اغسطس 26,2015 بقلم
*عندما مات كلب الوزير ذهب الجميع لأخذ واجب العزاء، لكن عندما مات الوزير لم يذهب احد ليعزي ...
حكمة مكتوبة على أحد جدران المحلات في نابلس .. الناشر
* اجتهدنا في وضع العنوان لأهميته المقال حيث استعنا به من احد المدونات التي نشرته بدون راس او عنوان، فمعذره من د. ناصر اللحام.. الناشر
هناك نوع من البشر لا يستحق أي منصب مهما صغر شأنه ، لأنه اذا تولى هذا المنصب جعله لعنة على العباد وعقوبة لا تحتمل للأخيار من البشر. ومثال على ذلك من يأخذ منصبا على اتصال يومي مع احتياجات الناس ، فيجعل حياتهم جحيما .
ولانه مريض بالمنصب فانه يعتقد ان الامّة لا تصلح من دونه ، وانه عبقري وجهبذ زمانه ، ونبي عصره . فتأخذه اللوثة ويكابر حتى اخر لحظة ويعيش الدور حتى الثمالة ، فترى الناس يسخرون منه ومن طريقه مشيته ومن لباسه وطريقة استعراضه امام العامة ولكنه لا يعلم ويعتقد العكس فتزداد حالته تدهورا ، وهؤلاء عادة ما يلتصقون بسيارة الحكومة او بيونيفرم العمل أو بالبدلة العسكرية فيرتدونها حتى في داخل منازلهم ، او في الافراح والاتراح ، وكأنهم يريدون ان يثبتوا لانفسهم اولا ولاقرب المقربين منهم ثانيا انهم اصبحوا في منصب مهم ، وأحيانا يحاولون الحديث بصوت منخفض في محاولة لشراء الثقة بالنفس وجذب انتباه الناس ولكنهم أمام انفسهم مرضى ويصرخون بعائلاتهم ويفقدون اعصابهم امام اصغر مشكلة حتى لو كانت تافهة . وقد تذكرون فلم النجم الراحل احمد زكي في فلم " زوجة رجل مهم " وهو نموذج على هؤلاء المرضى .
حين دخل الزعيم ابو عمار الى أريحا ، بدانا العمل هناك لاقامة دولة فلسطين ، وبدأت الكفاءات الفلسطينية من كل العالم تأتي لتضع لبنة اخرى في مداميك الدولة ، وذات يوم وصل الى أريحا رجل كبير في العمر وكبير في المقام ، وأمضى معنا نحو شهر قبل ان يودعنا ويقول انه سيهاجر مرة اخرى ولن يعود . تأثرنا كثيرا وقلنا له يا استاذ يا أبو فلان امكث معنا نبني الوطن لكنه رفض رفضا حاسما .
وفي جلسة الوداع سألناه بالحاح عن هذا القرار المفاجئ ، فأوضح لنا انه لن يمكث في بلد يكون فيها فلان " المريض " مسؤولا . فسخرنا من هذا الذريعة وقلنا له ان فلان " المريض " ليس مسئولا من الدرجة الاولى بل هو مجرد مسئول صغير ولن يؤثر في مسيرة بناء الوطن . فسرد لنا قصة مدير اباريق الجامع .
ذات يوم اشتكى اهل قرية للوالي التركي عن مختار جعل حياتهم ضنكا ، ونهب اموالهم وقهر رجالهم وأخرب بيوتهم ، ومن شدة الظلم استجاب الوالي لطلب الناس وعزله عن منصبه .
ولكن هذا المختار " الحقير " توسّل للوالي وقبل يداه ورجلاه ألا يعزله عن كل المناصب مرة واحدة ، وان يبقي له أي منصب مهما صغر مقامه ... ولكن الوالي رفض . فطلب المختار المعزول من الوالي ان يجعله مديرا لاباريق الجامع وتنظيف المطاهر ، فعجب الوالي بهذا المنصب المتدني واعتبره عقابا مناسبا للمختار على ما فعله بالناس .
ولكن ومنذ لك اليوم تحوّلت حياة سكان القرية الى جحيم ، فقد استولى المختار المخلوع على اباريق الجامع وقسمها الى لونين لون احمر ولون أزرق ، وكلما جاء رجل زاهد الى المسجد ليصلي وحمل ابريقا احمر ، طلب منه " مدير الاباريق " ان يعيده فورا ويأخذ الازرق ، وهكذا تحكّم بوضوء وصلاة جميع اهل القرية بموجب فرمان رسمي من الوالي . حتى عزف اهل القرية عن المسجد وترك بعضهم الصلاة من تحت رأسه .
استمعنا الى الرجل وهو يغادر اريحا الى الاردن ويترك الوطن من تحت رأس " مدير اباريق الجامع " وهي مهنة محترمة وشريفة وتستحق كل الاحترام ولكن من تولاها في هذا المثال لا ستحق الاحترام ، وفي حينها كنّا نعتقد ان الرجل يبالغ قليلا ... لكن ما نراه اليوم من هذه النوعية ، تستوجب ان ندرك ان هناك مسؤولين في مناصب ليست خطيرة ، لكنهم يتحكمون برقاب العباد ، ويسجنون هذا ويوقفون ذاك ، ويصادرون ممتلكات هذا ويمنحون ذاك ، وهم اخطر من اصحاب المناصب العليا .