أمريكا تَسُوق القوى الاستعمارية، لإخماد ثورة الأمة الإسلامية، متذرعة بمواجهة تنظيم الدولة وحكام الأمّة يهللون، وعلماؤهم لهم يمهدون، فماذا أنتم فاعلون؟! (4)
الكاتب: يوسف سلمان
لقد وظفت أمريكا قبح صفات التنظيم وسوء أفعاله تجاه الفصائل المقاتلة، لتوجيه ضربة قوية إلى الأمة وثورتها ومشروعها، فإنها أيضا قد مهدت - باختراق التنظيم لحدود سايكس بيكو ما بين العراق وسوريا - الطريق واسعًا للمخطط الأمريكي الجديد ليفعل فعله في المنطقة بأسرها. ذلك المخطط القاضي باستبدال حدود استعمارية جديدة بالحدود الاستعمارية القديمة لتكون أكثر تجزيئًا وأشد تفكيكًا من سابقتها، بهدف شل قدرة كل دويلة تقام على أساسها عن الاستقلال الذاتي، وشل قدرة الأمة بهذه الحدود عن التوحد والنهوض، وبذلك ترى أمريكا بجهلها أنها توجه الضربة القاضية للإسلام والمسلمين. وليس صعبًا بعد ذلك على أولئك المتعجلين في الأحكام أن يوفقوا بين قتال أمريكا للتنظيم وبين استخدامه في تحقيق مصالحها الخاصة، إذا ما علموا أنّ أمريكا دولة استعمارية براغماتية تجعل المصلحة الأمريكية القومية لا المبدئية أساسًا لها في علاقاتها الدوليّة، وأنها ضالعة في استخدام أساليب التضليل والتزييف وخداع الشعوب، بل وإبادتها من أجل تحقيق أدنى مصالحها الخاصة إلى درجة يندى لها جبين الإنسانية. والأمثلة على ذلك في تاريخها القصير كثيرة مشهورة.
ومن الأمثلة القريبة على ضلوع أمريكا في التضليل السياسي، أنها لمّا قررت احتلال العراق، أوهمت العالم بوسائلها الخبيثة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأنه لا بد من تجنيب العالم شره المستطير!! فتمكنت بهذه الذريعة القوية من تحقيق مصلحتها بغزو العراق واستباحة حرماته وشل قدراته وربطه بعجلة التخلف والتبعية الاستعمارية الأمريكية الخاصة، ثم بعد ذلك تكشف للعالم أن العراق كان ضحيّة ذريعة أمريكية كاذبة!!.
وتقصد أمريكا بتضليلها السياسي هذا أكثر ما تقصد الأمة الإسلامية، وذلك لما تحاذره فيها من خطر حقيقي، فالأمة بالنسبة إليها هي العدو التقليدي العقائدي، وهي العدو الوحيد الذي يحمل مشروعا حضاريًا يناقض مشروعها، وهي العدو الذي تجرأ اليوم على نبذ مشروعها ويسعى ثائرًا لفرض مشروعه وتصديره أو حمله إلى عقر دارها. فهي تدرك من زمن قديم قوة فكرة الخلافة في الأمة، وتقدر خطورتها، وقد أحالت الشام جحيمًا لعدم عودتها، ولكن الجديد اليوم أنّها قد أيقنت بفشل جميع محاولاتها السابقة، فازدادت مخاوفها أن تسقط الثورة نظامها وتستبدل به الخلافة؛ لذلك هبت لحشد حشدها وقادته بنفسها ودخلت المنطقة ليقينها أن ما تستطيع فعله اليوم في غياب الخلافة، لن تستطيع بالقطع فعله في حضورها، وبذلك يتأكد لدينا أن أمريكا والغرب قاطبة يمارسون في عداوتهم مع الأمة ما يسمى بالهروب إلى الأمام، فهي تسعى لإخماد ثورة الأمة في مهدها قبل أن تسفر عن مولودها العملاق دفاعاً عن وجودها المهدد ونفوذها المزعزع.
