مغامرة ترامب الأولى ... وعي فردوس لا يُستعاد
عادل سمارة
حينما وصل أوباما لرئاسة أمريكا أخذت الكثيرين الدهشة من حيث اللون فأثبت بدوره أن لا لوناً طبقياً للون وكل ما حصل لونيا هو رئيس اسود ووزيرة خارجية بيضاء بينما كان بوش أبيض ورايس سوداء ، وطبعا هذان من الجمهوري وهذان من الديمقراطي.
ولغ أوباما في دم الأمم ولغاً قيل أنه ينم عن عقدة نقص بسبب اللون والأصول وغابوا عن المسألة الطبقية.
وأعتقد ان من تصوروا هكذا هم من العرب الذين عايروا او قاسوا الأمر على حقد حكام أمتنا على أمتنا.
بعض المثقفين العرب انبهروا به حتى بعد مدته ليكتبوا إعجابا ب "عقيدة أوباما" !!غريب وهو الذي أدمى عيون ملايين الأمهات.
تكررت الدهشة بمجيىء ترامب الذي تم تصويره حتى اليوم كلاعب سيرك يحاول ترويض النمور أو دون كيشوت الذي "يباطح" طواحين الهواء. ولأن كيشوت من إسبانيا، فإن ترامب حاول الطيران في غير زمانه كما حاول أول إنسان الطيران عباس بن فرناس العربي طبعاً.
لم يكن ترامب مجنونا
ترامب شعبوي/فاشي /وطني إبن مدرسة وطبقة:
جاء تعبيراً عن أزمة امريكا الاجتماعية الاقتصادية بوضوح.
لنعد قليلا إلى الأصول، حينما وصل دوايت أيزنهاور لرئاسة أمريكا بنى المجمع الصناعي العسكري وهو جنرال حارب في الحرب الإمبريالية الثانية وهدف من ذلك، برؤية إمبريالي متمكن، أن تكن وتبقى أمريكا الأقوى عسكريا في العالم لأن بوسع كثير من الدول أن تطور وتنافس في الإنتاج المدني. وبالمناسبة هذه عقيدة الكيان الصهيوني أن يبقى اقوى من كل الدول العربية وليس نووياً فقط. وأمريكا الأقوى عسكريا حتى اليوم، والكيان الأقوى هنا حتى اليوم.وكلا الطرفين حين لا يقوما بالعدوان ، فذلك فقط لأن هناك من يلجمهما وإن لم يكن هو اقوى منهما.
لكن المهم أن السلاح هو الدجاجة التي بقيت تبيض أكثر من الصناعات المدنية.
يُجمع الاقتصاديون على أن ازدهار ما بعد الحرب الإمبريالية الثانية توقف 1963-65...الخ، حيث دخل الاقتصاد العالمي وخاصة في المركز سلسلة أزمات ومنها الأمريكي خلال وبعد حرب فيتنام، هبط معدل الربح وتضاءل التراكم أما المحيط فغاص في التضخم والمديونية.
مع بداية السبعينات، تم التاسيس للظاهرة التي نعيشها اليوم وهي "مولنة الاقتصاد وخاصة الأمريكي Finansialization.
بعد أن زار نكسون الصين والتقى ماو وتم رفع الغطاء الذهبي عن الدولار الورقي، وحينها قال نيكسون"لقد ايقظت أل "مونستر- الوحش الشبح" ولا أدري ماذا سيحصل".
كان حينها الخلاف الصيني_السوفييتي على اشده ماو في الصين وخروتشوف في الاتحاد السوفييتي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن:
ماو: أسس لنهوض الصين وليس دينغ كما يُزعم وأكد أن "الإمبريالية نمر من ورق" وهُزمت في فيتنام. (أنظر كتابنا الأخير"هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة).
وخروتشوف: أسس لتدمير الاتحاد السوفييتي ب التعايش السلمي وإدخال الحوافز المادية وامتيازات المدراء...إلخ.
وأكمل كيسنجر مهمة نيكسون، حيث صاغ لعبة قطع النفط خلال حرب أكتوبر 1973 التي كانت حقيقية للجيشين ومختلفة للرئيسين المصري والسوري. وتراكمت الأموال في أيدي راكبي الجمال وتم حل المسألة بأن:
"ضعوا الفوائض عندنا وسنقيم لكم بنية أساسية لا توجد في سدرة المنتهى طرق مطارات بنايات مولات..." واحصروا بيع النفط بالدولار وهذا ما حصل.
وهكذا بدأ التاسيس لاستخدام الدولار والمدفع لتثبيت سيطرة أمريكا.
خلال تلك الفترة طرأ تغير على بنية الاقتصاد العالمي مركز/محيط بحيث أخذت كثير من الشركات الغربية تنقل مصانعها إلى الصين الشعبية، إلى الوحش الذي أيقظه نيكسون وكان شعار الشركات الأمريكية خاصة Down-Size This أي قلل حجم عمالة هذه الشركة بل أنقلها للخارج حيث الأجور الضيلة جدا. وهنا يحضر ماركس في تسميته للرأسمالية ب "راسمالية الأجور الأدنى" وإلا كيف يحصل التراكم.
