تطور الجريمة في المجتمع
الدكتور عادل عامر
تطورت الجريمة في مصر، حيث انتشرت في السنوات القليلة الماضية كثيرا من جرائم السرقة والقتل على يد ملثمين، ووقع عام 2017 وحدها العديد من تلك الحوادث تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية لصيقة بالمجتمع، تنبع منه وتحدث فيه، فلا وجود لمجتمع خالي من الجريمة، التي تتضمن معنى إيذاء الآخرين والتعدي عليهم وعدم احترام القوانين التي تضمن لكل ذي حق حقه، يرتكبها بعض أفراد المجتمع لأسباب مختلفة تؤثر في الفرد وتجعله يتجه إلى ارتكاب الجريمة.
لذالك عملت المجتمعات على إيجاد استراتيجية لمعالجة الجريمة ويرتبط تطور الاستراتيجية المعتمدة في معالجة ظاهرة الإجرام بتطور نظرة المجتمع إلى المجرم وأغراض العقوبة المسلطة عليه؛ فتاريخيا مرت هذه الاستراتيجية بعدة مراحل وعهد إلى عدة مؤسسات مختصة بمعالجة الإجرام منها مؤسسة الشرطة والمحكمة والسجن التي تعمل بتناسق وتكامل من اجل تحقيق استراتيجية فعالة وناجعة لمواجهة الإجرام في المجتمع،
لكن يعد السجن أهم هذه المؤسسات باعتباره محضن لتأهيل وإصلاح المجرمين وإعادة تكييفهم مع المجتمع، ومن ثمة إبعادهم عن السلوك الإجرامي الذي يضر بالأخرين وبالمحيط الاجتماعي ككل. اتبعت قديما استراتيجية قمعية
تهتم بتوقيع العقوبة والتأكد من إجراء الحكم، وفرض العدالة التي يعتقد بها المجتمع، أما ابتداء من القرن الثامن عشر فقد اتبعت استراتيجية ردعية حيث يوضع مرتكبو الجريمة في أماكن مغلقة تعزلهم عن المجتمع، بعكس وقتنا الحاضر الذي أصبح فيه الكثير من المختصين والدارسين يهتمون بوضع استراتيجية فعالة لمعالجة الإجرام متبعين استراتيجية الوقاية والعلاج. وقد تطورت استراتيجية مواجهة الجريمة بحسب تطور ظاهرة الجريمة في المجتمعات ويمكن الإشارة إلى ذالك بتتبع مراحل أساسية.
كما أن التطور الهائل فى مجال استخدام الحاسبات الآلية وشبكة المعلومات الدولية على الرغم من إيجابياته المتعددة إلا أنه ينطوى فى داخله على مخاطر تفوق كافة التصورات فى تهديده للأمن فى المستقبل ويكفى أن نعرف أنه بلمسة واحدة يمكن لشخص أو مجموعة أشخاص أن يكبدوا بعض المؤسسات أو الشركات الكبرى خسائر مالية كبيرة، أو يهددوا أمن واستقرار المجتمع، كما أن عمليات التعارف على شبكة المعلومات الدولية أدت – كما طالعتنا وسائل الإعلام – إلى حدوث جرائم الانتحار الجماعي التى نفذها بعض المراهقين فى أمريكا، هذا بالإضافة إلى جرائم خطف الأشخاص والطلاق والسرقة والاغتصاب والتهديد والقذف وتشويه السمعة وغيرها من الجرائم التي وقعت فى مختلف بلاد العالم ومن بينها مصر.
تتعدد مفاهيم الجريمة بتعدد الوجهة التى ننظر بها إليها، فهى من وجهة نظر الدين: الجريمة هى الخطيئة، أى كسر وخروج على النظام الذى يعتقد أنه من وضع الله أى الدين، فهى فعل ما نهى عنه الدين وعصيان ما أمر به. ومن وجهة نظر علم النفس: الجريمة هى إشباع لغريزة إنسانية بطريق شاذ لا يسلكه الرجل العادي حين تشبع الغريزة نفسها وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة فى لحظة ارتكابها بالذات. ومن وجهة نظر القانون: الجريمة هى كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ويقرر له القانون عقوبة جنائية.
