محمد القدس كتب
هذا الموضوع يتمحور حول فكرة واحدة مفادها : أن الدين
بشكل عام , والدين الإسلامي بشكل خاص , يقف عقبة أمام الفكر والتفكير ..
وفي نهاية الموضوع , يصف الإنسان الذي يضع نفسه أسير فكرة معينة , فإنه يميت فكره
ويقعده عن الحركة , كما ماتت الأمة
التي تعتقد أنها الأفضل , ويعني بذلك أمة الإسلام , وبالتحديد قوله تعالى
(( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) ..
والكاتب يقصد بالفقرة التالية : (وليس هناكَ أخطر من فكرة، يكون الإنسان أسيرها لوحدها
كما يقول ( ايميلي اوغست ) لذلك كان سعي الفكر الحر بضرورة كسر القوالب الفكرية
المعدة سلفا ً والماحطة دائما ً بهالات القداسة والتبجيل والمنزهة عن أي خطأ لأنها الأكثر
شرا ً على فكر الإنسان ) . أي أن الإنسان الذي يعتقد بفكرة واحدة مثل ( العقيدة الإسلامية
) مثلا , فإنه يقع أسيرا لهذه الفكرة , وتحول بينه وبين التفكير الحر , لأن من أهم سمات
التفكير الحر , هو التحرر من الدين بحسب دعاة الحداثة والتطور ..
إن هذه الطروحات , لا يتشدق بها الا الذين بهرتهم الحضارة الغربية من أبناء العرب ,
وأصيبوا بداء النقل والتقليد الأعمى للأجنبي , والأدهى من ذلك أن هؤلاء " دعاة الحداثة "
من أبناء العرب , على الرغم من تشدقهم بالحرية والتحرر , الا أنهم لم يسهموا بصناعة
برغي واحد , أو حتى إبرة , على صعيد الصناعة , أو أن يقدموا نظرية علمية واحدة تدفع
الأمة شبرا واحدا الى الأمام على الصعيد العلمي ..
ما انفك هؤلاء الأعراب يعلقون خيبتهم وتخلفهم عن الركب , على شماعة الدين الإسلامي
!!! وكأن الإسلام يقف حاجزا أمام العلم والتعلم والصناعة والإختراع والتقدم ,, فقد نسي
هؤلاء أن الإسلام تاريخيا كان هو السباق الى كل علم ومعرفة , وعلى جميع الصعد ,
في الوقت الذي كان العالم كله , الأوروبي والأميركي , يتخبط في دياجير التخلف
والإنحطاط , فقد تعامى هؤلاء عن هذه
الحقيقة , وصاروا يبثون سمومهم القاتلة في جسم الأمة الإسلامية , خدمة لأسيادهم
المستعمرين ....
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
هذا موضوع الفكر الحر
بقيَ الفكر الحر على امتداد الأزمنة يكابد كل أشكال العسف والقمع والاضطهاد وبقيَ أصحابه
دافعون عن حقهم الكامل في وجودهم وممارسة فعلهم الثقافي والفكري
ولم تستطع محاولات الإبادة الفكرية وعمليات الأدلجة اعتقال الفكر الحر داخل المربعات الخانقة أوسجنه في السراديب المعتمة وشهدت المعركة بينهما فصولا ً كثيرة في الصراع الحاد وكانت أن ألقت بتداعياتها القاتلة على أصحاب الفكر الحر واتهموا دائما بتخريب روح الأمة والعبث بالتراث والنيل من المقدسات والعمل ضمن الطابور الخامس..
وتوضّحت معالم وملامح الفكر الحر مع بدايات الأزمنة الحديثة حينها أخذ منحى ً واضحا ً في تبني الفكر الإنساني الكوني البعيد عن جغرافية الانتماءات الضيقة و الهويات الخانقة وثقافة الأفضليات القاتلة وقداسة التابوهات السياسية والدينية وعملَ على الانحياز المتفهم لروح الأخوة البشرية وقيم الإنسانية بعيدا ً عن تناقضات الأديان وحروبها الفكرية وأحقادها المتوارثة..
