بسم الله الرحمن الرحيم
41- من دروس القران التوعوية :-
--5--موقف العلماء من المرويات الاسرائيلية ونقدهم لها:-
نذكر في البداية بخير الذكر كتاب الله تعالى الذي يجب ان نتدبره جيدا
فقد جاء في مطلع سورة ابراهيم قول الله تعالى:- {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)ابراهيم}..
وقد اتم الله لنا ديننا الذي ارتضاه تعالى فلا خرق فيه ليرقعه لنا غيرنا ولا نقص فيه لنكمله من غيرنا ..{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] ..
بل ان اهل الكتاب في كتابنا متهمون ولا يؤمنون لا على كتابهم ولا على غيره فكيف نزكي من ذمهم الله تعالى في كثير من ايات الكتاب الكريم المهيمن؛ الذي هو المبين لما اخفوه وهو المقياس للرد او القبول :-
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) المائدة}.. وجميع الأديان غير الاسلام كلها باطلة مرفوضة، قال سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
ولا شك أنّ مناقشة المسائل العلمية تحتاج للتجرّد من العاطفة والبُعد عن ذلك؛ وابتغاء وجه الله تعالى بما شرع واوحى لنبيه الخاتم الذي جاء ناسخا لما قبله من الشرائع؛ ولا بد من معالجتها بصورة سليمة ومنهجية دون الوقوع تحت تأثير الحب او الكراهية .
يقول الاستاذ الدكتور مساعد الطيار :- "في الحقيقة، هذا من الأمور المهمّة الحَرِيَّة بالدراسة، وليس لديَّ فيها استقراءٌ شاملٌ، وإنما بعض الملاحظات التي وقفتُ عليها من خلال التتبع لهذه الحركة التاريخية في أحد البحوث التي قمتُ بها، وقد وَجَدْتُ لنَقْد المرويّات الإسرائيلية بدايات في القرن الرابع عند النحّاس، حيث نَقَد بعض المرويات واعترَض على بعض تفاصيلها؛ كالوارد في القصص المتعلّق بسيدنا داوود، وكذلك وَجَدْتُه عند الجصّاص، وقد لاحظتُ أنّ الجصاص عزَف عن المرويات الإسرائيلية في قصة داوود وأتى بقصة جديدة لا أعرف مصدرها، والغرض أنَّ فعله يدلّ على عدم قناعته بالقصص الإسرائيلي في شأن داوود -عليه السلام-، ولدينا الرازي وهو من أشدّ نُقَّاد الإسرائيليات، ويناقش المرويّات نقاشًا عقليًّا محضًا لا سيما ما يتعلّق بالأنبياء، وأنّ المرويات أتت بما يخالف عصمة الأنبياء، ولدينا ابن كثير الذي نقَد المرويّات وقَبِل بعضها؛ ولهذا لم يَسْلَم من النقد، وعندنا أبو حيان الذي سلك مسلك الرازي في نقد المرويات ونقاشها نقاشًا عقليًّا، وقد امتدَّ نَقْد المرويات إلى المعاصرين من المفسّرين، ومِن المعاصرين نسبيًّا المتوسطين في المسألة هو القاسمي صاحب (محاسن التأويل)، والذي يدافع عمَّن أورَد المرويات بصورة عامّة، وينبِّه على بعض الضوابط الخاصة بها".
ومن العلماء المعاصرين الذين نقدوا الاسرائيليات محمد رشيد صاحب تفسير المنار و الطاهر بن عاشور ؛و الدكتور محمد علي الصابوني الذي رفض الاتيان بها في كتابه صفوة التفاسير وفي كتابه مختصر تفسير ابن كثير وفي نظري انه قدوة يقتدى به وبمنهجه في التخلص من هذا الارث الثقيل المشين لقراننا وديننا وبالتالي سنة نبينا صلى الله عليه واله وسلم، وتطهير موروثنا من هذه الخرافات والاوهام والخزعبلات التي ما انزل الله بها من سلطان ؛؛ واخيرا كتب الدكتور الاستاذ ابو مبين عبد الرحيم ابوعلبة في كتابه الدخيل في التفسير؛ مبينا كل ما اندرج في كتب التفسير قديما وحديثا وترب اليها من الثقافات والافكار الاخرى ..