الدول والمجتمعات وظهور الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وتحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق أمام تدفقات رءوس الأموال المصرفية والاستثمارات الدولية؛ وإلغاء الحدود الإقليمية فالأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية جعلت العالم اليوم يمثل مجتمعا واحداً حيث الانتقال السريع للمعلومات وسهولة انتقال الأموال والأشخاص كل هذه الظروف هيأت مناخاً جديداً مشجعاً لارتكاب الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية سواء ارتكبت فى دولة بناء على تخطيط وتنفيذ جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية فى أكثر من دولة، أو تم التخطيط لها فى دولة، وتنفيذ ما خطط له فى دولة أخرى، أو ارتكبت فى دولة واحدة ولكن ترتب عليها آثار شديدة فى دولة أو دول أخرى.
فالحدود الاقتصادية المفتوحة جعلت الجريمة المنظمة قادرة على تنفيذ مآربها الإجرامية عبر الحدود، وأن الظروف الصعبة التى تحيط بالدول النامية كانت بمثابة التربة الخصبة لنمو جرائم غسيل الأموال والاتجار غير المشروع فى المخدرات والإرهاب والغش والفساد تلك الجرائم التى ارتدت عباءة تشجيع الاستثمار وتوريد السلع الرأسمالية ولقد تميزت الجريمة المنظمة بأنها عابرة لحدود الأوطان، وأدى نشوء السوق العالمية المالية إلى ممارسة الجماعات الإجرامية المنظمة التأثير على مصادر السلطة وتوريطها فى الفساد، وتشير أحد الدراسات التى عرضت فى المؤتمر العاشر لمنع الجريمة فى فينا 2000
أن معدلات الفساد المتوقعة بين السياسيين تجاوزت 75% فى جميع مناطق العالم فى حين سجلت أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى معدلات قياسية بلغت 90%. وتشير الدراسات التى أجراها صندوق النقد الدولى أن البلدان التى يوجد بها فساد تحقق معدلات استثمار تقل 5% عن البلدان التى لا تعتبر فاسدة،
ولقد اكتسب الفساد بعدا دوليا مع تزايد عولمة الأسواق وما يصاحب ذلك من تدويل للأنشطة غير القانونية، فالفساد من الجرائم المدمرة للاقتصاد القومى وهى من الجرائم التى تسير جنبا إلى جنب مع إساءة استخدام السلطة والامتيازات السياسية والاقتصادية والجريمة المنظمة
ولقد أضافت الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية بعداً سلبيا للعولمة مع غيرها من السلبيات الاقتصادية التى كان لها آثارها السلبية على الدول النامية، فلقد أصبح الفساد أداة من الأدوات المفضلة للجريمة المنظمة بل جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها، وذلك باعتبار أن المال الفاسد نوع من الاستثمار الناجح للجماعات الإجرامية المنظمة حيث يزيد من فرص نجاح جرائمهم ويقلل من ملاحقتهم والقبض عليهم ومحاكمتهم.
فالتطور التكنولوجى فى وسائل المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة أدى إلى التقارب الشديد بين الدول وجعل الجريمة لا تعرف الحدود الطبيعية أو الصناعية التى تفصل بين الدول، وأصبح الإجرام ينتقل فى لحظات من دولة إلى أخرى لدرجة أن الجريمة قد يتم الإعداد لها فى دولة ثم يشرع فى ارتكابها فى دولة ثانية، وربما تنفذ فى دولة ثالثة، وقد تظهر آثارها فى دولة رابعة.
الاتجاهات الحديثة للوقاية من الجريمة
أظهرت نتائج البحوث التي أجريت في السنوات الأخيرة في العديد من دول العالم مدى محدودية أثر العمل الشرطي التقليدي في الحد من تزايد معدلات الجريمة ، كما أكدت الدراسات الإحصائية فشل سياسة الردع العقابي في تحقيق الأهداف المطلوبة منها وهي منع الجريمة أو الوقاية منها ، وترتيبًا على ذلك لم تعد أجهزة الشرطة والعدالة الجنائية في أي مجتمع من المجتمعات قادرة ـ مهما أتيح لها من إمكانيات ـ على الوقاية من الجريمة ومواجهة تيارها الجارف الآخذ في النمو والتحول النوعي نحو العنف ، والاستخدام الذكي والسريع لمعطيات العصر التقنية والمادية .
وقد استخلص بعض الباحثين عدة اتجاهات حديثة للوقاية من الجريمة، وهذه الاتجاهات ليست منفصلة، بل هي مترابطة ومتسقة ويجب أن تنفذ في آن واحد.
الاتجاه الأول
يهدف إلى الوقاية من الجريمة من خلال تصميم البيئة وتغييرها تغييرًا من شأنه تقليل فرص ارتكابها لتثبيط عزم المجرمين المحتملين.
ولتحقيق هدف الوقاية من الجريمة من خلال هذا الاتجاه ، يرى البعض أن ارتكاب الجريمة ليس مرتبطًا فقط بالسمات البيولوجية والنفسية للمجرم ، ولا العوامل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع بل يرتكز أيضًا على العوامل الموقفية التي تؤثر على ارتكاب الجريمة .
والوقاية من الجريمة ـ وفقًا لهذا الاتجاه ـ تتحقق من خلال إعادة النظر في أساليب تخطيط المدن والتصميمات المعمارية على نحو يصعب ارتكاب الجرائم أو يقلل فرص ارتكابها.
الاتجاه الثاني
ويهدف هذا الاتجاه إلى اتخاذ تدابير وقائية فعالة لحماية ضحايا الجريمة المحتملين ، حيث أظهرت الدراسات والبحوث أهمية دور المجني عليه في ارتكاب الجريمة ، فالمجني عليه في كثير من الأحيان يخلق بسلوكه وأفعاله هذه المغريات ، وهذه المنبهات التي ستحث المجرم الكامن على التحرك وستدفعه إلى الانقضاض على فريسته.
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن من الواجب اتخاذ تدابير وقائية فعالة لحماية ضحايا الجريمة المحتملين بشتى الطرق مثل استخدام وسائل الإعلام والتوعية والتعليم بهدف تغيير سلوكهم أو حثهم على أخذ الاحتياطات الواجبة لحماية أنفسهم وأموالهم ضد الاعتداء .
الاتجاه الثالث
يهدف الاتجاه الثالث إلى العمل على إجراء تغييرات اجتماعية جذرية فقد ثبت من خلال التجارب التاريخية أن الجريمة الناتجة عن المشاكل الاجتماعية لا يمكن حلها بقانون العقوبات ، حيث أن هناك بالفعل جرائم ( كالثأر وإدمان المخدرات ) لم تفلح القوانين والعقوبات الشديدة القسوة في القضاء عليها أو الحد منها ، ويتطلب علاج مثل هذه المشكلات حلولاً اجتماعية تعالج الجذور ، وتسعى إلى منع الأسباب والظروف التي تخلق الدوافع لارتكاب الجرائم . والسبيل إلى هذه التغييرات إنما يكون عن طريق مشاركة الجماهير والمؤسسات في تنمية المجتمعات المحلية اقتصاديًا واجتماعيًا ، ومن الضروري أن تتكون قناعة كاملة لدى جميع أفراد المجتمع مؤداها أن كثيرًا من مشكلات مجتمعهم حلها في يدهم ، وبجهودهم الشخصية ، وأن مجرد إزاحتها عن كاهلهم ووضعها على كاهل الحكومات إنما هو هروب لن يحل هذه المشكلات .
