الإبداع الأدبي والحرب
عند الرابعة والنصف من بعد عصر يوم الأربعاء الموافق 15 أكتوبر كانت جلسة دوحة الأدب بصالون نون الأدبي الشهرية بعنوان: الإبداع الأدبي والحرب
افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء بقولها: الحضور الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صالون نون الأدبي يسعد بحضوركم، يزدهر بنقاشاتكم
فأهلا وسهلا بكم في لقاء جديد من لقاءاتنا
انتهت الحرب ولمّا تنتهي تداعياتها، بسلبياتها وإيجابياتها
امتلأنا خوفا ورعبا، شحذنا نفوسنا إيمانا وتسليما، تحركت مشاعرنا، وثارت نفوسنا حماسة وعزا
فقرأنا، وكتبنا
أفرغنا ما بدواخلنا من أحاسيس ومشاعر على صفحات الورق
خربشنا وغنينا، فكان إبداعا أو محاولة إبداع
ولمّا كانت الكتابة فعل إنشاء صور تعكس ما في دواخل الكتاب والمبدعين، شعرا ونثرا، فإنه لا يمكن لإنسان أن يكتب ما لم يستشعر الموقف
وبعد زوال القوة الانفعالية قد يستحسن ما كتبه، فيحتفظ به ويحفظه، وقد لا يستحسنه فيحذفه لذا غالبا ما نبدأها بالتسمية (خربشات)
كتبنا وخربشنا ونعكشنا
ومشاعرنا ع الورق فرشنا
حبينا الوطن
عليه خوفنا وله ف القلب عشقنا
قلنا لغزة كثير
عبينا دفاترنا وكُتبنا
البقاء للأصلح والباقي أكيد حذفنا
**
ثم قالت: كتبت لغزة كثير كثير، واليوم أبدأ حديثي بالقول
غزة أنا
غزة أنا وموجي ع الشط بيناغي
يحكي للتاريخ مجدي وأوجاعي
يشتكي العدى مرة
وألف من الإخوة
يشتكي التراخي
*
لكن تعودت غير ربي ما أناجي
وحده ما يغضب من كثر التراجي
إخواني عميت عيونهم
ما عادوا
يروون أوجاعي
قلوبهم أغطس من دخان
زاد بالليل أحزاني
لا عاد عندهم نخوة
ولا عادوا يفهموا شيء من إحساسي
ثم قالت الأستاذة فتحية، لن آخذ مساحة كبيرة لأتيح للأستاذ غريب ليتحدث، بل ليتساءل عن الإبداع الأدبي في الحرب، حالته ومستواه، وديمومته.
بدأ الأستاذ حديثه قائلا: عندما طلبت مني فتحية أن أكون في جلسة الصالون لهذا الشهر، ولما كنت أشعر بالالتزام الأخلاقي والأدبي لصالون نون الأدبي باعتباري المساند والداعم للصالون منذ نشأته، فخطر ببالي الحديث عن واقعنا، لن أكون اليوم محاضرا، سنخرج من هذا الإطار وأطرح أسئلة للحوار للدخول من خلالها في دائرة العصف الذهني والفكري، لذا أقول: في الإبداع الأدبي والحرب
الحرب هي الموت والقتل والفقد, ونتائج الحرب هي الكاشف لمعانات المجتمع, بعد توقف القصف بالطائرات والمدافع, واستخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة..
لكن الأمر عندما يتعلق بالكتابة الأدبية, نكون أمام حالات استثنائية, ذات حساسية خاصة في كيفية التعامل مع الحالة, تستند على موقف المبدع، وموقفه من الحياة, وانصهاره اليومي مع هموم الوسط الاجتماعي الذي يعيش بين ظهرانيه, يختبر خبراته وقناعاته، لتشكيل موقف يعكس من خلاله رؤيته الفكرية من ناحية، وقدرته من ناحية أخرى على رفد مشروعه الأدبي بمتفجرات
تنصهر في اللاوعي وتحقق إدهاشا للمتلقي تأخذه إلى الانحياز إليه
وعليه فإننا سنطرح في لقاء اليوم أسئلة الحوار آملين في الدخول إلى دائرة عصف ذهني وفكري, يشارك فيه الحضور, متابعون وقراء ومبدعون وباحثون في الشأن الأدبي, والإبداع بتجلياته الذهنية وتهويماته اللاشعورية للوصول إلى تخيل كيانات أدبية بجمالياتها الأدبية, ورسالتها الإنسانية، تضيف ولا تكرر, وتقفز إلى الأمام بالمشروع الفردي, باعتبار المبدع الحقيقي حالة شديدة التميز، ترفض النسخ الكربوني.
إبداعات خلال الحرب
عَمُرت صفحات التواصل عبر الشبكة العنكبوتية بكتابات تبلور ما يحدث على الأرض, كما ظهرت بعض المساهمات على الفضائيات, وكأن تواتر الحدث السريع, والذهول من حصاد الحرب, لازمه إصرار على الصمود والبقاء غاية وهدف أول..
وحتى نصل إلى اكبر مساحة من التوافق أو حتى الاختلاف، دعونا نسأل:
* ماذا كتبنا خلال الحرب؟
* إلى أي مدى تماهت الكتابات مع تداعيات المعركة؟
* أي الألوان الأدبية كان أكثر حضورا, القصيدة الصورة القلمية, الخاطرة, القصة القصيرة, القصة الصحفية, الرواية, وإبداعات أخرى، قد تبدو في ظاهرها هروبا من الحرب وبحثا عن الحياة..
* هل احتلت الكتابات الشابة مساحات وحضوراً أوسع، وحضورا أكثر من كتابات الكتاب كبار السن ولماذا؟
* هل وأدت الحرب أجنة إبداعية نتيجة القصف وغياب الكهرباء وغياب الماء..
* وهل ستنشر هذه الإبداعات كما ولدت عند المخاض, أم سيعمل فيها العقل الخالص ليعيدها إلى معمار فني أكثر نضجا؟
* وهل نقترح توثيق نماذج أدبية من قلب الحرب بإصدار مجموعات مشتركة, تسجل التحام الكاتب مع واقعه في حرب عير عادلة؟ وما هي القيمة الإبداعية لهذه النصوص؟0
وعلى فرض انتهاء الحرب
هل توقفت الحرب, وهل توارى الإبداع الأدبي الطارئ,؟
وعلى فرض توقف الحرب على مدى متوسط أو طويل, هل يستلهم المبدع أحداث الحرب بتريث, ومنظور أوسع يربط المقدمات بالنتائج, وتفتح كشفاً جديدا يطلق الإبداع على مداهً, وصولا إلى مستوى إنساني وفني يليق في بالإنسان الفلسطيني وحقوقه المشروعة على أرضه..
