نقض مؤتمر:
"الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطيّ.. تجارب واتّجاهات"
اختتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات في الدوحة يوم الاثنين 22 ذو القعدة 1433هـ الموافق 08 تشرين الأول/أكتوبر 2012م أعمال المؤتمر الذي عقده بعنوان "الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطيّ.. تجارب واتّجاهات" حيث تناول فيه عدد من الباحثين والأكاديميين والسياسيين "الإسلاميين" موضوع الإسلام والديمقراطية خاصة في مرحلة الربيع العربي بغية "استنتاج أفضل السّبل لدعم قيم الدّيمقراطيّة والحرّية والحكم الرّشيد في الوطن العربيّ."
وبحسب موقع المركز العربي للأبحاث على الإنترنت فإن ما طرح في المؤتمر قد بدا واضحا أن الهدف من ورائه هو التسويق لفكرة الديمقراطية واعتناقها والترويج لها مستخدمين في ذلك ذرائع شتى نوجزها بالتالي:
1- علاقة الدين بالدولة: فالدين عند منظّري المؤتمر "مسألة روحانيّة وعقديّة، أما الديمقراطيّة بصفتها نظامًا للحكم فهي مسألة سياسيّة"، فالدعوة إلى فصل الدين عن الحياة (أي الدين العلماني الجديد) يقضي بحبس شريعة الإسلام داخل جدران " المسجد" وفصلها عن التدخل في شؤون المجتمع والسياسة.
2- تجميل و"تزويق" العلمانية والتهوين من التناقض بينها وبين الإسلام عبر الزعم أن العلمانية هي "آلية إجرائية تنظم تداول السلطة والحكم"، وليست فلسفة ملحدة تقوم على تنصيب الإنسان إلهاً مشرعا بحسب أهوائه وشهواته.
3- تزيين الديمقراطية: فهي تعني عندهم، "بناء النّظام السياسي الذي يتيح التمثيل واختيار الممثّلين بالانتخاب، ويعني في الوقت نفسه الرقابة على الممثّلين المنتخبين، وتحديد المدّة الزمنيّة للممثّلين كي لا تتحوّل السلطة إلى استبداد". مع التشديد على أنّ الديمقراطية ليست وجهة نظر تجاه الدين، بل هي وجهة نظر تجاه الحكم. وبالتالي فلا تعارض ولا تناقض بين الديمقراطية والإسلام. وقد زعم بعضهم "أنه ليس في الإسلام ما يمنع الاقتباس من حكمة الشعوب الأخرى، ومن حكمة الشعوب الأخرى الحديث عن الدولة الديمقراطيّة والمدنيّة والمساواة والتعدديّة الحزبية." وقد جاءت الوثيقة التي أصدرها الأزهر وسمّاها وثيقة مؤسسة للديمقراطية والمساواة والتعدديّة، لتضفي المشروعية "الأزهرية" على الديمقراطية، فـ"هي وثيقة شبيهة بوثيقة الصحيفة التي وضعها الإسلام في فجر الإسلام".
4- الزعم الزائف، بناء على ما سبق، أن "الطيف الأوسع من الإسلاميين مقتنع بالديمقراطية، وأن التيار الإسلامي تتزايد قناعته ببناء دولة مدنية تستمد شرعيتها من الشعب." وبحسب منظمي المؤتمر فقد "تطرّقت أوراق المؤتمر إلى مكونات تيّار الإسلام السياسي كافّةً".
5- وذهب بعضهم إلى مطالبة حركات الإسلام السياسي أن تؤسس لنموذج معاصر للديمقراطية، وأكّد العديد من الباحثين على "ضرورة أن ترتقي الحركات الإسلامية بمستوى فكرها وممارسته ولا تكتفي بالإقرار بآليات التحوّل الديمقراطي من تنافسٍ سياسيّ نزيه وتداول للسلطة واحترام للدساتير والتنوّع والاختلاف، وهي ما وصفه أحد الباحثين بأنه الفهم الأداتي للديمقراطية. والمطلوب في المرحلة الآنية ومرحلة التحوّل الديمقراطي هو أن تنتقل الحركات الإسلاميّة إلى استيعاب التعريف والماهيّة الفلسفيّين للديمقراطية ومركزية مسألتي الحرّية والمساواة بمعناهما الفلسفي أيضا".
6- "واحتلّت مسائل المواطنة والتحول الديمقراطي حيّزا مهمًّا من نقاشات جلسات المؤتمر، وتحقّق شبه إجماع لدى المشاركين -بمن فيهم ممثّلو الحركات الإسلامية- أنّ التحوّل الديمقراطي في الدول العربية يجب أن يتّجه إلى إقامة دولة ديمقراطية (أو دولة مدنيّة كما سمّاها البعض) حتّى ولو كان الإسلاميون على رأس السلطة، مركّزين على مبادئ الحرّية والعدل والمساواة كأسسٍ لهذه الدولة."
تلك هي العناوين العريضة للمداولات والآراء التي طرحت في هذا المؤتمر "العتيد" الذي يأتي ضمن سلسلة من حلقات الغزو الفكري الغربي للأمة الإسلامية والذي ما برح يستهدف الطعن في عقيدة الإسلام القائمة على التوحيد الخالص وعدم الشرك بالله العظيم، وعدم التحليل والتحريم إلا بما جاء به الوحي، والطعن في شريعة الإسلام الخالدة المحفوظة في كتاب الله المعجزة الخالدة التي حفظها رب العالمين للبشرية كافة عبر الزمان والمكان.
ونحن في حزب التحرير يهمنا أن نكشف للأمة الإسلامية هذه الحلقة من التآمر على دينها وعقيدتها وشريعة ربها، وفي هذا السياق نعلن التالي:
1. إن الإسلام بريء من العلمانية الملحدة جملة وتفصيلا، ولن تنفعهم ألاعيبهم وحيلهم بتزيين سمومها وضلالاتها وإلحادها، وأي دعوة إلى تعطيل شرع الله تحت مقولة الفصل بين الدين والحياة، أو الدعوة إلى مسخ رسالة الإسلام بجعلها رسالة كهنوتية محبوسة في جدران المساجد ولا تخرج من ضمير الفرد ولا تحكم سير المجتمع في أموره كافة، فهذا كله بدعة مفتراة في دين الله لا أساس لها، ولا شبهة دليل تبرّرُها. "... ومن أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد". ومن ذلك الزعم الكاذب بأن العلمانية هي مجرد آلية حيادية تستهدف الخير العام دون أن تعكس أي توجه ديني. فالدين أمر خاص بين الفرد ونفسه، ولا يناقض هذا "التدين" انخراط المسلم، بزعمهم، في دين العلمانية.. فهذا كله افتراء عظيم وتزوير لواقع العلمانية التي تجعل من الإنسان مشرعا، أي حاكما وربّاً يحرم ويحلل، وبالتالي فهي "دين" يناقض الإسلام جملة وتفصيلا.
2. إن شريعة الإسلام تفرض على المسلمين، أفرادا وجماعات الاحتكام إلى شريعة ربهم في كل صغيرة وكبيرة؛ فقال تعالى: }إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ وقال }يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ{، وقوله }وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ{ وقال }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ وقال }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون{، وقال }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون{.
3. إن الزعم بأن الإسلام لا يمانع من الانتفاعَ بتجارب الأمم الأخرى واقتباس ما ينفعنا منها، ففي هذا تدليس على الناس، وخلط للحق بالباطل. نعم لا مرية في أن للمسلمين أن يستفيدوا من الآخرين مما يندرج في إطار العلوم والصناعات والأشكال المادية التي لا تتعلق بالتحليل والتحريم، أما في أمور التشريع فلا يجوز شرعا لمسلم أن يستمد التحليل والتحريم من شرائع الأنبياء السابقين بعد أن جاءت شريعة الإسلام ناسخة ومهيمنة على ما سبقها من شرائع، وقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: «...وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» مصنف ابن أبي شيبة، فهل يحرم الإسلام على المسلمين شرائع الأنبياء من قبل ليبيح الاحتكام إلى أهواء البشر وعقولهم القاصرة؟؟ سبحانك اللهم إنّ هذا بهتان عظيم.
4. لقد سبق لحزب التحرير أن بين الحكم الشرعي فيما تضمنته وثيقة الأزهر سيئة الذكر من مخالفات شرعية صريحة ومحاولتها التدليس على الأمة بزعمها أن لا تناقض بين الإسلام والديمقراطية. فنحيل من يهمه الأمر إلى ما سبق أن أصدرناه بهذا الشأن. ولنا أن نضيف أن إجماع الأمة اليوم، لو وقع، على استباحة جريمة الربا لا يلغي بحال حرمة الربا الثابت بنص القران الكريم، مهما حاول المفترون التلاعب على النصوص وتأويل ما لا يحتمل التأويل. ومع ذلك فقد قيض الله لهذه الأمة علماء أفذاذاً ورجالاً أشداء لا يخشون في الله لومة لائم، وقد سبق لكثير منهم أن بيّنوا ما في وثيقة الأزهر من جرأة على دين الله، وإننا كلنا ثقة بوعد الله أن الزبد يذهب جفاء ولو بعد حين، وكما سقطت أقنعة الطغاة المجرمين الذين حاربوا الله ورسوله عبر عقود من الزمن فقد اقترب أوان سقوط أقنعة المتاجرين بدين الله. وأما زعمهم الكاذب بأن أوراق المؤتمر "تطرّقت إلى مكونات تيّار الإسلام السياسي كافّةً." فهذا بهتان وفجور في الكذب... نعم هناك بضعة أصوات من المضبوعين بحضارة "العم سام" ممن يلهثون وراءه بغية كسب رضاه ولو على حساب دينهم. ولكن شتان أن يزعم أنهم يمثلون الأمة من قريب أو من بعيد، فالأمة لا يمثلها إلا الصادعون بالحق، قلّ عددهم أو كثر، ولا وزن لمن يستمد الدعم من أعداء الأمة مهما اغتروا بإمكانياتهم المادية التي لا وزن لها في ميزان الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض.
5. إن ما نقلناه أعلاه (الذريعة الخامسة) من الدعوة التي صدرت في المؤتمر إلى الحركات "الإسلامية" لتبني فلسفة الديمقراطية وعقيدتها ليكشف بكل وضوح حقيقة المراد من وراء هذا المؤتمر (وما سبقه، ويتلوه، من مؤتمرات مماثلة تزعم أن الديمقراطية والإسلام هما وجهان لعملة واحدة)، وإننا لنربأ بمن يرفع شعار الإسلام أن ينزلق هذا المنزلق الخطر فنناشده الله أن يصحو من غفلته وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا وأن ينضم إلى صفوف الصادعين بالحق لنصرة دين الله وإعلاء كلمته وأن يتبرأ من أرباب الديمقراطية والعلمانية، ونذكره بقوله تعالى }وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ{ (المائدة).
6. إن الدعوة إلى الدولة المدنية هي دعوة مُقنّعة إلى العلمانية وننبّه أبناء الأمة الإسلامية لضرورة إدراك ما يحاك ضد دينها وعقيدتها، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ» رواه أحمد.
}والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون{
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي
لحزب التحرير