غض البصر وفضول النظر...
فضول النظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين ، والنظر إلى ما لا يحل له ، وهو على العكس من غض البصر، والغض هو النقص ، وقد أمر الله عز جل به فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(النور: 30، 31).
والله عز وجل لا يأمر بصرف كل النظر،اي ليس بمعنى ان يمشي الانسان في الطريق مغمضا عينيه،انما يغض من بصره عما حُرم النظر اليه، و الله تعالى يأمر بصرف بعضه لا كله، قال تعالى : ( من أبصارهم ) .
ولما كان تحريم فضول النظر من تحريم الوسائل المؤدية الى الحرام والفتنة والفساد ، ولم يأمر الله سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه كونه الامر المحرك والمثير للشهوة ،ومظنة الوقوع في الفتنة والفاحشة ، وذلك من باب درء المفاسد واغلاق باب الفتن والافتتان، المؤدي الى النظر والاعجاب ثم فتح ابواب المنكرات، فكان من حكمة المشرع الحكيم ان منع الفواحش ومنع السبل المؤدية اليها ، فمنع فضول النظر للانثى وللذكر لانه مظنة الاستدراج للوقوع في المحذور ، وكما قال الشاعراحمد شوقي رحمه الله محذرا :-
خدعوها بقولهم حسناء --- والغواني يغرهن الثناء
اتراها تناست اسمي لما ---كثرت في غرامها الاسماء
ان راتني تميل عني كان لم --- تك بيني وبينها اشياء
نظره فابتسامه فسلام ---- فكلام فموعد فلقاء
فاتقوا الله في قلوب العذارى ---فالعذارى قلوبهم هواء
وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك أمر بحفظه . وقد أمر الله عز وجل بغض البصر وصيانة الفرج وقرن بينهما في معرض الأمر ، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل :
ألم تر أن العين للقلب رائد --- فما تألف العينان فالقلب آلف
ولأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته ، وهو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه .
إن إطلاق البصر واتباع هوى النفس يوقع العبد في الغفلة و اتباع الهوى ، قال الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف: من الآية28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله عز وجل يفرغ القلب للتفكير في م- صالحه والاشتغال بها ..
- عن جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : " اصرف بصرك " (رواه مسلم ).
كل الحوادث مبداها من النظر---- ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها -- -- فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء مـا دام ذا عين يقلبها في---- أعين الناس موقوف على خطر
يـسر مقلته ماضر مهجته ---------- لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
ومما قاله ابن القيم رحمه الله:- فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72). فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد نور البصيرة، فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر ، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادما مع الخاسرين .
عافانا الله تعالى واياكم وطهر قلوبنا وزكى نفوسنا فانه وليها ومولاها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-11-12, 10:24 pm عدل 1 مرات