هل ننتظر القادم في مجال القصة القصيرة والرواية والمسرحية وفنون المرئي والمسموع..
أم ترانا سنمارس حق التأجيل بذريعة توقع حرب قادمة؟! وإلى متى؟!
بعد أن أنهى الأستاذ غريب عرض تساؤلاته المشروعة، قالت الأستاذة فتحية: اسمحوا لي أن أبدأ في الرد على تساؤلات الأستاذ غريب:
عن نفسي فقد كتبت وكتبت الكثير في هذه الحرب، وما لم أتمكن من توثيقه أكثر مما وثقته في كتابين (خربشات من كشكول أيام الحرب المقيتة) و (أغنيات الحب والوجع)
من لم يستشعر اللحظة ويتفاعل معها فلن يكتب، ولكل منا منهجه في الكتابة،
أذكر قبل ثلاثة أعوام، وعندما بدأت في الكتابة في موضوع لكتاب بإشراف الدكتور إسماعيل بلبل، توقفت عن الكتابة فسألني عن السبب، قلت له وجدت أن كثيرين تناولوا الموضوع
قال لي: ولو بقدر ما رأيت أضعافا ممن تناولوا ذات الموضوع، فلكل منكم توجهه وروحه في التناول
وعليه فأرى أن المسرح متاح للجميع، فليؤدي كل من يجد في نفسه الرغبة في الكتابة دوره دون حرج، وكما قلت في مقدمتي البقاء للأصلح
وعن كتاباتها في الحرب قالت الأستاذة فتحية: صحيح أن الانفعال والتفاعل هو المحرض على الكتابة لكن كتاباتي تنوعت بين التوثيق كما في: فردت عجينها
شمرت عن ساعديها
لتصنع لأطفالها وضيوفها المشردين عن منازلهم خبزا
فردت نصفه بالشوبك
فيما تولى الصاروخ الأول فرد ما تبقى
أما الصاروخ الثاني فتولى إنضاجه حرقا
**
وأيضا في: مراكز الإيواء
قررت زيارة مدارس الإيواء
حملت قلبها بين أضلعها وسارت نحوه
وجدت كتلا تتحرك في اللافراغ
تركت قلبها عالقا مع غسيلهم
وعادت لا تدري إلى أين
**
صحيح أنني سمعت الخبر عبر وسائل الإعلام، ثم كتبت وأنا بذلك أوثق لأحداث قد تبقى في الذاكرة
كما كتبت في الإيمانيات كما في: إيمانيات
كانت تهدئ من روع أطفالها،،،
وهم يبكون من صوت صواريخ العدو الغاشم
ربتت على أكتافهم وقالت:
لماذا تبكون يا صغاري
هذا ليس قصفا؛
إنه صدى دعاءنا يتردد في السماء
**
وأيضا نص: بشراك
قالت الملائكة: يا غزة إن الله يبشرك بنصر منه قريب، قالت: رب أنى يكون لي النصر وقد تخلى عني الأخ والصديق، الغريب منهم والقريب
قال: إن الله إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
**
وكتبت في الحب: الحب في زمن الحرب
اشتد القصف
لملمت أجزاء جسدها النحيل
بين ركبتيها
سألته: كم تحبني؟
قال: بقدر ما بقي في عمري من زمن
**
وأضافت أكثر من ذلك أن حب الوطن احتل مساحة كبيرة من كتاب أغنيات الحب والوجع، ففي الأزمات يلوذ المرء بحبه للأرض والوطن، خاصة غزة التي كان لها نصيب الأسد من نصوصي: حروف اسمك غزة
قالوا فلسطين فاء ولام وسين
تكملها طاء ونون
عزيز وغالي يا وطني المكلوم
*
وف غزة
كما قلنا في الوطن الأم نقول:
غين: غارات العدى عليك هيل
والغدر من اللي حواليك بسواد الليل
لكن غُرة الشهر، مع مطلع فجر
تبقي إنت الحرة يا غزة
وهم غربان تنعق على نفسها بالويل
*
الزاي: زئير الأسد إنت
كالجبل ما تهزك عواصف
ولا ينسمع منك عويل
*
التاء: تاهوا في أحضان الظُلاَّم
وغرقوا
في بحرك يا غزة
وإنت واقفة على الشط
كما كانت عكة
تقف في وجه نابليون بكل عزة
ورغم الظلم والظلام
مباركة كما زيتك والزيتون
شامخة يا غزة كما النخيل
**
وأيضا: غزة ع العدى عصية
غزة يا أحلى صبية
وإنت ع العدى عصية
يهدموا فيك بيت
تبني بداله ميّة
شعبك طيب أصيل
وإنت سميّة
ربك حاميكي
مهما حاولوا يبيعوا القضية
يمكروا للعدى
ويمكر لك رب البريّة
كل اللي صار واللي جرى
وإنت من ربك رضيّة
إنت رمز الوطنية
وأولادك بإذن الله ح يحرروا الوطن
من الميّة للميّة
**
بعدها فتحت الأستاذة فتحية باب الحوار والعصف فكان المداخل الأول الأديب محمد نصار
قال فيها: العالم يجري حولنا من خلال أفكار، لقد أصبح العدو يعرفنا ويعرف طريقة ومستوى تفكيرنا، ومستوى ردة فعلنا، فأدرك أن لا جديد لدينا، حتى بالمقاومة السلمية، اللهم إلا أفعالا قليلة تنبهت لها المقاومة؛ فعل هنا وفعل هناك
الأديب أسمى، فالأدب رسالة من إنسان إنسان، وبقدر تمكن الأديب من الوصول للآخر يحدث التواصل، وقد تصل رسالته للعالم
لاحظت أن أغلب ما كتب من الكبار والشباب كان إنفعاليا لدرجة أن هناك شتائم لا ينبغي أن توضع كان يستخدمها الشاب ليعبر عن انفعالاته، الانفعالية أمر طبيعي لكن علينا ألا نقف عند هذه التجربة، لابد أن نفجرها لتصل لأكبر عدد ممكن
أعتقد أن من حركت الحرب بداخله انفعالات هذه البواعث، إن كان يمتلك أدواته الأدبية حتما سيرجع لما كتبه ويعيد صياغته، ومتابعة ما كتبه ليعمل على تنميته فهو بحاجة لأدوات وإمكانات مع الذكاء أو اللؤم الأدبي، لا بد من التفكير كيف سندير نتاج الحرب القادمة.
