الجمعة: 19 ربيع الثاني 1435هجري، الموافق لـ 21 فيفري 2014
أمي
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
في صيف سنة 2006، حين كان الابن الأكبر في السادسة من عمره، زاره الأب في المخيم الصيفي، إلا أنه لم يستطع التحكم في عاطفته، فأجهش بالبكاء، وأبكى الأولياء الذين جاؤوا لزيارة أبنائهم، وقطع على إثرها الزيارة، لأنه لم يستطع مقابلة ابنه بهذا السيل من الدموع.
وحين عاد للبيت، استدرجته أمه بالأسئلة، وهي العارفة بالإجابة، العالمة بحرقة القلوب ..هل قابلت ابنك؟. أجابها بصوت منخفص، ورأس مطأطئ .. نعم. ثم زادت وقالت وهي الأم والجدة: هل بكيت حين قابلت ابنك؟. لم يستطع النطق، وكان صمته أبلغ من الإجابة. حينها تدخلت الأم الغالية، والدمع يسبقها، وراحت تذكره بالأيام التي بكت لأجله..
حين التحق بتلمسان أثناء زلزال أكتوبر 1980، لمواصلة دراسته، وهي تلاحقه في محطة القطار طوال النهار إلى أن غادر القطار الأعين والمكان.
وحين كان طالبا في الجامعة بالعاصمة، فلم تغادرها الدمعة طيلة المدة، أثناء قدومه البيت، وأثناء رجوعه للجامعة.
وختمت الأم أحزانها بشأن ابنها، وهو في 48 من عمره، مرددة على مسمعه.. مازلت لحد الساعة، وأنت أب لأربعة أبناء، أبكي لغيابك، وتسيل الدمع لفرقتك، وأحزن إذا غبت عني اللحظة واللحظتين، ولا يطيب لي الأكل والشرب، إلا إذا سكن فؤادي برؤيتك والجلوس إليك.
إن الأم إذا رضيت عن ابنها، يرى الرضا في علامة جيّدة يتحصّل عليها الإبن، ويلمسها في مصيبة أبت أن تصيبه، وخصم أهدى له حقّه، ويجالسها في ظلم يأبى أن يحط الرحال بحرمه، ويتحدث معها في الصدق والأمانة والإخلاص الذي يلاقيه في أهله وأحبابه وجيرانه.
وحين تغضب الأم، يرى بأم العين الغضب في سيارة تتعطل لأتفه الأسباب، يلمسها في صغير يتطاول عليه، وفي حقّ له يسطو عليه من ليس أهلا له، وفي الكذب على لسان أقرب الناس إليه، ومن ظلّ يرجو فيهم الرجاء الحسن.
مازال وهو أب لأربعة أبناء، يحنّ لقهوة الأم، التي كانت تقدّم له صباحا في الحوش وتحت آخر نظرالنجوم. يحن لسؤالها في كل لحظة وحين. ودون شعور منه، يعطي لأبنائه ماأعطته إياه أمه، فيتكرر الزمن، وتتضاعف الحسنات في لحظة عطاء، تمتد من الأم إلى الأب ثم الحفيد.
طاعة الأم أن تسألها قبل أيّ إقدام، وتطلب منها العون في التخفيف عنك، وترجو منها الحفظ والزيادة في كل خير وعلو. وطوبى لمن كانت أمه قبل أيّ اختيار.
من لم يلمس رضا الوالدين في غدوه ورواحه، وصباحه ومساءه، وأهله وأبناءه، فلن يذوق طعم الرضا، ولو جلس لأفضل الشيوخ، وقرأ أحسن الكتب، واستمع لأروع ماقيل في فضل الوالدين.
إن الأم هي الضمان الدائم في الحياة وبعد الممات، ولما بين يديك وما خلفك. والعاقل من ضمن لنفسه هذا الضمان، وسعى لخدمته والحرص عليه، لأن الصحة، والأمن، والسلامة، وصفاء القلب، وبياض الجوارح، وحب الناس، والستر الدائم.. من حسنات طاعة الأم ورضاها.
