التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة
نبيل - القدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواضيع الأخيرة
» 73-من دروس القران التوعوية - التوكل والتواكل
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-08, 10:09 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 17- من ذاكرة الايام - من مواقف شهامة الرجال
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-07, 8:33 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 72- من دروس القران التوعوية- المال ...
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-07, 6:55 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 71-من دروس القران التوعوية-معالجات الاسلام للفقر والعوز
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-06, 8:20 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 70- من دروس القران التوعوية -العمل لكسب الرزق والمعاش
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-05, 7:44 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 69- من دروس القران التوعوية-حرب الاسلام على الفقر واسبابه
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-05, 8:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 68-من دروس القران التوعوية -الاسلام وحده المحقق للعبودية والاستخلاف
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-05, 1:35 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 33-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - مفهوم التزكية
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-04, 12:43 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 67- من دروس القران التوعية- الالتقاء على كلمة سواء
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-02, 8:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 66- من دروس القران التوعوية -تحقيق العدل في اوساط البشرية مهمة جمعية
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-02, 11:32 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» حديث الجمعة -الى متى ننتظر ؟؟!!
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-01, 1:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» الطائفة الناجية!!!
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-11-01, 1:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 65- من دروس القران التوعوية - كُونُوا رَبَّانِيِّينَ !!
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-31, 12:46 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 64- من دروس القران التوعوية - وقاية النفس من الشح
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-30, 2:59 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-29, 11:10 am من طرف سها ياسر

» 32-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - العقيدة العملية
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-29, 1:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 63- من دروس القران التوعوية- العدل والعدالة في القران
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-28, 8:03 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 62-من دروس القران التوعوية :الشورى
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-27, 6:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 61- من دروس القران التوعوية-الحذر من مؤسسات الضرار حتى لو لبست لباس شرعي
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-25, 9:51 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 60- من دروس القران التوعوية - اسباب النفاق
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-25, 5:18 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 59- من دروس القران التوعوية -العداء المستحكم في النفوس !!
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-24, 7:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 58- من دروس القران التوعوية - التكاليف الشرعية جاءت ضمن قدرات الانسان
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-23, 8:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 57- من دروس القران التوعوية - ادب الدعاة
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-22, 6:10 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-21, 10:03 am من طرف سها ياسر

» 56- من دروس القران التوعوية - البينة !!!
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-21, 4:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 31- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-20, 11:58 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 55- من دروس القران التوعوية- انا سنلقي عليك قولا ثقيلا
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-20, 9:54 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 54- من دروس القران التوعوية :-التحذير من الوهن
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-19, 1:15 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» خواطر مع دماء الشهداء
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-18, 11:32 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» تعليق على حادثة عملية البحر الميت اليوم
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_icon_minitime2024-10-18, 11:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

عداد للزوار جديد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 576 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 576 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 752 بتاريخ 2024-09-20, 4:22 am
تصويت
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
نبيل القدس ابو اسماعيل - 38802
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
زهرة اللوتس المقدسية - 15399
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
معتصم - 12434
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
محمد بن يوسف الزيادي - 4323
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
sa3idiman - 3588
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
لينا محمود - 2667
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
هيام الاعور - 2145
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
بسام السيوري - 1763
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
محمد القدس - 1219
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 
العرين - 1193
 التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_rcap التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_voting_bar التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3) I_vote_lcap 

احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1031 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Mohammed mghyem فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 66414 مساهمة في هذا المنتدى في 20318 موضوع
عداد زوار المنتدى
free counterAmazingCounters.com


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 3)

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

نبيل القدس ابو اسماعيل

نبيل القدس ابو اسماعيل
المدير العام
المدير العام

من منظور قد يبدو "معياريًّا"، تدعي النيوليبرالية مبادئ تشجيع الشركات الحرة، وتكافؤ الفرص في السوق، والازدهار المحتمل كقانون "طبيعي" للسوق. وقد طوَّرت ذاتها إلى حد ما بعد الحداثة اليمينية. ويتذكَّر جون هورغان (John Horgan)، مؤلف كتاب "نهاية العلم" (The End of Science)، عندما كانت ما بعد الحداثة تحظى بشعبية بين اليسار ودعاة الثقافة المضادة اليسارية، والذين ربطوا العلم بالرأسمالية والعَسْكَرَة وغيرها من الأمور السيئة في الستينيات والسبعينيات. ولكن، "على مدى العقود القليلة الماضية، أصبحت ما بعد الحداثة المتطرفة، وخاصة فكرة أن جميع الادعاءات تعكس مصالح المدعي، أكثر شعبية بين أولئك من أنصار اليمين"(33).