لنطلق على رحيل الشركات (تشريقة الشركات/إلى الشرق، اي الذهاب للشرق –تذكروا معي تغريبة بني هلال من الجزيرة والشام إلى المغرب الكبير). رحيل راس المال العامل الإنتاجي أي ليس غزو راس المال ليستثمر في المناجم ولا رأسمال صافي للقروض فقط بل المصنع نفسه.
وهكذا، بين رحيل المصانع وبين التقاط دول من المحيط اللحظة والبدء المتسع في الإنتاج المدني إتضحت رؤية ايزنهاور ولم يعد أمام أمريكا سوى سبيلين:
· مواصلة الإنتاج الحربي ودفع الأمم للحروب لتشتري السلاح والانتقال من الحرب الباردة بين القطبين إلى الحرب الساخنة في المحيط. وبعد فيتنام جربت نفسها في حروب صغيرة مثل احتلال جرينادا وهاييي، وأُهينت في الصومال، ولكن ورطتها في العراق كانت اشد، هذا مع أن نضال العراقيين كان عظيما ولكن قياداتهم الطائفية أذلت كل ذلك الدم.
· والثاني: اعتماد سياسة اقتصادية اجتماعية جديدة هي النيولبرالية والتي مقارنة مع لبرالية دولةالرفاه هي حرب طبقية داخل وخارج البلد.
صحيح أن اللبرالية هي ايضا حرب طبقية داخل بلدان المركز، ولكنها ناعمة بقدر ما، فالدولة تنفق أكثر وتراعي أجورا فضل وحجمها كسلطة أوسع...الخ. أما اللبرالية الجديدة فهي استقطابية بحيث يكون الهرم عمامة مالية هائلة على رأس دبوس، وقاعدة بشرية هائلة على خازوق. ترليونات بايدي أفراد وايدي الملايين فارغة . البعض يسمي هذا عدم التضبيط De-Regulation .
كان سقوط دول الإشتراكية المحققة فترة تأجيل لتأزُّم المركز الراسمالي سواء بنهب ثرواته وتقنيته بفلوس أو تدفق عمالة رخيصة لغرب اوروبا بما في ذلك فيض نخاسة النساء الذي غمر خليج النفط (المتآكل بالحتِّ-عبد اللطيف عقل). طبعا من أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو تدفق أيتام اشتراكية أوروباالشرقية إلى الغربية. وبالطبع وصلت نخاسة النساء حتى الكيان الصهيوني في تعبير عن إذلال الإشتراكية.
لم تدم صدمة الغبطة فكانت أزمة تقشيط جنوب شرق آسيا 1997 حيث سحبت البنوك الغربية قروضها الباردة بأن أخذتها سريعا كأموال ساخنة، تلتها أزمة روسيا الاقتصادية قبيل مجيىء بوتين والأزمة العقارية في أمريكا إلى ان كانت أزمة 2008-08. المركَّبة اقتصاديا وماليا.
حملت هذه الأزمة وتخبط الحزب الديمقراطي في تجاوزها إفلاسات في الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، مدن فارغة فاها سلمها مشتروها للشركات، بطالة عالية، تراجع الدخل، بل حتى تراجع أمريكا عن دورها الاستهلاكي (إقتصاد الملاذ الأخير The economy of Last resort.
كان ماركس قد تنبه إلى هذا، فالطبقة الراسمالية مهما استهلكت وبذَّرت لا تنعش السوق وحدها. (هههه ألم يمت حي بن يقظان جوعاً حينما تجسدت أمنيته بأن يتحول كل ما يمسك به إلى ذهب-اسطورة عربية، طبعا لم تكن جزيرة روبنسون كروز سوى الرد الخيالي على المتخيل العربي) . لذا بعد أزمة 1929 الدورية تمت إعادة قراءة الحل الذي قدمه جون مينارد كينز بدور أوسع للدولة لزيادة الأجور فالاستهلاك...الخ، أي مزاوجة الفوردية والكينزية، ولكن لم تزبط.
فقد كان المركز قد تبنى مع النيولبرالية اتجاه أو المدرسة النقودية التي أبرزها ملتون فريدمان وفريدريك هايك، وهي التي كان أول تطبيق لمنهجها في:
· تشيلي إثر المذبحة الفاشية ضد الدولة الاشتراكية على يد بينوشت
· وفي الكيان الصهيوني مع وصول الليكود للسلطة حيث تبنتها حكومة مناحيم بيجن ووزير ماليته سيمحا إيرليخ.
وهي مدرسة تعتمد العملة وليس القيمة في العملية السوقية بعكس الماركسية، لا سيما وان امريكا قد اكتشفت أمرين خطيرين:
الأول: أن الإنتاج في الصين وليس في امريكا
والثاني: أنها لا تستطيع لحاق الصين في الإنتاج المدني.
هل كانت في غفوة؟ أم أن راس المال خرج عن قوميته!!! أي التراكم لا الوطن.