الشاعر محمود صقر قال: سأحكي عن تجربتي في الحرب، فأنا أكتب منذ أربعين عاما ولم أنشر حرفا واحدا حتى الآن
في هذه الحرب كتبت ستة عشر نصا، كل نص مختلف عن الآخر؛ فمنها الثوري ومنها الانهزامي ومنها الشعر النبطي، لكن الحالة الإبداعية في قطاعنا لازالت ميتة، لا اهتمام بها ولا أحد يهتم بإبداعات الشباب، فنحن بحاجة إعادة صياغة الفكر.
أما الأستاذ رزق المزعنن فقال: أريد أن أسمع ماذا أضافت الحرب مع وجود وسائل الاتصال الجديدة؟
كلام أبو سامر ذو شقين؛ الأول: هل كتبنا عن الحرب؟
أعتقد أن كل من كتب عن الحالة الفلسطينية كتب عن الحرب.
أما الثاني: هل وصلنا للعالمية؟
أعتقد أنها وصلنا، كما اعتبر درويش عالميا، فإنه كلما أبدعنا جديد نضيف لرصيدنا الأدبي.
السيد جمعة عبد العال بدأ مداخلته بمقولة: المجد الزائف قد يزهر لكنه لا يثمر، فمرايا القلب لدى الكتاب والأدباء تكسرت
وقال: أنا غزير الانتاج، قبل الحرب أنجزت كتابا يتحدث عن المؤسسات الثقافية كصالون نون الأدبي وملتقى الصداقة، شرحت فيه دور المثقف في الحفاظ على الشخصية الفلسطينية، إلا أن الإعلام الزائف حال دون نشره
الإبداع هو تركيب الصور في قوالب جديدة، في هذه الحرب لم أكتب مطلقا، بينما كتبت في حرب 2008/9م كثيرا، لم نكتب لأننا صادقون، ولا أجد أي إبداع فيما كتب
السيد محمود المبحوح قال: كرر الأستاذ غريب مصطلح الاستنهاض والقضية وهنا أسأله لماذا يتغيب الأديب عن المناقشات والمؤتمرات السياسية
الدكتور حسين الأسمر قال: منذ البداية شعرت أنني فعلا أمام سؤال كبير قاله الأستاذ غريب، وهو: كيف ولماذا ولمن نكتب؟ أسئلة في غاية الأهمية
وأضاف: لقد اطلعت على كتابات عديدة ومتميزة عن الحرب وفي الحرب؛ من مسرح وشعر ورواية
الكتابة تعبير ذاتي أو وجداني أو إنساني أو فكري له علاقة بإنسانية الإنسان، وإبداع المبدع، فلو نظرنا للقرن الخامس قبل الميلاد نجد أدبياتهم منتشرة، ولها وقع في العالمين العربي والغربي
وأضاف: صياغة الحادثة بأدب رفيع مؤثر هو ما يجب أن يمتلكه المبدع ليصل إبداعه للناس، وكما قال نجيب سرور:
الشعر ليس مقفى وصريح
الشعر إن هز قلبي وقلبك بصحيح
في زمن الحرب كُتب الكثير، أنا مثلا كتبت مسرحية (زواج في المقبرة) استوحيتها من حديث طفلي ذو الأربع سنوات لي، فعندما بدأ القصف ظن الطفل إنها ألعاب نارية، وعندما اشتد القصف واقترب من بيتنا، قال بابا أين طخنا عشان نطخ عليهم؟
وفي الصباح سألني: بابا لو متنا الصبح بنرجع نعيش؟
من هنا جاءتني فكرة مسرحية تعالج قضية الحياة والموت بأن سيدة مات جميع أهلها، وجارها مات جميع أهله، يذهب لمواساتها ويطلب منها الزواج، فتُصر أن يكون الزواج فوق البيوت المدمرة .
اختتم بقوله: المسرح تلميح وليس تصريح، ولابد أن يعبر عنه تعبيرا واقعيا مدروسا
لكن نكرر قولن: من الذي يقف مع المبدعين؟
لماذا لم تصل رسالاتهم عبر الدنيا؟ ولماذا كتاباتهم غير مقروءة في العالم.
أرى أن المسئولية تقع على المسئولين بدءا من رأس الهرم، وكل من هو في موقع مسئولية خاصة اتحاد الكتاب.
هنا استذكرت الأستاذة فتحية نصا كتابته بذات مضمون مسرحية الدكتور حسين وهو بعنوان: مهر طلبته، مهر دفعته
قبلت بك عريس
بس أنا عروسة وعندي شروطي
مهري غير عن البنات
ما بدي اسوارة ولا حلق
لا بدي عفش ولا بدلات
مهري صاروخ وبندقية
بدي صاروخ
يضرب المستوطنات
صاروخ يتخطى الحدود
ويقتل ألف وميّة
والحفلة تكون في الميدان
أو في بيتك فوق الركام
أو صالة ع ركام بيت
دمرته قنبلة غبية
والحفلة قاسم نجار يحييها
ويغني تل أبيب اضرب
و والله وعملوها الفدائية
**
السيد خلوصي عويضة قال: ألا ترى أن الحرب في جوهرها هي عبارة عن سياسة عنيفة، والأديب الذي يريد أن يتميز لابد أن يركز على النتائج السياسية.