غيتي رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، والرئيس الأميركي، رونالد ريغان، في البيت الأبيض (غيتي)

شقَّت السياسات العامة النيوليبرالية طريقها في لندن وواشنطن وعواصم أخرى في العالم. وانتشرت من خلال الانقسام الأيديولوجي بين اليمين واليسار، وكذلك عبر التكتلات الحزبية في مجلس العموم والكونغرس. وحتى الأحزاب اليسارية اسميًّا، مثل حزب العمال البريطاني والحزب الديمقراطي في أميركا، انتهى بها المطاف إلى الاستسلام في نهاية المطاف لممارساتها واستيعاب مبادئها الأساسية(34). ووجدت الأيديولوجية النيوليبرالية الترحيب أيضًا لدى العديد من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وفرضت نفسها على نطاق غير مسبوق من الحكومات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم. فأخذت معظم الدول النامية زمام المبادرة منها في تنفيذ ما توصي به من إصلاحات بنيوية. ويتذكر ديفيد هارفي مثلًا خلال أزمة الديون في المكسيك عام 1982، على سبيل المثال، عندما قال صندوق النقد الدولي: "سوف ننقذكم". وفي الواقع، ما كانوا يفعلونه هو "إنقاذ البنوك الاستثمارية في نيويورك وتنفيذ سياسة التقشف". وتم تنفيذ سيناريو مماثل في مواجهة أزمة اليونان الأخيرة. وفي نهاية المطاف، تبيَّن أنهم "أنقذوا البنوك ودفعوا المواطنين مرغمين إلى التسديد من خلال اتباع سياسة التقشف"(35).

في المغرب، أحد المنفِّذين الجادِّين لتوصيات صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات النيوليبرالية المعروفة باسم "برنامج التقويم البنيوي" منذ أوائل الثمانينيات. وقرَّر المسؤولون في الرباط "التخلي عن دعم الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة، ونقل عدد من المرافق والمؤسسات العامة إلى ملكية القطاع الخاص، والتحوُّل نحو اقتصاد موجَّه نحو التصدير لاسيما في الزراعة، وفتح السوق المغربي أمام المنتجات الأجنبية، وخفض الدعم للمنتجات الأساسية، مثل القمح والسكر والزيت، وحتى إلغاء دعم البنزين. وقد تعمَّقت هذه الاتجاهات الاقتصادية من خلال اتفاقيات التجارة "الحرة" التي وقعها المغرب في منتصف التسعينات"(36). بعد عقدين من الزمن، برزت تناقضات صارخة في ظهور مغربيْن اثنيْن منشطريْن، وأثارت موجة متواترة من الاحتجاجات الممتدة: "مغرب المشاريع الضخمة: ميناء طنجة المتوسط، والطرق السريعة والقطارات عالية السرعة، والسيارات الفاخرة، والفيلات، والقصور، والمنتجعات السياحية ذات حمامات السباحة الكبيرة وملاعب الغولف الواسعة. أما المغرب الآخر فيجد نفسه في مرتبة متأخرة للغاية في مؤشر التنمية البشرية، تتأرجح بين 126 و130 من أصل 188 دولة خلال السنوات الأخيرة"(37).

أدت هذه السياسات النيوليبرالية أيضًا إلى تفاوتات كبيرة والشعور بالقنط الاجتماعي بين جلِّ المغاربة، مما يتقاطع مع سياسة شمولية ينهجها المخزن كشبكة تشمل كبار المسؤولين والضباط العسكريين وملاك الأراضي والموظفين الإداريين وغيرهم من المقرَّبين من حاشية الملك. وهي شبكة هيمنت على اتخاذ "جميع القرارات الاقتصادية والسياسية تقريبًا في البلاد وسط تبني النيوليبرالية الاقتصادية، من خلال وجود قوى مسيطرة تمدِّد استعمارًا جديدًا، والخصخصة، والتنمية الموجهة نحو التصدير، وأخيرًا تغيِّر المناخ، وخاصة الأحداث المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات"(38).

والآن، قد يؤدي تأثير مضاعفات فيروس كورونا وتعثرات السياسات النيوليبرالية إلى تقويض صلاحية اللجنة الخاصة بصياغة النموذج التنموي (la Commission Spéciale sur Le Modèle de Développement (CSMD))، التي أنشأها المغرب أواخر عام 2019 بهدف التشاور مع مختلف الأحزاب والجهات الاجتماعية الفاعلة في البلاد. ويبدو أن اختيار أعضاء هذه اللجنة كان بقرار ثلاث شخصيات ثقيلة الوزن السياسي: فؤاد علي الهمة مستشار الملك، وحفيظ العلمي وزير التجارة، ومصطفى التراب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمكتب الشريف للفوسفاط الذي تملكه الدولة. ومن المرتقب أن تقدم اللجنة تقريرًا بحلول نهاية يونيو/حزيران 2020 لتحديد تحديات النمو وتصميم سياسات من شأنها أن تضمن توزيعًا أفضل للثروة عبر مناطق المغرب ومختلف الطبقات الاجتماعية. لكن من المرجح أن يستند التقرير الجديد على فلسلفة السياسة الاقتصادية النيوليبرالية ذاتها.

