رعاية المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
الهيثم زعفان | 14/4/1430 هـ
كلمة "مخترع" لا تقف عند حدودها اللفظية فهي كلمة يمكنها أن تحدث نهضة ونقلة نوعية في شتى المجالات التكنولوجية، ومن ثم انعكاس ذلك على نهضة الأمة وتقدمها التقني والعمراني.
وحتى نصل إلى تطبيق تلك الكلمة، فإننا نمر عبر مراحل متعددة من التربية على التميز، إلى اكتشاف المتميز، مروراً بتأهيل المتميز ليكون مخترعاً، انتهاءً بميلاد الاختراع، وكل ذلك في ظل بيئة تربوية علمية رصينة.
لننتقل بعد ذلك إلى كلمة أخرى لا تقل في أهميتها عن الأولى ألا وهي "الاختراع"، فكم من الاختراعات ضاعت هباءً منثوراً لأنها لم تولد في بيئة تعرف قيمتها الحقيقية وتسير بها في مسارها الطبيعي ليعود نفعها على تلك البيئة، والمجتمع الذي يضمها.
والمتأمل لواقع العالم الإسلامي الآن يجد أن الكلمتين بحاجة إلى رعاية مكثفة على المستوى الأسري والمجتمعي.
فالمخترع حاله كحال البحث العلمي في العالم الإسلامي، حيث جل اهتمام الأسر منصب على توجيه الأبناء نحو الوظائف المؤمنة بعوائد مالية تحقق الاستقرار، أو التي توفر مكانة مهنية تتحقق معها الوجاهة الاجتماعية، بغض النظر عن التوظيف الأمثل للملكات العلمية للأبناء.
أما على مستوى الأمة فإن غالب المجتمعات الإسلامية لا تتحقق معها المعادلة العلمية المعينة على الإبداع العلمي ومن ثم الاختراع، بل تضع الباحث العلمي في مناخ احتياجي ومعيشى يصرفه عن أولوياته العلمية.
وغالب المؤسسات المعنية بالاختراع في البلدان الإسلامية بشهادة المخترعين لا نجد لها بصمة عملية في تطبيق الاختراعات، وهي مدفوعة بذلك إما بضعف الاعتمادات المالية أو البيروقراطيات الوظيفية التي لا تتناسب مع الايقاعات العلمية، هذا فضلاً عن التقارير الصحفية المشيرة إلى الفساد في بعض قطاعات الاختراعات لصالح بلدان منافسة تقتنص الاختراع بأموال زهيده، إضافة إلى تهافت الشركات الدولية على شراء براءات الاختراع في العالم الاسلامي مدندنة بذلك على وتر احتياج المخترع وتعسر تسويق اختراعه.
لتطور الاختراع وتخرجه للنور، ثم تعيد بيع مخرجاته للبلدان الإسلامية بأغلى الأثمان بعدما تمتلك مدخلاته وتنفق على عملياته.
لتبرز بذلك أزمة المخترع والاختراع والتي يلمسها كل من احتك بأروقة البحث العلمي، وكذلك كل مطلع يعرف أهمية ودور الاختراع في صناعة الأمم وتقدمها تلك الأزمة التي يمكن توصيف أبرز مؤشراتها بالصورة التالية:-
إطلالة سريعة على بعض مؤشرات أزمة المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
1- ضعف ثقافة الإبداع والاختراع داخل المجتمعات الإسلامية، وفي هذا الصدد يلاحظ على المناخ العام في العالم الإسلامي قلة الدعاية والإعلان اللازمين لجذب واكتشاف المخترعين، وإحداث جو إعلامي علمي مصاحب لصناعة الوعي المجتمعي بالاختراع واكتشاف المخترعين.
2- ضعف الاهتمام باكتشاف المخترعين والمبدعين على مستوى الأسرة والمجتمع.
3- ضعف الاهتمام بالبحث العلمي ومخرجاته، وقلة النفقات المخصصة له في العالم الإسلامي.