طبقتان في طبقة
في أمريكا تحديدا، وبناء على كل التطورات أعلاه تفارقت شريحتان أو كتلتان في الطبقة الراسمالية الأمريكية:
· واحدة تركزت مصالحها في المولنة وتقشيط البلد والعالم بالمدفع والدولار والمضاربات ولهف اسهم أية شركة تصاب بالتعب...، دون العودة للاقتصاد الحقيقي، وعلى راس هذا التيار مالكو البنوك وخاصة الاحتياطي الفدرالي وبينهم أكثرية اليهود.
· وأخرى، لا ترفض هذا المنهج لكنها ترى وجوب العودة للإنتاج الحقيقي الصناعة والزراعة كي تتمكن أمريكا من الحفاظ على سيطرتها.
هنا وُلد ترامب، في الفريق الثاني. لذا، ومنذ ترشحه دعى لإعادة الشركات من الصين وتقديم مساعدات لها بتقليص الضرائب ومن ثم توسيع التشغيل للخروج من براثن أزمة 2008، وأخذ بعد فوزه بشن حرب اقتصادية امتدت من الصين إلى أوروبا قائلا لأوروبا أدفعوا فنحن نحميكم من روسيا، وصولا إلى الوطن العربي بتشليح حكامها بفظاظة وحتى الفقراء.
كان هدفه إعادة قوة إنتاجية للاقتصاد الأمريكي متيمنا بالتقدم التكنولوجي طبعا.
طبعا علينا ان نلاحظ أن تيار المولنة وتيار الاقتصاد الحقيقي هو مشترك بين الحزبين، فهم من الطبقة نفسها. ولذا نجد قطاعا كبيرا من الجمهوريين ضد ترامب.
إن ما أثار جنون ترامب هو كوفيد19 وهو كان مقتله. لقد حاول إنكار تأثيره أو التقليل منه واتهم الصين به...الخ.
وقف ترامب في منتصف المسافة بين:
· من يقولون ويبالغون في خطورة الوباء
· وبين من ينكرون وجوده.
كان هدفه عدم وقف الإنتاج وعدم اعتقال الناس في البيوت، بينما الصين مستمرة في الإنتاج.
باختصار، ضُربت نجاحات ترامب في تخفيض كثير من النفقات وفي تحسين معدل التشغيل واستعادة شركات، لكن الإغلاق قصم ظهر مشروعه ومتى؟
في سنته الأخيرة بحيث لم تعد لديه فرصة لتجاوز الأزمة.
هنا وجد الجمهور الأمريكي نفسه بين خيارين:
· التمسك بشعبوية ترامب القومية رغم الإفقار
· أم الاستسلام للدولة العميقة التي تمكنت من تدجينه ومن إطعامه نصف وجبة وهو في البيت.
أي القومية أم الاقتصاد؟
في الثقافة الرأسمالية الأمر محسوم: الاقتصاد
في لقاء بين يانس فايروفاكس وزير مالية اليونان في ازمتها الأخيرة مع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي:
قال يانس، وهو اشتراكي ديمقراطي: طوَّعت لغتي كي ابدو مقبولاً وقلت نحن انتخبنا الشعب وهنا نطلب منكم تعديل الشروط الاقتصادية لمساعدة اليونان للخروج من الأزمة.
يقول: فجأة، رفع وزير مالية المانيا يده وبكلمة واحدة قال"حين يكون الخيار الديمقراطية أو الاقتصاد، إنه الاقتصاد". ولذا في الانتخابات، كما يبدو قال كثير من جمهور ترامب: "قلوبنا معكم وسيوفنا مع بني امية" .
وهكذا، كانت الدولة العميقة/جناح المولنة قد تمولنت، ولعبت دورا تكتيكيا في مصارعة الثور الهائج إلى أن كانت الانتخابات وحالفها الحظ بكوفيد 19. ومع ذلك لم يخسر ترامب بنسبة عالية أمام بايدن.
وربما لهذه الأسباب يعتقد ترامب أن هناك تزويرا. ولا ننسى أنه خرج على أو "شلّط" لمعايير قراءة الرأي العام باستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر كثيرا عن المزاج العام، فهي ماكينة شعبوية حقا.
في الطبقة الواحدة تمفصل/تناقض
في قراءة الماركسية للمجتمعات الطبقية قديمها وحديثها، لم تتكلس في أن كل طبقة هي كتلة واحدة منسجمة مؤتلفة. فالعامل الطبقي هو في جوهره عامل مادي/مصلحي له طربوش سياسي ثقافي/ديني إيديولوجي وتجلي نفسي. ولذا يحسم العامل المادي في العلاقات الاجتماعية وإثر ذلك يكون التفاوت، والتفارق والتناقض والصراع. هذا رُباعي التحديد الطبقي. ولأن الطبقات هي مجموعات بشرية تقف خلف الاقتصاد بوجهه المجرد اي بكون راس المال علاقات اجتماعية اي وراءه بشر، فإن كل هذا مقود بتطور الملكية الخاصة.
كان من بين مَنْ تناول هذا الأمر بشكل دقيق نيكوس بولنتزاس الذي مات منتحرا عن عمر ستة وثلاثين عاما حيث نقل تعدد شرائح الطبقات ايضا إلى الطبقة العاملة.
