لبنان لم يعد يتسع لحزب الله
24.01.2015
أوّاب المصري
الشرق القطرية
الخميس 22-1-2015
على غير عادته وفي أسبوع واحد، خرج السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في إطلالتين إعلاميتين: الأولى خلال كلمة مباشرة مخاطباً جماهيره من وراء شاشة كبيرة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، والثانية في لقاء متلفز على قناة الميادين.
في كلتا الإطلالتين، لم يحتل الشأن اللبناني حيزاً أساسياً في حديث نصر الله، بل كان ملفاً من ضمن ملفات أخرى.
كي لا نظلم الرجل لابد من الإقرار بأن نصر الله حرص في إطلالتيه على تقديم الشأن اللبناني على غيره من الملفات، هذا التقديم لا يعود بالضرورة لأهميته بالنسبة لحزب الله، فربما يكون السبب أنه يريد الانتهاء من هذا الملف، كي يتفرغ للحديث عن الملفات الإقليمية.
يدرك جميع اللبنانيين أن حزب الله بات أكبر من بلده، وأن تأثيره لم يعد محصوراً بالداخل اللبناني، وأن دوره الإقليمي وربما الدولي يحتل أولوية أكبر بكثير من الهموم اللبنانية، وأن القضايا التي يعتبرها اللبنانيون مصيرية وأساسية هي هامشية وتفصيلية بالنسبة إليه، يدرك اللبنانيون هذه الحقيقة جيداً، لذلك، هم يعلمون مثلاً أن قرار مشاركة حزب الله في مساندة النظام السوري لم يكن يوماً من الأيام يهدف لتحقيق مصلحة لبنانية، ولا لحماية اللبنانيين رغم كل الذرائع الواهية التي قدمها الحزب لجمهوره. على العكس، فقد ثبت أن مشاركة الحزب في سوريا انعكست سلباً على لبنان واللبنانيين، وشكلت ذريعة منطقية لتنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية لاستهداف لبنان بسلسلة من التفجيرات الانتحارية، وأيضاً لإقناع شريحة من الشباب اللبناني بالانضمام إلى صفوفهما، انتقاماً مما يفعله حزب الله على الأراضي السورية.
في المقابل، أهمل الحزب الموقف الرسمي للدولة اللبنانية الذي التزم سياسة "النأي بالنفس" والحياد عما يجري في سوريا، فغرق وأغرق معه لبنان في وحول الأزمة، وصدم اللبنانيين بالحقيقة المرّة، وهي أن مطالبته بالخروج من المستنقع السوري لا طائل منها، وأن عليهم أن "يخيطوا بمسلّة أخرى". وقد تردد على لسان أكثر من مسؤول بشكل واضح أن قرار مشاركة الحزب في سوريا لم يصدر من غرفة اجتماع شورى القرار في حزب الله بالضاحية الجنوبية، بل من طهران، وهذا يعني أن التراجع عن هذا القرار لا يكون أيضاً إلا من طهران. وكم من مرة طلب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من حزب الله الانسحاب من سوريا، لمخالفته الغاية من تشريع سلاح الحزب، والذي يفترض أنه مخصص حصراً لحماية لبنان من أي اعتداء إسرائيلي، لكن لا حياة لمن تنادي.
يدرك اللبنانيون أن لواء المقاومة الذي يرفعه حزب الله ويحتكره في مواجهة إسرائيل أسهم في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال. لكنهم يدركون أيضاً وربما قبل ذلك أن هذه المقاومة تؤدي أدواراً أخرى، وهي ورقة قوة أساسية بيد إيران في صراعها مع الغرب. لذلك لم يكن مستغرباً أن تدخل إيران طرفاً أساسياً في المفاوضات التي جرت في مراحل سابقة لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
الجديد لدى حزب الله هو أن دوره لم يعد مؤثراً في محيطه فقط، فصار عابراً للحدود، فتدخله فيما يجري في البحرين لم يعد سراً، ولعلّ الكلام الذي صدر عن حسن نصر الله في إطلالتيه الإعلاميتين الأخيرتين دليل واضح على أصابع الحزب فيما يجري في البحرين. الأمر نفسه ينطبق على اليمن، ومن يتابع المسار الذي تنتهجه حركة أنصار الله (الحوثيون) للسيطرة على اليمن، يدرك أنه المسار نفسه الذي اتبعه حزب الله في لبنان، وتحديداً في مايو 2008، للإمساك بمفاصل البلد، والهيمنة عليه. ومن المعروف أن صور أمين عام حزب الله لا تغيب عن تظاهرات الحوثيين.
كل ما سبق ليس جديداً على اللبنانيين، وليس في يدهم حيلة للوقوف بمواجهته. فمن المعروف أن قدرة حزب الله أهم من قدرات الدولة اللبنانية، وأن الحزب بات دولة داخل الدولة وأقوى منها، ما يريده اللبنانيون هو أن يتوقف حزب الله عن التستر في عباءته اللبنانية وأن يجد إطاراً جديداً يتحرك من خلاله يتناسب مع الأدوار التي يقوم بها خدمة للآخرين على حساب لبنان. فموقف الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية بات محرجاً، فأمين عام حزب الله لم يعد يجد حرجاً في تهديد إسرائيل، وتوصيف الصراع في سوريا ووضع سقف له، ومشاركة آلاف من عناصره في مساندة النظام، والتهجم على مملكة البحرين بأقذع التشابيه، كل ذلك والدولة اللبنانية تجلس على مقاعد المتفرجين، تحتار في كيفية رفع الركام الذي يخلّفه حزب الله وراءه.