الدكتور عادل عامر
تطورت الجريمة في مصر، حيث انتشرت في السنوات القليلة الماضية كثيرا من جرائم السرقة والقتل على يد ملثمين، ووقع عام 2017 وحدها العديد من تلك الحوادث تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية لصيقة بالمجتمع، تنبع منه وتحدث فيه، فلا وجود لمجتمع خالي من الجريمة، التي تتضمن معنى إيذاء الآخرين والتعدي عليهم وعدم احترام القوانين التي تضمن لكل ذي حق حقه، يرتكبها بعض أفراد المجتمع لأسباب مختلفة تؤثر في الفرد وتجعله يتجه إلى ارتكاب الجريمة.
لذالك عملت المجتمعات على إيجاد استراتيجية لمعالجة الجريمة ويرتبط تطور الاستراتيجية المعتمدة في معالجة ظاهرة الإجرام بتطور نظرة المجتمع إلى المجرم وأغراض العقوبة المسلطة عليه؛ فتاريخيا مرت هذه الاستراتيجية بعدة مراحل وعهد إلى عدة مؤسسات مختصة بمعالجة الإجرام منها مؤسسة الشرطة والمحكمة والسجن التي تعمل بتناسق وتكامل من اجل تحقيق استراتيجية فعالة وناجعة لمواجهة الإجرام في المجتمع،
لكن يعد السجن أهم هذه المؤسسات باعتباره محضن لتأهيل وإصلاح المجرمين وإعادة تكييفهم مع المجتمع، ومن ثمة إبعادهم عن السلوك الإجرامي الذي يضر بالأخرين وبالمحيط الاجتماعي ككل. اتبعت قديما استراتيجية قمعية
تهتم بتوقيع العقوبة والتأكد من إجراء الحكم، وفرض العدالة التي يعتقد بها المجتمع، أما ابتداء من القرن الثامن عشر فقد اتبعت استراتيجية ردعية حيث يوضع مرتكبو الجريمة في أماكن مغلقة تعزلهم عن المجتمع، بعكس وقتنا الحاضر الذي أصبح فيه الكثير من المختصين والدارسين يهتمون بوضع استراتيجية فعالة لمعالجة الإجرام متبعين استراتيجية الوقاية والعلاج. وقد تطورت استراتيجية مواجهة الجريمة بحسب تطور ظاهرة الجريمة في المجتمعات ويمكن الإشارة إلى ذالك بتتبع مراحل أساسية.
كما أن التطور الهائل فى مجال استخدام الحاسبات الآلية وشبكة المعلومات الدولية على الرغم من إيجابياته المتعددة إلا أنه ينطوى فى داخله على مخاطر تفوق كافة التصورات فى تهديده للأمن فى المستقبل ويكفى أن نعرف أنه بلمسة واحدة يمكن لشخص أو مجموعة أشخاص أن يكبدوا بعض المؤسسات أو الشركات الكبرى خسائر مالية كبيرة، أو يهددوا أمن واستقرار المجتمع، كما أن عمليات التعارف على شبكة المعلومات الدولية أدت – كما طالعتنا وسائل الإعلام – إلى حدوث جرائم الانتحار الجماعي التى نفذها بعض المراهقين فى أمريكا، هذا بالإضافة إلى جرائم خطف الأشخاص والطلاق والسرقة والاغتصاب والتهديد والقذف وتشويه السمعة وغيرها من الجرائم التي وقعت فى مختلف بلاد العالم ومن بينها مصر.
تتعدد مفاهيم الجريمة بتعدد الوجهة التى ننظر بها إليها، فهى من وجهة نظر الدين: الجريمة هى الخطيئة، أى كسر وخروج على النظام الذى يعتقد أنه من وضع الله أى الدين، فهى فعل ما نهى عنه الدين وعصيان ما أمر به. ومن وجهة نظر علم النفس: الجريمة هى إشباع لغريزة إنسانية بطريق شاذ لا يسلكه الرجل العادي حين تشبع الغريزة نفسها وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة فى لحظة ارتكابها بالذات. ومن وجهة نظر القانون: الجريمة هى كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ويقرر له القانون عقوبة جنائية.
الدول والمجتمعات وظهور الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وتحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق أمام تدفقات رءوس الأموال المصرفية والاستثمارات الدولية؛ وإلغاء الحدود الإقليمية فالأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية جعلت العالم اليوم يمثل مجتمعا واحداً حيث الانتقال السريع للمعلومات وسهولة انتقال الأموال والأشخاص كل هذه الظروف هيأت مناخاً جديداً مشجعاً لارتكاب الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية سواء ارتكبت فى دولة بناء على تخطيط وتنفيذ جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية فى أكثر من دولة، أو تم التخطيط لها فى دولة، وتنفيذ ما خطط له فى دولة أخرى، أو ارتكبت فى دولة واحدة ولكن ترتب عليها آثار شديدة فى دولة أو دول أخرى.
فالحدود الاقتصادية المفتوحة جعلت الجريمة المنظمة قادرة على تنفيذ مآربها الإجرامية عبر الحدود، وأن الظروف الصعبة التى تحيط بالدول النامية كانت بمثابة التربة الخصبة لنمو جرائم غسيل الأموال والاتجار غير المشروع فى المخدرات والإرهاب والغش والفساد تلك الجرائم التى ارتدت عباءة تشجيع الاستثمار وتوريد السلع الرأسمالية ولقد تميزت الجريمة المنظمة بأنها عابرة لحدود الأوطان، وأدى نشوء السوق العالمية المالية إلى ممارسة الجماعات الإجرامية المنظمة التأثير على مصادر السلطة وتوريطها فى الفساد، وتشير أحد الدراسات التى عرضت فى المؤتمر العاشر لمنع الجريمة فى فينا 2000
أن معدلات الفساد المتوقعة بين السياسيين تجاوزت 75% فى جميع مناطق العالم فى حين سجلت أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى معدلات قياسية بلغت 90%. وتشير الدراسات التى أجراها صندوق النقد الدولى أن البلدان التى يوجد بها فساد تحقق معدلات استثمار تقل 5% عن البلدان التى لا تعتبر فاسدة،
ولقد اكتسب الفساد بعدا دوليا مع تزايد عولمة الأسواق وما يصاحب ذلك من تدويل للأنشطة غير القانونية، فالفساد من الجرائم المدمرة للاقتصاد القومى وهى من الجرائم التى تسير جنبا إلى جنب مع إساءة استخدام السلطة والامتيازات السياسية والاقتصادية والجريمة المنظمة
ولقد أضافت الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية بعداً سلبيا للعولمة مع غيرها من السلبيات الاقتصادية التى كان لها آثارها السلبية على الدول النامية، فلقد أصبح الفساد أداة من الأدوات المفضلة للجريمة المنظمة بل جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها، وذلك باعتبار أن المال الفاسد نوع من الاستثمار الناجح للجماعات الإجرامية المنظمة حيث يزيد من فرص نجاح جرائمهم ويقلل من ملاحقتهم والقبض عليهم ومحاكمتهم.
فالتطور التكنولوجى فى وسائل المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة أدى إلى التقارب الشديد بين الدول وجعل الجريمة لا تعرف الحدود الطبيعية أو الصناعية التى تفصل بين الدول، وأصبح الإجرام ينتقل فى لحظات من دولة إلى أخرى لدرجة أن الجريمة قد يتم الإعداد لها فى دولة ثم يشرع فى ارتكابها فى دولة ثانية، وربما تنفذ فى دولة ثالثة، وقد تظهر آثارها فى دولة رابعة.
الاتجاهات الحديثة للوقاية من الجريمة
أظهرت نتائج البحوث التي أجريت في السنوات الأخيرة في العديد من دول العالم مدى محدودية أثر العمل الشرطي التقليدي في الحد من تزايد معدلات الجريمة ، كما أكدت الدراسات الإحصائية فشل سياسة الردع العقابي في تحقيق الأهداف المطلوبة منها وهي منع الجريمة أو الوقاية منها ، وترتيبًا على ذلك لم تعد أجهزة الشرطة والعدالة الجنائية في أي مجتمع من المجتمعات قادرة ـ مهما أتيح لها من إمكانيات ـ على الوقاية من الجريمة ومواجهة تيارها الجارف الآخذ في النمو والتحول النوعي نحو العنف ، والاستخدام الذكي والسريع لمعطيات العصر التقنية والمادية .
وقد استخلص بعض الباحثين عدة اتجاهات حديثة للوقاية من الجريمة، وهذه الاتجاهات ليست منفصلة، بل هي مترابطة ومتسقة ويجب أن تنفذ في آن واحد.
الاتجاه الأول
يهدف إلى الوقاية من الجريمة من خلال تصميم البيئة وتغييرها تغييرًا من شأنه تقليل فرص ارتكابها لتثبيط عزم المجرمين المحتملين.
ولتحقيق هدف الوقاية من الجريمة من خلال هذا الاتجاه ، يرى البعض أن ارتكاب الجريمة ليس مرتبطًا فقط بالسمات البيولوجية والنفسية للمجرم ، ولا العوامل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع بل يرتكز أيضًا على العوامل الموقفية التي تؤثر على ارتكاب الجريمة .
والوقاية من الجريمة ـ وفقًا لهذا الاتجاه ـ تتحقق من خلال إعادة النظر في أساليب تخطيط المدن والتصميمات المعمارية على نحو يصعب ارتكاب الجرائم أو يقلل فرص ارتكابها.
الاتجاه الثاني
ويهدف هذا الاتجاه إلى اتخاذ تدابير وقائية فعالة لحماية ضحايا الجريمة المحتملين ، حيث أظهرت الدراسات والبحوث أهمية دور المجني عليه في ارتكاب الجريمة ، فالمجني عليه في كثير من الأحيان يخلق بسلوكه وأفعاله هذه المغريات ، وهذه المنبهات التي ستحث المجرم الكامن على التحرك وستدفعه إلى الانقضاض على فريسته.
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن من الواجب اتخاذ تدابير وقائية فعالة لحماية ضحايا الجريمة المحتملين بشتى الطرق مثل استخدام وسائل الإعلام والتوعية والتعليم بهدف تغيير سلوكهم أو حثهم على أخذ الاحتياطات الواجبة لحماية أنفسهم وأموالهم ضد الاعتداء .
الاتجاه الثالث
يهدف الاتجاه الثالث إلى العمل على إجراء تغييرات اجتماعية جذرية فقد ثبت من خلال التجارب التاريخية أن الجريمة الناتجة عن المشاكل الاجتماعية لا يمكن حلها بقانون العقوبات ، حيث أن هناك بالفعل جرائم ( كالثأر وإدمان المخدرات ) لم تفلح القوانين والعقوبات الشديدة القسوة في القضاء عليها أو الحد منها ، ويتطلب علاج مثل هذه المشكلات حلولاً اجتماعية تعالج الجذور ، وتسعى إلى منع الأسباب والظروف التي تخلق الدوافع لارتكاب الجرائم . والسبيل إلى هذه التغييرات إنما يكون عن طريق مشاركة الجماهير والمؤسسات في تنمية المجتمعات المحلية اقتصاديًا واجتماعيًا ، ومن الضروري أن تتكون قناعة كاملة لدى جميع أفراد المجتمع مؤداها أن كثيرًا من مشكلات مجتمعهم حلها في يدهم ، وبجهودهم الشخصية ، وأن مجرد إزاحتها عن كاهلهم ووضعها على كاهل الحكومات إنما هو هروب لن يحل هذه المشكلات .