بسم الله الرحمن الرحيم
37- من دروس القران التوعوية:-
- الحذر في التعامل مع الروايات الاسرائيلية :-
هذا البحث سنناقشه في اكثر من حلقة لخطورته..
1- اصل نشأة الروايات الاسرائيلية ومفهومها :-
الإسرائيليات جَمْعٌ مُفْرده إسرائيلية؛ وهي وصف لرواية أو حادثة تُرْوى عن مَصْدر توراتي إسرائيلي؛ و إسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه ونبينا افضل الصلاة والتسليم ، وتتسع كلمة الإسرائيليات لتشمل وصف كل ما يقتبس من الإنجيل، بالرغم من أن لَفْظ (الإسرائيليات) لا ينطبق على ما ينقل من الإنجيل في الحقيقة؛ فالإسرائيليات نسبة إلى بني إسرائيل وهم اليهود، ولكن المشهور هو انه كان المفسرون يدرجون ما يُنقل من الإنجيل ايضا في مسمى الإسرائيليات.
وقد كانت نظرة العرب في الجزيرة الى اليهود والنصارى انهم اهل كتاب وعندهم العلم المحفوظ المتوارث عبر اجيالهم !! وكان لنبوءاتهم اثر معتبر في حياة العرب يصدقونهم كما كانوا يصدقون العرافين والكهان ..
وقد اخبرنا القران عن اليهود في المدينة انهم كانوا قبل الاسلام ونبوة محمد -عليه الصلاة والتسليم- يستفتحون على مشركي اهل المدينة وكفارها بان الله سيبعث منهم النبي الخاتم حسب ظنهم وزعمهم ؛وكان هذا التوقع وهذه النبوءة التي كانوا يستبشرون بها الاثر الكبير في استجابة الاوس والخزرج لنصرة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم؛ وكي يمحي الله تعالى الثقة بعلمهم وضرب صورة انهم اهل الحق وضرب مكانتهم والثقة بهم بين الله تعالى حقيقة امرهم وموقفهم من هذا الدين ونبيه ومن الانبياء والرسل السابقين فقال سبحانه:- {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)البقرة}. فنلاحظ كيف عمل القران على نسف مكانتهم في نفوس العرب وزعزع الثقة بهم وبادعاءاتهم الباطلة وبين لنا انهم قوم بهت كذابون افاكون ويحرفون الكلم عن مواضعه .. وفي ذلك نزع للثقة من النفوس بهم وقدح وطعن في رواياتهم حيث انهم يخفون الحق الذي جاءهم ويظهرون الباطل الذي يريدون نشره واذاعته؛ كون كتبهم كانت بالعبرية وبعضها بالسريانية؛ واللتان لم يكن للعرب بهما علم ولا احاطة ... فلذلك
أمر النبي -صلى الله عليه واله وسلم- الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري بتعلم لغة يهود العبرية وكذلك السريانية ؛روى الترمذي بسنده عن زيد بن ثابت قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ". فتعلم هذه اللغة في خمسة عشر يومًا فقط...فالنبي لا يأمنهم ولا يطمئن لهم !!
ان الاسرائيليات التي اُدخلت في تفسير القران الكريم انما هذا الادخال كان له الاثر السيء على فهم الاسلام والقران واعطاء الكذبة المغضوب عليهم صفة المرجعية في الفهم والادراك!!! وانه اعادة للثقة بهم كما كانت ايام الجاهلية الاولى ..تلك الثقة التي عمل القر ان الكريم على تحطيمها باظهار بهت القوم وكذبهم وادعاءهم بالباطل !!!
والاسرائيليات تسربت الينا اما بحسن نية من خلال بعض احبار يهود الذين اسلموا زمن النبي سلام الله عليه واله؛ كابن سلام؛ وذلك من خلال مخزونه الثقافي القديم ؛ واما من خلال بعض الذين يعتبرونهم من التابعين كامعروف بكعب الاحبار الذي اسلم في عهد عمر واستغرب عمر اتيانه لاعلان اسلامه مع انه ادرك النبي وادرك خلافة ابي بكر!! وكذلك احد تابعي التابعين وهو وهب بن منبه .. فهما اكثر القوم روايات للاسرائيليات وعجائب غرائبها !!
