ا
السبت 22 ذو الحجة 1439 هـ الموافق لـ 1 سبتمبر 2018
وحي الصدور 69 - معمر حبار
قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" النساء - الآية 58. هناك فرق بين "أن تعطوا" و " أَن تُؤَدُّوا "، ما يدل على أنّ الأمانة ليست هدية أو صدقة يتصرّف فيها المرء حسب ظروفه ومتى استطاع وغير مكلّف بها، بل هو مطالب أن يؤدّيها بحقّها ولأصحابها حتّى لو كانوا أعداء له ومهما كانت الظروف. ومن عجائب الآية أنّ الحكم جاء تبعا للأمانة، ما يدل على أنّ من شروط الحكم أداء الأمانة، وأداء الأمانة الصغرى مقدمة لأداء الأمانة الكبرى المتمثّلة في الحكم، وكأنّ الآية تدريب على الحكم أي تدريب على الأمانة الكبرى. ومن تعوّد أداء الأمانات إلى أهلها بغض النظر عن الأهل، سيؤدي أمانة الحكم بين النّاس جميعا بغضّ النظر عن دينهم ولغتهم ولونهم وجنسياتهم وقربهم وبعدهم وحبهم وكرههم.
قال الله تعالى: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا": لم يطلب من المرء غير أن يقول عن الحق أنّه حقّ ويردّد أنّ الحقّ الذي نطق به فلان هو الحق، ما يدل على أنّ القول أنّ ما قاله صاحب الحقّ هو الحقّ ليس بالأمر الهيّن ولا السّها، ومن بلغ العلو والهمة زاد عليها نطق الحق.
قرأ الإمام في صلاة العشاء قوله تعالى: " حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" النمل - الآية 18. أقول: قد لا يستطيع الضعيف أن يواجه وجها لوجه من هو أقوى منه وقد لا يطلب منه ذلك، لكن مطالب أن يحمي أخاه بتحذيره ممن هو أقوى منه، وحين يرى القوي تحذير الضعيف لأخيه يحترمه حينئذ ولا يؤذيه، بل يعجب بتعاونهم واتحادهم، فيكون موقفه حينئذ "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا" النمل - الآية 19، أمّا إذا تحوّل الضعيف إلى معين للقوي ضدّ أخيه الضعيف، واستعان بالسّكير والأطلسي، وراعي البقر، والدب الروسي، والماكر الإنجليزي، واللّئيم الفرنسي، حينئذ يحتقره القوي "وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، ويهينه، ويذلّه، ويستغلّه أبشع استغلال، لأنّه رضي أن يمتطيه القوي ورفض أن يحذّر أخاه من القوي.
قرأت وردي، وفي الحزب الأول الآية 83، يتحدث رب العزّة عن طاعة الوالدين، ثم أردفها بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقلت .. من اقتطع وقتا للصلاة، واقتطع نصيبا من ماله للزكاة.. استطاع أن يقتطع من حياته لوالديه.
سيّدنا يوسف عليه السّلام كان صادقا مع إخوته من أوّل يوم حين وصفهم بالكواكب ولم يكذب: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" يوسف - الآية 4، وإخوة سيّدنا يوسف عليه السّلام ظلّوا يكذبون ويقذفون البريء بما ليس فيه حين قالوا ظلما وبهتانا: " ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا
يوسف - الآية 11قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
إعتذر إخوة سيّدنا يوسف عليه السلام لأبيهم سيّدنا يعقوب عليه السلام، بسبب فعلتهم الشنيعة .. " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ "، يوسف - الآية 97.
وبعض الذين قطعوا رؤوس الأطفال ونسفوا حضارات وهتكوا الأعراض وهدّموا البنايات والمساجد والمستشفيات، لم يعتذروا عن جرمهم بل برّروا فعلتهم المنكرة، فكانوا أسوء من إخوة سيّدنا يوسف عليهم السلام.