رويترز المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، تتحدث خلال مؤتمر صحفي في الرباط، 20 فبراير/شباط 2020، المغرب (رويترز)

قد تلوِّح النيوليبرالية العالمية ببريق البراغماتية إلى أن "تبدأ الأسلحة النووية في الطيران أو يجتاح فيروس ما. بيد أن نظر المواطنين المحتاجين للرعاية الصحية في خياراتهم في السوق يتبع منطقًا ضيقًا يصل إلى النقطة التي لا يكون فيها أي من الخيارات ذات صلة بحالات الطوارئ الصحية العامة ... كانت الفرضية الأساسية للنيوليبرالية دائمًا مراوغة بشكل ساخر للسماح للأغنياء بمواصلة نهبهم"(39). وعلى سبيل المثال، استفادت حكومة ترامب من الادِّعاء بمزيج من سياسة تدخل الحكومة في الاقتصاد في مقام وسياسة رفع اليد في مقام آخر. وتلاحظ ليلي روبرتس (Lily Roberts)، مديرة برنامج الحراك الاقتصادي، وأندي غرين ،(Andy Green) المدير الإداري لبرنامج السياسة الاقتصادية في مركز التقدم الأميركي، أن "السياسة الاقتصادية التي يتبعها ترامب تواصل الضغط على الأميركيين الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم المعيشية. ومع استمرار ارتفاع تكاليف الإيجار، ورعاية الأطفال، والرعاية الصحية، والتعليم ما بعد الثانوي، بشكل أسرع من نمو الأجور، وانخفاض الأرباح واستمرار الأجور وثغرات الثروة، توضح أنه بالنسبة للعديد من الأميركيين يقلِّص قدرتهم على الادخار لسنوات التقاعد أو إرسال أبنائهم إلى كليات لا يستطيعون تسديد تكاليف الدراسة فيها"(40).

هناك نتيجة أكبر لتفوُّق هذه الأيديولوجية النيوليبرالية، والسؤال هو كيف استطاعت أن تقلِّص سلطةَ الدولة، بل انتقلت السلطة عمدًا إلى أيدي "الشركات العابرة للحدود الوطنية والتي لا تخضع للمساءلة. ويتم الاستعانة بمصادر خارجية للخدمات فيما أصبحت قوى السوق هي سيدة الموقف. وانطوى هذا التحوُّل على مخاطر بسبب تضاءل قدرة الحكومة على الاستجابة لاحتياجات ناخبيها. وأدَّى هذا التحوُّل أيضًا إلى عدم تمكين عدة فئات من تسلُّق السلم الاجتماعي، وهو شعور انتاب نفوس المواطنين لاحقًا بعدما وجدوا أنفسهم في العديد من الحالات يعانون الحرمان من الحقوق"(41). مرة أخرى، تستعد الشركات الكبرى الأميركية وحليفاتها من الشركات متعددة الجنسيات لكسب الغنيمة من العائدات المالية المرتقبة بعد التوصل إلى صنع لقاح ضد فيروس كورونا.

غيتي الرئيس ترامب ووزير الصحة والخدمات الإنسانية، أليكس عازار، في البيت الأبيض (غيتي)

خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، بدا وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي، أليكس عازار (Alex Azar)، الذي كان يعمل في مجال الضغط لصالح شركات صناعة الأدوية ومديرًا لشركة أدوية في السابق، مرتاحًا لاتباع نظام يضع أرباح الشركات أولًا قبل الصحة العامة. وقال: "بصراحة، هذا الوباء يحظى باهتمام عالمي في الوقت الحالي، ويسعى اللاعبون في القطاع الخاص واللاعبون الرئيسيون في مجال الأدوية كما سمعتم لإيجاد لقاح جديد. ونعتقد أن هذا الوباء ليس مثل منهجنا الطبيعي في اقتناء ما يصدُّ الإرهاب البيولوجي، حيث قد تكون الحكومة هي المشتري الوحيد لعلاج الجدري على سبيل المثال. نعتقد أن السوق هنا سيرتب الأمور بالفعل من حيث الطلب والشراء والتخزين وما إلى ذلك. لكننا سنعمل على ذلك للتأكد من أننا قادرون على التعجيل بوصول اللقاحات وكذلك البحث والتطوير العلاجي"(42).

يبدو أن المسؤولين ذوي العقلية النيوليبرالية يلعبون مسبقًا بطاقة الضغط أو اللوبي لصالح شركات الأدوية والمختبرات المهيمنة. ويبدو أن الوزير عازار عاد إلى فصول المجلد الأصلي للنيوليبرالية، وهو يزعم أن "السوق ستقوم بالفعل بتنظيم الفوضى". نعم، السوق المقدسة هي المنقذ! يحاول هؤلاء السياسيون اليمينيون فرض ما أصبح تشخيصًا غير منطقي للمعضلة، وتمهيد الطريق مرة أخرى لشركات الأدوية لتحقيق أرباح هائلة في الأشهر والسنوات المقبلة. في لحظة تأمل حزينة، يلاحظ الطبيب وأستاذ الصحة العامة في هوائي، سييجي يامادا (Seiji Yamada)، كيف يكشف فيروس كورونا نقاط الضعف التي وضعها البشر لأنفسهم "عن طريق تشبِّعهم بالنظام النيوليبرالي"(43).
فيروس كورونا... والبشر... والنظام