أما رحاب كنعان: فقالت: عشت الحروب، وأجدها وجها واحدا؛ قتل ودمار ودم، كتبت عن حروب لبنان، فهل نجتر أنفسنا ونعيد ما كتبناه؟
الشابة أمل العصار: قالت: نحن نتكلم عن الكتابة في الحرب، أثناء الحرب كنا نرى المشهد والصورة فتتفاعل حواسنا معها ونكتب، لكن بعد الحرب عن ماذا نكتب؟ حتما لن نعود لذات الصورة، هل نعود للكتابة عن اللجوء والهجرة؟
الدكتورة مي نايف قالت: الناس في الخارج تنظر لنا على أن غزة منطقة صغيرة مليئة بالقصص والحكايات؛ فكل مهجر وكل من هو بالإيواء لديه قصة
أنا أنظر للموضوع من جانب أن الإنسان عندما يكون داخل الحدث تغمره المشاعر، وبعد أن يخرج من هذه المشاعر يبدأ أبعد نظرا، فلو كتب من بالضفة، أو من بالوطن العربي فماذا سيكتب؟ لابد من عمل مسح لكل ما كتب، فبعد حرب 1948م أجري مسح لما كتب فتبين أنه بكاء وعويل بلا وجهة نظر مستقبلية، بعد ذلك بدأ الناس يصحوا ويتكلموا عن أفكار وماذا سنفعل بغد، لابد من التوثيق
أيضا يجب أن نعرف ماذا كتب عدونا؟ فهو مُصَدّق أكثر منا والهولوكست شاهد على ذلك، علينا أن نعرف ماذا يقولون عن الحرب
لو نظرنا في كتاباتنا نجد كل فصيل يكتب بحسب وجهة نظره، منهم من يقول انتصرنا ومنهم من يقول لا، علينا متابعة كل الاتجاهات، فما كتب هو مرآة للواقع الموجود، والواقع يشهد بأننا منقسمون ومتشظون
أضافت الدكتورة مي: هل كتب المصريون عن الحرب هذه المرة، وإن كتبوا هل سيكتبون أنها كانت حربا شرسة في ظل العلاقة السلبية معنا
هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها، لقد كان الموت يحيط بكل شخص، والأماكن المدمرة تحمل قصص كثيرة
أخيرا أقول: لدينا مشكلة تتعلق بالنشر، متى سنتمكن من الكتابة عن الحرب؟ أعتقد أنه لاحقا ستختلف الرواية لهذه الحرب
الأديبة يسرا الخطيب قالت: استمعت للحوارات بصمت وتمعن، أنا عشت الحرب كإنسانة طبيعية جدا، عشت كل تفاصيلها، سرعة توال الأحداث جعلني غير قادرة على مواكبتها في الكتابة، كتبت أشياء سريعة، لكن لم تكن لدي القدرة لاستيعاب ما يحدث.
كنت عاجزة عن الخروج من دائرة إنسانيتي، وانشغالي بالكهرباء والماء والطبخ والضيافة، كنت أعيش الحرب بتفاصيلها لكن ما بداخلي لم يخرج بعد
كانت للشابة فاطمة دياب المداخلة الأخيرة قالت فيها: السؤال المطروح: لماذا نكتب ولمن نكتب؟
أنا كقارئ من الشباب، أعيش ظروف استثنائية مختلفة في السياق الإنساني، وأنت رائد عملية التنوير أسألك ألا يجب على الكاتب أن يكون واعيا بالصراع الذي نعيشه، نلمس حالة من التناقض يعيشها المبدع، فبينما يقول رأي في موضع، يناقضه في موضع آخر، على الكاتب ألا يقع في التناقضات
ثم قالت: المبدع يختلف عن السياسي، والمثقف هو حارس البوابة التاريخية وحارس الذاكرة، وعليه ألا ينزوي ويبتعد كي لا يضعف
بالمحصلة في عملية الإبداع لابد أن لا ننتظر من ينشر لنا، وعلينا ألا نتباكى على الآخرين، فماذا فعلنا لسوريا وهي تعاني ما تعانيه؟
بعد المداخلة الأخيرة أجمل الأستاذ غريب ردوده في قوله:
المبدع متسع الثقافة، مدركا لما يحيط به بالقدر الذي يؤهله للتنبؤ على المستوى السياسي، فالحرب وسيلة لهدف سياسي، وهي أداة ينظمها العقل السياسي؛ هو يأمر والبندقية تنفذ
ليس من الضروري أن تكتب لأن الحرب قامت، لكن من الضروري أن نتفاعل مع هذه الحرب، فلسنا مجردين من مشاعرنا الإنسانية، وإن كان لدينا رؤية ووعاء ناجح ومتسع يكون لدينا فرصة للتفاعل، فإما أن نتفائل أو نتشائم
لكن علينا ألا نلقي بكل الهم على العدو، فهو عدو ولن يكون صديق، وهو دموي وسيبتكر ما شاء من وسائل ضد كل شرائع الدنيا
لكن: هل تحصنا إبداعيا لما بعد الحرب، أم سنؤجل ذلك انتظارا لحرب قادمة
اختتم الغريب بقوله: قليل مما كتب سيرتقي لمصاف الإبداع، وقليل منهم سيراجع كتاباته ليرتفع بمستواه.
أما قضية ماذا كتب الآخر عنا يطرح سؤال معجز: ماذا كتبنا نحن عن الآخر؟
سوريا تعيش مآسي كتلك التي عشناها، فهل يكتب عني، أو أكتب عنه؟
كل منا يكتب كجزء من الضحايا، ويكتب عن نفسه لكن الموضوع واحد.
قبل انتهاء اللقاء كانت:
التوصية: قال الأستاذ محمد نصار: لأهمية هذا اللقاء، وموضوع بزخمه والجدال الذي يدور حوله بحاجة لأن يقيم صالون نون الأدبي له لورشة عمل تستغرق يومين وبأوراق عمل مكتوبة
اختتمت الأستاذة فتحية اللقاء بقولها:
إذا ما كتب الإنسان السوي شيئا لابد أنه يعود لمراجعة وتدقيق ما كتبه، ويقول لو وضعت هذا لكان أجود، أو حذفت هذا لكان أفضل
فسميح القاسم ودرويش قالا: الشعب وقف عند قصيدة لكل منهما باتا ينزعجان منها:
فبينما أصبحوا يعرفون محمود درويش ويُعرفونه بقصيدة (سجل أنا عربي)
وسميح القاسم بقصيدة (منتصب القامة)
لقد تمنيا أن يشطب كل منه قصيدته ليسلط الضوء على ما أبدعاه فيما بعدها
إذا الكاتب يتغير ويتطور فيما يبقى المتلقي عند ما لامس مشاعره وحرك وجدانه
رفعت الأستاذة فتحية الجلسة على وعد بلقاء أدبي جديد بإذن الله.
**
عند الرابعة والنصف من بعد عصر يوم الأربعاء الموافق 15 أكتوبر كانت جلسة دوحة الأدب بصالون نون الأدبي الشهرية بعنوان: الإبداع الأدبي والحرب
افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء بقولها: الحضور الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صالون نون الأدبي يسعد بحضوركم، يزدهر بنقاشاتكم
فأهلا وسهلا بكم في لقاء جديد من لقاءاتنا
انتهت الحرب ولمّا تنتهي تداعياتها، بسلبياتها وإيجابياتها
امتلأنا خوفا ورعبا، شحذنا نفوسنا إيمانا وتسليما، تحركت مشاعرنا، وثارت نفوسنا حماسة وعزا
فقرأنا، وكتبنا
أفرغنا ما بدواخلنا من أحاسيس ومشاعر على صفحات الورق
خربشنا وغنينا، فكان إبداعا أو محاولة إبداع
ولمّا كانت الكتابة فعل إنشاء صور تعكس ما في دواخل الكتاب والمبدعين، شعرا ونثرا، فإنه لا يمكن لإنسان أن يكتب ما لم يستشعر الموقف
وبعد زوال القوة الانفعالية قد يستحسن ما كتبه، فيحتفظ به ويحفظه، وقد لا يستحسنه فيحذفه لذا غالبا ما نبدأها بالتسمية (خربشات)
كتبنا وخربشنا ونعكشنا
ومشاعرنا ع الورق فرشنا
حبينا الوطن
عليه خوفنا وله ف القلب عشقنا
قلنا لغزة كثير
عبينا دفاترنا وكُتبنا
البقاء للأصلح والباقي أكيد حذفنا
**
ثم قالت: كتبت لغزة كثير كثير، واليوم أبدأ حديثي بالقول
غزة أنا
غزة أنا وموجي ع الشط بيناغي
يحكي للتاريخ مجدي وأوجاعي
يشتكي العدى مرة
وألف من الإخوة
يشتكي التراخي
*
لكن تعودت غير ربي ما أناجي
وحده ما يغضب من كثر التراجي
إخواني عميت عيونهم
ما عادوا
يروون أوجاعي
قلوبهم أغطس من دخان
زاد بالليل أحزاني
لا عاد عندهم نخوة
ولا عادوا يفهموا شيء من إحساسي
ثم قالت الأستاذة فتحية، لن آخذ مساحة كبيرة لأتيح للأستاذ غريب ليتحدث، بل ليتساءل عن الإبداع الأدبي في الحرب، حالته ومستواه، وديمومته.
بدأ الأستاذ حديثه قائلا: عندما طلبت مني فتحية أن أكون في جلسة الصالون لهذا الشهر، ولما كنت أشعر بالالتزام الأخلاقي والأدبي لصالون نون الأدبي باعتباري المساند والداعم للصالون منذ نشأته، فخطر ببالي الحديث عن واقعنا، لن أكون اليوم محاضرا، سنخرج من هذا الإطار وأطرح أسئلة للحوار للدخول من خلالها في دائرة العصف الذهني والفكري، لذا أقول: في الإبداع الأدبي والحرب
الحرب هي الموت والقتل والفقد, ونتائج الحرب هي الكاشف لمعانات المجتمع, بعد توقف القصف بالطائرات والمدافع, واستخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة..
لكن الأمر عندما يتعلق بالكتابة الأدبية, نكون أمام حالات استثنائية, ذات حساسية خاصة في كيفية التعامل مع الحالة, تستند على موقف المبدع، وموقفه من الحياة, وانصهاره اليومي مع هموم الوسط الاجتماعي الذي يعيش بين ظهرانيه, يختبر خبراته وقناعاته، لتشكيل موقف يعكس من خلاله رؤيته الفكرية من ناحية، وقدرته من ناحية أخرى على رفد مشروعه الأدبي بمتفجرات
تنصهر في اللاوعي وتحقق إدهاشا للمتلقي تأخذه إلى الانحياز إليه
وعليه فإننا سنطرح في لقاء اليوم أسئلة الحوار آملين في الدخول إلى دائرة عصف ذهني وفكري, يشارك فيه الحضور, متابعون وقراء ومبدعون وباحثون في الشأن الأدبي, والإبداع بتجلياته الذهنية وتهويماته اللاشعورية للوصول إلى تخيل كيانات أدبية بجمالياتها الأدبية, ورسالتها الإنسانية، تضيف ولا تكرر, وتقفز إلى الأمام بالمشروع الفردي, باعتبار المبدع الحقيقي حالة شديدة التميز، ترفض النسخ الكربوني.
إبداعات خلال الحرب
عَمُرت صفحات التواصل عبر الشبكة العنكبوتية بكتابات تبلور ما يحدث على الأرض, كما ظهرت بعض المساهمات على الفضائيات, وكأن تواتر الحدث السريع, والذهول من حصاد الحرب, لازمه إصرار على الصمود والبقاء غاية وهدف أول..
وحتى نصل إلى اكبر مساحة من التوافق أو حتى الاختلاف، دعونا نسأل:
* ماذا كتبنا خلال الحرب؟
* إلى أي مدى تماهت الكتابات مع تداعيات المعركة؟
* أي الألوان الأدبية كان أكثر حضورا, القصيدة الصورة القلمية, الخاطرة, القصة القصيرة, القصة الصحفية, الرواية, وإبداعات أخرى، قد تبدو في ظاهرها هروبا من الحرب وبحثا عن الحياة..
* هل احتلت الكتابات الشابة مساحات وحضوراً أوسع، وحضورا أكثر من كتابات الكتاب كبار السن ولماذا؟
* هل وأدت الحرب أجنة إبداعية نتيجة القصف وغياب الكهرباء وغياب الماء..
* وهل ستنشر هذه الإبداعات كما ولدت عند المخاض, أم سيعمل فيها العقل الخالص ليعيدها إلى معمار فني أكثر نضجا؟
* وهل نقترح توثيق نماذج أدبية من قلب الحرب بإصدار مجموعات مشتركة, تسجل التحام الكاتب مع واقعه في حرب عير عادلة؟ وما هي القيمة الإبداعية لهذه النصوص؟0
وعلى فرض انتهاء الحرب
هل توقفت الحرب, وهل توارى الإبداع الأدبي الطارئ,؟
وعلى فرض توقف الحرب على مدى متوسط أو طويل, هل يستلهم المبدع أحداث الحرب بتريث, ومنظور أوسع يربط المقدمات بالنتائج, وتفتح كشفاً جديدا يطلق الإبداع على مداهً, وصولا إلى مستوى إنساني وفني يليق في بالإنسان الفلسطيني وحقوقه المشروعة على أرضه..
هل ننتظر القادم في مجال القصة القصيرة والرواية والمسرحية وفنون المرئي والمسموع..
أم ترانا سنمارس حق التأجيل بذريعة توقع حرب قادمة؟! وإلى متى؟!
بعد أن أنهى الأستاذ غريب عرض تساؤلاته المشروعة، قالت الأستاذة فتحية: اسمحوا لي أن أبدأ في الرد على تساؤلات الأستاذ غريب:
عن نفسي فقد كتبت وكتبت الكثير في هذه الحرب، وما لم أتمكن من توثيقه أكثر مما وثقته في كتابين (خربشات من كشكول أيام الحرب المقيتة) و (أغنيات الحب والوجع)
من لم يستشعر اللحظة ويتفاعل معها فلن يكتب، ولكل منا منهجه في الكتابة،
أذكر قبل ثلاثة أعوام، وعندما بدأت في الكتابة في موضوع لكتاب بإشراف الدكتور إسماعيل بلبل، توقفت عن الكتابة فسألني عن السبب، قلت له وجدت أن كثيرين تناولوا الموضوع
قال لي: ولو بقدر ما رأيت أضعافا ممن تناولوا ذات الموضوع، فلكل منكم توجهه وروحه في التناول
وعليه فأرى أن المسرح متاح للجميع، فليؤدي كل من يجد في نفسه الرغبة في الكتابة دوره دون حرج، وكما قلت في مقدمتي البقاء للأصلح
وعن كتاباتها في الحرب قالت الأستاذة فتحية: صحيح أن الانفعال والتفاعل هو المحرض على الكتابة لكن كتاباتي تنوعت بين التوثيق كما في: فردت عجينها
شمرت عن ساعديها
لتصنع لأطفالها وضيوفها المشردين عن منازلهم خبزا
فردت نصفه بالشوبك
فيما تولى الصاروخ الأول فرد ما تبقى
أما الصاروخ الثاني فتولى إنضاجه حرقا
**
وأيضا في: مراكز الإيواء
قررت زيارة مدارس الإيواء
حملت قلبها بين أضلعها وسارت نحوه
وجدت كتلا تتحرك في اللافراغ
تركت قلبها عالقا مع غسيلهم
وعادت لا تدري إلى أين
**
صحيح أنني سمعت الخبر عبر وسائل الإعلام، ثم كتبت وأنا بذلك أوثق لأحداث قد تبقى في الذاكرة
كما كتبت في الإيمانيات كما في: إيمانيات
كانت تهدئ من روع أطفالها،،،
وهم يبكون من صوت صواريخ العدو الغاشم
ربتت على أكتافهم وقالت:
لماذا تبكون يا صغاري
هذا ليس قصفا؛
إنه صدى دعاءنا يتردد في السماء
**
وأيضا نص: بشراك
قالت الملائكة: يا غزة إن الله يبشرك بنصر منه قريب، قالت: رب أنى يكون لي النصر وقد تخلى عني الأخ والصديق، الغريب منهم والقريب
قال: إن الله إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
**
وكتبت في الحب: الحب في زمن الحرب
اشتد القصف
لملمت أجزاء جسدها النحيل
بين ركبتيها
سألته: كم تحبني؟
قال: بقدر ما بقي في عمري من زمن
**
وأضافت أكثر من ذلك أن حب الوطن احتل مساحة كبيرة من كتاب أغنيات الحب والوجع، ففي الأزمات يلوذ المرء بحبه للأرض والوطن، خاصة غزة التي كان لها نصيب الأسد من نصوصي: حروف اسمك غزة
قالوا فلسطين فاء ولام وسين
تكملها طاء ونون
عزيز وغالي يا وطني المكلوم
*
وف غزة
كما قلنا في الوطن الأم نقول:
غين: غارات العدى عليك هيل
والغدر من اللي حواليك بسواد الليل
لكن غُرة الشهر، مع مطلع فجر
تبقي إنت الحرة يا غزة
وهم غربان تنعق على نفسها بالويل
*
الزاي: زئير الأسد إنت
كالجبل ما تهزك عواصف
ولا ينسمع منك عويل
*
التاء: تاهوا في أحضان الظُلاَّم
وغرقوا
في بحرك يا غزة
وإنت واقفة على الشط
كما كانت عكة
تقف في وجه نابليون بكل عزة
ورغم الظلم والظلام
مباركة كما زيتك والزيتون
شامخة يا غزة كما النخيل
**
وأيضا: غزة ع العدى عصية
غزة يا أحلى صبية
وإنت ع العدى عصية
يهدموا فيك بيت
تبني بداله ميّة
شعبك طيب أصيل
وإنت سميّة
ربك حاميكي
مهما حاولوا يبيعوا القضية
يمكروا للعدى
ويمكر لك رب البريّة
كل اللي صار واللي جرى
وإنت من ربك رضيّة
إنت رمز الوطنية
وأولادك بإذن الله ح يحرروا الوطن
من الميّة للميّة
**
بعدها فتحت الأستاذة فتحية باب الحوار والعصف فكان المداخل الأول الأديب محمد نصار
قال فيها: العالم يجري حولنا من خلال أفكار، لقد أصبح العدو يعرفنا ويعرف طريقة ومستوى تفكيرنا، ومستوى ردة فعلنا، فأدرك أن لا جديد لدينا، حتى بالمقاومة السلمية، اللهم إلا أفعالا قليلة تنبهت لها المقاومة؛ فعل هنا وفعل هناك
الأديب أسمى، فالأدب رسالة من إنسان إنسان، وبقدر تمكن الأديب من الوصول للآخر يحدث التواصل، وقد تصل رسالته للعالم
لاحظت أن أغلب ما كتب من الكبار والشباب كان إنفعاليا لدرجة أن هناك شتائم لا ينبغي أن توضع كان يستخدمها الشاب ليعبر عن انفعالاته، الانفعالية أمر طبيعي لكن علينا ألا نقف عند هذه التجربة، لابد أن نفجرها لتصل لأكبر عدد ممكن
أعتقد أن من حركت الحرب بداخله انفعالات هذه البواعث، إن كان يمتلك أدواته الأدبية حتما سيرجع لما كتبه ويعيد صياغته، ومتابعة ما كتبه ليعمل على تنميته فهو بحاجة لأدوات وإمكانات مع الذكاء أو اللؤم الأدبي، لا بد من التفكير كيف سندير نتاج الحرب القادمة.