وليس مستغربا ً أن الفكر الحر المنعتق من أدران الملوثات المؤدلجة يُجابه بحرب ٍ شرسة من قِبل الذين يجدون فيه تهديدا ً حقيقيا ً لموروثاتهم الماضوية وهشاشتهم الفكرية التي لا وسيلة للحفاظ عليها متماسكة إلا بمحاربة الفكر الحر ونعتهِ بالشيطانية والعمالة وإفساد المعتقدات والتطاول على المقدسات..
ولم يتجه الفكر الحر في حراكه الثقافي الفعال لمخاطبة العواطف ودغدغة المشاعر بل اتجه بصورة أساسية لتحريك العقل وتحريره من الأغلال والقيود التي لا زال يرسف بها ولذلك دعوته لمواجهة التابوهات العريضة في ثقافة المجتمع ليس الغاية منها نسفها لمجرد النسف فقط بل لكي تكون هناك مساحة حقيقية وحرة للعقل يتحرك فيها وينظر إلى الأمور بعقلانية ومنطقية وكلما اتسعت هذه المساحة في التفكير كلما كانت قدرة الإنسان على التحرر من الموروثات الفكرية المقيدة للتفكير الحر والمستقل كبيرة وفاعلة..
ولا يعني تركيز الفكر الحر على إيجاد مساحات رحبة للعقل إهماله للجانب الآخر في الذات الإنسانية وهو جانب الروحانية بل يسعى الفكر الحر لترسيخ هذا الجانب في الإنسان من خلال تركيزه على أن الروحانية الفردانية مهمة لأنها تعني تشرب الفرد الأخلاق العامة التي تهدف إلى تأسيس قناعة فكرية لديه مفادها أن هدفه في الحياة أن يكون مفيدا ً لنفسه ولعائلته ولكل الذين من حوله ولا يتعمد إلحاق الأذية بنفسه وبالآخرين..
هل تجدون أن هناكَ عقلانية ومنطقية في المسلكيات وأسس التفكير لدى أغلبية مجتمعاتنا الإسلامية من حيث إنها لا زالت تمارس فعلها الثقافي وفق مقتضيات النصوص التراثية الماضوية وتدافع عنها وكأنها مناطق محرمة لا يجوز أن تجوسها أقدام النقد الفكري الحر ولا زالت غارقة في وحول الخرافات والأوهام والخزعبلات الدينية ولا زالت ترهن عقولها لتفسيرات دينية وأصولية ربما كانت صالحة لذلك الوقت الغابر والبدائي ولازالت مجتمعاتنا غير قادرة على تجلى الأبعاد الروحانية في منطق الأديان من حيث إنها علاقة وجدانية وروحانية مباشرة بين الإنسان والسماء ولا يحق لأحدٍ التدخل فيها في حين حولت مجتمعاتنا الدين إلى مجرد أشكال هندسية مزخرفة مسلوبة الروح و المعاني وجمالية العلاقة الخاصة المباشرة ولذلك حينما يسعى الفكر الحر إلى مواجهة تلك الممارسات والمسلكيات والثقافات والتابوهات فأنه يركز على أن للعقلانية دور مهم وأساسي في تجلي الأبعاد الحقيقية للأشياء ومن ثمّ التعامل معها على هذا الأساس الذي يرى كل شيء عبر عدسة صافية لا تفسد عليه رؤية كل ماحوله بوضوح تام ويعرف من خلالها مسئولياته تجاه نفسه ومجتمعه والدين وتحدد له علاقته بالواقع السياسي والثقافي ويُرجع الأمور إلى مقياس العقل والمنطق وليس رهن حاضره ومستقبله للماضي وللتفسيرات المطلقة والأحكام النهائية..
الفكر الحر لا يقبل الترويض المؤدلج ويحارب آفة الخضوع للمسلمات الفكرية ويؤمن بالآفاق الرحبة ويذهب مع امتدادات المدى إلى نقطة الضوء الأخيرة لذلك يتقلص فيه المطلق إلى درجة اللاوجود ويمارس فعله الثقافي مدعوما ً بآليات النقد الحر وكل الأشياء تخضع عنده للمساءلة والنقد والمكاشفة والتمحيص..