وهنا نستذكر أنه بعد رحيله كان تصدير راس المال العامل الإنتاجي إلى المركز ومن ثم حدوث تفارقات طبقية في الطبقات عموما في كل من المركز والمحيط. ففي الولايات المتحدة هناك عمال الاقتصاد الجديد، وعمال الصناعة التقليدية/الإنتاجية وعمال الخدمات من أدناها حوانيت الامبرجر إلى عمال خدمات البنوك وصناديق التحوط..الخ. (انظر عادل سمارة Epidemic of Globalization 20021).
وفي المحيط هناك العمال في الصناعات البسيطة، وعمال خدمات وعمال مميزون في الشركات متعدية الجنسية.
تفيد هذه التفارقات بصعوبة القول أن هذه الطبقة أو تلك متماسكة منسجة، سوى وقت التحدي والصراع الشديد والوعي العميق، وهذه مشكلة الثورة العالمية.
لذا، نرى طبيعياً أن تختلف الطبقة الراسمالية الحاكمة في أمريكا فيما بينها بين :
· تيار و شريحة المولنة
· وتيار أو شريحة الاقتصاد الحقيقي.
فلا يمكن في القراءة الاقتصادية الاجتماعية لأي مجتمع تجاهل نمط الإنتاج المهيمن وتناقضة وتمفصل أنماط أخرى تابعة له بشرط أن لا ننسى أن نمط الإنتاج هو فرضية مجرده حضورها المادي هم الناس الذي يملكون. وفي سياق تمفصل تناقض أنماط الإنتاج يكون تحالف تناقض الطبقات وحتى الشرائح. وعلى هذا الأساس الطبقي الاقتصادي المصلحي يحصل هذا في أمريكا وداخل نفس الطبقة. فلا غرابة.
ولكن، لأن الاقتصاد هو الذي يحسم وليس السياسة، كان ماركس قد تنبه إلى ما اسماه "تآخي اللصوص" اي أن اللصوص حين الأزمة يتصالحون أو يجدون حلاً، ومن هنا، فلا نعتقد أن فريق ترامب سيذهب إلى الصراع.
إن الصراع الحقيقي هو في القاع أي بين الطبقات الشعبية والطربوش المضارباتي المحتقن مالا وعنصرية. فعُتاة هذه الطبقة لا ينسون الخصم الصيني والروسي ابداً.
تجدر الإشارة إلى أن أنه منذ قرابة عقدين ودُعاة الحرب في المركز الراسمالي وحتى المستوطنات البيضاء مثل استراليا يدعون لحرب مسلحة ضد صعود الصين.
نختم بسؤالين:
أولاً، بين ماو وترامب: هل حقاً حاول ترامب الانقلاب؟ من حيث الشكل نعم، ولكن عمليا لا. فهو يخطط لما هوقادم، كان يعلم أنه لن ينجح ولذا اسس لما هو قادم، فهو تيار وليس شخصاً. بالمقابل، أدرك ماو تسي تونج أن راس الدولةوقيادة الحزب ذهبت في طريق الرسملة على يد من اسماهم Capitalist Roaders طرائقيوا راس المال، وحاول متأخرا بل أطلق الثورة الثقافية، لكن التحريفية كانت قد تركزت. صحيح أنه أطلق شعار : استهدفوا الرئاسة/القيادة Target the Headquarter لكن "سبق السيف العذل".فقد حرر الصين وأسس لتطورها ومضى. (أنظر كتابنا هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2019 )..
وثانيا، لوحظ أن اليهود صوتوا أكثر لبايدن رغم كل ما قدمه ترامب. فهم يعرفون كيف تُؤكل الكتف. فقد أعطاهم ترامب ما توجبه عليه الدولة الأمريكية وإن لم يفعل سيفعل غيره بل يفعله حكام عرب، ولذا ينظر الصهاينة إلى تطبيع الحكام المحكومين على أنها وجبة فاترة وبلا ملح. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن مصالح الراسمالية اليهودية في أمريكا هي اساساً في المولنة في البنوك في الاحتياطي الفدرالي. بل إن اليهود تاريخيا ليسوا عمالا ولا فلاحين، ولذا ليسوا أمة ولا قومية، ولذا بالضبط لم تجذبهم قومية ترامب. فهم بين رُعاة ومرابون وممولنون.
هنا قال فيهم الرفيق المرتحل أحمد حسين في قصيدته (عزف منفرد على شرفة مهجورة من ديوانه " بالحزن أفرح من جديد":
" متى كان هذا الصباح جميلاً، وكنت أنا سيداً للرُعاة الذين يَمُدّون
قُطعانهم في الحكاية نحو العشاء الأخير،
ومن أين جاء الرُعاة الذين يَعُدّون أغنامهم كالنقودِ، ولا يُحسنون الصلاة
لرب المراعي"
أخيراً، هل ستُنقذ أمريكا؟ من يدري، ولكن، مَنْ يتخلف عن ناصية التاريخ لا يتوجهه التاريخ مستقبلاً.