24.01.2015
أوّاب المصري
الشرق القطرية
الخميس 22-1-2015
على غير عادته وفي أسبوع واحد، خرج السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في إطلالتين إعلاميتين: الأولى خلال كلمة مباشرة مخاطباً جماهيره من وراء شاشة كبيرة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، والثانية في لقاء متلفز على قناة الميادين.
في كلتا الإطلالتين، لم يحتل الشأن اللبناني حيزاً أساسياً في حديث نصر الله، بل كان ملفاً من ضمن ملفات أخرى.
كي لا نظلم الرجل لابد من الإقرار بأن نصر الله حرص في إطلالتيه على تقديم الشأن اللبناني على غيره من الملفات، هذا التقديم لا يعود بالضرورة لأهميته بالنسبة لحزب الله، فربما يكون السبب أنه يريد الانتهاء من هذا الملف، كي يتفرغ للحديث عن الملفات الإقليمية.
يدرك جميع اللبنانيين أن حزب الله بات أكبر من بلده، وأن تأثيره لم يعد محصوراً بالداخل اللبناني، وأن دوره الإقليمي وربما الدولي يحتل أولوية أكبر بكثير من الهموم اللبنانية، وأن القضايا التي يعتبرها اللبنانيون مصيرية وأساسية هي هامشية وتفصيلية بالنسبة إليه، يدرك اللبنانيون هذه الحقيقة جيداً، لذلك، هم يعلمون مثلاً أن قرار مشاركة حزب الله في مساندة النظام السوري لم يكن يوماً من الأيام يهدف لتحقيق مصلحة لبنانية، ولا لحماية اللبنانيين رغم كل الذرائع الواهية التي قدمها الحزب لجمهوره. على العكس، فقد ثبت أن مشاركة الحزب في سوريا انعكست سلباً على لبنان واللبنانيين، وشكلت ذريعة منطقية لتنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية لاستهداف لبنان بسلسلة من التفجيرات الانتحارية، وأيضاً لإقناع شريحة من الشباب اللبناني بالانضمام إلى صفوفهما، انتقاماً مما يفعله حزب الله على الأراضي السورية.
في المقابل، أهمل الحزب الموقف الرسمي للدولة اللبنانية الذي التزم سياسة "النأي بالنفس" والحياد عما يجري في سوريا، فغرق وأغرق معه لبنان في وحول الأزمة، وصدم اللبنانيين بالحقيقة المرّة، وهي أن مطالبته بالخروج من المستنقع السوري لا طائل منها، وأن عليهم أن "يخيطوا بمسلّة أخرى". وقد تردد على لسان أكثر من مسؤول بشكل واضح أن قرار مشاركة الحزب في سوريا لم يصدر من غرفة اجتماع شورى القرار في حزب الله بالضاحية الجنوبية، بل من طهران، وهذا يعني أن التراجع عن هذا القرار لا يكون أيضاً إلا من طهران. وكم من مرة طلب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من حزب الله الانسحاب من سوريا، لمخالفته الغاية من تشريع سلاح الحزب، والذي يفترض أنه مخصص حصراً لحماية لبنان من أي اعتداء إسرائيلي، لكن لا حياة لمن تنادي.
يدرك اللبنانيون أن لواء المقاومة الذي يرفعه حزب الله ويحتكره في مواجهة إسرائيل أسهم في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال. لكنهم يدركون أيضاً وربما قبل ذلك أن هذه المقاومة تؤدي أدواراً أخرى، وهي ورقة قوة أساسية بيد إيران في صراعها مع الغرب. لذلك لم يكن مستغرباً أن تدخل إيران طرفاً أساسياً في المفاوضات التي جرت في مراحل سابقة لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
الجديد لدى حزب الله هو أن دوره لم يعد مؤثراً في محيطه فقط، فصار عابراً للحدود، فتدخله فيما يجري في البحرين لم يعد سراً، ولعلّ الكلام الذي صدر عن حسن نصر الله في إطلالتيه الإعلاميتين الأخيرتين دليل واضح على أصابع الحزب فيما يجري في البحرين. الأمر نفسه ينطبق على اليمن، ومن يتابع المسار الذي تنتهجه حركة أنصار الله (الحوثيون) للسيطرة على اليمن، يدرك أنه المسار نفسه الذي اتبعه حزب الله في لبنان، وتحديداً في مايو 2008، للإمساك بمفاصل البلد، والهيمنة عليه. ومن المعروف أن صور أمين عام حزب الله لا تغيب عن تظاهرات الحوثيين.
كل ما سبق ليس جديداً على اللبنانيين، وليس في يدهم حيلة للوقوف بمواجهته. فمن المعروف أن قدرة حزب الله أهم من قدرات الدولة اللبنانية، وأن الحزب بات دولة داخل الدولة وأقوى منها، ما يريده اللبنانيون هو أن يتوقف حزب الله عن التستر في عباءته اللبنانية وأن يجد إطاراً جديداً يتحرك من خلاله يتناسب مع الأدوار التي يقوم بها خدمة للآخرين على حساب لبنان. فموقف الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية بات محرجاً، فأمين عام حزب الله لم يعد يجد حرجاً في تهديد إسرائيل، وتوصيف الصراع في سوريا ووضع سقف له، ومشاركة آلاف من عناصره في مساندة النظام، والتهجم على مملكة البحرين بأقذع التشابيه، كل ذلك والدولة اللبنانية تجلس على مقاعد المتفرجين، تحتار في كيفية رفع الركام الذي يخلّفه حزب الله وراءه.