8 – ماذا حدث في العام المفصلي (1987):
(ناجي العلي – وعزالدين المناصرة)
- وهكذا، كان عام (1987)، عاماً مفصلياً من الناحية السياسية والثقافية، ارتكبتْ فيه (حادثتان خطيرتان)، في مرحلة تشكيل (لجنة الحوار الإسرائيلي – الفلسطيني)، هما:
(1) – اغتيل الفنان (ناجي العلي) في تموز 1987 في لندن، في ظل اتهامات متبادلة بين الموالين لياسر عرفات، ولجنة الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي، وبين معارضي الحوار من المثقفين الفلسطينيين، والرأي العام، الذي استنكر حادثة الاغتيال بشدّة.
(2) – وفي العام نفسه 1987- حدث تقارب بين (الأفغان الجزائريين)، و(التيار السلفي)، الذي كان يقوده (الشيخ محمد الغزالي) – رئيس جامعة الأمير عبدالقادر الإسلامية في (قسنطينة). وكانت ذروته قد سبقت في العام (1986) في مؤتمر دولي بعنوان (جدوى الأدب في عالم اليوم)، انعقد في مدينة (باتنة) الجزائرية، ألقى فيه الشيخ الغزالي خطاباً هاجم فيه (شعر المقاومة الفلسطينية)، وخصّ بالهجوم (شاعر الثورة الفلسطينية = عزالدين المناصرة)، الذي كان أستاذاً للأدب المقارن في (جامعة قسنطينة = منتوري). وكان المناصرة أيضاً، قد انتخب (1985 – 1987) من قبل (الجالية الفلسطينية في الجزائر= 10 آلاف) – رئيساً لِـ(اللجان الفلسطينية للوحدة الوطنية). وقد أدى هجوم (الشيخ الغزالي)، الذي وصف (المناصرة) بأنه (وثني كنعاني يساري... وديمقراطي)!!! – أدى إلى اتخاذ رئيس جامعة قسنطينة قراراً بِـ(فصل المناصرة من عمله)، رغم اعتراض (رئيس وزراء الجزائر = عبدالحميد إبراهيمي). وظل الغموض يلفُّ هذه الحادثة، حتى بعد أن غادر المناصرة الجزائر نهائياً عام (1991)، حتى عام 2004، حين كشفت (جريدة الشروق الجزائرية بتاريخ (29/2/2004)) تفاصيل هذه الجريمة، ومما قالته الصحيفة أن (الرئيس الشاذلي بن جديد)، رئيس الجمهورية، (هدّد آنذاك، بطرد المناصرة من الجزائر كلها) بتحريض من وزير الأديان آنذاك، بوعلام باقي، صديق الغزالي، لكن الرئيس الشاذلي تراجع تحت ضغط عدد من المثقفين والسياسيين الجزائريين، أبرزهم: الشريف مساعدية، وعبدالحميد إبراهيمي، والطاهر وطّار، والعربي الزبيري، وغيرهم.
(3) – صفقة نصف القرن الثقافية): وهذا يعني أن التطبيق العملي لاتفاقات أوسلو (اللاحقة – 1993) قد بدأت عملياً عام (1987). وكانت قد جرت في بيروت ما أسماها بعض المثقفين الفلسطينيين بـ(صفقة نصف القرن الثقافية) – ملخصها: (تعطوني تاج إمارة الشعر الفلسطيني، أعطيكم علاقاتي مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، والمفارقة المضحكة المبكية هي أن قيادة الثورة (شطبت شعراء الكفاح المسلح). وكانت هذه الصفقة قد بدأ تنفيذها منذ عام 1967، بالترويج لمصطلح ملتبس هو (شعراء المقاومة!!)، لأنه كان يعني آنذاك شعراء شمال فلسطين، الأعضاء في (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) – لكن (محمود عباس) في الفيلم الوثائقي (الصبر) – تجاهل المحاولات السابقة، مثل (وفد حركة فتح برئاسة ماجد أبو شرار، عضو اللجنة المركزية، الذي حاور وفداً إسرائيلياً برئاسة عوزي بورشطاين في العاصمة التشيكية (براغ)، في آذار 1977، لكن (الموساد الإسرائيلي)، اغتاله في (روما) لاحقاً، لأنه (أبو شرار) كان قد أصبح شريكاً لخليل الوزير (أبو جهاد) في ما كان يطلق عليه (القطاع الغربي) – الخاص بالأرض المحتلة. ثم اغتال (الموساد)، أبو جهاد نفسه عام 1988.
خلاصة:
فكرة (الدولة الواحدة: إسرائيلية فلسطينية)، فكرة يهودية صهيونية قديمة، طرحتها جماعة (بريت شالوم) اليهودية الصهيونية، عام (1925)، وهي جماعة هامشية لم تكن مؤثرة في ظل ارتباك الحركة الصهيونية حول (مستقبل فلسطين)، حيث نادت هذه الجماعة بدولة ثنائية القومية على أرض فلسطين الانتدابية كلها. وتوقفت هذه الفكرة عام 1947 بعد صدور قرار التقسيم (181). أعاد طرحها بعض المثقفين الفلسطينيين فرادى في مقالات منشورة لهم، منذ نهاية الثمانينات، وهم غالباً من أنصار التطبيع الثقافي والحوار مع المثقفين الإسرائيليين، دون شروط. ثم نشط بعض الباحثين الفلسطينيين حول الموضوع في الألفية الجديدة، بعد فشل المباحثات كامب ديفيد (ياسر عرفات)، وبعد حادثة 11 سبتمبر 2001، واندلاع الانتفاضة الثانية التي مارست (العسكرة)، أو الكفاح المسلح عبر العمليات الاستشهادية، وبعد رحيل عرفات، وبروز حالة الانقسام بين حركة فتح، وحركة حماس. مما أعطى انطباعاً قوياً بموت اتفاق أوسلو من الناحية العملية، وليس القانونية، واستنتج الباحثون بأن (حلّ الدولتين) بعد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، أصبح مستحيلاً. ويعني حل (الدولة ثلاثية الدين)، أو (ثنائية القومية: إسرائيلية – فلسطينية) فيما يعنيه: استحالة (حلّ الدولة الفلسطينية) في الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، ورأوا أن الواقع الحقيقي تحول إلى (اشتباك العلاقات) بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب تطور المستوطنات والطرق الالتفافية وجدار الفصل العنصري، وتبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي تبعية شبه كاملة. وهذا حسب الباحثين، يشكل نموذجاً مصغراً لمشروع الدولة ثنائية القومية الافتراضية المرغوبة من قبل هؤلاء الباحثين. وهم يرون أن الحل المنطقي، يكون بتعميم التأسرل، والتكيف مع الاحتلال للوصول إلى )دولة إسرائيلية فلسطينية) مشتركة على كل أرض فلسطين التاريخية. وهو كما نرى – حلَّ طوباوي غير واقعي، افتراضي، معقّد، يتم تسويقه من أجل جسر الفجوة التي خلقتها المفاوضات الفاشلة، ومن أجل أن يظل (التيار المتأسرل)، يقود الجدل حول مستقبل فلسطين، ممسكاً بزمام الأمور، حتى لا يعود الجدل إلى مشروع (دولة فلسطين الديموقراطية)، الذي طرحته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968 في ميثاقها كحل عادل وشامل. أي أن مشروع (الدولة ثنائية القومية) هو مشروع يتغطّى بالواقعية، لمنع الحل العادل والشامل، وكلا المشروعين، يحتاج إلى تعديل ميزان القوى بين العرب وإسرائيل، وضرورة الانطلاق من فكرة العدالة، لأنَّ (إسرائيل) ترفض المشروعين أصلاً، ولا يمكن أن تفكك نفسها بنفسها، ولا أن تتخلى عن صهيونيتها، حتى لو رغب أفراد إسرائيليون نخبويون غير مؤثرين في مشروع الدولة ثنائية القومية.
- أما الهدف الحقيقي، لمشروع الدولة ثنائية القومية، فهو إقامة (دولة فيدرالية)، بقيادة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، تحاول إقامة (شرق أوسط جديد)، بقيادة إسرائيل أيضاً.
خلاصة الخلاصة:
منذ (قرار التقسيم، عام 1947 – رقم (181)، والقرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، الذي لا وطن لهم سواه) – صدر عن (الأمم المتحدة)- (791 قرار) من بينها (86 قرار) عن (مجلس الأمن الدولي)- لم يُنفّذ أي قرار من هذه القرارات، و(الكلام) ليس لي، بل لمهندسي (أوسلو) الفلسطينيين، وفي مقدمتهم (رئيس السلطة الفلسطينية)، وبما أن (المفاوضات من أجل المفاوضات)، منذ عام 1993 – توقيع اتفاق أوسلو، وحتى اليوم، تدور حول مشروع دولة فلسطينية على 22% من أرض الضفة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية، قد فشلت، فإن مشروع (الدولة الواحدة)، الطوباوي، مستحيل. ويبقى الحل، وهو (المقاومة من أجل تحقيق الدولة الديمقراطية الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، التي تقبل الطائفة اليهودية الفلسطينية – وهي 7% عام 1947، ولا يعني إسرائيل بالطبع. وبما أن إسرائيل لن تفكك نفسها من تلقاء نفسها، فالمطلوب هو المقاومة من أجل تحقيق (الدولة الفلسطينية الديمقراطية)، بكل أشكال المقاومة. وليست وظيفة الضحية، أن تبحث عن حلّ للجلاّد المحتل العنصري، فقبل عام 1948، لم يكن هناك دولة اسمها إسرائيل في خارطة العالم. أما مستقبل (السلطة في فلسطين)، فهو تناسل الرداءة: (أسيادكم في الجاهلية، هم أسيادكم في الإسلام)، أي أن السلطة سوف تعيد إنتاج نفسها، لكي تبقى في السلطة تحت الأضواء، وذلك بانتقال ميكاني من (مرحلة حل الدولتين الفاشلة) – إلى (وهم الدولة الواحدة)، حتى تصل ربما إلى مرحلة (تهويد نفسها بنفسها)... واحسرتاه. وهذا ما يؤكد أنه ليس أمام الشعب الفلسطيني العظيم سوى إعلان (العصيان المدني) ضد الاحتلال بعد تفكيك السلطة الحالية، وإعلان المقاومة الشعبية، والمسلحة بكافة أشكالها، لأن دولة الاحتلال الإسرائيلي، لن تفكك نفسها بنفسها كما فعل (دوكليرك) – (نيلسون مانديلا) في جنوب إفريقيا: - (يا أهلي، لقد جرّبتم إسحق رابين، فاغتالوه علنا في وضح النهار).
----------
* عز الدين المناصرة، شاعر وناقد ومفكر وأكاديمي فلسطيني من مواليد بلدة بني نعيم في محافظة الخليل - فلسطين. حائز على عدة جوائز كأديب وكأكاديمي. وهو من شعراء المقاومة الفلسطينية منذ اواخر الستينيات