عادل سمارة
حينما وصل أوباما لرئاسة أمريكا أخذت الكثيرين الدهشة من حيث اللون فأثبت بدوره أن لا لوناً طبقياً للون وكل ما حصل لونيا هو رئيس اسود ووزيرة خارجية بيضاء بينما كان بوش أبيض ورايس سوداء ، وطبعا هذان من الجمهوري وهذان من الديمقراطي.
ولغ أوباما في دم الأمم ولغاً قيل أنه ينم عن عقدة نقص بسبب اللون والأصول وغابوا عن المسألة الطبقية.
وأعتقد ان من تصوروا هكذا هم من العرب الذين عايروا او قاسوا الأمر على حقد حكام أمتنا على أمتنا.
بعض المثقفين العرب انبهروا به حتى بعد مدته ليكتبوا إعجابا ب "عقيدة أوباما" !!غريب وهو الذي أدمى عيون ملايين الأمهات.
تكررت الدهشة بمجيىء ترامب الذي تم تصويره حتى اليوم كلاعب سيرك يحاول ترويض النمور أو دون كيشوت الذي "يباطح" طواحين الهواء. ولأن كيشوت من إسبانيا، فإن ترامب حاول الطيران في غير زمانه كما حاول أول إنسان الطيران عباس بن فرناس العربي طبعاً.
لم يكن ترامب مجنونا
ترامب شعبوي/فاشي /وطني إبن مدرسة وطبقة:
جاء تعبيراً عن أزمة امريكا الاجتماعية الاقتصادية بوضوح.
لنعد قليلا إلى الأصول، حينما وصل دوايت أيزنهاور لرئاسة أمريكا بنى المجمع الصناعي العسكري وهو جنرال حارب في الحرب الإمبريالية الثانية وهدف من ذلك، برؤية إمبريالي متمكن، أن تكن وتبقى أمريكا الأقوى عسكريا في العالم لأن بوسع كثير من الدول أن تطور وتنافس في الإنتاج المدني. وبالمناسبة هذه عقيدة الكيان الصهيوني أن يبقى اقوى من كل الدول العربية وليس نووياً فقط. وأمريكا الأقوى عسكريا حتى اليوم، والكيان الأقوى هنا حتى اليوم.وكلا الطرفين حين لا يقوما بالعدوان ، فذلك فقط لأن هناك من يلجمهما وإن لم يكن هو اقوى منهما.
لكن المهم أن السلاح هو الدجاجة التي بقيت تبيض أكثر من الصناعات المدنية.
يُجمع الاقتصاديون على أن ازدهار ما بعد الحرب الإمبريالية الثانية توقف 1963-65...الخ، حيث دخل الاقتصاد العالمي وخاصة في المركز سلسلة أزمات ومنها الأمريكي خلال وبعد حرب فيتنام، هبط معدل الربح وتضاءل التراكم أما المحيط فغاص في التضخم والمديونية.
مع بداية السبعينات، تم التاسيس للظاهرة التي نعيشها اليوم وهي "مولنة الاقتصاد وخاصة الأمريكي Finansialization.
بعد أن زار نكسون الصين والتقى ماو وتم رفع الغطاء الذهبي عن الدولار الورقي، وحينها قال نيكسون"لقد ايقظت أل "مونستر- الوحش الشبح" ولا أدري ماذا سيحصل".
كان حينها الخلاف الصيني_السوفييتي على اشده ماو في الصين وخروتشوف في الاتحاد السوفييتي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن:
ماو: أسس لنهوض الصين وليس دينغ كما يُزعم وأكد أن "الإمبريالية نمر من ورق" وهُزمت في فيتنام. (أنظر كتابنا الأخير"هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة).
وخروتشوف: أسس لتدمير الاتحاد السوفييتي ب التعايش السلمي وإدخال الحوافز المادية وامتيازات المدراء...إلخ.
وأكمل كيسنجر مهمة نيكسون، حيث صاغ لعبة قطع النفط خلال حرب أكتوبر 1973 التي كانت حقيقية للجيشين ومختلفة للرئيسين المصري والسوري. وتراكمت الأموال في أيدي راكبي الجمال وتم حل المسألة بأن:
"ضعوا الفوائض عندنا وسنقيم لكم بنية أساسية لا توجد في سدرة المنتهى طرق مطارات بنايات مولات..." واحصروا بيع النفط بالدولار وهذا ما حصل.
وهكذا بدأ التاسيس لاستخدام الدولار والمدفع لتثبيت سيطرة أمريكا.
خلال تلك الفترة طرأ تغير على بنية الاقتصاد العالمي مركز/محيط بحيث أخذت كثير من الشركات الغربية تنقل مصانعها إلى الصين الشعبية، إلى الوحش الذي أيقظه نيكسون وكان شعار الشركات الأمريكية خاصة Down-Size This أي قلل حجم عمالة هذه الشركة بل أنقلها للخارج حيث الأجور الضيلة جدا. وهنا يحضر ماركس في تسميته للرأسمالية ب "راسمالية الأجور الأدنى" وإلا كيف يحصل التراكم.