على مرِّ التاريخ، كانت الديمقراطية غير مفيدة في حقب انتشار الجائحات. وعلى غرار حالات انتشار الأوبئة السابقة، يتسبب فيروس كورونا في اضطراب كبير في الحياة العامة في جميع أنحاء العالم. ويؤكد فرانك سنودن (Frank Snowden)، الأستاذ الفخري لتاريخ الطب في جامعة ييل الأميركية، أنه "ليس هناك مجال رئيسي من حياة الإنسان لم يتأثر بشكل عميق بانتشار الأوبئة؛ إذ أن لها آثارًا هائلة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لقد حددت مآل الحروب، ومن المحتمل أيضًا أنها كانت من العوامل التي أدت إلى اندلاع الحروب في بعض الأحيان "(44). خلال العقدين الماضيين، تعرَّض البشر لموجات سريعة ومكثفة من الأوبئة والجائحات مثل سارز، وميرس، وإيبولا، وأنفلونزا الخنازير، والآن فيروس كورونا. إنها طريقة مروِّعة لإعادة صياغة "كيف نفكر في تاريخ البشرية، ليس كتسلسل العصور والعهود، ولكن من نذير حشرجة الموت المروعة والانهيارات المجتمعية"(45). يقول كورت كامبل (Kurt Campbell)، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، وتوماس ورايت (Thomas Wright)، الباحث في معهد بروكنجز، "لقد نما العالم خلال العقد الماضي أكثر استبدادية، وقومية، وكراهية للأجانب، وأحادية المنحى، ومعاداة للمؤسسة، ومناهضة لأهل المعرفة والخبرة. وتؤدي الحالة الراهنة للسياسة والجغرافيا السياسية إلى تفاقم الأزمة، وليس إلى استقرارها"(46).

وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان للنظام النيوليبرالي كلمته في توجيه السياسات العامة في الدول، ولم يكن أمام العمال اليائسين أي خيار سوى "العمل لفترة أطول وأصعب، والوفاة في سن مبكر"(47). وإذا استمر الوباء الجديد حتى أوائل صيف 2020، فلن يتمكن العمال من تغطية نفقاتهم المعيشية، وقد لا يحصلون على فرص مواتية للتعويض عما خسروه من مصدر دخل. سيضطر عدد كبير من الشركات الصغيرة إلى إعلان الإفلاس. وسواء في الغرب أو في الدول النامية، تقلص دور الدولة إلى مجرد وكالة لتنظيم الخوف ومنع التجمعات العامة. وأصبحت منظمة الصحة العالمية مؤسسة عالمية لا تقدِّم بحكم الواقع سوى إحصاءات عن حالات الإصابة والوفيات ونطاق انتشار فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأوبئة والجائحات تكشف عما "يهمُّ حقًّا المواطنين، وما هو على المحك، ولاسيما مَنْ وماذا تُقدِّر هذه المجتمعات".(48) لم يعد بمقدور معظم المنظمات الدولية أكثر من القيام بتدبير العلاقات العامة. وبحلول منتصف مارس/آذار، اتفقت غرفة التجارة الدولية (ICC) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) على التعاون لضمان وصول أحدث المعلومات وأكثرها موثوقية وكذلك التوجيهات المصممة خصيصًا لمجتمع الأعمال العالمي. وتعهَّدت الغرفة التجارية الدولية "بإرسال نصائح محيَّنة بانتظام إلى شبكتها التي تضم أكثر من 45 مليون شركة حتى تتمكن الشركات في كل مكان من اتخاذ إجراءات مستنيرة وفعالة لحماية عمالها وزبائنها والمجتمعات المحلية، وتساهم في إنتاج الإمدادات الأساسية وتوزيعها"(49).

يمكن أن يكون صراع الدول مع فيرس كورونا حاليًّا لحظة انعكاس في مسار العالم ومرحلة مفصلية في التاريخ الحديث. وثمة أكثر من سؤال: هل لدينا شبكة أمان في مجال الصحة العامة؟ كيف يتعامل الفقراء مع انتشار فيروس كورونا؟ هل لدينا استراتيجية للردع الوبائي بعدما بذلت القوى العظمى قصارى جهودها لتطوير قدراتها على الرَّدع النووي منذ الحرب العالمية الثانية؟ ومع احتدام المعركة ضد الوباء الجديد، أصبح الأمريكيون أيضًا بمثابة أضرار جانبية. وكما ذكرت بعض التقارير، فإن حكومة ترامب "غير مستعدة بشكل خاص لمثل هذه المهمة. ولا يقتصر الأمر على عدم ثقتهم بتحذيرات النخبة بفضل عقود كرست هجمات المحافظين على المؤسسة الفكرية الأميركية فحسب، بل وأيضًا فإن الرئيس ترامب كان شخصيًّا غير راغب في تصديق أن أخبار كورونا قد تدمر مستقبله السياسي، فأحاط نفسه بطاقم خائف للغاية أو غير كفؤ للغاية لإقناعه بطريقة أخرى. لقد تجاهلوا نصيحة خبراء الصحة العامة الذين حذَّروهم من تكثيف الاختبارات، وتجاهلوا تحذيرات الأطباء العاملين في الديوان من أن الأمور ستسوء، وفشلوا أيضًا في إبلاغ الأميركيين أن الحفاظ على مسافة معينة بين الذات والآخر كان ضروريًّا قبل فوات الأوان"(50).