4- ضعف الاهتمام باختراعات واكتشافات المبدعين، مع تعقد الإجراءات الإدارية المصاحبة لرحلة تقنين الاختراع والحصول على برائته.
5- عدم وجود مؤسسة قومية تنتقل بالاختراع من التنظير إلى التطبيق.
6- غياب الاعتمادات المالية المخصصة لتطبيقات الاختراعات.
7- غياب المؤسسات التسويقية التي تلعب دور الوسيط بين المخترع والمؤسسة الصناعية المتقاطعة مع اختراعه وابتكاره.
8- انتشار الفساد في بعض القطاعات المطلعة على الاختراعات.
9- سرقة الأبحاث العلمية من قبل الدول الأجنبية؛ وفي هذا الصدد يشير الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي المصري للبحوث إلى أن مشكلة سرقة الأبحاث من المشاكل الكبرى التي تواجه البحث العلمي والتي كثيراً ما تحدث تحت مظلة التعاون البحثي المشترك مع المراكز الأجنبية.
10- عدم رغبة بعض القوى الدولية في وجود منتجات يكون المسلمون فيها أصحاب الملكيات الفكرية بحيث يتحرروا بها من أسر خطوط الانتاج، وذلك لوأد أية نهضة أو تميز علمي وتقني إسلامي قد يحدث نوع من الحصرية في سوق التنافس الدولي، وفي ضوء ذلك تمارس تلك القوى كل الأساليب المتاحة لديها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
ولمحاولة تجاوز تلك الأزمة فإنه يمكن وضع بعض آليات لرعاية المخترع المبدع والاختراع الناتج عن إبداعاته في العالم الإسلامي وفق مجموعة من الأدوار الموزعة بين الأسرة والمجتمع والتي يمكنها أن تأخذ الصورة التالية:-
الأسرة ودورها في تنشئة المخترع ورعايته
المخترع هو شخص متميز لديه مؤهلات الابتكار والإبداع، وكلما كان اكتشاف المتميز في سن مبكرة كان توظيف طاقاته وتوجيهها أفضل وأفعل، فالنشء قد يكون متميز ولكنه لا يعلم قدرات نفسه ولا تساعده البيئة المحيطة على بروز تلك القدرات المهارية، وبالتالي فهو يضيع في وسط الزحام، فقد يكون في أسرة ما طفل متميز لكن الأسرة لا تدرك أن ابنها لديه طاقات إبداعية يمكن تطويرها وتنميتها ليصير الإبن مبدعاً نافعاً لأمته. ومن هنا فإن الأسرة تلعب الدور الرئيسي في اكتشاف الطفل المتميز المؤهل لأن يكون مخترعاً يوماً ما.
وحتى تؤدي الأسرة دورها ابتداءً نحو أبنائها لتهيئة المناخ الإبداعي لديهم فإن عليها القيام بدورين أساسيين:
1-بث ثقافة الاختراع والإبداع بين الأبناء الصغار، وذلك بتشجيع الأبناء على التفكر والتأمل واستنباط النتائج والتفسيرات للظواهر والشواهد، مع التهيئة النفسية للأبناء لأن يكونوا مبتكرين ومبدعين.
2-توفير كافة معينات التميز والإبداع من ألعاب وقصص مخترعين وبرامج حوسبة تثري ملكات الإبداع لدى الأبناء.
وفي حالة ملاحظة علامات التميز الإبداعي لدى أحد الأبناء فإننا سنكون بصدد طفل مرشح لأن يكون مبدع أو مخترع، وعلى ذلك فلو تم تكثيف رعايته وتوفير البيئة العلمية الإبداعية له بالتواصل مع العلماء والمؤسسات المرتبطة بمجال نبوغ الابن ولو على المستوى الشخصي، مع التشديد على الإنفاق عليه نفقة علمية أسرية مستقلة عن النفقات الأسرية المعتادة، فإن ذلك قد يعزز من فرص نبوغ هذا الإبن وتطوره.
