بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة القول في جمع وكتابة القران الكريم
القران الكريم هو كتاب الله المعجزالذي لا يقوى الخلق عن الاتيان بمثله و المحفوظ الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه و المنقول لنا بالتواتر المفيد للقطع واليقين والمتعبد بتلاوته واتباع احكامه وتشريعاته، فهو اساس العقيدة الاسلامية وجزء منها واساس التشريع في الاسلام ومعياره ومقياسه والحاكم عليه قبولا ورفضا، وعليه فهو اساس الدين والملة ، واي طعن فيه او قدح هو طعن في اساس الدين واي انحراف عنه هو انحراف عن الملة .
وقد اعتنى المسلمون بهذا الحبل المتين واستمسكوا به على مر حقب العصور ودول الايام لانه الرباط الذي به يربطهم بالله تعالى ولانه اساس وجودهم وكيانهم وهويتهم .
ومن الحقائق المعروفة لنا تواترا ان النبي الكريم كان له كتبة وحي يكتبون عنه القران وكان الصحابة الكرام يتلقونه عنه مشافهة فيحفظونه ، وكان الوفا من الصحابة قد اشتهروا بحفظه وقراءته زمن النبي سلام الله عليه فلذلك سموا القراء.
فالقراءة غير الكتابة لان القاريء قد يحفظ ولا يكتب ما حفظه وقد لا يكون الحافظ القاريء كاتبا انما يقرأ من حفظه وقد يكون الكاتب ليس حافظا لما يكتب..
والقران مات النبي صلى الله عليه وسلم وكله محفوظ بالاية وبالحرف وبالسورة...وكان مكتوبا باملاءه واشرافه في الرقاع والجلود والواح الاكتاف والجريد وكان الوحي يعلمه ويامره باي الحروف يكتب الكتبة اللفظ والكلمة والحرف.
ومن الحقائق التي يجب ان تدرك جيدا انه كما تكفل الله العلي العظيم بحفظ القران الكريم وتوابعه من سنن واحكام بقوله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)الحجر..
كذلك تكفل لنبيه سلام الله عليه بجمعه وتسخير من يجمعه من عباده المؤمنين وتسخير من يقرأه ويتلوه فما عليك الا اتباع امره واجتناب نهيه فقد قال جل وعلا في سورة القيامة ( إن علينا جمعه وقرآنه ( 17 ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( 18 ) ثم إن علينا بيانه ( 19 ).
قال السيوطي في مجمع اللغات : أول من جمع القرآن وسماه مصحفا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
وأول من جمع اللغات في القرآن الشريف على لغة واحدة بلغة قريش عند ظهور الاختلاف في اللغات عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في أوائله .
وقال الإمام العلامة الشيخ مرعي في كتابه قلائد المرجان : قد اشتهر أن عثمان رضي الله عنه أول من جمع المصاحف وليس كذلك ، بل أول من جمعها في مصحف واحد أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
قال العلماء : كان القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرقا في صدور الرجال ولم يحفظه كاملا بلا نقص إلا ثلاثة : زيد بن ثابت ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، زاد بعضهم وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم .
وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وخزف وأقتاب وأكتاف وأحجار وغير ذلك ، فلما وقع القتل في أهل اليمامة في خلافة الصديق رضي الله عنه قتل خلق كثير من حملة القرآن ، فجاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال قد علمت من قتل من حملة القرآن وإني أخشى أن يقع القتل في القراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن لا يوعى ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فقال لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجع أبا بكر في ذلك إلى أن شرح الله صدر أبي بكر لذلك ، فأرسل إلى زيد بن ثابت ، فقالا : يا زيد أنت رجل شاب وأنت كنت تكتب الوحي ، فتتبع القرآن فاجمعه .
قال زيد : والله لو كلفاني نقل جبل لنقلته ولكان أهون علي مما أمراني به من جمع القرآن ، فقلت لهما : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : هو خير فلم يزالا يراجعاني حتى شرح الله صدرهما .
وإنما اختارا زيدا ليكون زعيم وامير فريق الجمع الذين فرغوا لهذه المهمة العظيمة لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان مرة واحدة .
فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين ، فقرأه زيد آخر العرض ، فلذلك اختاراه .
قال : فتتبعت القرآن من الرقاع والأكتاف والأقتاب والجريد والصدور ، وروي أنه فقد آخر سورة التوبة { لقد جاءكم رسول } إلى آخرها فوجدها مع خزيمة الأنصاري لم يجدها مع غيره فألحقها في سورتها .
وفي رواية فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فلم أجدها مع أحد إلا خزيمة الأنصاري { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في سورتها } .
وذكر البخاري والترمذي أن أبا بكر رضي الله عنه قرن مع زيد ثلاثة من قريش سعيد بن أبي العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث ، وعبد الله بن الزبير ، فلما جمعوا القرآن في الصحف أخذها أبو بكر رضي الله عنه فكانت عنده إلى أن مات ، ثم عند عمر إلى أن مات ، فجعلت عند ام المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه اختلفت الناس في القراءة .
قال أنس رضي الله عنه : اجتمع القراء في زمن عثمان رضي الله عنه من أذربيجان وأرمينية والشام والعراق واختلفوا حتى كاد أن يكون بينهم فتنة ، وسبب الخلاف حفظ كل منهم من مصاحف انتشرت في خلال ذلك في الآفاق كتبت عن الصحابة ، كمصحف ابن مسعود ، ومصحف أبي ، ومصحف عائشة .
وفي البخاري عن أنس أن حذيفة قدم على عثمان رضي الله عنهم وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، وأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال لعثمان : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها إليه ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن أبي العاص وعبد الرحمن بن الحارث وقال للثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى نسخوا الصحف في المصاحف ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة رضي الله عنهم أجمعين وأرسل في كل أفق مصحفا ، وأمر بما سوى ذلك من صحيفة ومصحف فحرق .
وروي أن عدة المصاحف التي كتبها عثمان رضي الله عنه أربعة ، وقيل ستة ، وقيل سبعة ، والله تعالى أعلم . وقد جعل فيها عثمان رضي الله عنه عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلى اليوم. قال الحارث المحاسبي: "المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجهٍ واحدٍ، على اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات"3.
ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان على جمعه المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ ؛ لأنّ اختلاف القراءة يؤدّي إلى اختلاف بين المسلمين لا تحمد عقباه، وإلى تمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً، غاية ما قيل فيه هو إحراقه بقية المصاحف حتى سمّوه: حَرّاق المصاحف، حيث أصرّ البعض على عدم تسليم مصاحفهم كابن مسعود. فمن الحقائق التي يجب ان تدرك أنّ القرآن كان مجموعاً ومكتوباً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدوناً قبل عهد عثمان بزمنٍ طويل، غاية ما في الأمر أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعهم من سائر القراءات الأخرى التي توافق بعض لغات العرب، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة، وكتب إلى الأمصار أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة.
نقل الزركشي في كتابه البرهان قول السيد عليّ الميلاني من الامامية : "إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن".
وقال السيد جعفر مرتضى العاملي: "إنّنا لا يجب أن ننسى الجهد الذي بذله أهل السنة لتنزيه القرآن عن التحريف، وحاولوا توجيه تلكم الأحاديث بمختلف الوجوه التي اهتدوا إليها".
ومن الحقائق التي يجب ان تقرر ان ماثبت تواتره ووجب القطع واليقين به لاينتفي بالشبهة ولا ينفك اليقين الا بيقين..
روى صاحب كنز العمال بهامش مسند احمد عن علي رضي الله عنه قال: "لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان". وهذا يعني اجماع الصحابة رضوان الله عليهم و الامة على تلقي فعل عثمان بالقبول واعتباره خدمة لدين الله تعالى.
أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: "لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملاٍَ منّا" ؛ قال: "ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً". قلنا: "فما ترى؟" قال: "أرى أن يُجْمَع الناس على مصحف واحد، فلا تكون خرقة ولا اختلاف". قلنا: "فنعم ما رأيت".-فتح الباري ج6 ص15.
فكتاب الله محفوظ ولله الحمد جمعا وبيانا وقرانا هاديا وسراجا منيرا الى يوم الدين وظاهرا مهيمنا على الكتاب كله وسيظهر الله امره في العالمين نساله ان يستخدمنا به وله ويجعلنا من عباده الصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خلاصة القول في جمع وكتابة القران الكريم
القران الكريم هو كتاب الله المعجزالذي لا يقوى الخلق عن الاتيان بمثله و المحفوظ الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه و المنقول لنا بالتواتر المفيد للقطع واليقين والمتعبد بتلاوته واتباع احكامه وتشريعاته، فهو اساس العقيدة الاسلامية وجزء منها واساس التشريع في الاسلام ومعياره ومقياسه والحاكم عليه قبولا ورفضا، وعليه فهو اساس الدين والملة ، واي طعن فيه او قدح هو طعن في اساس الدين واي انحراف عنه هو انحراف عن الملة .
وقد اعتنى المسلمون بهذا الحبل المتين واستمسكوا به على مر حقب العصور ودول الايام لانه الرباط الذي به يربطهم بالله تعالى ولانه اساس وجودهم وكيانهم وهويتهم .
ومن الحقائق المعروفة لنا تواترا ان النبي الكريم كان له كتبة وحي يكتبون عنه القران وكان الصحابة الكرام يتلقونه عنه مشافهة فيحفظونه ، وكان الوفا من الصحابة قد اشتهروا بحفظه وقراءته زمن النبي سلام الله عليه فلذلك سموا القراء.
فالقراءة غير الكتابة لان القاريء قد يحفظ ولا يكتب ما حفظه وقد لا يكون الحافظ القاريء كاتبا انما يقرأ من حفظه وقد يكون الكاتب ليس حافظا لما يكتب..
والقران مات النبي صلى الله عليه وسلم وكله محفوظ بالاية وبالحرف وبالسورة...وكان مكتوبا باملاءه واشرافه في الرقاع والجلود والواح الاكتاف والجريد وكان الوحي يعلمه ويامره باي الحروف يكتب الكتبة اللفظ والكلمة والحرف.
ومن الحقائق التي يجب ان تدرك جيدا انه كما تكفل الله العلي العظيم بحفظ القران الكريم وتوابعه من سنن واحكام بقوله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)الحجر..
كذلك تكفل لنبيه سلام الله عليه بجمعه وتسخير من يجمعه من عباده المؤمنين وتسخير من يقرأه ويتلوه فما عليك الا اتباع امره واجتناب نهيه فقد قال جل وعلا في سورة القيامة ( إن علينا جمعه وقرآنه ( 17 ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( 18 ) ثم إن علينا بيانه ( 19 ).
قال السيوطي في مجمع اللغات : أول من جمع القرآن وسماه مصحفا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
وأول من جمع اللغات في القرآن الشريف على لغة واحدة بلغة قريش عند ظهور الاختلاف في اللغات عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في أوائله .
وقال الإمام العلامة الشيخ مرعي في كتابه قلائد المرجان : قد اشتهر أن عثمان رضي الله عنه أول من جمع المصاحف وليس كذلك ، بل أول من جمعها في مصحف واحد أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
قال العلماء : كان القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرقا في صدور الرجال ولم يحفظه كاملا بلا نقص إلا ثلاثة : زيد بن ثابت ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، زاد بعضهم وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم .
وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وخزف وأقتاب وأكتاف وأحجار وغير ذلك ، فلما وقع القتل في أهل اليمامة في خلافة الصديق رضي الله عنه قتل خلق كثير من حملة القرآن ، فجاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال قد علمت من قتل من حملة القرآن وإني أخشى أن يقع القتل في القراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن لا يوعى ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فقال لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجع أبا بكر في ذلك إلى أن شرح الله صدر أبي بكر لذلك ، فأرسل إلى زيد بن ثابت ، فقالا : يا زيد أنت رجل شاب وأنت كنت تكتب الوحي ، فتتبع القرآن فاجمعه .
قال زيد : والله لو كلفاني نقل جبل لنقلته ولكان أهون علي مما أمراني به من جمع القرآن ، فقلت لهما : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : هو خير فلم يزالا يراجعاني حتى شرح الله صدرهما .
وإنما اختارا زيدا ليكون زعيم وامير فريق الجمع الذين فرغوا لهذه المهمة العظيمة لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان مرة واحدة .
فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين ، فقرأه زيد آخر العرض ، فلذلك اختاراه .
قال : فتتبعت القرآن من الرقاع والأكتاف والأقتاب والجريد والصدور ، وروي أنه فقد آخر سورة التوبة { لقد جاءكم رسول } إلى آخرها فوجدها مع خزيمة الأنصاري لم يجدها مع غيره فألحقها في سورتها .
وفي رواية فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فلم أجدها مع أحد إلا خزيمة الأنصاري { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في سورتها } .
وذكر البخاري والترمذي أن أبا بكر رضي الله عنه قرن مع زيد ثلاثة من قريش سعيد بن أبي العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث ، وعبد الله بن الزبير ، فلما جمعوا القرآن في الصحف أخذها أبو بكر رضي الله عنه فكانت عنده إلى أن مات ، ثم عند عمر إلى أن مات ، فجعلت عند ام المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه اختلفت الناس في القراءة .
قال أنس رضي الله عنه : اجتمع القراء في زمن عثمان رضي الله عنه من أذربيجان وأرمينية والشام والعراق واختلفوا حتى كاد أن يكون بينهم فتنة ، وسبب الخلاف حفظ كل منهم من مصاحف انتشرت في خلال ذلك في الآفاق كتبت عن الصحابة ، كمصحف ابن مسعود ، ومصحف أبي ، ومصحف عائشة .
وفي البخاري عن أنس أن حذيفة قدم على عثمان رضي الله عنهم وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، وأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال لعثمان : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها إليه ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن أبي العاص وعبد الرحمن بن الحارث وقال للثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى نسخوا الصحف في المصاحف ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة رضي الله عنهم أجمعين وأرسل في كل أفق مصحفا ، وأمر بما سوى ذلك من صحيفة ومصحف فحرق .
وروي أن عدة المصاحف التي كتبها عثمان رضي الله عنه أربعة ، وقيل ستة ، وقيل سبعة ، والله تعالى أعلم . وقد جعل فيها عثمان رضي الله عنه عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلى اليوم. قال الحارث المحاسبي: "المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجهٍ واحدٍ، على اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات"3.
ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان على جمعه المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ ؛ لأنّ اختلاف القراءة يؤدّي إلى اختلاف بين المسلمين لا تحمد عقباه، وإلى تمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً، غاية ما قيل فيه هو إحراقه بقية المصاحف حتى سمّوه: حَرّاق المصاحف، حيث أصرّ البعض على عدم تسليم مصاحفهم كابن مسعود. فمن الحقائق التي يجب ان تدرك أنّ القرآن كان مجموعاً ومكتوباً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدوناً قبل عهد عثمان بزمنٍ طويل، غاية ما في الأمر أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعهم من سائر القراءات الأخرى التي توافق بعض لغات العرب، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة، وكتب إلى الأمصار أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة.
نقل الزركشي في كتابه البرهان قول السيد عليّ الميلاني من الامامية : "إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن".
وقال السيد جعفر مرتضى العاملي: "إنّنا لا يجب أن ننسى الجهد الذي بذله أهل السنة لتنزيه القرآن عن التحريف، وحاولوا توجيه تلكم الأحاديث بمختلف الوجوه التي اهتدوا إليها".
ومن الحقائق التي يجب ان تقرر ان ماثبت تواتره ووجب القطع واليقين به لاينتفي بالشبهة ولا ينفك اليقين الا بيقين..
روى صاحب كنز العمال بهامش مسند احمد عن علي رضي الله عنه قال: "لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان". وهذا يعني اجماع الصحابة رضوان الله عليهم و الامة على تلقي فعل عثمان بالقبول واعتباره خدمة لدين الله تعالى.
أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: "لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملاٍَ منّا" ؛ قال: "ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً". قلنا: "فما ترى؟" قال: "أرى أن يُجْمَع الناس على مصحف واحد، فلا تكون خرقة ولا اختلاف". قلنا: "فنعم ما رأيت".-فتح الباري ج6 ص15.
فكتاب الله محفوظ ولله الحمد جمعا وبيانا وقرانا هاديا وسراجا منيرا الى يوم الدين وظاهرا مهيمنا على الكتاب كله وسيظهر الله امره في العالمين نساله ان يستخدمنا به وله ويجعلنا من عباده الصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.