وعند علماء الحديث نأخذ مثلا واحدا خشية الاطالة؛ للتدليل على وقوف علماء الحديث القدماء والمعاصرين وتبيانهم للدخيل من الاسرائيليات ؛ ولنأخذ خبر هاروت وماروت الذي ورد في مصنف ابن أبي شيبة " لَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي آدَمَ وَمَا يُذْنِبُونَ , قَالُوا: يَا رَبِّ يُذْنِبُونَ , قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ فَعَلْتُمْ كَمَا يَفْعَلُونَ , فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ , قَالَ: فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ , فَقَالَ لَهُمَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ رَسُولًا , فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَحَدٌ , لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا وَلَا تَسْرِقَا وَلَا تَزْنِيَا، قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ كَعْبٌ: فَمَا اسْتَكْمَلَا ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى وَقَعَا فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا" ..
فهذا الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام كعب الأحبار الذي اتى لنا بالعجائب ..
ومن أئمة الحديث الذين صوَّبوا كون خبر هاروت وماروت وبينوا انه من كلام كعب الأحبار: الإمام أحمد بن حنبل، فقد جاء في كتاب (الجامع لعلوم الإمام أحمد، قسم علل الحديث): حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: إن آدم لما أُهبط إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها. قال الإمام أحمد: هذا منكر، إنما يروى عن كعب. اهـ. ..
والإمام أبو حاتم الرازي،فقد قال ابن أبي حاتم في كتابه العلل: سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر. اهـ. ..
والحافظ البيهقي، حيث قال في كتابه (شعب الإيمان): رويناه من وجه آخر، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا عليه، وهو أصح، فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب ... وهذا أشبه أن يكون محفوظًا. اهـ...
والحافظ ابن كثير، فقد قال في كتابه (البداية والنهاية): وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها ... فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار وتلقاه عنه طائفة من السلف فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل. اهـ.
وقال ابن كثير في الكتاب نفسه :- قد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات، وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا عن ابن عمر وصححه ابن حبان في تقاسيمه .
وفي صحته عندي نظر، والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار. اهـ. ..
والقرطبي صاحب التفسير المعروف باحكام القران، حيث قال في تفسيره:-
هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ... وأما العقل فلا ينكر وقوع المعصية من الملائكة ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، ويخلق فيهم الشهوات، إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم، ومن هذا خوف الأنبياء والأولياء الفضلاء العلماء، ولكن وقوع هذا الجائز لا يدرك إلا بالسمع ولم يصح. ومما يدل على عدم صحته أن الله تعالى خلق النجوم وهذه الكواكب حين خلق السماء. اهـ. ..
والحافظ السخاوي، فقد جاء في (الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية): ولا يصح في المرفوع من هذا كله شيء. وقال البيهقي في الشعب وتبعه المنذري في الترغيب والترهيب في هذا وقد قيل: وإن الصحيح وقفه على كعب. اهـ. ..
ومن المعاصرين: أحمد شاكر، فقد قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف ... ونرجح- كما رجح الحافظ ابن كثير- رواية موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه عن كعب الأحبار، ونجعلها تعليلا للرواية التي فيها أنه مرفوع إلى النبي صلي الله عليه وسلم. اهـ.
والألباني، حيث قال في كتابه (السلسلة الضعيفة): قصة باطلة مخالفة للقرآن. اهـ. ..
وشعيب الأرناؤوط. حيث قال في تحقيقه لمسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف ومتنه باطل ... والصحيح أن هذا الحديث لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قصص كعب الأحبار، نقله عن كتب بني إسرائيل. اهـ. ..
فهذا نموذج من نماذج تحقيق علمائنا المحققين والمدققين الذين كانوا اهل حس قراني صنعه القران في نفوسهم؛ ايماني صنعته العقيدة في منظارهم للامور ... وكنا قد راينا موقف القران والسنة والصحابة من الاسرائيليات وغيرها من منقولات اهل الريب والشك؛ في الحلقات السابقة التي اسال الله ان تكون خالصة لوجهه الكريم ومفتاحا لدراسات شاملة كاملة لهذه الحركة المشبوهة تاريخيا ؛ والتي شوهت الكثير من المفاهيم والقيم والنظرة الفكرية الايمانية القرانية الحقة؛ ولا يتهمني احد باني هنا قراني المذهب والتوجه ؛بل انا فراني التفكير و سني العقل؛ الذي اراد لنا القران بناءه وعملت السنة على بيان نهجه؛ وراجع مقالاتي في سلسلة حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة ..