يُبدي مؤرخو الأوبئة الاستغراب من مفارقة مثيرة تكمن في أنه "كلما أصبح البشر متحضِّرًا مع وجود مدن أكبر وطرق تجارية أسرع، وتقنيات التواصل بين مجموعات مختلفة، ونظم بيئية، كلما تفجَّرت أوبئة أكثر"(51). وبإغلاق للمجتمعات بالكامل في جميع أنحاء العالم، يدحض فيروس كورونا فرضية السياسات النيوليبرالية، ويدعو إلى تفكيك وإزالة الغموض عن أي أيديولوجية نيوليبرالية عندما تتنكَّر كعلم اقتصادي. في مقاله "الطاعون النيوليبرالي" (The Neoliberal Plague)، يلاحظ بوب يوري (Bob Uri) أن الوحشية الجاهلة لهذا النظام تبدو في طريقها إلى "الكشف عن حقيقتها من خلال انتشار فيروس صغير"(52). وتلوح في الأفق أسئلة أخرى ذات صلة: ما الذي يجب أن يأتي في المقام الأول: المجتمع أم الاقتصاد، الصحة العامة أم الربح، رفاهية المواطنين أم البلوتوقراطية (حكم الأثرياء)؟ هل حان الوقت لتغيير نموذجي في السياسات العامة؟ وما نوع الرؤية أو النسق النقدي الجديد اللذين سيظهران من حطام فيروس كورونا؟ من المؤكد أن وعود الدولة الحديثة التي تأسست في ضوء فلسفة اتفاقية ويستفليا عام 1648 و"العقد الاجتماعي" الحديث كانت مخيبة للآمال بتغييب واحدة من الاحتياجات الإنسانية الأساسية: الصحة العامة. ولا يزال يتردد صدى أحد الأقوال الشهيرة لمارغريت تاتشر: "لا يوجد شيء اسمه المجتمع". ونتيجة لذلك، تمَّ تحويل البشر إلى متنافسين اقتصاديين. وكما يلاحظ ويليام بيرس (William Pearse) ، فإن "النيوليبرالية من خلال عقلانيتها الباردة التي لا ترحم قد أثارت البشر ضد بعضهم بعضًا، مهرولين نحو فكرة "المضي إلى الأمام". والسؤال: ممَّن وبأي وسيلة، نادرًا ما يُطرح"(53).

ويقول إيان بريمر (Ian Bremmer)، أستاذ الجيوسياسة التطبيقية في جامعة كولومبيا، "إن التحدي الذي يواجهنا اليوم هو انحلال النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، وغياب القيادة العالمية للتدخُّل وتولِّي دورها. نحن نعيش في عالم فراغ الزعامة (G-Zero)، أي وجود فراغ للقوى في السياسة الدولية بسبب تراجع دور الولايات المتحدة وتركيز الدول النامية على أوضاعها الداخلية، وسط حالة جديدة من الركود الجيوسياسي واتساع نطاق تأثيرها. في حالة الركود الجيوسياسي هذه، يؤدي انكسار السياسات العالمية إلى تأجيج المخاطر العالمية بدلًا من المساعدة في حلها"(54). وترسل لحظة فيروس كورونا إشارة أخرى حول الاختلال الوظيفي للسياسة العالمية التي تحرِّكها الواقعية السياسية. ومن المؤكد أنه ستكون هناك نزعة قومية تكنولوجية وحمائية اقتصادية ضمن دائرة التنافس الأميركي الأوروبي الصيني(55). ويحدد بريمر أربعة عوامل تساهم في ذلك التحوُّل، والتي ينبغي معالجتها قبل أن يتمكن العالم من الخروج من حالة فراغ زعامة العالم:

عدم المساواة والاضطرابات الاقتصادية الأخرى الناتجة عن العولمة؛ إذ يتزامن صعود سياسة "بلدي أولًا" في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة في العالم مع نزع الشرعية المحلية عن المؤسسات السياسية في الديمقراطيات وامتداده إلى المجال الدولي.

ميول بعض الدول العظمى والقوى الإقليمية الناشئة نحو تقويض جهود أكثر الديمقراطيات تقدمًا ونجاحًا اقتصاديًّا في القرن العشرين في التعامل مع أزماتها الوجودية الحقيقية للغاية هنا في القرن الحادي والعشرين. ويعتبر بريمر روسيا من بين دول الفئة الأولى "التي تبحث، بعد ثلاثين عامًا من نهاية الحرب الباردة، عن طرق لزعزعة استقرار الغرب مع تعزيز ثرواتها الجيوسياسية"(56).

تراجع كفاءة وفعالية النظام الدولي. وأصبحت المؤسسات متعددة الأطراف الموجودة في العالم حاليًّا للمساعدة في إدارة السياسة العالمية والتنسيق بين الدول غير صالحة لهذا الغرض.

لا يمكن المبالغة في قرار اللامبالاة لدى أميركا ترامب بالتراجع عن قيادة العالم. ويشعر الأميركيون بشكل متزايد أن الولايات المتحدة كانت تتحمَّل الكثير من الناحية العسكرية وغيرها من أجل الآخرين(57).

غيتي مظاهرة مناهضة للرأسمالية (غيتي)

ما دمنا لم نأخذ العبرة من أزمة الأسواق المالية عام 2008، جاء فيروس كورونا الآن لإلهامنا بتأملات عميقة في البنية التحتية الاقتصادية والسياسية القائمة والفجوة المستمرة بين الأغنياء الذين يمثِّلون نسبة 1 في المائة وفئة 99 في المائة الأكثر فقرًا من مجموع السكان. فمنذ عام 2008، عانى الكثير من خسائر في المدَّخرات وتجليات التفاوتات الصارخة. في الوقت ذاته، تخسر الطبقة الوسطى معركتها في الحفاظ على مستواها المعيشي وانخفاض قدرتها الشرائية. والآن، نخسر المزيد: الثقة في الدولة، في وزارة الصحة، في الاقتصاد، وفي النظام بأكمله لفشلهم في إنقاذ البشر من فيروس صغير. وفي البلدان النامية، كان على المدارس والجامعات أن تقفز إلى نظام التعليم عن بُعد، وهي غير مستعدة ودون تدريب مسبق محدد، أو معرفة كيفية التنفيذ، أو مؤشرات النجاح.