وإذا قدر لهذه الأسرة أن يكون ابنها في مصاف المبتكرين والمخترعين فإن عليها أن تتعامل مع ابنها في كافة مراحل عمره معتبرة نبوغه الإبداعي استثمارً خاصاً لها لا تبخل عليه بكافة احتياجاته العلمية اللازمة لتنمية إبداعاته، وتطوير ابتكاراته.
وهكذا تكون تلك الأسرة قد قطعت شوطاً كبيراً في اكتشاف ورعاية إبنها المرشح لأن يكون مخترعاً مؤثراً باختراعاته في المجتمع.
لتأتي بعد ذلك مرحلة أخرى من مراحل رعاية المخترع وتطوير ملكاته وهي مرحلة مؤسسية قائمة على الدور المجتمعي وهي ذات شقين: شق استكشافي من خلاله يتم اكتشاف المخترعين والمبدعين والمتميزين العلميين داخل المجتمع، وشق آخر عملي وبه يتم خروج الاختراعات إلى دائرة الضوء برعايتها وتطبيقها عملياً وتوفير كافة الاعتمادات المالية والتقنية اللازمة لها.
المؤسسات ورعاية المخترع والمخترعين في العالم الإسلامي
أولاً .... المؤسسات الأهلية ودورها في اكتشاف المبدعين والمخترعين
المجتمع الأهلي يمكنه أن يلعب دوراً ممتداً في اكتشاف المخترعين والمبدعين سواء بإنشاء مؤسسات مستقلة تعمل في مجال المخترعين والمبدعين فقط، أو استحداث خطوط مشاريع في المؤسسات الخيرية القائمة تحقق هذا الهدف الاستكشافي، مع التشديد على أهمية وجود مظلة قومية تجمع مجهودات المؤسسات المحلية وترتقي بالمبدع والمخترع الارتقاء الإبداعي الفعال.
ويمكن للمجتمعات أن تنشئ مؤسسات خيرية داخل المجتمعات المحلية يكون هدفها فقط هو اكتشاف المبدعين والمخترعين داخل المجتمع، حيث تجرى عليهم الاختبارات العلمية الكاشفة لدرجات ابداعاتهم، وهذه المؤسسات يمكنها نشر ثقافة الوعي العلمي بالاختراعات داخل المجتمع وذلك بعمل نماذج لمواد إعلانية دعائية تبثها وتنشرها وسائل الإعلام المتعددة والمتاحة أمامها بحسب إمكاناتها المادية.
وهناك سبيلان رئيسيان لاكتشاف المخترعين والمبدعين من قبل المؤسسات الأهلية:
الأول... أن يسعى من يرى أنه مبدع أو مخترع بنفسه إلى المؤسسة الأهلية سواء بطريق مباشر؛ بطرقه لبابها، أو بطريق غير مباشر عن طريق المسابقات ومعارض المخترعين التي تجريها المؤسسة، لينظر في حاله ويقيم ويصنف.
الثاني... أن تسعى المؤسسة الأهلية إلى اكتشاف المخترع والمبدع بنفسها وذلك من خلال التجمعات الجماهيرية والاتصال بالأسر داخل الأحياء، ويمكن تفصيل ذلك كالآتي:
1- ترشيحات الأسر
حيث تتدخل المؤسسة الأهلية بطباعة نموذج تقريبي لسمات وعلامات الطفل المبدع، وتطبع النموذج وتوزعه على أهل الحي الذي تعمل فيه، عسى أن يقدر وتعثر المؤسسة على أطفال متميزين لتتولى رعايتهم وتوجيههم.
2- المدارس
المدارس مجتمع المعرفة الأولي، وفيها التجمع الإبداعي الخفي وببحث مؤسسات المخترعين فيها، والتفاعل مع ترشيحات المدرسين، فضلاً عن مزاولة الأنشطة الاستكشافية بداخلها قد تحظى المؤسسة ببعض المبدعين المتميزين.
3- الجامعات
ما حدث مع المدارس يمكن أن ينسحب على الجامعات الواقعة في محيط المؤسسات الأهلية، مع التفرد بالتخصصية في حالة الجامعات وارتفاع السقف الإبداعي فيها.
4- المراكز البحثية
وبالتواصل معها يمكن التوصل لأبرز المبدعين والمبتكرين فيها والمؤهلين لأن يكونوا مخترعين متميزين.
5- الجمعيات العلمية
وهي تحتضن كافة العلميين المنتمين لحقل معرفي معين ومن خلالها يمكن وضع اليد على أبرز المبدعين والمخترعين في المجالات العلمية المختلفة.
ثانياً.... نحو مؤسسة إسلامية دولية لرعاية المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
لا توجد في العالم الإسلامي كأمة مؤسسة إسلامية معنية بالمخترعين واختراعات المسلمين، يتوافر بها حصر شامل لاختراعات عقول المسلمين ووضعها قيد الاختبار والتطبيق العملي.
تلك المؤسسة التي إن وجدت فإنه من الممكن بإذن الله أن تتحقق من خلالها نهضة علمية بناءً على رؤية ابتكارات واختراعات المبدعين والمخترعين المسلمين للنور، وهذه المؤسسة يمكن تلمس بعض ملامحها في العناصر التالية:
1- وجود وقفية كبيرة ومستقلة للإنفاق على نشاطات تلك المؤسسة الدولية.
2- أن تكون إدارة المؤسسة مستقلة عن أي إطار حكومي مقيد وأن تكون خاضعة لإشراف علمي متميز لمجموعة من أبرز وأفضل العلماء المسلمين والمشهود لهم بالصلاح والغيرة على الأمة الإسلامية.
3- وضع إطار قانوني دولي لهذه المؤسسة تتحقق من خلاله حقوق الملكية الفكرية للمخترعين المسلمين لتكون ممتدة لتشمل العالم الإسلامي كله وليست مقتصرة على دولة محلية بعينها كما هو قائم الآن.
4- التنسيق مع جمعيات المخترعين في العالم الإسلامي وتكوين مظلة لهذه الجمعيات للتواصل فيما بينها.
5- تكوين قاعدة بيانات حول المخترعين المسلمين والتواصل معهم، وعقد لقاءات معهم لبحث اختراعاتهم ومدى جدواها وأثرها على النهضة العلمية الإسلامية.
6- تكوين قاعدة بيانات لبراءات اختراع المسلمين.
7- تصنيف الاختراعات الإسلامية الموجودة بالفعل كلٍ بحسب أهميتها وإمكانيات تطبيقها.
8- الإنفاق من الوقفية الخاصة بالمؤسسة على الاختراعات العاجلة التي يوصي الخبراء بأهميتها وجدواها الاقتصادية والعلمية.
9- تسويق مخرجات عمليات تطوير الاختراعات على الشركات الإسلامية، ليعود العائد المادي جراء عملية بيع المنتج على المؤسسة والمخترع.
10- لعب دور الوسيط والمنسق بين المخترع وجهة التنفيذ الإسلامية والمتمثلة في المصانع والشركات، ويمكن للمؤسسة في هذه الحالة عقد اتفاقات مع رجال الأعمال بحيث تتولى هي تطوير الاختراع، ويتولى رجل الأعمال تدبير النفقات اللازمة لإدخال الاختراع في حيذ التنفيذ أو أن تكون النفقات مشتركة بحسب الإمكان، مع ضمان الحفاظ على حقوق المخترع والمؤسسة.
مجموعة من المقترحات القابلة للتعديل والإضافة ليكون لدينا مظلة إسلامية عامة ترعى المبدعين والمخترعين واخترعاتهم وابتكاراتهم بهدف نهضة الأمة الاسلامية وتمكنها في المجالات الطبية، الصناعية، الزراعية، وكافة الميادين الانتاجية.
-------------
دمتم بود وتقدير
إخوانكم في
مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية
الهيثم زعفان | 14/4/1430 هـ
كلمة "مخترع" لا تقف عند حدودها اللفظية فهي كلمة يمكنها أن تحدث نهضة ونقلة نوعية في شتى المجالات التكنولوجية، ومن ثم انعكاس ذلك على نهضة الأمة وتقدمها التقني والعمراني.
وحتى نصل إلى تطبيق تلك الكلمة، فإننا نمر عبر مراحل متعددة من التربية على التميز، إلى اكتشاف المتميز، مروراً بتأهيل المتميز ليكون مخترعاً، انتهاءً بميلاد الاختراع، وكل ذلك في ظل بيئة تربوية علمية رصينة.
لننتقل بعد ذلك إلى كلمة أخرى لا تقل في أهميتها عن الأولى ألا وهي "الاختراع"، فكم من الاختراعات ضاعت هباءً منثوراً لأنها لم تولد في بيئة تعرف قيمتها الحقيقية وتسير بها في مسارها الطبيعي ليعود نفعها على تلك البيئة، والمجتمع الذي يضمها.
والمتأمل لواقع العالم الإسلامي الآن يجد أن الكلمتين بحاجة إلى رعاية مكثفة على المستوى الأسري والمجتمعي.
فالمخترع حاله كحال البحث العلمي في العالم الإسلامي، حيث جل اهتمام الأسر منصب على توجيه الأبناء نحو الوظائف المؤمنة بعوائد مالية تحقق الاستقرار، أو التي توفر مكانة مهنية تتحقق معها الوجاهة الاجتماعية، بغض النظر عن التوظيف الأمثل للملكات العلمية للأبناء.
أما على مستوى الأمة فإن غالب المجتمعات الإسلامية لا تتحقق معها المعادلة العلمية المعينة على الإبداع العلمي ومن ثم الاختراع، بل تضع الباحث العلمي في مناخ احتياجي ومعيشى يصرفه عن أولوياته العلمية.
وغالب المؤسسات المعنية بالاختراع في البلدان الإسلامية بشهادة المخترعين لا نجد لها بصمة عملية في تطبيق الاختراعات، وهي مدفوعة بذلك إما بضعف الاعتمادات المالية أو البيروقراطيات الوظيفية التي لا تتناسب مع الايقاعات العلمية، هذا فضلاً عن التقارير الصحفية المشيرة إلى الفساد في بعض قطاعات الاختراعات لصالح بلدان منافسة تقتنص الاختراع بأموال زهيده، إضافة إلى تهافت الشركات الدولية على شراء براءات الاختراع في العالم الاسلامي مدندنة بذلك على وتر احتياج المخترع وتعسر تسويق اختراعه.
لتطور الاختراع وتخرجه للنور، ثم تعيد بيع مخرجاته للبلدان الإسلامية بأغلى الأثمان بعدما تمتلك مدخلاته وتنفق على عملياته.
لتبرز بذلك أزمة المخترع والاختراع والتي يلمسها كل من احتك بأروقة البحث العلمي، وكذلك كل مطلع يعرف أهمية ودور الاختراع في صناعة الأمم وتقدمها تلك الأزمة التي يمكن توصيف أبرز مؤشراتها بالصورة التالية:-
إطلالة سريعة على بعض مؤشرات أزمة المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
1- ضعف ثقافة الإبداع والاختراع داخل المجتمعات الإسلامية، وفي هذا الصدد يلاحظ على المناخ العام في العالم الإسلامي قلة الدعاية والإعلان اللازمين لجذب واكتشاف المخترعين، وإحداث جو إعلامي علمي مصاحب لصناعة الوعي المجتمعي بالاختراع واكتشاف المخترعين.
2- ضعف الاهتمام باكتشاف المخترعين والمبدعين على مستوى الأسرة والمجتمع.
3- ضعف الاهتمام بالبحث العلمي ومخرجاته، وقلة النفقات المخصصة له في العالم الإسلامي.
4- ضعف الاهتمام باختراعات واكتشافات المبدعين، مع تعقد الإجراءات الإدارية المصاحبة لرحلة تقنين الاختراع والحصول على برائته.
5- عدم وجود مؤسسة قومية تنتقل بالاختراع من التنظير إلى التطبيق.
6- غياب الاعتمادات المالية المخصصة لتطبيقات الاختراعات.
7- غياب المؤسسات التسويقية التي تلعب دور الوسيط بين المخترع والمؤسسة الصناعية المتقاطعة مع اختراعه وابتكاره.
8- انتشار الفساد في بعض القطاعات المطلعة على الاختراعات.
9- سرقة الأبحاث العلمية من قبل الدول الأجنبية؛ وفي هذا الصدد يشير الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي المصري للبحوث إلى أن مشكلة سرقة الأبحاث من المشاكل الكبرى التي تواجه البحث العلمي والتي كثيراً ما تحدث تحت مظلة التعاون البحثي المشترك مع المراكز الأجنبية.
10- عدم رغبة بعض القوى الدولية في وجود منتجات يكون المسلمون فيها أصحاب الملكيات الفكرية بحيث يتحرروا بها من أسر خطوط الانتاج، وذلك لوأد أية نهضة أو تميز علمي وتقني إسلامي قد يحدث نوع من الحصرية في سوق التنافس الدولي، وفي ضوء ذلك تمارس تلك القوى كل الأساليب المتاحة لديها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
ولمحاولة تجاوز تلك الأزمة فإنه يمكن وضع بعض آليات لرعاية المخترع المبدع والاختراع الناتج عن إبداعاته في العالم الإسلامي وفق مجموعة من الأدوار الموزعة بين الأسرة والمجتمع والتي يمكنها أن تأخذ الصورة التالية:-
الأسرة ودورها في تنشئة المخترع ورعايته
المخترع هو شخص متميز لديه مؤهلات الابتكار والإبداع، وكلما كان اكتشاف المتميز في سن مبكرة كان توظيف طاقاته وتوجيهها أفضل وأفعل، فالنشء قد يكون متميز ولكنه لا يعلم قدرات نفسه ولا تساعده البيئة المحيطة على بروز تلك القدرات المهارية، وبالتالي فهو يضيع في وسط الزحام، فقد يكون في أسرة ما طفل متميز لكن الأسرة لا تدرك أن ابنها لديه طاقات إبداعية يمكن تطويرها وتنميتها ليصير الإبن مبدعاً نافعاً لأمته. ومن هنا فإن الأسرة تلعب الدور الرئيسي في اكتشاف الطفل المتميز المؤهل لأن يكون مخترعاً يوماً ما.
وحتى تؤدي الأسرة دورها ابتداءً نحو أبنائها لتهيئة المناخ الإبداعي لديهم فإن عليها القيام بدورين أساسيين:
1-بث ثقافة الاختراع والإبداع بين الأبناء الصغار، وذلك بتشجيع الأبناء على التفكر والتأمل واستنباط النتائج والتفسيرات للظواهر والشواهد، مع التهيئة النفسية للأبناء لأن يكونوا مبتكرين ومبدعين.
2-توفير كافة معينات التميز والإبداع من ألعاب وقصص مخترعين وبرامج حوسبة تثري ملكات الإبداع لدى الأبناء.
وفي حالة ملاحظة علامات التميز الإبداعي لدى أحد الأبناء فإننا سنكون بصدد طفل مرشح لأن يكون مبدع أو مخترع، وعلى ذلك فلو تم تكثيف رعايته وتوفير البيئة العلمية الإبداعية له بالتواصل مع العلماء والمؤسسات المرتبطة بمجال نبوغ الابن ولو على المستوى الشخصي، مع التشديد على الإنفاق عليه نفقة علمية أسرية مستقلة عن النفقات الأسرية المعتادة، فإن ذلك قد يعزز من فرص نبوغ هذا الإبن وتطوره.
وإذا قدر لهذه الأسرة أن يكون ابنها في مصاف المبتكرين والمخترعين فإن عليها أن تتعامل مع ابنها في كافة مراحل عمره معتبرة نبوغه الإبداعي استثمارً خاصاً لها لا تبخل عليه بكافة احتياجاته العلمية اللازمة لتنمية إبداعاته، وتطوير ابتكاراته.
وهكذا تكون تلك الأسرة قد قطعت شوطاً كبيراً في اكتشاف ورعاية إبنها المرشح لأن يكون مخترعاً مؤثراً باختراعاته في المجتمع.
لتأتي بعد ذلك مرحلة أخرى من مراحل رعاية المخترع وتطوير ملكاته وهي مرحلة مؤسسية قائمة على الدور المجتمعي وهي ذات شقين: شق استكشافي من خلاله يتم اكتشاف المخترعين والمبدعين والمتميزين العلميين داخل المجتمع، وشق آخر عملي وبه يتم خروج الاختراعات إلى دائرة الضوء برعايتها وتطبيقها عملياً وتوفير كافة الاعتمادات المالية والتقنية اللازمة لها.
المؤسسات ورعاية المخترع والمخترعين في العالم الإسلامي
أولاً .... المؤسسات الأهلية ودورها في اكتشاف المبدعين والمخترعين
المجتمع الأهلي يمكنه أن يلعب دوراً ممتداً في اكتشاف المخترعين والمبدعين سواء بإنشاء مؤسسات مستقلة تعمل في مجال المخترعين والمبدعين فقط، أو استحداث خطوط مشاريع في المؤسسات الخيرية القائمة تحقق هذا الهدف الاستكشافي، مع التشديد على أهمية وجود مظلة قومية تجمع مجهودات المؤسسات المحلية وترتقي بالمبدع والمخترع الارتقاء الإبداعي الفعال.
ويمكن للمجتمعات أن تنشئ مؤسسات خيرية داخل المجتمعات المحلية يكون هدفها فقط هو اكتشاف المبدعين والمخترعين داخل المجتمع، حيث تجرى عليهم الاختبارات العلمية الكاشفة لدرجات ابداعاتهم، وهذه المؤسسات يمكنها نشر ثقافة الوعي العلمي بالاختراعات داخل المجتمع وذلك بعمل نماذج لمواد إعلانية دعائية تبثها وتنشرها وسائل الإعلام المتعددة والمتاحة أمامها بحسب إمكاناتها المادية.
وهناك سبيلان رئيسيان لاكتشاف المخترعين والمبدعين من قبل المؤسسات الأهلية:
الأول... أن يسعى من يرى أنه مبدع أو مخترع بنفسه إلى المؤسسة الأهلية سواء بطريق مباشر؛ بطرقه لبابها، أو بطريق غير مباشر عن طريق المسابقات ومعارض المخترعين التي تجريها المؤسسة، لينظر في حاله ويقيم ويصنف.
الثاني... أن تسعى المؤسسة الأهلية إلى اكتشاف المخترع والمبدع بنفسها وذلك من خلال التجمعات الجماهيرية والاتصال بالأسر داخل الأحياء، ويمكن تفصيل ذلك كالآتي:
1- ترشيحات الأسر
حيث تتدخل المؤسسة الأهلية بطباعة نموذج تقريبي لسمات وعلامات الطفل المبدع، وتطبع النموذج وتوزعه على أهل الحي الذي تعمل فيه، عسى أن يقدر وتعثر المؤسسة على أطفال متميزين لتتولى رعايتهم وتوجيههم.
2- المدارس
المدارس مجتمع المعرفة الأولي، وفيها التجمع الإبداعي الخفي وببحث مؤسسات المخترعين فيها، والتفاعل مع ترشيحات المدرسين، فضلاً عن مزاولة الأنشطة الاستكشافية بداخلها قد تحظى المؤسسة ببعض المبدعين المتميزين.
3- الجامعات
ما حدث مع المدارس يمكن أن ينسحب على الجامعات الواقعة في محيط المؤسسات الأهلية، مع التفرد بالتخصصية في حالة الجامعات وارتفاع السقف الإبداعي فيها.
4- المراكز البحثية
وبالتواصل معها يمكن التوصل لأبرز المبدعين والمبتكرين فيها والمؤهلين لأن يكونوا مخترعين متميزين.
5- الجمعيات العلمية
وهي تحتضن كافة العلميين المنتمين لحقل معرفي معين ومن خلالها يمكن وضع اليد على أبرز المبدعين والمخترعين في المجالات العلمية المختلفة.
ثانياً.... نحو مؤسسة إسلامية دولية لرعاية المخترع والاختراع في العالم الإسلامي
لا توجد في العالم الإسلامي كأمة مؤسسة إسلامية معنية بالمخترعين واختراعات المسلمين، يتوافر بها حصر شامل لاختراعات عقول المسلمين ووضعها قيد الاختبار والتطبيق العملي.
تلك المؤسسة التي إن وجدت فإنه من الممكن بإذن الله أن تتحقق من خلالها نهضة علمية بناءً على رؤية ابتكارات واختراعات المبدعين والمخترعين المسلمين للنور، وهذه المؤسسة يمكن تلمس بعض ملامحها في العناصر التالية:
1- وجود وقفية كبيرة ومستقلة للإنفاق على نشاطات تلك المؤسسة الدولية.
2- أن تكون إدارة المؤسسة مستقلة عن أي إطار حكومي مقيد وأن تكون خاضعة لإشراف علمي متميز لمجموعة من أبرز وأفضل العلماء المسلمين والمشهود لهم بالصلاح والغيرة على الأمة الإسلامية.
3- وضع إطار قانوني دولي لهذه المؤسسة تتحقق من خلاله حقوق الملكية الفكرية للمخترعين المسلمين لتكون ممتدة لتشمل العالم الإسلامي كله وليست مقتصرة على دولة محلية بعينها كما هو قائم الآن.
4- التنسيق مع جمعيات المخترعين في العالم الإسلامي وتكوين مظلة لهذه الجمعيات للتواصل فيما بينها.
5- تكوين قاعدة بيانات حول المخترعين المسلمين والتواصل معهم، وعقد لقاءات معهم لبحث اختراعاتهم ومدى جدواها وأثرها على النهضة العلمية الإسلامية.
6- تكوين قاعدة بيانات لبراءات اختراع المسلمين.
7- تصنيف الاختراعات الإسلامية الموجودة بالفعل كلٍ بحسب أهميتها وإمكانيات تطبيقها.
8- الإنفاق من الوقفية الخاصة بالمؤسسة على الاختراعات العاجلة التي يوصي الخبراء بأهميتها وجدواها الاقتصادية والعلمية.
9- تسويق مخرجات عمليات تطوير الاختراعات على الشركات الإسلامية، ليعود العائد المادي جراء عملية بيع المنتج على المؤسسة والمخترع.
10- لعب دور الوسيط والمنسق بين المخترع وجهة التنفيذ الإسلامية والمتمثلة في المصانع والشركات، ويمكن للمؤسسة في هذه الحالة عقد اتفاقات مع رجال الأعمال بحيث تتولى هي تطوير الاختراع، ويتولى رجل الأعمال تدبير النفقات اللازمة لإدخال الاختراع في حيذ التنفيذ أو أن تكون النفقات مشتركة بحسب الإمكان، مع ضمان الحفاظ على حقوق المخترع والمؤسسة.
مجموعة من المقترحات القابلة للتعديل والإضافة ليكون لدينا مظلة إسلامية عامة ترعى المبدعين والمخترعين واخترعاتهم وابتكاراتهم بهدف نهضة الأمة الاسلامية وتمكنها في المجالات الطبية، الصناعية، الزراعية، وكافة الميادين الانتاجية.
-------------
دمتم بود وتقدير
إخوانكم في
مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية