الهجرة إلى أستراليا – أثر الحرب
استمرت الروابط العاطفية والأسرية القوية بين أستراليا وبريطانيا، على الرغم من نيل أستراليا استقلالها كوطن. وهكذا فإنه
عندما أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا بعد قيام الأخيرة بغزو بلجيكا عام 1914 ، اتحدت أستراليا في دعمها الكامل لبريطانيا.
كان للحرب العالمية الأولى أثر شديد على أستراليا. ففي عام 1914 ، بلغ عدد سكان أستراليا الإجمالي حوالي 4.5 مليون نسمة،
وبالتالي، فإن عدد الذكور كان ربما أقل بكثير من ثلاثة ملايين. ومع هذا، فإن 417 ألف رجل أسترالي تطوعوا للقتال في الحرب،
وشارك منهم بالفعل أكثر من 330 ألفًا. ومع انتهاء الحرب في عام 1918 ، كان حوالي 60 ألفًا قد لقوا حتفهم وأصيب أكثر من
152 ألفًا.
وقد برزت من هذه التجربة أحد أبعد القيم الأسترالية أثرًا: إرث الأنزاك الذي ينم عن الشجاعة والعزم وروح ”الصحبة“.
بتاريخ 25 نيسان/ أبريل من كل عام، يحيي الأستراليون ذكرى معركة تميّزت بالشجاعة، وإن كانت انتهت بالفشل، خاضتها عام
1915 وحدات الجيشالأسترالي والنيوزيلندي – المعروفة باسم الأنزاك- وجنود آخرون من القوات الحليفة في غاليبولي بتركيا.
نزل جنود الأنزاك (مع قوات بريطانية وفرنسية وهندية) على شواطئ غاليبولي بهدف إلحاق الهزيمة بالأتراك عن طريق شق معبر
عبر الدردنيل وقصف القسطنطينية. غير أن الخط الساحلي الوعر وشديد الانحدار، بالإضافة إلى الدفاع الباسل الذي أبداه
الجنود الأتراك أوقف زحف جنود الأنزاك الذين انسحبوا في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 1915 . هذه الحملة التي استمرت ثمانية
أشهر أدّت إلى مصرع ما يقدّر ب 8700 أسترالي قُتلوا في عمليات عسكرية أو متأثرين بجراح أو أمراض.
أما اليوم، فلا يحيي يوم الأنزاك ذكرى جنود الأنزاك الأوائل فقط، وإ نما يحتفل بجميع الجنود الأستراليين الذين قاتلوا في الحروب
منذ ذلك الحين.
تميّزت الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين ( 1919 – 1939 ) بعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، خصوصًا خلال سنوات
الركود الاقتصادي الكبير، حينما انهارت مؤسسات مالية أسترالية عديدة.
وأدى الانخفاض الحاد في أسعار الصوف والقمح (وهي صادرات أستراليا الرئيسية) وسحب رأس المال الإنكليزي وانخفاض
أسعار بعضالصادرات الأخرى إلى حدوث أزمة مالية خطيرة. فارتفعت نسبة البطالة بصورة لافتة إلى درجة أنه في عام 1933
كان قرابة ثلث أفراد القوة العاملة عاطلين عن العمل، وانحدر الدخل الوطني بشكل حاد.
ومع تعافي البلاد من الركود الاقتصادي، وبعد مرور أكثر من 20 عامًا بقليل من ”الحرب التي كانت ستنهي كل الحروب“، اندلعت
الحرب مجددًا في العالم. ففي عام 1939 ، أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا بعد غزو هذه الأخيرة لبولندا. وكان رد رئيسالوزراء
الأسترالي آنذاك، Robert Menzies ، أن أستراليا في حالة حرب هي الأخرى.
وخلال الحرب العالمية الثانية، قدمت القوات الأسترالية إسهامات ضخمة في تحقيق نصرالحلفاء في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ.
وكان عدد الضحايا مرتفعًا، إذ بلغ عدد الأستراليين الذين فقدوا حياتهم فيها ما يقرب من 40 ألفًا، كما أُصيب الكثيرون غيرهم
بجروح.
برز لدى أبناء ذلك الجيل الذين قاتلوا في هذه الحرب وظلوا على قيد الحياة شعور بالاعتزاز بقدرات أستراليا – كما أدركوا أن
الصراع كان قد وصل حتى عتبة أستراليا مع سقوط سنغافورة، وقيام اليابانيين بقصف مناطق في بروم وداروين وتاونزفيل شمال
أستراليا، وهجوم غواصة على ميناء سيدني، ونشوب معركة ضد إحدى قوات الغزو اليابانية على طول درب كوكودا في ما يُعرف الآن
باسم بابوا غينيا الجديدة.
ومثلما حدث في غاليبولي، جاءت معركة كوكودا تجسيدًا لشجاعة وعزم الأستراليين في وقت الحرب. فقد قُتل ما مجموعه 625
أستراليًا وأصيب 1055 غيرهم بجراح في المعركة التي استمرت أربعة أشهر في ظروف مرعبة للتصدي لقوات الغزو اليابانية التي
نزلت على الساحل الشمالي لبابوا بقصد الاستيلاء على بورت مورزبي.
المصدر – كتيب العيش في أستراليا