امراة انثى
"الحب الذي كان يجمعنا يوما هل انتهى " ، يسأل الرجل نفسه ، ينظر إلى زوجته ، يحاول قراءة تعابير وجهها و جسدها فلا يصل إلى شيء ، أجوبتها القصيرة على أسئلته الكثيرة و المتلاحقة تحاصره ، يراها تتانق كل يوم ، تغازل وجها في المرآة كلما مرت أمام الزجاج ، البارحة سمعها تدندن أغنية و ترقص ،..." هواجس كثيرة تغزو عقله و هو جالس على الكنبة يراقبها .
ينظر إليها في غدوها و رواحها ، يكاد لا يعرفها رغم أنها تقاسمه تلك الغرفة التي تضيق بهما يوما بعد يوم ، " تتجمل قبل النوم ثم لا تأتي إليه ، كثيرا ما سأل نفسه !"، خمن ذلك ، رأى في عينيها شيئا يخنقه و يوقظ مخاوفه .
ذهب به الخاطر بعيدا ، يوم التقاها و هو عائد من عمله ، كانت ندية مثل زهرة بالكاد ترفع بصرها ، يجللها ستار من خجل استمر بعد زواجهما و حتى بعد مجيء الأطفال الواحد تلو الآخر . كانت محسودة من نساء الحي ، زوج نشيط و سرير يملؤه الدفء أزهر أطفالا رائعين ، انشغلت بهم و اعتاد كل منهما حياته راضيا .
الأشياء التي كانت تزعجها من قبل لم تعد تفكر فيها ، لا تنحني لالتقاط ما تبعثر من الكلمات و لا تنظر إلى ساعة الحائط ، تدور في جنون ، تتحسس خصرها ، تمسح بدلال على جبينها باسمة .
بمشيتها خيلاء و دلال ، في بادئ الأمر كانت تستنكر على نفسها هذه المشية و هذه الألوان البهية التي أصبحت تلون دولابها ، رأت أنه من غير اللائق أن تتجمل امرأة الخمسين وتتعطر بل و تقف طويلا أمام المرآة ، كانت تخجل من نظرات أولادها و هم يحملقون فيها و يمطرونها بسيل من المداعبات محاولين إخفاء شقاوة نظراتهم. .. تتحسس عينيها ، رقبتها و خصرها و تعجب إذ تجد نفسها حلوة ، لم يكن يروق لها أن تنظر إلى هذا الجسد ، كما لم يرق لها تمعن زوجها فيه _ لحظة يغلبهما جنون الجسد _ .
كانت مع صديقة لها و هي تستلم عملها الجديد بعد سنوات ، قضتها في رعاية البيت و الزوج و الأولاد ، حرضتها صديقتها على هذه التجربة التي ستخرجها حتما من الانتظار الذي صار سمة أيامها و عندما عانقت نظراتها نظرات زميل لها مبتسمة ، انحنى عليها و همس لها بأنها جميلة ،
لم تنم ليلتها ، وقفت طويلا أمام باب بيتها قبل أن تلجه ، استنكرت عيونه و ابتسامته و قليل الكلام الذي بعثر فيها الكثير ، لم تجرؤ على النظر في عيون زوجها الجالس كل مساء بذات المكان و ذات العيون الهاربة من كل شيء ، لم تقبله على خده كما يفعل هو عند العودة من العمل ، مدت خدها مرتعشة خوف أن يسمع ما جاهدت في نسيانه طول النهار ، وضعت حقيبتها اليدوية و دفنت اضطرابها في الصحون و الأواني تعد للعشاء .
فوجئت بعد ذلك بوقوفها الطويل أمام الزجاج و كم العطور التي تنثر خلف أذنيها و أحمر الشفاه الذي يذوب حال اقتنائه .
أدرك كما أدركت أن شيئا جديدا طرأ عليها و أنها لا محالة امرأة أنثى هي التي كانت مجرد جندي يؤدي واجبات لا مفر منها .
نص مشترك بين فتحية داب و ناصر ناصر