صرّح أوباما بعد فترة من إعلان التنظيم لخلافته بقوله (إننا لن نسمح بإقامة خلافة إسلامية بصورة ما في سوريا والعراق، ولكننا لا يمكننا فعل ذلك إلا بشركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ). والعجيب هو حال حكام المنطقة أصحاب الجلالة والسيادة والسمو، أولئك الذين استدعوا وألحوا في استدعاء أمريكا طريدة المسلمين في العراق التي دمرته وفتكت بأهله للعودة إلى البلاد مرة أخرى؛ ليس لاحتلال العراق وحده، بل لاحتلال سوريا معه، وذلك لضمان رفع الخطر الداهم على عروشهم إلى الأبد، بتمكينها من استكمال مخططها الاستعماريّ العالمي في المنطقة كلها. والذين قدموا لأمريكا وحلفائها الكفرة القتلة جميع ما يحتاجونه في عدوانهم من خدمات سياسية وإعلامية وفتاوى شرعية وقواعد عسكريّة ونفقات مالية، بل وهبات منهوبة من ملكيّة الأمة العامة، نظير قتل أبنائها ودرء الخطر الداهم عنهم، والذين دفعوا بفلذات أكباد الأمة من الجنود والطيارين ليكونوا قرابين لأمريكا وحلفائها، يفدونهم بأرواحهم في القتال دونهم في العراق وسوريا، ليس فقط انصياعًا منهم لإرادة هيئتهم الدولية المجرمة، بل استجابة منهم لرغبة عارمة في الإمعان في قتل روح الأمة الجهادية في قلوب إخوانهم المجاهدين الذين ينغصون عيشهم في كل مكان، ويقفون في ثورة الأمة في الشام سدًا منيعًا أمام طموحات أسيادهم في المنطقة.
والعجب العجاب، والأشد والأنكى من حال أولئكم جميعا هو حال من يسمون - بعلماء الإسلام - فحالهم المشاهد وفتاويهم الفاسدة، لا تدل على أنهم علماء السلاطين فقط بل علماؤهم وعلماء أمريكا وسائر دول الغرب الكافر المستعمر؛ لأنهم في الحقيقة هم من سوغ لشذاذ الآفاق هؤلاء مواقفهم المنكرة الفاحشة وأفعالهم الخبيثة الخسيسة تلك، فكان أولئك العلماء هم السبب الممهد غير المباشر لجميع ما حل بالأمة من ويلات ونكبات وهزائم طوال عهدهم أو عهد أسيادهم الجبري كله.
وعليه فهم في الواقع من نهب أموال الأمة لقتلهم بها، وهم أيضاً من فتح أرض البلاد وسماءها لجواسيس وضباط ومقاتلات أمريكا وأخواتها، لإخماد ثورة الأمة الباسلة في الشام، وقتل المجاهدين الأبطال والسكان الآمنين فيها. وأولئك العلماء قبل ذلك وبعده هم من رحب بتسويد الحكام العملاء ابتداء، وقام بإسناد عروشهم بما لديهم من مكانة علمية، وهم من دعا إلى الركون إليهم مع بغيهم وفجورهم، وخذَّل المخلصين الذين يحملون همَّ الدعوة والأمة، ويتصدون لهم بالكفاح السياسي وينشطون في الأمة بالتفاعل الفكريّ للتحرر من سلطانهم واستئناف الحياة الإسلاميّة بعيدا عنهم، وهم الذين يسارعون في الفتاوى الشرعية على أهوائهم وأهواء أسيادهم المستعمرين، فكان مثل أولئك العلماء الذين اتبعوا ما أترفوا فيه بانسلاخهم من آيات الله التي استحفظوها من كتاب الله، كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث.
إنّ دولة الخلافة الحقيقية لم تقم بعد، لأنّ قيامها سيكون قياما مدوّيا صاعقًا لأمريكا ذاتها ولجميع من يناصرها لأنها ستقطع يد الاستعمار الآثمة وتنهي وجوده في المنطقة وتقضي على نفوذه الدولي الذي لا يستحقه. إن دولة الخلافة الحقيقية التي تخشاها أمريكا ويخافها الغرب والتي تنشدها ثورة الشام ويطلبها المسلمون، إنما هي التي يقررها الإسلام، ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. تلك الدولة المفروضة الموعودة المطلوبة التي ترضي الرب وتسعد العبد وترغم أنوف دول الغرب، وذلك لعظم أثرها في حياة المسلمين وحياة الناس أجمعين.
فهي التي تظهر شخصية الأمة القيادية، وتنمي عناصر خيريتها وتعيدها إلى سجيتها الأصلية الكريمة، وهي التي توحد أقطارها المتباعدة، وتؤلف بين قلوب شعوبها المتنافرة، وتستجمع قدراتها المبعثرة، وتستثمر ثرواتها المتنوعة، وتطلق طاقاتها الكامنة، وهي التي توجه أقصى إمكاناتها المستطاعة نحو قيادة الناس قيادة فكرية مبدعة، تقلب بها المفاهيم والموازين والأوضاع الخاطئة المضللة بمفاهيم الإسلام المستنيرة الهادية المسعدة، التي تضخ الدولة كوادرها حشودا حاشدة لبناء الحياة الإسلامية المتفردة من العلماء والمفكرين والسياسيين والمجتهدين والفقهاء الذين يرتادون ميادينها في كل مضمار.