وفي ضوء تعديل المحدثين لهم؛ وفي ضوء الفهم القاصر للحديث الذي رواه البخاري رحمه الله من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار). فلذلك تشكلّت مدرسة لها الاثر الكبير في تشكيل معالم منهج التفسير؛ إِذْ قد تحوّل الموروث الإسرائيلي إلى سلطة معرفية حاكمة؛ قبل أن يكون سلطة منهجية، الأمر الذي أفضى ببعض المفسِّرين إلى أنْ جعَلهم كحاطبي ليل حسب ما وصفهم ابن خلدون ..ان اطلاق حديث ابن عمرو عند البخاري دون قيد في قبول روايات بني اسرائيل كان ايضا من ابواب الانفتاح على الاسرائيليات واعتمادها .. دون الانتباه للقيد الذي يقيد الاذن النبوي بالتحديث عن بني اسرائيل ونوعية القصص التي كانت فيهم من اخبارهم ؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، كانت فيهم الأعاجيب ) . اخرجه احمد والطحاوي ..
فلذلك وجدنا الحديث الشريف ينبهنا الى خطر ما في كتب القوم :-
عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا". رواه الطبراني في الكبير..
ثم إن الصحب الكرام لم يكونوا يرجعون إليهم في كل أمر ، وإنما كانوا يرجعون إليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث والأخبار ، ولم يُعرف عنهم أبداً أنهم رجعوا إليهم في العقائد ولا في الأحكام ، ولو ثبت أنهم سألوا أهل الكتاب عن شيء يتعلق بالمعتقد فلم يكن ذلك عن تهوك منهم وارتياب ، وإنما كان لإقامة الحجة عليهم ، بالاستشهاد والتأييد لما جاء في شريعتنا ، عن طريق الاحتجاج عليهم بما يعتقدون . عن جابر بن عبد الله في البداية والنهاية:-(أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى -- كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني). أخرجه الإمام أحمد في المسند.
اما رواية (لاتصقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم) فانها تفهم كما هي مفسرة في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال؛-(كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآيَةَ.) رواه البخاري ..
والمصيبة الكبرى التي اورثتها الاسرائيليات وزرعتها في نفوس الاجيال انهم يطيرون فرحا لليوم بقول احد الاجانب ان وافق القران او فسره او ما نراه من الفرح بما يظنونه مؤيدا للكتاب الحق الذي جعله الله تعالى لكم هو المهيمن وهو المقياس للصحة والبطلان والرد والقبو والاتباع والاجتناب ..
وتفكروا وتدبروا قوله تعالى شأنه :- { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)المائدة}..
وخشية الاطالة عليكم؛ ولان الامر جد خطير ؛؛ فلنا وقفة اخرى مع هذا الموضوع في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
37- من دروس القران التوعوية:-
- الحذر في التعامل مع الروايات الاسرائيلية :-
هذا البحث سنناقشه في اكثر من حلقة لخطورته..
1- اصل نشأة الروايات الاسرائيلية ومفهومها :-
الإسرائيليات جَمْعٌ مُفْرده إسرائيلية؛ وهي وصف لرواية أو حادثة تُرْوى عن مَصْدر توراتي إسرائيلي؛ و إسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه ونبينا افضل الصلاة والتسليم ، وتتسع كلمة الإسرائيليات لتشمل وصف كل ما يقتبس من الإنجيل، بالرغم من أن لَفْظ (الإسرائيليات) لا ينطبق على ما ينقل من الإنجيل في الحقيقة؛ فالإسرائيليات نسبة إلى بني إسرائيل وهم اليهود، ولكن المشهور هو انه كان المفسرون يدرجون ما يُنقل من الإنجيل ايضا في مسمى الإسرائيليات.
وقد كانت نظرة العرب في الجزيرة الى اليهود والنصارى انهم اهل كتاب وعندهم العلم المحفوظ المتوارث عبر اجيالهم !! وكان لنبوءاتهم اثر معتبر في حياة العرب يصدقونهم كما كانوا يصدقون العرافين والكهان ..
وقد اخبرنا القران عن اليهود في المدينة انهم كانوا قبل الاسلام ونبوة محمد -عليه الصلاة والتسليم- يستفتحون على مشركي اهل المدينة وكفارها بان الله سيبعث منهم النبي الخاتم حسب ظنهم وزعمهم ؛وكان هذا التوقع وهذه النبوءة التي كانوا يستبشرون بها الاثر الكبير في استجابة الاوس والخزرج لنصرة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم؛ وكي يمحي الله تعالى الثقة بعلمهم وضرب صورة انهم اهل الحق وضرب مكانتهم والثقة بهم بين الله تعالى حقيقة امرهم وموقفهم من هذا الدين ونبيه ومن الانبياء والرسل السابقين فقال سبحانه:- {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)البقرة}. فنلاحظ كيف عمل القران على نسف مكانتهم في نفوس العرب وزعزع الثقة بهم وبادعاءاتهم الباطلة وبين لنا انهم قوم بهت كذابون افاكون ويحرفون الكلم عن مواضعه .. وفي ذلك نزع للثقة من النفوس بهم وقدح وطعن في رواياتهم حيث انهم يخفون الحق الذي جاءهم ويظهرون الباطل الذي يريدون نشره واذاعته؛ كون كتبهم كانت بالعبرية وبعضها بالسريانية؛ واللتان لم يكن للعرب بهما علم ولا احاطة ... فلذلك
أمر النبي -صلى الله عليه واله وسلم- الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري بتعلم لغة يهود العبرية وكذلك السريانية ؛روى الترمذي بسنده عن زيد بن ثابت قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ". فتعلم هذه اللغة في خمسة عشر يومًا فقط...فالنبي لا يأمنهم ولا يطمئن لهم !!
