منذ أن أرسل الله تعالى إلى البشر أول رسول .. وهو نوح وإلى آخر رسول .. وهو محمد صلوات الله عليهم جميعا..
كان التقرير الواضح .. والهدف الساطع من رب العالمين ..
أنه ..
يريد من البشر .. أن يبنوا .. ويؤسسوا علاقاتهم مع بعضهم البعض .. على أساس العقيدة.. الفكرة.. الدين ..
بمعنى آخر ..
على أساس الأشياء .. التي يستطيع الإنسان اختيارها بحرية تامة .. دون إكراه .. أو إجبار ..
وليس ..
على أساس الجنس .. والوطن .. والتراب .. ومكان الولادة ..
أوعلى أساس القوم .. والعائلة .. والقبيلة .. والعشيرة .. كما كانت في الجاهلية ..
لأن هذه رجعية .. بمعنى الرجوع إلى الماضي السحيق قبل الإسلام ..
هذه أشياء إجبارية .. حتمية على كل البشر ..
فليس بإمكانهم أن يختاروا موطنهم .. ولا لونهم .. ولا شكلهم .. ولا أسرتهم ..
ولذلك ..
لا تفاضل بين البشر .. في الأشياء الحتمية .. الإجبارية المفروضة عليهم .. دون استشارتهم ..
ولكن ..
التفاضل .. كل التفاضل في الأشياء الاختيارية ..
وهي ..
العقيدة .. والدين .. والفكرة ..
ولذلك ..
كان خطاب الله تعالى لرسوله نوح عليه السلام .. شديد اللهجة .. وحاسما .. وحازما .. وجازما .. ومربيا ..
حينما ناشد نوح ربه بقوله:
( وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي )..
فرد عليه سبحانه وتعالى .. معلما .. ومرشدا له .. وللأجيال المسلمة من بعده .. إلى يوم القيامة .. إذ إنها أمة مسلمة واحدة .. لها رب واحد .. وأنبياء ورسل كثر .. ولها دعوة واحدة .. ودين واحد .. هو الإسلام ..
( قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ )..
هل هناك أوضح.. وأسطع ..
وأجلى من هذا الخطاب ؟؟؟
الذي أسس من لحظتها ..
عقيدة الولاء لله تعالى .. والبراء من الكافرين .. ولو كانوا من الأبناء .. أو الآباء ..
وجاءت الآيات تترى .. على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .. لتعزز .. وتثبت .. وترسخ .. هذه المعاني الراقية .. اللائقة بكرامة الإنسان ..
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٣﴾ قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ )..
ونشأ جيل الصحابة .. على هذه الأفكار الحضارية .. السامية .. الرفيعة .. التي تعلي من شأن العقل .. والروح .. والفكر .. وتجعل ما يختاره هو الرابط المتين .. والعروة الوثقى .. بين بني البشر ..
وليس الرابطة الجاهلية القومية العصبية .. المقيتة .. النتنة .. القبيحة ..
وكان القرآن يتنزل بهذه الآيات الواضحة .. الصريحة .. المحددة لمعنى الولاء .. ولمن يكون ..
إنه .. لله .. ولرسوله .. وللمؤمنين ..
(ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ) ..
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ..
( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ )..
وهكذا وجد في جيل الصحابة .. العربي القرشي أبو بكر .. والهاشمي علي بن أبي طالب .. والحبشي بلال .. والرومي صهيب .. والفارسي سلمان .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يناديه تحببا .. وتوددا ( سلمان منا آل البيت ) رضي الله عنهم جميعاً..
وكذلك الكافرون .. والمشركون .. والعلمانيون .. وأصحاب الأفكار الهدامة .. المخربة للدين .. والعقل .. والنفس .. هم أيضا أولياء بعضهم البعض .. يتناصرون .. ويتآزرون .. ويتعاونون ضد المسلمين الملتزمين ..
ولذلك يجب على المؤمنين .. أن يكونوا على حذر شديد من المشركين .. فلا يوالوهم .. ولا يناصروهم .. وأن يتبرؤوا منهم .. براءة كاملة .. وإن لم يفعلوا هذه البراءة .. فسيحصل شر مستطير .. وفتنة عمياء .. تأكل الأخضر واليابس .. وفساد كبير .. باختلاط الإيمان مع الباطل .. والتباس الأمر .. على عوام المسلمين .. وهذا ما تؤكده الآية التالية :
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) ..
وقد طبقوا عقيدة الولاء .. والبراء عملياً .. في أول غزوة حصلت بين المسلمين والمشركين .. فكان الابن في صف المؤمنين .. والأب في صف المشركين .. أو العكس ..
فما كانت القرابة .. تحول بينهم وبين قتل أقربائهم .. طالما أنهم مشركون ..
وهذا مصداق قول الله تعالى :
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ) ..
وحينما أسس حسن البنا جماعة ( الإخوان المسلمون ) في 1928 .. جعل عقيدة الولاء .. والبراء هي المحور .. التي تدور حوله كل المعاني .. وكل العلاقات الاجتماعية .. والمفاهيم الإسلامية .. التي كانت غريبة عن المسلمين في ذلك الوقت ..
ولذلك .. لم يتقبلوها بسهولة .. لكن جيل الشباب .. الذي دائماً يعشق كل جديد .. ويبحث عن كل شيء غريب .. تلقف هذه الأفكار الجديدة .. القديمة .. الأصيلة في دين الله .. وانخرط في صفوف الجماعة ..
وكذلك الشباب الوافدون من خارج مصر .. للدراسة في جامعاتها .. وخاصة الأزهر .. حيث أنها كانت الوحيدة في العالم العربي .. والإسلامي التي تدرس العلوم الدينية .. في أوائل القرن العشرين .. فتأثروا بهذه الأفكار .. والمعاني الجديدة للدين .. فنقلوها إلى بلدانهم .. حينما رجعوا إليها .. بعد انتهاء دراستهم ..
ومن هؤلاء كان مصطفى السباعي .. رحمه الله .. ذلك الرجل العظيم .. المتقد شعلة .. وحركة .. والمستنير عقلا .. وفكرا ..
ولذلك .. حالما رجع إلى سورية .. أسس جماعة ( الإخوان المسلمون ) وأصبح أول مراقب لها ..
بينما الذين يبنون علاقاتهم .. وصداقاتهم على أساس التراب .. والحجر .. والوطن .. والقوم .. والقبيلة ..
إنما يبنونها على أساس رجراج .. مهتز .. متحرك .. متقلب .. وغير ثابت .. وغير مستقر .. ومؤقت .. وتكون الرابطة بينهم كخيوط العنكبوت .. تتقطع بهم السبل .. ولا يهتدون سبيلا .. تشبه الرابطة التي تجمع الأنعام في زريبة واحدة ..
فهي تقتل العقل .. وتحطم الفكر .. وتميت الروح .. لأنها تمت بدون اختيارهم ..
فلا يبقى إلا الهيكل الجسدي ..
الأحد 27 محرم 1440
7 ت1 2018
موفق السباعي
كان التقرير الواضح .. والهدف الساطع من رب العالمين ..
أنه ..
يريد من البشر .. أن يبنوا .. ويؤسسوا علاقاتهم مع بعضهم البعض .. على أساس العقيدة.. الفكرة.. الدين ..
بمعنى آخر ..
على أساس الأشياء .. التي يستطيع الإنسان اختيارها بحرية تامة .. دون إكراه .. أو إجبار ..
وليس ..
على أساس الجنس .. والوطن .. والتراب .. ومكان الولادة ..
أوعلى أساس القوم .. والعائلة .. والقبيلة .. والعشيرة .. كما كانت في الجاهلية ..
لأن هذه رجعية .. بمعنى الرجوع إلى الماضي السحيق قبل الإسلام ..
هذه أشياء إجبارية .. حتمية على كل البشر ..
فليس بإمكانهم أن يختاروا موطنهم .. ولا لونهم .. ولا شكلهم .. ولا أسرتهم ..
ولذلك ..
لا تفاضل بين البشر .. في الأشياء الحتمية .. الإجبارية المفروضة عليهم .. دون استشارتهم ..
ولكن ..
التفاضل .. كل التفاضل في الأشياء الاختيارية ..
وهي ..
العقيدة .. والدين .. والفكرة ..
ولذلك ..
كان خطاب الله تعالى لرسوله نوح عليه السلام .. شديد اللهجة .. وحاسما .. وحازما .. وجازما .. ومربيا ..
حينما ناشد نوح ربه بقوله:
( وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي )..
فرد عليه سبحانه وتعالى .. معلما .. ومرشدا له .. وللأجيال المسلمة من بعده .. إلى يوم القيامة .. إذ إنها أمة مسلمة واحدة .. لها رب واحد .. وأنبياء ورسل كثر .. ولها دعوة واحدة .. ودين واحد .. هو الإسلام ..
( قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ )..
هل هناك أوضح.. وأسطع ..
وأجلى من هذا الخطاب ؟؟؟
الذي أسس من لحظتها ..
عقيدة الولاء لله تعالى .. والبراء من الكافرين .. ولو كانوا من الأبناء .. أو الآباء ..
وجاءت الآيات تترى .. على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .. لتعزز .. وتثبت .. وترسخ .. هذه المعاني الراقية .. اللائقة بكرامة الإنسان ..
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٣﴾ قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ )..
ونشأ جيل الصحابة .. على هذه الأفكار الحضارية .. السامية .. الرفيعة .. التي تعلي من شأن العقل .. والروح .. والفكر .. وتجعل ما يختاره هو الرابط المتين .. والعروة الوثقى .. بين بني البشر ..
وليس الرابطة الجاهلية القومية العصبية .. المقيتة .. النتنة .. القبيحة ..
وكان القرآن يتنزل بهذه الآيات الواضحة .. الصريحة .. المحددة لمعنى الولاء .. ولمن يكون ..
إنه .. لله .. ولرسوله .. وللمؤمنين ..
(ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ) ..
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ..
( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ )..
وهكذا وجد في جيل الصحابة .. العربي القرشي أبو بكر .. والهاشمي علي بن أبي طالب .. والحبشي بلال .. والرومي صهيب .. والفارسي سلمان .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يناديه تحببا .. وتوددا ( سلمان منا آل البيت ) رضي الله عنهم جميعاً..
وكذلك الكافرون .. والمشركون .. والعلمانيون .. وأصحاب الأفكار الهدامة .. المخربة للدين .. والعقل .. والنفس .. هم أيضا أولياء بعضهم البعض .. يتناصرون .. ويتآزرون .. ويتعاونون ضد المسلمين الملتزمين ..
ولذلك يجب على المؤمنين .. أن يكونوا على حذر شديد من المشركين .. فلا يوالوهم .. ولا يناصروهم .. وأن يتبرؤوا منهم .. براءة كاملة .. وإن لم يفعلوا هذه البراءة .. فسيحصل شر مستطير .. وفتنة عمياء .. تأكل الأخضر واليابس .. وفساد كبير .. باختلاط الإيمان مع الباطل .. والتباس الأمر .. على عوام المسلمين .. وهذا ما تؤكده الآية التالية :
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) ..
وقد طبقوا عقيدة الولاء .. والبراء عملياً .. في أول غزوة حصلت بين المسلمين والمشركين .. فكان الابن في صف المؤمنين .. والأب في صف المشركين .. أو العكس ..
فما كانت القرابة .. تحول بينهم وبين قتل أقربائهم .. طالما أنهم مشركون ..
وهذا مصداق قول الله تعالى :
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ) ..
وحينما أسس حسن البنا جماعة ( الإخوان المسلمون ) في 1928 .. جعل عقيدة الولاء .. والبراء هي المحور .. التي تدور حوله كل المعاني .. وكل العلاقات الاجتماعية .. والمفاهيم الإسلامية .. التي كانت غريبة عن المسلمين في ذلك الوقت ..
ولذلك .. لم يتقبلوها بسهولة .. لكن جيل الشباب .. الذي دائماً يعشق كل جديد .. ويبحث عن كل شيء غريب .. تلقف هذه الأفكار الجديدة .. القديمة .. الأصيلة في دين الله .. وانخرط في صفوف الجماعة ..
وكذلك الشباب الوافدون من خارج مصر .. للدراسة في جامعاتها .. وخاصة الأزهر .. حيث أنها كانت الوحيدة في العالم العربي .. والإسلامي التي تدرس العلوم الدينية .. في أوائل القرن العشرين .. فتأثروا بهذه الأفكار .. والمعاني الجديدة للدين .. فنقلوها إلى بلدانهم .. حينما رجعوا إليها .. بعد انتهاء دراستهم ..
ومن هؤلاء كان مصطفى السباعي .. رحمه الله .. ذلك الرجل العظيم .. المتقد شعلة .. وحركة .. والمستنير عقلا .. وفكرا ..
ولذلك .. حالما رجع إلى سورية .. أسس جماعة ( الإخوان المسلمون ) وأصبح أول مراقب لها ..
بينما الذين يبنون علاقاتهم .. وصداقاتهم على أساس التراب .. والحجر .. والوطن .. والقوم .. والقبيلة ..
إنما يبنونها على أساس رجراج .. مهتز .. متحرك .. متقلب .. وغير ثابت .. وغير مستقر .. ومؤقت .. وتكون الرابطة بينهم كخيوط العنكبوت .. تتقطع بهم السبل .. ولا يهتدون سبيلا .. تشبه الرابطة التي تجمع الأنعام في زريبة واحدة ..
فهي تقتل العقل .. وتحطم الفكر .. وتميت الروح .. لأنها تمت بدون اختيارهم ..
فلا يبقى إلا الهيكل الجسدي ..
الأحد 27 محرم 1440
7 ت1 2018
موفق السباعي