لنطلق على رحيل الشركات (تشريقة الشركات/إلى الشرق، اي الذهاب للشرق –تذكروا معي تغريبة بني هلال من الجزيرة والشام إلى المغرب الكبير). رحيل راس المال العامل الإنتاجي أي ليس غزو راس المال ليستثمر في المناجم ولا رأسمال صافي للقروض فقط بل المصنع نفسه.
وهكذا، بين رحيل المصانع وبين التقاط دول من المحيط اللحظة والبدء المتسع في الإنتاج المدني إتضحت رؤية ايزنهاور ولم يعد أمام أمريكا سوى سبيلين:
· مواصلة الإنتاج الحربي ودفع الأمم للحروب لتشتري السلاح والانتقال من الحرب الباردة بين القطبين إلى الحرب الساخنة في المحيط. وبعد فيتنام جربت نفسها في حروب صغيرة مثل احتلال جرينادا وهاييي، وأُهينت في الصومال، ولكن ورطتها في العراق كانت اشد، هذا مع أن نضال العراقيين كان عظيما ولكن قياداتهم الطائفية أذلت كل ذلك الدم.
· والثاني: اعتماد سياسة اقتصادية اجتماعية جديدة هي النيولبرالية والتي مقارنة مع لبرالية دولةالرفاه هي حرب طبقية داخل وخارج البلد.
صحيح أن اللبرالية هي ايضا حرب طبقية داخل بلدان المركز، ولكنها ناعمة بقدر ما، فالدولة تنفق أكثر وتراعي أجورا فضل وحجمها كسلطة أوسع...الخ. أما اللبرالية الجديدة فهي استقطابية بحيث يكون الهرم عمامة مالية هائلة على رأس دبوس، وقاعدة بشرية هائلة على خازوق. ترليونات بايدي أفراد وايدي الملايين فارغة . البعض يسمي هذا عدم التضبيط De-Regulation .
كان سقوط دول الإشتراكية المحققة فترة تأجيل لتأزُّم المركز الراسمالي سواء بنهب ثرواته وتقنيته بفلوس أو تدفق عمالة رخيصة لغرب اوروبا بما في ذلك فيض نخاسة النساء الذي غمر خليج النفط (المتآكل بالحتِّ-عبد اللطيف عقل). طبعا من أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو تدفق أيتام اشتراكية أوروباالشرقية إلى الغربية. وبالطبع وصلت نخاسة النساء حتى الكيان الصهيوني في تعبير عن إذلال الإشتراكية.
لم تدم صدمة الغبطة فكانت أزمة تقشيط جنوب شرق آسيا 1997 حيث سحبت البنوك الغربية قروضها الباردة بأن أخذتها سريعا كأموال ساخنة، تلتها أزمة روسيا الاقتصادية قبيل مجيىء بوتين والأزمة العقارية في أمريكا إلى ان كانت أزمة 2008-08. المركَّبة اقتصاديا وماليا.
حملت هذه الأزمة وتخبط الحزب الديمقراطي في تجاوزها إفلاسات في الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، مدن فارغة فاها سلمها مشتروها للشركات، بطالة عالية، تراجع الدخل، بل حتى تراجع أمريكا عن دورها الاستهلاكي (إقتصاد الملاذ الأخير The economy of Last resort.
كان ماركس قد تنبه إلى هذا، فالطبقة الراسمالية مهما استهلكت وبذَّرت لا تنعش السوق وحدها. (هههه ألم يمت حي بن يقظان جوعاً حينما تجسدت أمنيته بأن يتحول كل ما يمسك به إلى ذهب-اسطورة عربية، طبعا لم تكن جزيرة روبنسون كروز سوى الرد الخيالي على المتخيل العربي) . لذا بعد أزمة 1929 الدورية تمت إعادة قراءة الحل الذي قدمه جون مينارد كينز بدور أوسع للدولة لزيادة الأجور فالاستهلاك...الخ، أي مزاوجة الفوردية والكينزية، ولكن لم تزبط.
فقد كان المركز قد تبنى مع النيولبرالية اتجاه أو المدرسة النقودية التي أبرزها ملتون فريدمان وفريدريك هايك، وهي التي كان أول تطبيق لمنهجها في:
· تشيلي إثر المذبحة الفاشية ضد الدولة الاشتراكية على يد بينوشت
· وفي الكيان الصهيوني مع وصول الليكود للسلطة حيث تبنتها حكومة مناحيم بيجن ووزير ماليته سيمحا إيرليخ.
وهي مدرسة تعتمد العملة وليس القيمة في العملية السوقية بعكس الماركسية، لا سيما وان امريكا قد اكتشفت أمرين خطيرين:
الأول: أن الإنتاج في الصين وليس في امريكا
والثاني: أنها لا تستطيع لحاق الصين في الإنتاج المدني.
هل كانت في غفوة؟ أم أن راس المال خرج عن قوميته!!! أي التراكم لا الوطن.
طبقتان في طبقة
في أمريكا تحديدا، وبناء على كل التطورات أعلاه تفارقت شريحتان أو كتلتان في الطبقة الراسمالية الأمريكية:
· واحدة تركزت مصالحها في المولنة وتقشيط البلد والعالم بالمدفع والدولار والمضاربات ولهف اسهم أية شركة تصاب بالتعب...، دون العودة للاقتصاد الحقيقي، وعلى راس هذا التيار مالكو البنوك وخاصة الاحتياطي الفدرالي وبينهم أكثرية اليهود.
· وأخرى، لا ترفض هذا المنهج لكنها ترى وجوب العودة للإنتاج الحقيقي الصناعة والزراعة كي تتمكن أمريكا من الحفاظ على سيطرتها.
هنا وُلد ترامب، في الفريق الثاني. لذا، ومنذ ترشحه دعى لإعادة الشركات من الصين وتقديم مساعدات لها بتقليص الضرائب ومن ثم توسيع التشغيل للخروج من براثن أزمة 2008، وأخذ بعد فوزه بشن حرب اقتصادية امتدت من الصين إلى أوروبا قائلا لأوروبا أدفعوا فنحن نحميكم من روسيا، وصولا إلى الوطن العربي بتشليح حكامها بفظاظة وحتى الفقراء.
كان هدفه إعادة قوة إنتاجية للاقتصاد الأمريكي متيمنا بالتقدم التكنولوجي طبعا.
طبعا علينا ان نلاحظ أن تيار المولنة وتيار الاقتصاد الحقيقي هو مشترك بين الحزبين، فهم من الطبقة نفسها. ولذا نجد قطاعا كبيرا من الجمهوريين ضد ترامب.
إن ما أثار جنون ترامب هو كوفيد19 وهو كان مقتله. لقد حاول إنكار تأثيره أو التقليل منه واتهم الصين به...الخ.
وقف ترامب في منتصف المسافة بين:
· من يقولون ويبالغون في خطورة الوباء
· وبين من ينكرون وجوده.
كان هدفه عدم وقف الإنتاج وعدم اعتقال الناس في البيوت، بينما الصين مستمرة في الإنتاج.
باختصار، ضُربت نجاحات ترامب في تخفيض كثير من النفقات وفي تحسين معدل التشغيل واستعادة شركات، لكن الإغلاق قصم ظهر مشروعه ومتى؟
في سنته الأخيرة بحيث لم تعد لديه فرصة لتجاوز الأزمة.
هنا وجد الجمهور الأمريكي نفسه بين خيارين:
· التمسك بشعبوية ترامب القومية رغم الإفقار
· أم الاستسلام للدولة العميقة التي تمكنت من تدجينه ومن إطعامه نصف وجبة وهو في البيت.
أي القومية أم الاقتصاد؟
في الثقافة الرأسمالية الأمر محسوم: الاقتصاد
في لقاء بين يانس فايروفاكس وزير مالية اليونان في ازمتها الأخيرة مع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي:
قال يانس، وهو اشتراكي ديمقراطي: طوَّعت لغتي كي ابدو مقبولاً وقلت نحن انتخبنا الشعب وهنا نطلب منكم تعديل الشروط الاقتصادية لمساعدة اليونان للخروج من الأزمة.
يقول: فجأة، رفع وزير مالية المانيا يده وبكلمة واحدة قال"حين يكون الخيار الديمقراطية أو الاقتصاد، إنه الاقتصاد". ولذا في الانتخابات، كما يبدو قال كثير من جمهور ترامب: "قلوبنا معكم وسيوفنا مع بني امية" .
وهكذا، كانت الدولة العميقة/جناح المولنة قد تمولنت، ولعبت دورا تكتيكيا في مصارعة الثور الهائج إلى أن كانت الانتخابات وحالفها الحظ بكوفيد 19. ومع ذلك لم يخسر ترامب بنسبة عالية أمام بايدن.
وربما لهذه الأسباب يعتقد ترامب أن هناك تزويرا. ولا ننسى أنه خرج على أو "شلّط" لمعايير قراءة الرأي العام باستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر كثيرا عن المزاج العام، فهي ماكينة شعبوية حقا.
في الطبقة الواحدة تمفصل/تناقض
في قراءة الماركسية للمجتمعات الطبقية قديمها وحديثها، لم تتكلس في أن كل طبقة هي كتلة واحدة منسجمة مؤتلفة. فالعامل الطبقي هو في جوهره عامل مادي/مصلحي له طربوش سياسي ثقافي/ديني إيديولوجي وتجلي نفسي. ولذا يحسم العامل المادي في العلاقات الاجتماعية وإثر ذلك يكون التفاوت، والتفارق والتناقض والصراع. هذا رُباعي التحديد الطبقي. ولأن الطبقات هي مجموعات بشرية تقف خلف الاقتصاد بوجهه المجرد اي بكون راس المال علاقات اجتماعية اي وراءه بشر، فإن كل هذا مقود بتطور الملكية الخاصة.
كان من بين مَنْ تناول هذا الأمر بشكل دقيق نيكوس بولنتزاس الذي مات منتحرا عن عمر ستة وثلاثين عاما حيث نقل تعدد شرائح الطبقات ايضا إلى الطبقة العاملة.