ان الاسرائيليات التي اُدخلت في تفسير القران الكريم انما هذا الادخال كان له الاثر السيء على فهم الاسلام والقران واعطاء الكذبة المغضوب عليهم صفة المرجعية في الفهم والادراك!!! وانه اعادة للثقة بهم كما كانت ايام الجاهلية الاولى ..تلك الثقة التي عمل القر ان الكريم على تحطيمها باظهار بهت القوم وكذبهم وادعاءهم بالباطل !!!
والاسرائيليات تسربت الينا اما بحسن نية من خلال بعض احبار يهود الذين اسلموا زمن النبي سلام الله عليه واله؛ كابن سلام؛ وذلك من خلال مخزونه الثقافي القديم ؛ واما من خلال بعض الذين يعتبرونهم من التابعين كامعروف بكعب الاحبار الذي اسلم في عهد عمر واستغرب عمر اتيانه لاعلان اسلامه مع انه ادرك النبي وادرك خلافة ابي بكر!! وكذلك احد تابعي التابعين وهو وهب بن منبه .. فهما اكثر القوم روايات للاسرائيليات وعجائب غرائبها !!
وفي ضوء تعديل المحدثين لهم؛ وفي ضوء الفهم القاصر للحديث الذي رواه البخاري رحمه الله من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار). فلذلك تشكلّت مدرسة لها الاثر الكبير في تشكيل معالم منهج التفسير؛ إِذْ قد تحوّل الموروث الإسرائيلي إلى سلطة معرفية حاكمة؛ قبل أن يكون سلطة منهجية، الأمر الذي أفضى ببعض المفسِّرين إلى أنْ جعَلهم كحاطبي ليل حسب ما وصفهم ابن خلدون ..ان اطلاق حديث ابن عمرو عند البخاري دون قيد في قبول روايات بني اسرائيل كان ايضا من ابواب الانفتاح على الاسرائيليات واعتمادها .. دون الانتباه للقيد الذي يقيد الاذن النبوي بالتحديث عن بني اسرائيل ونوعية القصص التي كانت فيهم من اخبارهم ؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، كانت فيهم الأعاجيب ) . اخرجه احمد والطحاوي ..
فلذلك وجدنا الحديث الشريف ينبهنا الى خطر ما في كتب القوم :-
عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا". رواه الطبراني في الكبير..
ثم إن الصحب الكرام لم يكونوا يرجعون إليهم في كل أمر ، وإنما كانوا يرجعون إليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث والأخبار ، ولم يُعرف عنهم أبداً أنهم رجعوا إليهم في العقائد ولا في الأحكام ، ولو ثبت أنهم سألوا أهل الكتاب عن شيء يتعلق بالمعتقد فلم يكن ذلك عن تهوك منهم وارتياب ، وإنما كان لإقامة الحجة عليهم ، بالاستشهاد والتأييد لما جاء في شريعتنا ، عن طريق الاحتجاج عليهم بما يعتقدون . عن جابر بن عبد الله في البداية والنهاية:-(أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى -- كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني). أخرجه الإمام أحمد في المسند.
اما رواية (لاتصقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم) فانها تفهم كما هي مفسرة في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال؛-(كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآيَةَ.) رواه البخاري ..
والمصيبة الكبرى التي اورثتها الاسرائيليات وزرعتها في نفوس الاجيال انهم يطيرون فرحا لليوم بقول احد الاجانب ان وافق القران او فسره او ما نراه من الفرح بما يظنونه مؤيدا للكتاب الحق الذي جعله الله تعالى لكم هو المهيمن وهو المقياس للصحة والبطلان والرد والقبو والاتباع والاجتناب ..
وتفكروا وتدبروا قوله تعالى شأنه :- { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)المائدة}..
وخشية الاطالة عليكم؛ ولان الامر جد خطير ؛؛ فلنا وقفة اخرى مع هذا الموضوع في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..