فدولة الخلافة المرتقبة هي التي توفر للأمّة أسباب القدرة على اكتشاف مؤامرات ومناورات وألاعيب دول الكفر، وتبادر بمكافحتها بجرأة، وهي التي تمنح القدرة على إدارة شؤون البلاد ورعاية مصالح العباد والعناية بها بحنكة، وهي التي إذا ما تركزت في حياة الأمة أوصلتها إلى أرقى مستوى معيشي يمكن للإنسان أن يبلغه حين تحقق للإنسان إنسانيته واهتداءه ورفاهيته في آن واحد، فتجعل أعماله وطريقة عيشه سبيلا لسعادته في الحياة الدنيا والحياة الآخرة.
وعندها سيرى حكام العالم وشعوبه روعة قيادتها وسمو ريادتها، يرى حكام العالم الخليفة كيف يقود الصراع الدولي على الأساس العقائدي المشرف، وليس على الأساس المصلحي المشين، يقوده وفق استراتيجية تقررها أحكام الإسلام، وليس وفق أهواء رجال المال! وسترى شعوب العالم بجميع عقائدهم كيف يصون الخليفة الحرمات، ويأمر بالمكرمات، ويعين على النائبات،كيف يقود الخليفة الناس بالحق ويدعوهم إلى الرشد ويحكمهم بالعدل، فيسوي بين الرعية ويقسم بالسوية... عندها يدركون أن لو كانوا يعلمون ما لبثوا في العذاب المهين.
إن مصير هذا الاحتشاد الدولي الصليبي هو الفشل الذريع؛ لأنّه تعاون على الإثم والعدوان على أمة خيرية تنشد حقها في الحياة على ربوع بلادها وفق الإسلام دين رب العالمين، الذي آمنت به واتخذته قضيتها المصيرية، ومارست في سبيله إجراء الحياة أو الموت، وهي تواجه آلة الغرب العسكرية المدمرة طوال أربع سنوات شداد، قاتلت فيها بثبات المؤمنين وعزائم المجاهدين وأوشكت أن تظفر بموعودها القطعي بالنصر والاستخلاف والتمكين في الأرض... ولذلك لن تقوى كل جيوش الأرض على هزيمتها أو إخماد ثورتها أبدا.
وأخيرا فإن الأمة الإسلاميّة الكريمة قد آن أوان تحرّرها من ربقة العهد الجبري، الذي قهرها به المستعمر الكافر مباشرة وعبر أدواتهم حكام المنطقة وأدوات أدواتهم علماء السوء قرابة قرن من الزمان، وإن أبناء الأمة في ثورة الأمل في الشام الأبية التي اكتوت بنار التحالف الدولي بعد تحالف العملاء بالوكالة عليها ما يقارب الأربعة أعوام قد عرفوا في خضم هذا العدوان القذر عدوهم من صديقهم، ما ينفعهم وما يضرّهم، وأبصروا طريق أمّتهم التحريري، فاتخذوه طريقا ووعوا على مشروعها الحضاريّ، فاتخذوه مشروعا، فأصبح للأمة في الشام قضية مصيرية تعيش لها وتقاتل من أجلها، فمضت لتحقيقها في واقع حياتها غير ملتفتة إلى شرق أو غرب وغير عابئة بوعد أو وعيد، ولا مكترثة بتدبير أو تدمير. ذلك لأنّها والحمد لله قد اعتصمت بهدي ربها وارتضت رسولها محمدا قائدا لها؛ فلن يثنيها عن إقامة دولتها واستعادة حياتها الإسلاميّة بها ولو دخلت عليها من أقطارها.
وجدير بأمّة كريمة ذلك حالها، ألا يكون لعدوها عليها سبيل أبدا، فتبادر من فورها بجعل الإسلام أساسًا لصراعها المحتدم، فتقف فصائلها المقاتلة في الشام وقفة رجل واحد في وجه عدوها الذي يناصبها العداء في أرضها وسمائها؛ لتسقط عميلها الحقير بشار وتقيم الخلافة مع روادها السياسيين من حزب التحرير على وجهها الشرعي، وتدحر الحلف الباغي الذي يسنده وتقف شعوبها في سائر بلاد الإسلام وقفة رجل واحد في وجه حكامها العملاء الأنجاس المتواطئين مع عدوها، لتسقط عروشهم على رؤوسهم, وعلى رؤوس أعوانهم علماء السوء، وتعمل على إلحاق البلاد بمركز الخلافة الراشدة لتستأنف مسيرة الجهاد والدعوة حتى تبلغ مشارق الأرض ومغاربها. فهذه رسالة الأمّة وهي جديرة بحملها وإنجاز أكبر المهمّات بها على كافة الصعد والمستويات وسيظل النصر يسير في ركابها إلى يوم الدين.