تقوم عملية ما يسمى بالتنويم المغناطيسي، على فكرة سيطرة المُنوم على عقل من يراد تنويمه، وذلك بما يسمونه الايحاء.. بحيث يستسلم المراد تنويمه ويسترخي لمن يقوم بتنويمه، وتغييب وعيه وقواه الادراكية، ولا يركز في شيء الا فيما يطلبه منه المنوم، الذي يقوم بعملية تنويمه فيوجه ذاكرته ويستحثها على استخراج ما يريد المنوم من معلومات..تحت تاثير سحر الايحاء والتوجيه الذي يطلبه منه.
ونلاحظ انه حتى تنجح العملية كان لا بد من وضع الضحية في دور التخدير الفكري، والاستسلام الذهني التام للمُنوم، بالغاء دور عقله وتوجيهه فقط للتركيز في امر ما، ثم يتم السيطرة عليه واستحثاثه ليستسلم للمُنوم، فيستخرج ما عنده من معلومات مخزنة في ذاكرته...
واقعيا نجد ان البشر قامت بعمليات التنويم المغناطيسي، منذ القدم ومنذ ظهور الظلم والاستبداد الذي ظهر على الارض، لتبرير اعمال الطغاة وتزيين ظلمهم وجبروتهم في الارض ، وتسويقه لاهل الارض وبينهم، وبالتالي تسويغه للظالم نفسه ليستمر في ظلمه وطغيانه وتسويغه للرعية لتستمر في الاستسلام والانقياد والتبعية، وشيطنة كل قوى رافضة للاستسلام والانقياد والاتباع والخنوع ، ورميها بابشع الاوصاف وانزال اشد العقوبات ، وحرمانها من ابسط الحقوق الحياتية والمعاشية، وجعلها عبرة لمن لا يسلم عقله وارادته وقواه الادراكية لقوى الظلم والطغيان والاستبداد، فلا يبدع العقل الا في مجال الاستسلام والانصياع والاستعباد طوعا او كرها، تحت تاثير الرهبة والرعب من العقوبة، وبامل بريق المصلحة المحققة لبعض الشهوات والملذات الدنيئة الناقصة، فيكون في ظل هذا الواقع الغاية هي مجرد الحصول على اية حياة.
والمصيبة الكبرى ان الانسان يولد في المجتمعات المضطهدة منوما ويبقى كذلك من مهده الى لحده، لان المجتمع الذي خضع لجلسات التنويم يصبح له اعراف وتقاليد تطغى وتتاصل فيه، لا تسمح له بالصحيان والاستيقاظ..طلبا للسلامة وحرصا على تناول ضمة البرسيم .. التي تحفظ قواه الجسدية ليستمر سائرا يجر المحراث في حقول المترفين والمستبدين...
لقد جاء في الأثر عن سيدنا علي رضي الله عنه (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).
ويقوم المجتمع بهذا التنويم ويخضعون له ويخضعون ابنائهم وتتوارثه اجيالهم، وقد عملوا له طقوسا ومراسم تصل الى حد القداسة، يتوارثونها عبر الاجيال وصنعوا لذلك وضربوا الامثال التي تبدوا لسطحي التفكير على انها مسلمات يستسلمون لها منقادين مختارين، وكانها قوالب الاقدار ..كقولهم الكف لا يناطح المخرز، وكقولهم اذا عبد الناس ثورا فاجلب له العشب و اطعمه.. وكقولهم اليد التي فوق يدك قبلها وقل لصاحبها يا سيدي...