تحدث توماس كون (Thomas Kuhn)، صاحب كتاب "بنية الثورات العلمية"، خلال مقابلة أجراها معه جون هورغن (John Horgan)، في مكتبه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 1991، خلال فترة الجدل العلمي حول انتشار وباء الإيدز قائلًا: إن "السؤال عن ماهية الإيدز كحالة سريرية وما هو كيان المرض ذاته لا يوصل إلى الجواب، بل يخضع للتعديل. وهكذا دواليك. فعندما يتعلَّم المرء أن يفكر بشكل مختلف في هذه الأمور إذا فعل ذلك، فإن السؤال عن الصواب والخطأ لا يغدو هو السؤال المهم"(58). ومع انتشار فيروس كورونا الراهن في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لاحتوائه أو العلاج منه، يحتاج العالم للعودة مجدَّدًا إلى لوحة التخطيط والتصميم بعد أربعين عامًا من تيار العولمة والتجارة الحرة وغيرها من التركيبات الأيديولوجية التي لوَّحت بها النيوليبرالية. للتفكير في الأمر، سأقتبس عبارة ديفيد هارفي "ماذا لو أن كل طريقة إنتاج مهيمنة، بتركيبتها السياسية الخاصة، تخلق نمطًا من المعارضة كصورة مرآة لنفسها؟"(59) هناك حاليًّا فرصة لليسار، ودعاة الإنسانية، والمثقفين، ومجموعات الدعوة للصالح العام، والمجتمع المدني العالمي، لبدء نقاش حول مرحلة ما بعد فيروس كورونا، وفوق مرحلة النيوليبرالية لإعادة التنظيم السياسي والاقتصادي الجديد للمجتمع.
العودة إلى البعد الإنساني والديمقراطية الأخلاقية

جادل بعض المعلِّقين بضرورة تبنِّي نظام ديمقراطية اجتماعية أو دولة اجتماعية. لكن أترقب أن مناصرة هذين المفهومين ستصطدم مع تلك المواقف الكلاسيكية التي شكَّكت في المنحى الجماعي والتيارات الأخرى التي انطلقت من الاشتراكية. لقد تم تلويث مفاهيم الديمقراطية "الاشتراكية" و"الاجتماعية" ووصمها بما يكفي من سلبيات لإثارة ردود فعل مماثلة في المستقبل. ويمكن للنقاش العام أن يجنبنا معركة ضائعة بالفعل في فترة الخمسينات. لقد نادى بيرني ساندرز (Bernie Sanders)، أحد المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، بعدة خيارات من أجل تحسين السياسات العامة، ومنها توفير خدمات الصحة العامة المجانية، والتعليم الجامعي المجاني. لكن تمَّ وصمه بأنه "اشتراكي راديكالي"، واختار الحزب الديمقراطي في مؤتمره القومي في صيف 2016 هيلاري كلينتون بدلًا منه كقوة مضادة للمرشح ترامب في المحصلة النهائية. لكن في مارس/آذار 2020، أعاد ساندرز إثارة معضلة الصحة العامة التي أبرزها انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة. وكتب في مقالة افتتاحية قائلًا: إن "فيروس كورونا يسلط الضوء على العيوب الكامنة في نظامنا الصحي والاقتصادي". وأشار إلى أنه "ليس سؤال الأوقات العادية، وإنْ كان مأساويًّا بشكل لا يصدق بأن يتحدث 13 في المائة من الأميركيين، أو حوالي 34 مليون شخص، عن وفاة صديق أو فرد من العائلة مؤخرًا بسبب عدم قدرته على تسديد نفقات العلاج من مرض ما، وفقًا لما أظهره استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة غالوب (Gallup) وويست هيلث (West Health). الآن، ومع تفشِّي فيروس كورونا، يهددنا جميعًا نقص الرعاية الصحية، مما يدل على أننا آمنون فقط مثل أي شخص آخر له الحد الأدنى من التغطية الصحية في أميركا"(60). ودعا المرشح الديمقراطي أيضًا لتقديم دفعات نقدية مباشرة طارئة بقيمة 2000 دولار لكل شخص في أميركا كل شهر طوال فترة الأزمة، وأن "من المرجح أننا في حالة ركود بالفعل".

