مفتي مصر يفتري على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يأمر بإعادة الخلافة الإسلامية!!
الكاتب: أبو مصطفى
مقالات - 2014/10/27م
في مقابلة مع شبكة سي بي سي جرت منذ أيام قليلة، قال مفتي مصر: (إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: فإذا لم يكن في الأرض خليفة فالزم بيتك، واعتزل تلك الفرق كلها، ولم يقل لهم: أقيموا الخلافة ثانية مثلما تقول داعش، بل قال: لا ما "تعملش" خلافة، عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامّة).
بعد أن أدرك الغرب فشله في منع تحوّل مشروع الخلافة الإسلامية الراشدة إلى رأي عام لدى المسلمين، وجد أن الوقوف في وجه إقامتها يكمن في تشويه صورتها والتشكيك في صلاحيتها في عصرنا الحالي، وفي وجوبها من الناحية الشرعية. فجنّد أقلاما مأجورة وأَلْسِنَة "علماء" منحرفين لديهم من الجرأة على دين الله ما يكفي لينكروا أمرا معلوما وجوبه شرعًا لدى علماء الأمة على مرّ العصور. فجاء كلام مفتي مصر في سياق الحرب على مشروع الخلافة، ضاربًا بعرض الحائط النصوص الشرعية التي توجب على المسلمين العمل لإقامة الخلافة في أقصى سرعة وأقصى طاقة، بل زاد على جريمة إنكاره وجوب إقامة الخلافة، جريمة أخرى بافترائه على النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: (إنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا ما "تعملش خلافة")!! وليُكمِل المفتي جريمته في ضرب مشروع الخلافة، أضاف إلى إنكاره وجوب إقامة الخلافة أمرا آخر يدل على خُبث مقصوده، وهو تنفير المسلمين من مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة عن طريق ربطه مشروع الخلافة الصحيح بخلافة "داعش" الاسمية والمشوَّهة والمشوِّهة لصورة الخلافة التي أمر الله تعالى بإيجادها، مع أن المفتي يعلم حزب التحرير ودعوته لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة منذ عقود!! وهو يعلم أن تنظيم الدولة طارئ على هذا المشروع، بل إنه يُستغل من قِبَل أعداء الإسلام لتشويه صورة الخلافة الناصعة، ولضرب العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة تحت ستار الحرب على "تنظيم الدولة"... فقام المفتي بكل ذلك ليزعزع فكرة الخلافة في عقول المسلمين عن طريق التشكيك بالأدلة التي تأمر المسلمين بشكل صريح بإقامتها، ولينفّرهم شعوريا منها حتى لا يسعوا لإقامتها من جديد.
إن المفتي استند في نَفْيِه وجوب إقامة الخلافة إلى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام لم يتضمن أمرا منه بإقامة الخلافة. ولكن هل الحكم الشرعي يُؤخَذ من نص واحد، أو أنه يجب أخذه من كل النصوص الشرعية المتعلقة به؟؟!! فلماذا أغفل المفتي النصوص الكثيرة التي تأمر المسلمين بالحكم بما أنزل الله ومبايعة خليفة للقيام بهذا الفرض العظيم؟؟
إن الحديث الذي استند إليه المفتي في إنكاره لوجوب إقامة الخلافة قد ورد في الصحيحين، ولفظه عند البخاري: عن حذيفة بن اليمان قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
فالمفتي يبرّر قوله بعدم وجوب العمل لإقامة الخلافة بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر حذيفة في حالة عدم وجود خلافة أن يعمل لإقامتها من جديد.
والمدقِّق في هذا الحديث يجد أن جواب النبي عليه الصلاة والسلام لحذيفة بالاعتزال لا يتعلّق باعتزال العمل لإقامة خلافة ومبايعة خليفة، وإنما هو متعلق بأمر محدد وهو اعتزال الفرق التي وصفها بقوله: «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها»، وبالغ في وصف اعتزاله لتلك الفرق إلى حد أن يعضَّ على أصل شجرة حتى يدركه الموت وهو مبتعد عن الدعاة المُضلِّين الذين على أبواب جهنم. وممّا يؤكّد هذا المعنى، ما جاء من طريق آخر للرواية أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لحذيفة: «فإن تَمُتْ يا حذيفة وأنت عاضٌّ على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم». فالنص واضح أنه يتعلق باعتزال الفرق التي تحمل دعوة تودي بأصحابها إلى جهنم. فهذا الحديث ليس فيه أي عذر لترك القيام بالعمل لإقامة الخلافة ولا أي ترخيص في ذلك، وإنما هو محصور بالأمر بابتعاد المسلم عن الفرق الضالة، ليسلم بدينه من دعاة الضلال ولو عضّ على أصل شجرة، لا أن يبتعد عن العمل مع المسلمين العاملين، ويقعد عن القيام بأحكام الدين وعن إقامة خلافة تطبّق الإسلام.
وإن كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر في هذا الحديث بالعمل لإقامة خلافة لا يعني أن العمل لإقامة الخلافة ليس واجبا، لأن وجوب العمل لإقامة الخلافة جاء في نصوص أخرى. والنبي عليه الصلاة والسلام لم يطلب من حذيفة في هذا الحديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل يصح القول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس واجبا؟؟ بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب لأنه قد نصّ الشرع على وجوب ذلك في نصوص كثيرة. وهكذا العمل لإقامة الخلافة ومبايعة خليفة، فإنه ليس معنى عدم النص على وجوبه في حديث معين أنه يكون غير واجب، بل العمل لإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة واجب شرعا لأن الشرع قد نصّ على وجوب ذلك في أدلة كثيرة. ولأن المقام لا يتسع لذكر الأدلة كلها، فسأكتفي بالقول:
إن الإسلام قد فرض على المسلمين الحكم بما أنزل الله، وذلك لا يتأتَّى قطعا بغير دولة وحاكم، فوجوب الحكم بما أنزل الله وتطبيق الإسلام تطبيقا كاملا يقتضي وجود حاكم للقيام بهذا الفرض. أما أن هذا الحاكم الذي يحكم الناس بالإسلام ويرعى شؤونهم بأحكام الشرع الإسلامي هو الخليفة، فإن ذلك واضح من أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام حيث يقول: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». ففي هذا الحديث يُبَيّنُ النبي عليه الصلاة والسلام أن الحاكم بعده الذي يرعى شؤون الناس هو الخليفة، وأمر ببيعة الخليفة للقيام بواجب رعاية شؤون المسلمين بأحكام الإسلام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أجمع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على وجوب مبايعة خليفة للرسول عليه الصلاة والسلام بعد موته، وكذلك بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه.. وبناء على تلك الأدلة وكثير غيرها، لم يكن وجوب إقامة الخلافة ومبايعة خليفة موضع خلاف بين علماء المسلمين.. ونتيجة فهم المسلمين لهذا الواجب العظيم والقيام بتنفيذه استمرت الخلافة الإسلامية منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حتى آخر خليفة عثماني عندما تم إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924.
إن مفتي مصر قد أتى أمرًا عظيمًا بإنكاره وجوب إقامة خلافة بعد سقوطها، ولكنه جاء بأمر أعظم عندما نسب زورا إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا ما "تعملش" خلافة)، ومعنى قوله هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس فقط لم يأمر بإيجاد خلافة بل إنه نهى عن العمل لإقامة الخلافة!! والغريب في أمر هذا المفتي أنه عند الحديث عن إقامة الخلافة وَجَّهَ دعوة إلى الاعتزال والجلوس في البيت، ولكنه في البيعة للسيسي والمشاركة في الانتخابات وفي تشريع دستور كفر ليحكم مصر، وفي ظلم المسلمين هناك من قبل حكام مصر لم يعتزل المفتي كل تلك المحرّمات ولم يأمر المسلمين باعتزالها وعدم القيام بها، بل قام بها واعتبر القيام بتلك المحرمات واجبا شرعيا!! أفي طاعة الله تأمر المسلم بالاعتزال أيها المفتي، بينما في معصية الله تأمره بالمشاركة بل والمسارعة في ذلك؟؟!!
فهل صار السيسي عندك أيها المفتي من الدعاة إلى الجنة، فتأمر المسلمين بمبايعته، وليس اعتزاله؟؟ بينما صار العاملون لإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوّة عندك من الدعاة على أبواب جهنم، فتأمر المسلمين باعتزالهم!!
ألا فاعلم أيها المفتي أن ما قلتَه، إن لم تتراجع عنه وتتب، فلن تجني من ورائه إلا الخزي في الدنيا، وأما في الآخرة فأمرك إلى الله تعالى هو أعلم سبحانه بما تستحقه...
أما الخلافة التي أنكرتَ وجوبها فإنها ستقوم بإذن الله، فهذا وعد الله تعالى وبشرى رسوله عليه الصلاة والسلام، ونسأل الله تعالى أن يكون قيامها أقرب مما نتصور...
وأما العاملون لإقامتها، فإنَّ طعنَك بهم، بل وتشبيهك إياهم بالدعاة إلى جهنم، فهو لن يُضعِف إرادتهم، ولن يُوهِن من عزيمتهم، ولن ينال من اندفاعهم، ولن يجعلهم يتراجعون عن القيام بهذا الواجب العظيم والاستمرار بحمل دعوة الاسلام حتى يظهره الله على أيديهم، فهم قد عاهدوا الله وبايعوه على هذا والله تعالى مُعينُهم وناصرُهم.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».