أمي
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
في صيف سنة 2006، حين كان الابن الأكبر في السادسة من عمره، زاره الأب في المخيم الصيفي، إلا أنه لم يستطع التحكم في عاطفته، فأجهش بالبكاء، وأبكى الأولياء الذين جاؤوا لزيارة أبنائهم، وقطع على إثرها الزيارة، لأنه لم يستطع مقابلة ابنه بهذا السيل من الدموع.
وحين عاد للبيت، استدرجته أمه بالأسئلة، وهي العارفة بالإجابة، العالمة بحرقة القلوب ..هل قابلت ابنك؟. أجابها بصوت منخفص، ورأس مطأطئ .. نعم. ثم زادت وقالت وهي الأم والجدة: هل بكيت حين قابلت ابنك؟. لم يستطع النطق، وكان صمته أبلغ من الإجابة. حينها تدخلت الأم الغالية، والدمع يسبقها، وراحت تذكره بالأيام التي بكت لأجله..
حين التحق بتلمسان أثناء زلزال أكتوبر 1980، لمواصلة دراسته، وهي تلاحقه في محطة القطار طوال النهار إلى أن غادر القطار الأعين والمكان.
وحين كان طالبا في الجامعة بالعاصمة، فلم تغادرها الدمعة طيلة المدة، أثناء قدومه البيت، وأثناء رجوعه للجامعة.
وختمت الأم أحزانها بشأن ابنها، وهو في 48 من عمره، مرددة على مسمعه.. مازلت لحد الساعة، وأنت أب لأربعة أبناء، أبكي لغيابك، وتسيل الدمع لفرقتك، وأحزن إذا غبت عني اللحظة واللحظتين، ولا يطيب لي الأكل والشرب، إلا إذا سكن فؤادي برؤيتك والجلوس إليك.
إن الأم إذا رضيت عن ابنها، يرى الرضا في علامة جيّدة يتحصّل عليها الإبن، ويلمسها في مصيبة أبت أن تصيبه، وخصم أهدى له حقّه، ويجالسها في ظلم يأبى أن يحط الرحال بحرمه، ويتحدث معها في الصدق والأمانة والإخلاص الذي يلاقيه في أهله وأحبابه وجيرانه.
وحين تغضب الأم، يرى بأم العين الغضب في سيارة تتعطل لأتفه الأسباب، يلمسها في صغير يتطاول عليه، وفي حقّ له يسطو عليه من ليس أهلا له، وفي الكذب على لسان أقرب الناس إليه، ومن ظلّ يرجو فيهم الرجاء الحسن.
مازال وهو أب لأربعة أبناء، يحنّ لقهوة الأم، التي كانت تقدّم له صباحا في الحوش وتحت آخر نظرالنجوم. يحن لسؤالها في كل لحظة وحين. ودون شعور منه، يعطي لأبنائه ماأعطته إياه أمه، فيتكرر الزمن، وتتضاعف الحسنات في لحظة عطاء، تمتد من الأم إلى الأب ثم الحفيد.
طاعة الأم أن تسألها قبل أيّ إقدام، وتطلب منها العون في التخفيف عنك، وترجو منها الحفظ والزيادة في كل خير وعلو. وطوبى لمن كانت أمه قبل أيّ اختيار.
من لم يلمس رضا الوالدين في غدوه ورواحه، وصباحه ومساءه، وأهله وأبناءه، فلن يذوق طعم الرضا، ولو جلس لأفضل الشيوخ، وقرأ أحسن الكتب، واستمع لأروع ماقيل في فضل الوالدين.
إن الأم هي الضمان الدائم في الحياة وبعد الممات، ولما بين يديك وما خلفك. والعاقل من ضمن لنفسه هذا الضمان، وسعى لخدمته والحرص عليه، لأن الصحة، والأمن، والسلامة، وصفاء القلب، وبياض الجوارح، وحب الناس، والستر الدائم.. من حسنات طاعة الأم ورضاها.