ولاحظ سكوت جوتليب(Scott Gottlieb) ، مفوض إدارة الغذاء والدواء الأميركية سابقًا نمطًا لفرص "التقنين" للخضوع للفحص الطبي، في حين أن المسؤولين الحكوميين الفيدراليين ثبطوا المستشفيات عن تطوير واستخدام أطقم الاختبار الخاصة بهم، لأنهم بحاجة للحصول على إذن إدارة الغذاء والدواء قبل استخدامها. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤخرًا مؤسسات يوغوف (YouGov) وهيلثكير.كوم (Healthcare.com) في 10 مارس/آذار أن نصف المشاركين تقريبًا (48%) قالوا إنهم ليسوا واثقين تمامًا من قدرتهم على دفع التكاليف التي تتجاوز 3000 دولار (23%)، أو أنهم ليسوا واثقين على الإطلاق (25%). وقالت نسبة 31% فقط إن بإمكانهم الدفع من مدخراتهم، بينما قالت نسبة 42% إنهم سيقترضون من خلال بطاقاتهم الائتمانية (22%) أو أسرهم (12%) أو بنوكهم (8%).

ويشعر بعض خبراء الاقتصاد بالحنين إلى أفكار آدم سميث حول السوق الحرة حيث "توقَّع حدوث الكثير من الفساد والاستغلال الملحوظ حاليًّا في النظام الرأسمالي". وحذَّر سميث من بعض تحولات الاستغلال للرأسمالية في تجاهل فضيلة العدالة. وجاء في كتابه "ثروة الأمم" الصادر عام 1776 أن "إيذاء مصالح أي من المواطنين من أي فئة كانوا بأي حال من الأحوال دون أي غرض آخر سوى تعزيز مصالح البعض الآخر، يتعارض بوضوح مع تلك العدالة والمساواة في المعاملة". ويشير عالم النفس الصناعي بول فورستر(Paul Vorster) إلى أنه "ليس من المبالغة أن نقول إن سميث كان من دعاة فكرة أن أخلاقيات العمل تدور حول القيام بما هو جيد للذات (المؤسسة) والآخر ( المستهلك والموظف) بطريقة مفيدة للطرفين بشكل متبادل. وإذا كان صاحب المؤسسة يرعى احتياجات المستهلكين، فسيفعلون الشيء ذاته من أجله"(61). ولا يزال فورستر يأمل في أن تنظر المجتمعات في شكل أنقى من الرأسمالية كفلسفة اقتصادية أخلاقية تستدعيها اقتصاديات العودة إلى مبادئ الازدهار والعدالة والحرية، بدلًا من مجرد فلسفة اقتصادية حصرية(62).

بالنظر إلى أن انتشار فيروس كورونا قد أقعد النيوليبرالية على ركبتيها مع إغلاق كامل للنظام في جميع أنحاء العالم، سيظهر فجر جديد بأسئلة أكثر حدَّة: ما الذي سيقوله عالم ما بعد احتواء الفيروس عن قدرة الأفراد والعائلات والمجتمعات على البقاء؟ ستكون فرصة لإعادة النظر في نموذج "العقد الاجتماعي"، الذي ساعد تاريخيًّا على تطوير الليبرالية الكلاسيكية. ويجادل جيفري ساكس (Jeffery Sachs) بأنه ينبغي الحكم على أداء الحكومة الأميركية "من حيث عدم كفاءتها وفسادها وجهلها، وستضيف إلى تكاليفنا وأخطارنا بطريقة محبطة وهائلة للغاية"(63).

تدعو الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لنقاش عام حول الاستقلالية الأخلاقية للمواطنين في إعادة تعريف حقوق الدولة والتزاماتها وإعادة بناء سلطتهم الأخلاقية. وينبغي أن يبدأ النقاش على أرضية جديدة وزخم جديد. أدعو لبنية ديمقراطية أخلاقية ودولة أخلاقية كصيغة مناهضة لأطروحة النيوليبرالية وتفريعاتها الأنيقة بمسمَّى "الرأسمالية الأخلاقية"(Ethical Capitalism) ، والتي تنبثق من التفسير الكلاسيكي الواضح لأدم سميث بشأن القوى التي تشكل ما نسميه "السوق الحرة"، وهي الازدهار والعدالة والحرية. يبدو أن واقع فيروس كورونا وغياب الدولة، فضلًا عن عدم وجود شبكة أمان صحي استباقي، يستدعي العودة إلى القانون الطبيعي، ومبادئ فلسلة إيمانويل كانط، ونموذج الاحتياجات البشرية الأساسية. لقد أعادنا الوباء الجديد إلى سؤال جوهري: كيف نملأ الفجوة عندما تفشل الدولة في حماية المواطن؟ ما الذي يجب أن يأتي أولًا: الشخص أم الربح؟ باقتباس مصطلحات كانط، ما هي "ميتافيزيقيا الأخلاق" في عام 2020، وهي تمثِّل "نظامًا من المبادئ الأخلاقية الأولية التي تطبق الضرورة الحتمية على البشر في جميع الأوقات والثقافات؟".

قال الفيلسوف روبرت وولف (Paul Wolff)، وهو من أنصار الفلسفة الكانطية، في كتاب لقي رواجًا جيدًا بعنوان "دفاعًا عن الفوضوية" (In Defense of Anarchism) إن "العلامة المميزة للدولة هي السلطة والحق في الحكم. أما الالتزام الأساسي للإنسان هو الحكم الذاتي ورفض الحكم. وقد يبدو إذن أنه لا يمكن التوصل إلى حل للصراع بين استقلالية الفرد والسلطة المفترضة للدولة. فبقدر ما يفي الرجل بواجبه في جعل نفسه صاحب قراراته، فإنه سيقاوم مطالبة الدولة بالسلطة عليه"(64).