اللهم انر عقولنا وقلوبنا بنور القران و وفقنا لاتباع هدي نبيك واستعملنا رب لخدمة كتابك وسنة نبيك وصل اللهم على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
41- من دروس القران التوعوية :-
--5--موقف العلماء من المرويات الاسرائيلية ونقدهم لها:-
نذكر في البداية بخير الذكر كتاب الله تعالى الذي يجب ان نتدبره جيدا
فقد جاء في مطلع سورة ابراهيم قول الله تعالى:- {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)ابراهيم}..
وقد اتم الله لنا ديننا الذي ارتضاه تعالى فلا خرق فيه ليرقعه لنا غيرنا ولا نقص فيه لنكمله من غيرنا ..{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] ..
بل ان اهل الكتاب في كتابنا متهمون ولا يؤمنون لا على كتابهم ولا على غيره فكيف نزكي من ذمهم الله تعالى في كثير من ايات الكتاب الكريم المهيمن؛ الذي هو المبين لما اخفوه وهو المقياس للرد او القبول :-
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) المائدة}.. وجميع الأديان غير الاسلام كلها باطلة مرفوضة، قال سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
ولا شك أنّ مناقشة المسائل العلمية تحتاج للتجرّد من العاطفة والبُعد عن ذلك؛ وابتغاء وجه الله تعالى بما شرع واوحى لنبيه الخاتم الذي جاء ناسخا لما قبله من الشرائع؛ ولا بد من معالجتها بصورة سليمة ومنهجية دون الوقوع تحت تأثير الحب او الكراهية .
يقول الاستاذ الدكتور مساعد الطيار :- "في الحقيقة، هذا من الأمور المهمّة الحَرِيَّة بالدراسة، وليس لديَّ فيها استقراءٌ شاملٌ، وإنما بعض الملاحظات التي وقفتُ عليها من خلال التتبع لهذه الحركة التاريخية في أحد البحوث التي قمتُ بها، وقد وَجَدْتُ لنَقْد المرويّات الإسرائيلية بدايات في القرن الرابع عند النحّاس، حيث نَقَد بعض المرويات واعترَض على بعض تفاصيلها؛ كالوارد في القصص المتعلّق بسيدنا داوود، وكذلك وَجَدْتُه عند الجصّاص، وقد لاحظتُ أنّ الجصاص عزَف عن المرويات الإسرائيلية في قصة داوود وأتى بقصة جديدة لا أعرف مصدرها، والغرض أنَّ فعله يدلّ على عدم قناعته بالقصص الإسرائيلي في شأن داوود -عليه السلام-، ولدينا الرازي وهو من أشدّ نُقَّاد الإسرائيليات، ويناقش المرويّات نقاشًا عقليًّا محضًا لا سيما ما يتعلّق بالأنبياء، وأنّ المرويات أتت بما يخالف عصمة الأنبياء، ولدينا ابن كثير الذي نقَد المرويّات وقَبِل بعضها؛ ولهذا لم يَسْلَم من النقد، وعندنا أبو حيان الذي سلك مسلك الرازي في نقد المرويات ونقاشها نقاشًا عقليًّا، وقد امتدَّ نَقْد المرويات إلى المعاصرين من المفسّرين، ومِن المعاصرين نسبيًّا المتوسطين في المسألة هو القاسمي صاحب (محاسن التأويل)، والذي يدافع عمَّن أورَد المرويات بصورة عامّة، وينبِّه على بعض الضوابط الخاصة بها".
ومن العلماء المعاصرين الذين نقدوا الاسرائيليات محمد رشيد صاحب تفسير المنار و الطاهر بن عاشور ؛و الدكتور محمد علي الصابوني الذي رفض الاتيان بها في كتابه صفوة التفاسير وفي كتابه مختصر تفسير ابن كثير وفي نظري انه قدوة يقتدى به وبمنهجه في التخلص من هذا الارث الثقيل المشين لقراننا وديننا وبالتالي سنة نبينا صلى الله عليه واله وسلم، وتطهير موروثنا من هذه الخرافات والاوهام والخزعبلات التي ما انزل الله بها من سلطان ؛؛ واخيرا كتب الدكتور الاستاذ ابو مبين عبد الرحيم ابوعلبة في كتابه الدخيل في التفسير؛ مبينا كل ما اندرج في كتب التفسير قديما وحديثا وترب اليها من الثقافات والافكار الاخرى ..
وعند علماء الحديث نأخذ مثلا واحدا خشية الاطالة؛ للتدليل على وقوف علماء الحديث القدماء والمعاصرين وتبيانهم للدخيل من الاسرائيليات ؛ ولنأخذ خبر هاروت وماروت الذي ورد في مصنف ابن أبي شيبة " لَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي آدَمَ وَمَا يُذْنِبُونَ , قَالُوا: يَا رَبِّ يُذْنِبُونَ , قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ فَعَلْتُمْ كَمَا يَفْعَلُونَ , فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ , قَالَ: فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ , فَقَالَ لَهُمَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ رَسُولًا , فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَحَدٌ , لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا وَلَا تَسْرِقَا وَلَا تَزْنِيَا، قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ كَعْبٌ: فَمَا اسْتَكْمَلَا ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى وَقَعَا فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا" ..
فهذا الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام كعب الأحبار الذي اتى لنا بالعجائب ..
ومن أئمة الحديث الذين صوَّبوا كون خبر هاروت وماروت وبينوا انه من كلام كعب الأحبار: الإمام أحمد بن حنبل، فقد جاء في كتاب (الجامع لعلوم الإمام أحمد، قسم علل الحديث): حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما: إن آدم لما أُهبط إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها. قال الإمام أحمد: هذا منكر، إنما يروى عن كعب. اهـ. ..
والإمام أبو حاتم الرازي،فقد قال ابن أبي حاتم في كتابه العلل: سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر. اهـ. ..
والحافظ البيهقي، حيث قال في كتابه (شعب الإيمان): رويناه من وجه آخر، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا عليه، وهو أصح، فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب ... وهذا أشبه أن يكون محفوظًا. اهـ...
والحافظ ابن كثير، فقد قال في كتابه (البداية والنهاية): وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها ... فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار وتلقاه عنه طائفة من السلف فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل. اهـ.
وقال ابن كثير في الكتاب نفسه :- قد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات، وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا عن ابن عمر وصححه ابن حبان في تقاسيمه .
وفي صحته عندي نظر، والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار. اهـ. ..
والقرطبي صاحب التفسير المعروف باحكام القران، حيث قال في تفسيره:-
هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ... وأما العقل فلا ينكر وقوع المعصية من الملائكة ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، ويخلق فيهم الشهوات، إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم، ومن هذا خوف الأنبياء والأولياء الفضلاء العلماء، ولكن وقوع هذا الجائز لا يدرك إلا بالسمع ولم يصح. ومما يدل على عدم صحته أن الله تعالى خلق النجوم وهذه الكواكب حين خلق السماء. اهـ. ..
والحافظ السخاوي، فقد جاء في (الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية): ولا يصح في المرفوع من هذا كله شيء. وقال البيهقي في الشعب وتبعه المنذري في الترغيب والترهيب في هذا وقد قيل: وإن الصحيح وقفه على كعب. اهـ. ..
ومن المعاصرين: أحمد شاكر، فقد قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف ... ونرجح- كما رجح الحافظ ابن كثير- رواية موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه عن كعب الأحبار، ونجعلها تعليلا للرواية التي فيها أنه مرفوع إلى النبي صلي الله عليه وسلم. اهـ.
والألباني، حيث قال في كتابه (السلسلة الضعيفة): قصة باطلة مخالفة للقرآن. اهـ. ..
وشعيب الأرناؤوط. حيث قال في تحقيقه لمسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف ومتنه باطل ... والصحيح أن هذا الحديث لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قصص كعب الأحبار، نقله عن كتب بني إسرائيل. اهـ. ..
فهذا نموذج من نماذج تحقيق علمائنا المحققين والمدققين الذين كانوا اهل حس قراني صنعه القران في نفوسهم؛ ايماني صنعته العقيدة في منظارهم للامور ... وكنا قد راينا موقف القران والسنة والصحابة من الاسرائيليات وغيرها من منقولات اهل الريب والشك؛ في الحلقات السابقة التي اسال الله ان تكون خالصة لوجهه الكريم ومفتاحا لدراسات شاملة كاملة لهذه الحركة المشبوهة تاريخيا ؛ والتي شوهت الكثير من المفاهيم والقيم والنظرة الفكرية الايمانية القرانية الحقة؛ ولا يتهمني احد باني هنا قراني المذهب والتوجه ؛بل انا فراني التفكير و سني العقل؛ الذي اراد لنا القران بناءه وعملت السنة على بيان نهجه؛ وراجع مقالاتي في سلسلة حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة ..
اللهم انر عقولنا وقلوبنا بنور القران و وفقنا لاتباع هدي نبيك واستعملنا رب لخدمة كتابك وسنة نبيك وصل اللهم على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..