المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بسم الله الرحمن الرحيم
خبر وتعليق ___مترجم ___
ما تعنيه تربية الأطفال للمرأة المسلمة
-----------------------------------------
كتبته: شوهانة خان
الممثلة الإعلامية للنساء في حزب التحرير / بريطانيا
الخبر:
تواجه النساء المسلمات في الغرب تحدّياً كبيراً هو تربية أطفالهن. أولاً لا بد من فهم ما تعنيه هذه المسؤولية الفهم الصحيح، ثم البدء بالسعي للنهوض بها عملياً.
التعليق:
قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
الحقيقة أن هذا الحديث الشريف يمدّ غالبية الأمهات بالطاقة اللازمة في هذه الأيام التي قد يشعرن فيها أنهن لا يصلحن لهذه المهمة. نعم، عندما تأتي جميع المتطلبات الجسدية التي تحتّمها رعاية الأطفال جملةً واحدة وفي وقت واحد، يأتي هذا الحديث الشريف ليذكّر بأن الأطفال هم الأمانة الكبيرة التي بعثها الله سبحانه وتعالى، وأن المرء سوف يُسأل عنها. فتواصل الأمهات القيام بعملهن على أكمل وجه ممكن.
صحيح أن الحضانة (الرعاية الجسدية) يمكن أن تكون شاقة، لكنها لم تكن أبدا هي العامل الذي جعل الأمهات يبقين ساهرات طوال الليل. اسألوا أية أمٍ مسلمة عن أكثر شيء يقلقها، فستجدوا أنه القلق على العناية برعيتها، العناية بما يمنحها النجاح الدائم (الخالد)، أو اللعنة الدائمة (الخالدة)، وهذا هو بالتأكيد أكبر حملٍ تحمله على عاتقها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾
وما هذه الآية سوى تذكير بأنه ما لم يبذل المرء قصارى جهده لضمان إبعاد أطفاله عن نار جهنم، فإنها كأم، أم مسلمة، لم تحقق سوى نجاح ضئيل، أو لم تنجح البتّة.
وهذا أمر في منتهى الصعوبة هذه الأيام وفي هذا العالم الذي نحيا فيه.
إننا نعيش في مجتمع تم إبعاد فكرة وجوب إقامة حياتك كلها على أساس الاستسلام لله، حتى باتت تنحصر داخل الجدران الأربعة لبيتك الصغير. وهذا هو ما نسميه بالعلمانية. بل حتى بين هذه الجدران الأربعة لم يعد الوضع آمناً. فالثقافة التي ابتدعوها في المجتمعات العلمانية الليبرالية تسمّم شبابها، من خلال إغوائهم عبر مشاعرهم بإطلاق الحبل لها على غاربه. وذلك بالاستمتاع بكل متعة حسّية حتى الثمالة، والسعي لامتلاك كل ما هو تحت الشمس، والعيش كما لو كان لا يعيش في هذا العالم أحدٌ سواك. إنه تمجيد لوحة الإعلانات الملحمية للعلاقات غير الشرعية، وللفوارق الدقيقة لميول واتجاهات ثقافة "أنا ونفسي"، كلها قد لُفَّت معاً على نحو مغرٍ - فكيف يمكن للأمهات المسلمات أن يُسابقن في ظل هذه الأوضاع؟
إنه ليس في مقدورهن أن يسابقن. لأننا جميعاً نعلم ونعتقد بأن هناك شيئًا أسمى يجب السعي وراءه في الحياة، أسمى من تلك الأمور كلها - وأننا يجب أن نسعى ليعرف أطفالنا ذلك أيضاً.
إنه إدراك حتمية وجود خالقٍ سبحانه وتعالى، ومحبة رسولٍ هو قمة الطهر والحق، واعتناق دينٍ يحل كل مشكلة يمكن أن تواجهك في الحياة، ورابطة أمةٍ تنتمي إليها. وإننا كأمهات نقطع على أنفسنا عهداً بأن نكافح ونصارع جادّاتٍ مخلصات لبناء هذه المرتكزات في أطفالنا لبنةً لبنة إن شاء الله. وبعدها سنكثر من الدعاء إلى الله عز وجل أن تتكلل هذه الجهود بنمو عقولهم وقلوبهم على أساسها، وأن تتشكل بلا زيغ أو ضلال على هدي الإسلام الجميل.
وأنبّه هنا إلى أنه ستمر بالشاب المسلم في الغرب بلا ريب لحظاتٌ يظن فيها أن هذا الكلام لا يصمد أمام الملذات الحسّية على اختلاف ألوانها وأشكالها وصورها التي سيتاح لك الانغماس فيها - لكن الإجابة على ذلك لا تأتي من الآباء والأمهات.
بل قد جاءت من خالق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما. وإن كلماته عز وجل لتفتح مغاليق كنوز الحياة كلها - حياة الإيمان (الإيمان بالله سبحانه وتعالى)، حياة ملؤها التقوى (خشية الله) ستجلب من المسرات والملذات في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقناعة ورضا حقيقيين في هذه الحياة. ويجب أن نعلّم أطفالنا بأن لا شيء في هذا العالم الفاني يمكن أن يداني ما هناك.
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
إنه لحقٌ أن كون الإنسان أُمّاً كمثل جبلٍ شاهق يتعين على المرء أن يصعده - لكن أهم شيء في الأمومة أنها تكشف للنساء المسلمات مقدار ما لدى الواحدة منهن بالفعل من صبر وعزم وتوكل على الله عز وجل. وربما كان هذا التحقق في أحيان كثيرة هو الجزء الأكثر مشقة. لكن رحلة الأمومة رحلة متحركة غير ثابتة، فمع تطور الأطفال تتيح للأم ذاتها فرصةً للتطور أيضاً.
فيا رب أعنّي في هذه المهمة، وأعن كل الأمهات اللائي يعبدن الله برعاية أطفالهن.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شوهانة خان
الممثلة الإعلامية للنساء في حزب التحرير / بريطانيا
03 من جمادى الأولى 1435
الموافق 2014/03/04م