدة قلقي عليها تتبعتها فسمعتها تقول:
-هل تصدقين يا أسماء؟ أمي تقول لي يا عمري يا حياتي.!
- صحيح !يا سلام! حتى أمي قالت لي هذا الكلام اليوم.
- لماذا؟ ما الذي حصل لهم؟.
كانت أم أسماء هي من دعتني إلى هذه الدورة.
لقد صدقت الدورة لقد اكتشفت أن ابنتي لا تشك لي همها، ولا تشركني في فرحها، وأن صديقتها تعرفها أكثر مني، أنا أمها والذي أقضي معها وقتي كله، وتنازلت عن وظيفتي لأجلها، ولكني اكتشفت أني كحاضر غائب، حضور جسد و ليس حضور روح.
لم ذلك؟! لقد أخبروني في الدورة وصدقوا فأنا كثيرة الانتقاد والتعليقات و لا أترك شاردة ولا واردة إلا وأوبخها في المأكل والمشرب والنوم والملبس وأصادر حريتها حتى في اختيار ملابسها الداخلية، التي لا يراها أحد، والتي يجب أن تكون هي وحدها مرتاحة لها، وحين تصبح الصباح وبدل أن أقبلها وأشعرها بمتعة وحنان الأم أمطرها بالانتقادات التي نسيت أن أذكرها الليلة الماضية، بل إني في أحيان كثيرة وحتى و هي نائمة أوقظها لكي أوبخها: لماذا هي ترفع تبريد المكيف؟ ولماذا توجهه على رأسها؟ وحين تعود من المدرسة أوبخها مقدما لبرنامج بقية اليوم من نوم القيلولة ودراسة وحفظ والنوم مبكرا. وكنت أظن نفسي أما صالحة تقوم ابنتها.
تجرأت وعرضت تجربتي بعد أن عرض الجميع تجاربهم. وكم كانت عظم دهشتي حين سمعت تعليقا ناريا حرق قلبي.
- احمدي ربك أن ابنتك مازالت في البيت ولم تفتح الباب وتهرب!.
- ماذا؟! لماذا؟ أنا أمها ولست زوجة أب ظالمة.
- ولكنك تخنقينها خنقا!
وبدأت أحاول شيئا فشيئا وأقدم قدما وأؤخر أخرى، فمرة تصيب ومرة تخطئ، لكني أتقدم رغم بطئي وأسأل الله الثبات