وهنا نستذكر أنه بعد رحيله كان تصدير راس المال العامل الإنتاجي إلى المركز ومن ثم حدوث تفارقات طبقية في الطبقات عموما في كل من المركز والمحيط. ففي الولايات المتحدة هناك عمال الاقتصاد الجديد، وعمال الصناعة التقليدية/الإنتاجية وعمال الخدمات من أدناها حوانيت الامبرجر إلى عمال خدمات البنوك وصناديق التحوط..الخ. (انظر عادل سمارة Epidemic of Globalization 20021).
وفي المحيط هناك العمال في الصناعات البسيطة، وعمال خدمات وعمال مميزون في الشركات متعدية الجنسية.
تفيد هذه التفارقات بصعوبة القول أن هذه الطبقة أو تلك متماسكة منسجة، سوى وقت التحدي والصراع الشديد والوعي العميق، وهذه مشكلة الثورة العالمية.
لذا، نرى طبيعياً أن تختلف الطبقة الراسمالية الحاكمة في أمريكا فيما بينها بين :
· تيار و شريحة المولنة
· وتيار أو شريحة الاقتصاد الحقيقي.
فلا يمكن في القراءة الاقتصادية الاجتماعية لأي مجتمع تجاهل نمط الإنتاج المهيمن وتناقضة وتمفصل أنماط أخرى تابعة له بشرط أن لا ننسى أن نمط الإنتاج هو فرضية مجرده حضورها المادي هم الناس الذي يملكون. وفي سياق تمفصل تناقض أنماط الإنتاج يكون تحالف تناقض الطبقات وحتى الشرائح. وعلى هذا الأساس الطبقي الاقتصادي المصلحي يحصل هذا في أمريكا وداخل نفس الطبقة. فلا غرابة.
ولكن، لأن الاقتصاد هو الذي يحسم وليس السياسة، كان ماركس قد تنبه إلى ما اسماه "تآخي اللصوص" اي أن اللصوص حين الأزمة يتصالحون أو يجدون حلاً، ومن هنا، فلا نعتقد أن فريق ترامب سيذهب إلى الصراع.
إن الصراع الحقيقي هو في القاع أي بين الطبقات الشعبية والطربوش المضارباتي المحتقن مالا وعنصرية. فعُتاة هذه الطبقة لا ينسون الخصم الصيني والروسي ابداً.
تجدر الإشارة إلى أن أنه منذ قرابة عقدين ودُعاة الحرب في المركز الراسمالي وحتى المستوطنات البيضاء مثل استراليا يدعون لحرب مسلحة ضد صعود الصين.
نختم بسؤالين:
أولاً، بين ماو وترامب: هل حقاً حاول ترامب الانقلاب؟ من حيث الشكل نعم، ولكن عمليا لا. فهو يخطط لما هوقادم، كان يعلم أنه لن ينجح ولذا اسس لما هو قادم، فهو تيار وليس شخصاً. بالمقابل، أدرك ماو تسي تونج أن راس الدولةوقيادة الحزب ذهبت في طريق الرسملة على يد من اسماهم Capitalist Roaders طرائقيوا راس المال، وحاول متأخرا بل أطلق الثورة الثقافية، لكن التحريفية كانت قد تركزت. صحيح أنه أطلق شعار : استهدفوا الرئاسة/القيادة Target the Headquarter لكن "سبق السيف العذل".فقد حرر الصين وأسس لتطورها ومضى. (أنظر كتابنا هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2019 )..
وثانيا، لوحظ أن اليهود صوتوا أكثر لبايدن رغم كل ما قدمه ترامب. فهم يعرفون كيف تُؤكل الكتف. فقد أعطاهم ترامب ما توجبه عليه الدولة الأمريكية وإن لم يفعل سيفعل غيره بل يفعله حكام عرب، ولذا ينظر الصهاينة إلى تطبيع الحكام المحكومين على أنها وجبة فاترة وبلا ملح. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن مصالح الراسمالية اليهودية في أمريكا هي اساساً في المولنة في البنوك في الاحتياطي الفدرالي. بل إن اليهود تاريخيا ليسوا عمالا ولا فلاحين، ولذا ليسوا أمة ولا قومية، ولذا بالضبط لم تجذبهم قومية ترامب. فهم بين رُعاة ومرابون وممولنون.
هنا قال فيهم الرفيق المرتحل أحمد حسين في قصيدته (عزف منفرد على شرفة مهجورة من ديوانه " بالحزن أفرح من جديد":
" متى كان هذا الصباح جميلاً، وكنت أنا سيداً للرُعاة الذين يَمُدّون
قُطعانهم في الحكاية نحو العشاء الأخير،
ومن أين جاء الرُعاة الذين يَعُدّون أغنامهم كالنقودِ، ولا يُحسنون الصلاة
لرب المراعي"
أخيراً، هل ستُنقذ أمريكا؟ من يدري، ولكن، مَنْ يتخلف عن ناصية التاريخ لا يتوجهه التاريخ مستقبلاً.