ان العمى والغفلة والذهول والتنويم والإيحاء السلطوي الفارض، والاجتماعي المستسلم, كوارث لاتصيب البصر, ولكنها تغشى البصيرة ..والعقل والإدراك والوعي، فيُشل العقل.. ..وتنتهي الارادة، ويصبح الانسان مسخا، يقبل فقط مايُراد له قبوله. ويقوم فقط بما يراد منه ويرفض فقط ما يطلب منه رفضه حتى لو كان الهدى والنور بعينه..كمن هو واقع في التنويم المغناطيسي، فيوهن الوعي ويبعثر الادراك ويشل العقل، فيعمل الإنسان آلياعلى طريقة (الريموت كنترول ) الذي يوجه المجتمع والبيئة الثقافية، ومسار حياته، وحتى انفعالاته اليومية، بل ومشاعره وتوتراته الشخصية، رغم ادعائه أنه إنما يقوم باتخاذ قراراته اليومية بفعل إرادته وتفكيره المستقل، كما يوهم نفسه. انها عملية بشعة تمسخ انسانية الانسان وتحوله الى قطعة في الة، تفقده ارادة الرفض وارادة القبول، وتجعله سنا في دولاب كبير يسيره المستبدون ويحركه النفعيون....
هذا المشهد - التنويم الاجتماعي - يمر على الإنسان في العالم اجمع، كل دقيقة ويتكرر بطول ساعات النهار والليل، ولايحس بأنه يتصرف وفق مشيئة وإرادة القوى المفروضة على المجتمعات، و التي بدورها استسلمت وانقادت لها انقيادا استعباديا تعبديا.. وغلبة نمطية التفكير السائد، والأدهى أن يعتبر الفرد أن سجل تصرفاته وشعوره اليومي إنما يتم بمحض اختياره ومشيئته، فيعتبر مسلماته الذهنية وأدوات تفكيره ومنهج رؤيته للحياة والدين، صناعة ذاتية واستقلالا شخصيا، وهنا يتم استلابه مرتين . فالأولى خضوعه للتنويم الاجتماعي , و الثانية عدم تنبهه لأنه مجرد ترس في آلة يدور حيث تدور عجلة المجتمع، ويظن أن العقل الجمعي، مهمة شريفة وانقاذ لمخاوف التفرد والتميز . فألف حياة القطيع وما هو الا تابع ولسان حاله يقول حسب مثلهم القائل - ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس -.
فترى الإنسان يسعى ويتمنى ويشتهي أموراً , لو تأمل فيها لوجدها تافهة لاتستحق العناء والتكالب , ولكنه مدفوع نحوها بفعل تنويم وإيحاء مجتمع العبيد والاستسلام، بأدوات الوعظ الثقافي المنتشر،ذاك الموجه اليومي، إذ تتم برمجة عقول الناس وجدولة ذهنياتهم، على ووفق الأطر والضوابط التي يرسمها بعناية بالغة، اصحاب مراكز مجموعات التأثير والاستحواذ، من خلال المنابر التعليمية والإعلامية والتعبدية وغيرها، مما هم فعلا سحرة السلطة و السلطان، فيقع الإنسان ضحية تمرير الأفكار والمسلمات والرؤية النفعية، التي لا تعطي الخادم من البعير الا اذنه اوبعره و روثه, وذلك ليتم حجب وطمس بواعث التفكير المستقل, فينشأ الطفل وينمو ويتربى على ماقيل له بأنه صواب وحقيقة , فإذا تقدمت به الحياة في مدارج النمو , وخطا نحو التكوين العقلي اولى خطاه , تشبث بما سمع واعتاد من صنوف وطرائق التفكير, وظن أنه واع ومستقل في قراراته الحياتية . وظن انه صاحب وجود يثبته بمدى خدمته لما يقدسه ويعبده مجتمعه....
يقول الله سبحانه وتعالى ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .
وهنا نقول ان الله اعطانا ورضي لنا عقيدة واحدة جعلها اساسا للتفكير ولكنه اعطانا عقولا ومدارك فكرية متعددة، كما اعطانا صورا متعددة، وجعلها علامات فارقة تدل على شخصيات البشر..يتمايز بها الناس فيما بينهم... ويتسابقون في ميدان تفكيرهم ليخدموا خلق الله تعالى موجهين البشرية الى خالقها فقط، وهذا هو اخلاص التوحيد واخلاص الدين لله الواحد القهار. الذي به يكون خلاص البشرية.
وهنا نسال فنقول :- اما آن للبشرية ان تفيق من جلسات التنويم المغناطيسي والتنويم الاجتماعي السحري الضال المضلل المضل؟؟!!
عافانا الله واياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2017-01-11, 2:25 pm عدل 1 مرات