السبت 22 ذو الحجة 1439 هـ الموافق لـ 1 سبتمبر 2018
وحي الصدور 69 - معمر حبار
قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" النساء - الآية 58. هناك فرق بين "أن تعطوا" و " أَن تُؤَدُّوا "، ما يدل على أنّ الأمانة ليست هدية أو صدقة يتصرّف فيها المرء حسب ظروفه ومتى استطاع وغير مكلّف بها، بل هو مطالب أن يؤدّيها بحقّها ولأصحابها حتّى لو كانوا أعداء له ومهما كانت الظروف. ومن عجائب الآية أنّ الحكم جاء تبعا للأمانة، ما يدل على أنّ من شروط الحكم أداء الأمانة، وأداء الأمانة الصغرى مقدمة لأداء الأمانة الكبرى المتمثّلة في الحكم، وكأنّ الآية تدريب على الحكم أي تدريب على الأمانة الكبرى. ومن تعوّد أداء الأمانات إلى أهلها بغض النظر عن الأهل، سيؤدي أمانة الحكم بين النّاس جميعا بغضّ النظر عن دينهم ولغتهم ولونهم وجنسياتهم وقربهم وبعدهم وحبهم وكرههم.
قال الله تعالى: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا": لم يطلب من المرء غير أن يقول عن الحق أنّه حقّ ويردّد أنّ الحقّ الذي نطق به فلان هو الحق، ما يدل على أنّ القول أنّ ما قاله صاحب الحقّ هو الحقّ ليس بالأمر الهيّن ولا السّها، ومن بلغ العلو والهمة زاد عليها نطق الحق.
قرأ الإمام في صلاة العشاء قوله تعالى: " حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" النمل - الآية 18. أقول: قد لا يستطيع الضعيف أن يواجه وجها لوجه من هو أقوى منه وقد لا يطلب منه ذلك، لكن مطالب أن يحمي أخاه بتحذيره ممن هو أقوى منه، وحين يرى القوي تحذير الضعيف لأخيه يحترمه حينئذ ولا يؤذيه، بل يعجب بتعاونهم واتحادهم، فيكون موقفه حينئذ "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا" النمل - الآية 19، أمّا إذا تحوّل الضعيف إلى معين للقوي ضدّ أخيه الضعيف، واستعان بالسّكير والأطلسي، وراعي البقر، والدب الروسي، والماكر الإنجليزي، واللّئيم الفرنسي، حينئذ يحتقره القوي "وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، ويهينه، ويذلّه، ويستغلّه أبشع استغلال، لأنّه رضي أن يمتطيه القوي ورفض أن يحذّر أخاه من القوي.
قرأت وردي، وفي الحزب الأول الآية 83، يتحدث رب العزّة عن طاعة الوالدين، ثم أردفها بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقلت .. من اقتطع وقتا للصلاة، واقتطع نصيبا من ماله للزكاة.. استطاع أن يقتطع من حياته لوالديه.
سيّدنا يوسف عليه السّلام كان صادقا مع إخوته من أوّل يوم حين وصفهم بالكواكب ولم يكذب: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" يوسف - الآية 4، وإخوة سيّدنا يوسف عليه السّلام ظلّوا يكذبون ويقذفون البريء بما ليس فيه حين قالوا ظلما وبهتانا: " ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا
يوسف - الآية 11قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
إعتذر إخوة سيّدنا يوسف عليه السلام لأبيهم سيّدنا يعقوب عليه السلام، بسبب فعلتهم الشنيعة .. " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ "، يوسف - الآية 97.
وبعض الذين قطعوا رؤوس الأطفال ونسفوا حضارات وهتكوا الأعراض وهدّموا البنايات والمساجد والمستشفيات، لم يعتذروا عن جرمهم بل برّروا فعلتهم المنكرة، فكانوا أسوء من إخوة سيّدنا يوسف عليهم السلام.