كتاب كانط "ميتافيزيقا القيم والأخلاق" كتاب كانط "ميتافيزيقا القيم والأخلاق"

لا ينبغي اعتبار الفضيلة والأخلاق مجرد عفاف خيالي، بل هما بالأحرى قوة دفع واقعية للتقدم الجماعي. فمنذ معاهدة ويستفليا، احتكرت الدولة والقطاع الخاص وسوق الأوراق المالية والقوى البنيوية الأخرى وضع وحدة التحليل الرئيسية لفترة طويلة. وينبغي الآن أن يتنازلوا عن تلك المكانة للفرد، والأسرة، ودولة الرفاهية، ومبدأ الصحة للجميع، والتعليم للجميع، والازدهار للجميع. جادل الفيلسوف كانط بأن المبدأ الأعلى للأخلاق هو معيار العقلانية الذي أطلق عليه "الضرورة الحتمية" (Categorical Imperative)، التي وصفها بأنها مبدأ موضوعي وضروري وغير مشروط ينبغي علينا دائمًا اتباعه على الرغم من أي رغبات طبيعية أو ميول نحو مناقضته. وأي قانون كان يمِّثل مجموعة من المعايير لتنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين، ويُنظر إليه في الفلسفة الكانطية كعنصر يربط جميع المجالات مباشرة: الأخلاق، وفلسفة القانون، وفلسفة السياسة، والفلسفة التاريخية. تمسَّك كانط بالتركيز على مركزية الفرد وعلى الذات الأخلاقية الحرة والموضوع في قلب الدائرة، في حين وضع البنية وجميع المؤسسات السياسية والتنظيمات الاقتصادية المندمجة معها في المحيط. كما ظل منفتحًا على فكرة السلام الدائم. وحثَّ كانط الذات على "التصرف فقط على هذا الأساس الذي يمكنه في الوقت ذاته أن يصبح قانونًا عالميًّا"(65).

في خضم الاضطراب الراهن بسبب انتشار فيروس كورونا، يشعر إدغار مورين (Edgar Morin)، الفيلسوف وعالم الاجتماع ومدير البحوث الفخري في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، بالتفاؤل. فقد تحدث مؤخرًا عن موضوع "لتغيير العالم: لم يفت الأوان" (Changer le monde: il n'est pas trop tard) في الجلسة الأولى من سلسلة المحاضرات العامة "حقبة عجيبة" (Une Époque Formidable). يلاحظ مورين أن البشر اكتسبوا الكثير من المعرفة حتى عن الموت، لم يكن لديهم أبدًا ما لهم حاليًّا من المعلومات والخبرات المتعددة. لكنهم فقدوا القدرة على تحديد الوجهة الصحيحة، بل أضاعوا البوصلة. فهو يقول "لقد جمعنا الكثير من المعلومات حول البشر، لكننا لم نعرف بعد كيف نكون بشرًا. ليست معرفة هويتنا البشرية جزءًا من منهجنا الأكاديمي في مدارسنا وجامعاتنا. وعلى مستوى السياسة، "فقدنا البوصلة ". ويبقى السؤال "إلى أين يجب أن نذهب من هناك؟(66).

لعقود طويلة حتى الآن، جادل عدد من علماء النفس الاجتماعي ومنظري الصراعات بشأن الحكمة من تبني نموذج الاحتياجات الأساسية (basic human needs) في تصميم السياسات العامة. فقد جادل جون بيرتون (John Burton) عام 1998 بالقول "إذا كان هناك اكتساب مادي تنافسي من جهة، ورغبة فردية في علاقات تعاونية من ناحية أخرى، فإن تفسير أرجحية السلوكيات العدائية والعدوانية يجب أن يكون الشروط التي تفرضها الأنظمة حسب تطورها. إذا كان هذا هو الحال، فإن الصراعات على جميع المستويات الاجتماعية تُعزى إلى مكامن الفشل السابقة في تضمينها في خطط المؤسسات وفي صنع القرار لعنصر بشري وتوظيف الموارد الفكرية المتاحة باستمرار لإعادة تقييم المؤسسات والأعراف الاجتماعية، وبالتالي حل المشاكل عند ظهورها"(67).

دافع مؤسس دراسات السلام ومرشح جائزة نوبل للسلام لعام 2016، يوهان غالتونغ(Johan Galtung) ، أيضًا عن وجود ترابط قوي بين الاحتياجات البشرية الأساسية والتنمية. ويقول إن "من المنطقي التحدث عن فئات معينة من الاحتياجات، مثل "الاحتياجات الأمنية" و"احتياجات الرفاهية" و"احتياجات الهوية" و"احتياجات الحرية" لأخذ التصنيف الذي سيتم استخدامه هنا، وافترض أن بطريقة ما حاول البشر الآخرون في كل مكان وفي جميع الأوقات، وسيحاولون التعامل مع شيء من هذا القبيل، بطرق مختلفة جدًا"(68).

Simply Psychology شجرة الاحتياجات البشرية الأساسية (Simply Psychology)


نبذة عن الكاتب
ced760ded35d408da4f5db9ce1ef41c1_6.png
محمد الشرقاوي

باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات.

https://alhoob-alsdagh.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى