قاهرة السعدي من مواليد مدينة جنين سنة 1976، لها من الأولاد أربعة. اسم على مسمى، قهرت ظروفها القاسية، وآثرت الجهاد. عرفت أنه درب شاق،
وأن التضحيات جمّة، ولكنها صامدة وباقية على أمل اللقاء..طوبى لك أختاه، وندعو الله، فك قيدك وقيد كل أسيراتنا وأسرانا في سجون الظلم والظلام.
قاهرة سعيد علي السعدي
السكن :مخيم جنين
مواليد21/8/1977
أم لأربع أطفال
الاعتقال في 7-5-2002م
الحكم ثلاث مؤبدات وثلاثون عام
التهم: تجنيد ، تهريب أسلحة، حماية مجاهدين، توصيل استشهادين وانتماء لفصيل الجهاد الإسلامي،وغيرها من التهم منها تصنيع متفجرات
الحكاية ترويها الأسيرة قاهرة: حكايتي هي أنني ومنذ سن الطفولة عشت بمكان يدعي ملجي للايتام.كان عمري حين ذاك ثلاث سنوات ومعي اخواني الاربعة .اخذنا
والدي لهذا المكان بعدما توفيت الوالده ..لم اعيش اولم نعيش كباقي الاطفال في بيت يكون الاهل موجودين .عشنا بمكان لم يكن بيدنا اختياره فقد جاء القدر بهذا وما شاء
الله فعل.نحمده ونستعينة ونستغفرة والحمدلله دائما وابدا عشت فترة طويلة في هذا الملجأ الى ان وصل عمري سن الرابعة عشر بعدها تعرفت على زوجي ناصر وصار
النصيب وتزوجنا بفتره قصيره جداً.كان زوجي ناصر يعاملني باحسن المعاملة عوضني حنان والدي الذي حرمت منه بسن صغير حتى أني لم اذكر انني مره من
المرات نطقت كلمة ماما كباقي الاطفال كنت اتمني ان يكون لي أم تمسح راسي تضعني بحضنها تمسح دمعي اشكي لها همي.لكن ربنا رزقني برجل بمعنى كلمة رجل
كان حنون وطيب عوضني كل خير كان هو ابي وامي وزوجي وكل أهلي انجبت اول طفلة في عمر الخامسة عشر اسميتها ساندي كانت فرحه كبيره لي وأخيراً
اصبحت أم واصبح لي طفله تقول لي ماما لا أصدق أنا أم هذه طفلتي ..لا يسعني كتابة ما كان شعوري ان ذاك هي سعاده لااستطيع وصفا يا الله أنا أم لا اصدق
الحمدلله لك ياربي حفظتني ورزقتني واصبحت أم .لكن ماذا أقول وماذا افعل وهذا الاحتلال ينغص علينا عيشتنا .اعتقل زوجي لأن الاحتلال يطاردون أخاه أخذه لمده
3شهور وقتها لم أعرف الراحة أم معنى النوم وأنا ليس لي في هذه الدنيا سواه وهذة الطفله وبعد خمس شهور اغتيل سلفي اغتالوه الاوغاد كان من الفهد الاسود في
الانتفاضه الاولى محمد السعدي ابو السعيد، قلبت حياتنا من الفرح إلى الحزن والألم. ولكن الله عوضني، فانجبت ولداً واسميته محمد . جاء محمد واكتملت الفرحة أكثر
وأكثر، حتى جاء رأفت ودنيا. صار عندي اربع زهور من أجمل الاطفال . وأنا أم الآن ويجب أن أكون أم مثاليه، اعتني بأولادي وأعلمهم وأجعلهم من أحسن الناس.
دامت الفرحه وسعادتي تكبر كلما كبروا، وكلما نادوني ماما كانت الفرحة اكبر واكبر. حتى جاءت الانتفاضة الثانية وعاد الصراع من جديد، لكن هذه المره كانت
الانتفاضة أشد وأقسى وأصعب وأوحش .لم يترك العدو أي أحد من طفل أو امرأه أوحتى شيخ. هدم.. نسف.. اغتيالات.. قصف.. تشديد واعتقالات كل يوم خبر اسوء
من قبل. حتى جاء اليوم الذي تم فيه اجتياح مخيم جنين في تاريخ 11-4-2002م، وما فعلوه وقتها، كنت قد عاهدت الله أن أجاهد في سبيله لأجله أولاً لأجل هذه
الأرض المقدسه، ولأجل شعبي وأطفال فلسطين الذين يتموا، وأطفالي الذين لم يعرفوا معنى الامان والراحة والنوم والخوف من الذهاب للمدرسه أو حتى الخروج للعب.
وفي يوم من الايام طورد أخي محمد من قبل الاحتلال، وجاء عندي كي يختبأ، فليس له أي مكان آخر، وكان معه شاب من أبناء الجهاد الاسلامي ويدعى الحج خضر.
كان وقتها اجتياح المخيم وكنا في الرام في بيت للإيجار. كان هناك لهم نشاطاً، لذا كان بيتي لهم المسكن والأمان. كانت تأتينا أخبار كل يوم، أن أهالينا في المخيم
جميعهم استشهدوا وبيوتنا دمرت على ما فيها لم يرحموا أحد..أطفال، نساء، وشيوخ. لم يندد أحد بما يحصل في المخيم، والمجزره كانت فظيعة، لكن المخيم صمد
وتحدى بسلاحه البسيط أمام المدفعيات والرشاشات والطائرات والمجنزرات، ولم يركع ورفعت التكبيرات الله اكبر عالياً لن نستسلم ودوهم بيتي اكثر من مره واعتقلوا
أخي راجح، ضربوه وقيدوه ودوهم بيتي مره ثانيه وهجموا على البيت مثل الكلاب المصروعة، أطلقوا النار رصاص الدمدم على الشاب المجاهد الحج خضرعلى مرأى
من عيون أطفالي، أصابوه بتسع رصاصات في قدمية حتى وقع على الارض نازفاً جروا أخي محمد وضربوه وطرحوه ارضاً امام اطفالي، دون رحمة وضربوني
وكسروا البيت فوق روؤسنا، ومازال الحج خضر ينزف طلبت منهم نقله الى لمستشفى.دون جدوى بكل وقاحه قالوا لي اخرسي يجب أن يموت، وبعد ساعات طويله،
غادروا المكان بعدما عاثوا فيه الدمار. أخذوا الحج خضر وأخي محمد، إلى مكان يدعى المسكوبية، وبعد يومين جاءوا واعتقلوا زوجي ودمروا بيتي مرة ثالثة...
وأصبحت وحيده لا أخ ولا زوج
أولادي خائفون لا ينسون ما حصل أمام أعينهم من إطلاق النار على شاب حاول الخروج لهم، حاولوا قتله. ماذا أفعل لا لن اسكت لن أبقى مكتفه اليدين،
هذه أرضي وهذه بلدي وهؤلاء أهلي وشعبي مسلم، وديني علمني أن من يسكت عن الحق هو كافر واخرس أنا مسلمه ومؤمنه بأن الله سينصر إسلامنا وقدسنا، لكني لن
أبقى متفرجه، ويضيعوا أطفالي مني. لا لا .. أني أرفض، سأنتقم من هؤلاء الأعداء. سأبدأ الان .. جاء دوري كي أكون مع أخواني في صف الجهاد،
كي أرد الصاع صاعين لهؤلاء الأوغاد.ذهبت لإخوني المجاهدين وطلبت منهم المشاركة والمساعده والجهاد في سبيل الله ولوجه الله.كان اصراري حتى أحمي أولادي،
وتمت الموافقه بعد دراسه طويله. كانت مساعداتي تتطور يوماً عن يوم، ويزيدني شرفاً كل يوم أن أكون ممن شاركوا في الجهاد.
وفي احد المرات كان لي الشرف بأن أخد شهيداً لأوصله إلى داخل فلسطين المحتلة، لكي يجعل من جسده شظايا تحرق قلوبهم، أعداء الله والدين. أخذته وأنا رافعه
رأسي عالياً، داعية المولى بأن تنجح المهمه، ويكون عدد القتلى لا يحصى ولا يعد.
كنا طول الطريق نقرأ القران وندعو المولى، ورغم كل الحواجز والاحتياطات الأمنيه "الاسرائليه"،
إلا أننا استطعنا اجتياز واختراق كل الجواجز. فهذه أرضنا وطريقها كلها نعرفها، إن سكروها من هنا نفتحها من هناك.
وصلنا الى الموقع وعلى بركة الله ورعايته، وهو فرح بشهادته وذهابه الى الجنة بإذن الله. فجر نفسه، كان الانفجار شديد القوه،
مما أصرع كل من كانوا في الموقع، لم يرى سوى الدخان والضباب. لم أغادر المكان إلا بعد فتره زمنيه قاربت الساعتين بسبب الازدحام،
وعند خروجي وبصعوبه من الموقع. وفي طريقي إلى البيت، لم الاحظ أن ملابسي كانت كلها دماء، دماء الأوغاد. كنت متحمسه أن أعرف كم كان عدد القتلى،
وكم كانت الإصابات. وصلت البيت، قبلت أولادي وكانوا قلقين علي، قلت لهم لا تقلقوا كنت في حفله جميله وبإذن الله ستكون حفله رائعه.
.فتحت التلفاز كي أتابع آخر الأخبار، وبعد دقائق جاءوا بالرقم الأخير ورأيت الاحداث. الجيش والقتلى كانوا أربعة و83جريح (معلش أحسن من بلاش)
.وبعدها بدأت بالشغل الكامل من مساعدات وماكان باستطاعتي من تقديم أي عون لاخواني في درب الجهاد . نقلت أسلحه من مكان لمكان،
صنعت معهم أحزمة ناسفة، ونقلت لهم الطعام وراقبت لهم الطريق. كان كل شيء يمشي على ما يرام، إلى أن خطط لعملية أخرى كانت خاصه باسم الجهاد الاسلامي.
وكنا معنين بأن تكون عملية ناجحه يضرب بها المثل. تم كل شيء إلى أن جاء وقت التنفيذ، لا نعرف ماذا حصل بالضبط. مره واحده كسر كل شيء
، داهموا بيتي كالكلاب المصروعه وكان العدد كبير لا أستطيع عده أو وصفه.
هجموا علي في البيت، ضربوني كسروني أمام أطفالي للمره الرابعة، اغلقوا عيوني وربطوا يداي وراء ظهري، ووضعوني في مجنزره كبيره واخذوني الى مركز
التحقيق في المسكوبية. لا اعرف ما حصل لأولادي هم وحيدون في البيت ساندي9سنوات ومحمد8سنوات ورأفت6سنوات ودنيا3سنوات
.وحيدون في البيت، قلبي عندهم ودعائي لهم بأن يحفظهم الله ويرعاهم. وهنا بدأ مشوار العذاب مشوار الظلم والتجبر
.تحقيق المسكوبية، كان أصعب أيام حياتي وبإختصار تعذيب فظيع، تحقيق طول اليوم ليل ونهار، إساءات وألفاظ قبيحه وتهديدات،
ضغط أعصاب، لا نوم وعدم استقرار، يعني جحيم. استمر التحقيق معي15يوم مستمر وبعدها قطع لأسبوع، وبعدها رجع 15يوم،
وعلى هذا الحال وأنا موجودة كل هذا الوقت في الزنزانه الحقيرة، التي لا تصلح حتى للحيوانات. مكثت ثلاث شهور ونصف في تلك الزنازين الظالمة،
وسمح لي بهذه الفتره بالاتصال بأولادي مره واحده لمده خمس دقائق، وكنت أجهل مكان أولادي، اتصلت ببيت عمي في المخيم،
وعلمت أنهم وضعوا في ملجأ للأيتام في العيزرية. ياللهول.. ما حصل معي في صغري، صار مع أطفالي. لكنني لم أندم، كنت ادعو الله في كل وقت
، أناء الليل وأطراف النهار، أن يحفظهم ويرعاهم ويجمعني بهم.هذا هو الاحتلال وهذه سياسته، هدم بيوت.
. تيتيم الأطفال، لكن رغم ذلك لن نركع .. بعد مرور 115يوم في الزنازين الحقيره، نقلوني لسجن الرمله للنساء، التقيت بأخواتي
هناك اسيرات لبيّن نداء الجهاد مثلي، فأنا لست الوحيده. ذهبت الى الصلاه عند وصولي، سجدت شاكرة ربي لكل ما حدث،
ودعوت الله بأن يرحمنا وينصرنا على أعدائنا ويحفظ أولادي من أي سوء. مضت ست شهور،
لم أرَ أولادي أو أعرف عنهم أي خبر سوى أنهم يعيشون في ملجأ.. وبعد فترة طويله، صدمت عند سماع اسمي بأن لي زياره;
قاهره أولادك بره. باالله.. ياالله سأرى أولادي، سأراهم لا أصدق.. سبحانك ربي ما أرحمك.انتظرت بفارغ من الصبر دوري،
وجاء دوري بعد انتظار صعب، دخلت غرفة الزياره، ولن تصدقوا لو قلت لكم، أني لم أعرف أطفالي!.