الشاعر محمود صقر قال: سأحكي عن تجربتي في الحرب، فأنا أكتب منذ أربعين عاما ولم أنشر حرفا واحدا حتى الآن
في هذه الحرب كتبت ستة عشر نصا، كل نص مختلف عن الآخر؛ فمنها الثوري ومنها الانهزامي ومنها الشعر النبطي، لكن الحالة الإبداعية في قطاعنا لازالت ميتة، لا اهتمام بها ولا أحد يهتم بإبداعات الشباب، فنحن بحاجة إعادة صياغة الفكر.
أما الأستاذ رزق المزعنن فقال: أريد أن أسمع ماذا أضافت الحرب مع وجود وسائل الاتصال الجديدة؟
كلام أبو سامر ذو شقين؛ الأول: هل كتبنا عن الحرب؟
أعتقد أن كل من كتب عن الحالة الفلسطينية كتب عن الحرب.
أما الثاني: هل وصلنا للعالمية؟
أعتقد أنها وصلنا، كما اعتبر درويش عالميا، فإنه كلما أبدعنا جديد نضيف لرصيدنا الأدبي.
السيد جمعة عبد العال بدأ مداخلته بمقولة: المجد الزائف قد يزهر لكنه لا يثمر، فمرايا القلب لدى الكتاب والأدباء تكسرت
وقال: أنا غزير الانتاج، قبل الحرب أنجزت كتابا يتحدث عن المؤسسات الثقافية كصالون نون الأدبي وملتقى الصداقة، شرحت فيه دور المثقف في الحفاظ على الشخصية الفلسطينية، إلا أن الإعلام الزائف حال دون نشره
الإبداع هو تركيب الصور في قوالب جديدة، في هذه الحرب لم أكتب مطلقا، بينما كتبت في حرب 2008/9م كثيرا، لم نكتب لأننا صادقون، ولا أجد أي إبداع فيما كتب
السيد محمود المبحوح قال: كرر الأستاذ غريب مصطلح الاستنهاض والقضية وهنا أسأله لماذا يتغيب الأديب عن المناقشات والمؤتمرات السياسية
الدكتور حسين الأسمر قال: منذ البداية شعرت أنني فعلا أمام سؤال كبير قاله الأستاذ غريب، وهو: كيف ولماذا ولمن نكتب؟ أسئلة في غاية الأهمية
وأضاف: لقد اطلعت على كتابات عديدة ومتميزة عن الحرب وفي الحرب؛ من مسرح وشعر ورواية
الكتابة تعبير ذاتي أو وجداني أو إنساني أو فكري له علاقة بإنسانية الإنسان، وإبداع المبدع، فلو نظرنا للقرن الخامس قبل الميلاد نجد أدبياتهم منتشرة، ولها وقع في العالمين العربي والغربي
وأضاف: صياغة الحادثة بأدب رفيع مؤثر هو ما يجب أن يمتلكه المبدع ليصل إبداعه للناس، وكما قال نجيب سرور:
الشعر ليس مقفى وصريح
الشعر إن هز قلبي وقلبك بصحيح
في زمن الحرب كُتب الكثير، أنا مثلا كتبت مسرحية (زواج في المقبرة) استوحيتها من حديث طفلي ذو الأربع سنوات لي، فعندما بدأ القصف ظن الطفل إنها ألعاب نارية، وعندما اشتد القصف واقترب من بيتنا، قال بابا أين طخنا عشان نطخ عليهم؟
وفي الصباح سألني: بابا لو متنا الصبح بنرجع نعيش؟
من هنا جاءتني فكرة مسرحية تعالج قضية الحياة والموت بأن سيدة مات جميع أهلها، وجارها مات جميع أهله، يذهب لمواساتها ويطلب منها الزواج، فتُصر أن يكون الزواج فوق البيوت المدمرة .
اختتم بقوله: المسرح تلميح وليس تصريح، ولابد أن يعبر عنه تعبيرا واقعيا مدروسا
لكن نكرر قولن: من الذي يقف مع المبدعين؟
لماذا لم تصل رسالاتهم عبر الدنيا؟ ولماذا كتاباتهم غير مقروءة في العالم.
أرى أن المسئولية تقع على المسئولين بدءا من رأس الهرم، وكل من هو في موقع مسئولية خاصة اتحاد الكتاب.
هنا استذكرت الأستاذة فتحية نصا كتابته بذات مضمون مسرحية الدكتور حسين وهو بعنوان: مهر طلبته، مهر دفعته
قبلت بك عريس
بس أنا عروسة وعندي شروطي
مهري غير عن البنات
ما بدي اسوارة ولا حلق
لا بدي عفش ولا بدلات
مهري صاروخ وبندقية
بدي صاروخ
يضرب المستوطنات
صاروخ يتخطى الحدود
ويقتل ألف وميّة
والحفلة تكون في الميدان
أو في بيتك فوق الركام
أو صالة ع ركام بيت
دمرته قنبلة غبية
والحفلة قاسم نجار يحييها
ويغني تل أبيب اضرب
و والله وعملوها الفدائية
**
السيد خلوصي عويضة قال: ألا ترى أن الحرب في جوهرها هي عبارة عن سياسة عنيفة، والأديب الذي يريد أن يتميز لابد أن يركز على النتائج السياسية.
أما رحاب كنعان: فقالت: عشت الحروب، وأجدها وجها واحدا؛ قتل ودمار ودم، كتبت عن حروب لبنان، فهل نجتر أنفسنا ونعيد ما كتبناه؟
الشابة أمل العصار: قالت: نحن نتكلم عن الكتابة في الحرب، أثناء الحرب كنا نرى المشهد والصورة فتتفاعل حواسنا معها ونكتب، لكن بعد الحرب عن ماذا نكتب؟ حتما لن نعود لذات الصورة، هل نعود للكتابة عن اللجوء والهجرة؟
الدكتورة مي نايف قالت: الناس في الخارج تنظر لنا على أن غزة منطقة صغيرة مليئة بالقصص والحكايات؛ فكل مهجر وكل من هو بالإيواء لديه قصة
أنا أنظر للموضوع من جانب أن الإنسان عندما يكون داخل الحدث تغمره المشاعر، وبعد أن يخرج من هذه المشاعر يبدأ أبعد نظرا، فلو كتب من بالضفة، أو من بالوطن العربي فماذا سيكتب؟ لابد من عمل مسح لكل ما كتب، فبعد حرب 1948م أجري مسح لما كتب فتبين أنه بكاء وعويل بلا وجهة نظر مستقبلية، بعد ذلك بدأ الناس يصحوا ويتكلموا عن أفكار وماذا سنفعل بغد، لابد من التوثيق
أيضا يجب أن نعرف ماذا كتب عدونا؟ فهو مُصَدّق أكثر منا والهولوكست شاهد على ذلك، علينا أن نعرف ماذا يقولون عن الحرب
لو نظرنا في كتاباتنا نجد كل فصيل يكتب بحسب وجهة نظره، منهم من يقول انتصرنا ومنهم من يقول لا، علينا متابعة كل الاتجاهات، فما كتب هو مرآة للواقع الموجود، والواقع يشهد بأننا منقسمون ومتشظون
أضافت الدكتورة مي: هل كتب المصريون عن الحرب هذه المرة، وإن كتبوا هل سيكتبون أنها كانت حربا شرسة في ظل العلاقة السلبية معنا
هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها، لقد كان الموت يحيط بكل شخص، والأماكن المدمرة تحمل قصص كثيرة
أخيرا أقول: لدينا مشكلة تتعلق بالنشر، متى سنتمكن من الكتابة عن الحرب؟ أعتقد أنه لاحقا ستختلف الرواية لهذه الحرب
الأديبة يسرا الخطيب قالت: استمعت للحوارات بصمت وتمعن، أنا عشت الحرب كإنسانة طبيعية جدا، عشت كل تفاصيلها، سرعة توال الأحداث جعلني غير قادرة على مواكبتها في الكتابة، كتبت أشياء سريعة، لكن لم تكن لدي القدرة لاستيعاب ما يحدث.
كنت عاجزة عن الخروج من دائرة إنسانيتي، وانشغالي بالكهرباء والماء والطبخ والضيافة، كنت أعيش الحرب بتفاصيلها لكن ما بداخلي لم يخرج بعد
كانت للشابة فاطمة دياب المداخلة الأخيرة قالت فيها: السؤال المطروح: لماذا نكتب ولمن نكتب؟
أنا كقارئ من الشباب، أعيش ظروف استثنائية مختلفة في السياق الإنساني، وأنت رائد عملية التنوير أسألك ألا يجب على الكاتب أن يكون واعيا بالصراع الذي نعيشه، نلمس حالة من التناقض يعيشها المبدع، فبينما يقول رأي في موضع، يناقضه في موضع آخر، على الكاتب ألا يقع في التناقضات
ثم قالت: المبدع يختلف عن السياسي، والمثقف هو حارس البوابة التاريخية وحارس الذاكرة، وعليه ألا ينزوي ويبتعد كي لا يضعف
بالمحصلة في عملية الإبداع لابد أن لا ننتظر من ينشر لنا، وعلينا ألا نتباكى على الآخرين، فماذا فعلنا لسوريا وهي تعاني ما تعانيه؟
بعد المداخلة الأخيرة أجمل الأستاذ غريب ردوده في قوله:
المبدع متسع الثقافة، مدركا لما يحيط به بالقدر الذي يؤهله للتنبؤ على المستوى السياسي، فالحرب وسيلة لهدف سياسي، وهي أداة ينظمها العقل السياسي؛ هو يأمر والبندقية تنفذ
ليس من الضروري أن تكتب لأن الحرب قامت، لكن من الضروري أن نتفاعل مع هذه الحرب، فلسنا مجردين من مشاعرنا الإنسانية، وإن كان لدينا رؤية ووعاء ناجح ومتسع يكون لدينا فرصة للتفاعل، فإما أن نتفائل أو نتشائم
لكن علينا ألا نلقي بكل الهم على العدو، فهو عدو ولن يكون صديق، وهو دموي وسيبتكر ما شاء من وسائل ضد كل شرائع الدنيا
لكن: هل تحصنا إبداعيا لما بعد الحرب، أم سنؤجل ذلك انتظارا لحرب قادمة
اختتم الغريب بقوله: قليل مما كتب سيرتقي لمصاف الإبداع، وقليل منهم سيراجع كتاباته ليرتفع بمستواه.
أما قضية ماذا كتب الآخر عنا يطرح سؤال معجز: ماذا كتبنا نحن عن الآخر؟
سوريا تعيش مآسي كتلك التي عشناها، فهل يكتب عني، أو أكتب عنه؟
كل منا يكتب كجزء من الضحايا، ويكتب عن نفسه لكن الموضوع واحد.
قبل انتهاء اللقاء كانت:
التوصية: قال الأستاذ محمد نصار: لأهمية هذا اللقاء، وموضوع بزخمه والجدال الذي يدور حوله بحاجة لأن يقيم صالون نون الأدبي له لورشة عمل تستغرق يومين وبأوراق عمل مكتوبة
اختتمت الأستاذة فتحية اللقاء بقولها:
إذا ما كتب الإنسان السوي شيئا لابد أنه يعود لمراجعة وتدقيق ما كتبه، ويقول لو وضعت هذا لكان أجود، أو حذفت هذا لكان أفضل
فسميح القاسم ودرويش قالا: الشعب وقف عند قصيدة لكل منهما باتا ينزعجان منها:
فبينما أصبحوا يعرفون محمود درويش ويُعرفونه بقصيدة (سجل أنا عربي)
وسميح القاسم بقصيدة (منتصب القامة)
لقد تمنيا أن يشطب كل منه قصيدته ليسلط الضوء على ما أبدعاه فيما بعدها
إذا الكاتب يتغير ويتطور فيما يبقى المتلقي عند ما لامس مشاعره وحرك وجدانه
رفعت الأستاذة فتحية الجلسة على وعد بلقاء أدبي جديد بإذن الله.
**