كان منظرهم غريب قص شعرهم على الصفر، يلبسون ملابس غريبه. نادوني ماما.. ماما، كلمه من تسع شهور سمعتها مره ثانيه،
ركضت نحوهم، أحاول لمسهم أو ضمهم، لكن مع الأسف هناك قضبان وأسلاك تمنع وصولي لهم. صرخت بأعلى صوتي الله أكبر عليك يا اسرائيل
. قبلتهم من خلف الزجاج والأسلاك، ودموعي ودموعهم تنهمر منى ومنهم. وأول كلمه قلتها ماما بحبكم أنا مشتاقه الكم عيوني انتوا روحى انتوا حياتي انتوا
. قالو، ماما بدنا ياك احنا تعبانين بدنا اياك ماما، ارجعي معانا، وين بابا وين انت، ليش انت مش معانا تعالي خدينا من الملجأ.
..ماذا تريدون أن أخبركم، ماذا حصل معي. لن تصدقوا، لقد أغمي علي في الزيارة فقدت الوعي، حتى أني بت أهلوس. كان المنظر صعب،
والحقيقة أصعب. انتهت الزيارة بألم وأسى، وعدت أدراجي لزنزانتي محمله على أكتاف الاخوات. داهمني المرض من شده التفكير والخوف،
أولادي ياعالم، أول فرحه في حياتي فلذات كبدي بل نورعيوني املي ونصيبي في دنيتي. لم أفعل الا الصحيح ولست مجرمه،
بل دافعت عن كرامتي وأرضي، فهذا ليس اجراماً، والسجن ليس جزاءي، حسبي الله ونعم الوكيل.
. كنت اخرج للمحاكمة كل شهر وكان لي7 تهم. وحددت محكمة الحكم وأصدر الحكم الجائر بحقي 5مؤبدات و80سنة،
ونزل الحكم الى 3مؤبدات و30عام. حكم كبير لكنه كان بالنسبة لي حكم عادي، لأني على يقين بأن الحكم هو الله، وليس هؤلاء الأوغاد.
غادرت المحكمة وأنا مبتسمة غير مبالية لهذا الحكم، مما أغاظ العدو وقهرتهم بابتسامتي. جعلتهم يتمغصون ويتلولون.
نعم نحن هكذا نساء فلسطين، هكذا هم بنات الشقاقي ..لا نهاب أحداً غير الله وحب الله والجهاد في سبيله قبل أي شيء.
.رجعت من المحكمة وأنا احمد الله وأقول الفرج ياربي من عندك، وأولادي هم أمانه، فعندك يا الله لا تضيع الأمانات.
أنت خلقتني وخلقتهم، وأنت يا الله أرحم مني عليهم، ولك الحمد ولك الشكر يالله على كل شيء.. وها أنا الآن وبعد مرور أربع سنوات،
مازلت رهينه الاسر. أرى أولادي كل شهر، وهم يكبرون وساندي الان 14سنة ومحمد 13سنة ورأفت10سنوات ودنيا7سنوات،
ومازلت في الأسر في سجون الظلم لم اقنط من رحمة ربي، فرحمة ربي واسعة، ولم ولن أندم. ما فعلت كان واجبي، وأنا لبيت النداء.
. نداء الله أكبر. ما أحلى الجهاد..ها أنا اليوم في سجن الطغاة، سجن الظلم والتجبر في الشارون.
. سجن التلموند قسم(12). أعيش على أمل اللقاء وعلى أمل أن تشرق من جديد شمس الحريه، شمس النصر،
شمس الحقيقة لأعود ويعود كل اخواني لبيوتهم وأهاليهم، وأنا لأولادي فلذات كبدي، الذين ينتظرون عودتي بفارغ من الصبر..
لن أيئس.. لن أيئس.. لن أيئس.. فالفرج قريب وربي رحيم