ومن هنا يتجه الفكر الحر لكي يكون مستقلا ً باعثا ً للضوء الذي يتمدد فيه كالهواء النقي ولا يخضع للفكر السائد المتخشب الثابت عند نقطةٍ معينة وكما يقول جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير :
( إن الفرد لوحده يكون مستقلاً عاقلاً يتمتع بالقدرة على النقد فإذا انخرط بين كتلة الجماهير فقد استقلاليته وطاش لبه وماتت الحاسة النقدية عنده ) وليس معنى هذا أن الفكر الحر يقبع في الأعالي ومنعزل عن التفاعل مع حركة الناس بل يتفاعل ولكنه يحتفظ باستقلاليته الفكرية ولا يقبل الذوبان في الثقافة السائدة أو التعاطي الساذج معها أو مهادنتها ولا يتماشى مع رغبة الجمهور الخاملة في عدم التجرأ على كسر ما هو سائد وجامد ويتداخل الفكر الحر مع الناس ولكنه يحتفظ بقدرتهِ المطلقة على استنطاق العقل واستحضار آليات نقدهِ الثقافية في توعية الناس بضرورة انتهاج منطق العقلانية واستقلالية التفكير والتركيز على أهمية التعددية الفكرية ومحاور الحداثة..
وقد يتوهم الكثيرون أن اختراق الفكر الحر لمناطق التفكير المحرمة والاصطدام المباشر بثقافة المجتمع السائدة يؤدي إلى انهيار التراث أو الدين وكل القيم التي يؤمن بها ولكن ما يحدث هو العكس فالفكر الحر يسعى إلى تحريك التراث وإزالة الشوائب منه والاستفادة من نقاط القوة فيه إن وجدت وتطويرها ومعرفة مدى تماهيه مع الواقع الذي نعيشه وكذلك الأمر بالنسبة للدين الذي يعتقد الكثيرون أنه يجب أن يبقى فوق النقد ونأخذه كما هو في تفسيرات الأولين والغابرين لذلك يجد الفكر الحر أن الدين وتفسيراته ومفاهيمه شأنها شأن أي معتقداتٍ أو نظريات أخرى قابلة للخطأ أو الصواب ووضعه على منصة الاستجواب والتشريح العقلي والمنطقي يجعله في حالة من الحراك الثقافي مع مسوغات ومقتضيات العصر..
والفكر الحر يجعل الفرد يتحسس بعمق ما يجري حوله عبر محرك العقل ليتفهم لغة التطور والعصر ويعيشها وبالتالي يملك القدرة على استنطاقها بوضوح تام ولا يتكيء على الفنتازيا التخيليّة في الثقافات التي تؤمن بالغيب كحقيقة مطلقة وتلغي حاسة المماحكة العقلية لها لذلك
حينما يقع أصحاب الفكر المؤدلج والمستسلمون بصحة كل ما جاء في الدين أو التراث أوكتب التفسيرات وأقوال الفقهاء السابقين والحاليين على الاطلاق يقعون في ضبابية التفسير للأشياء التي يريدون الدفاع عنها ويقعون أيضا ً في سذاجة الطرح العمومي الذي يفتقد أبسط قواعد التفكير المستقل عن صرامة القيم الدوغمائية وقد ينطبق عليهم قول بون سيرل ( أن ما لا تستطيع أن تعبر عنه بوضوح هو ما لا تفهمه أنت بنفسك )
وليس هناكَ أخطر من فكرة، يكون الإنسان أسيرها لوحدها كما يقول ( ايميلي اوغست ) لذلك كان سعي الفكر الحر بضرورة كسر القوالب الفكرية المعدة سلفا ً والماحطة دائما ً بهالات القداسة والتبجيل والمنزهة عن أي خطأ لأنها الأكثر شرا ً على فكر الإنسان وتميت حاسة النقد والتفكيرعنده ويقع في أسرها إلى الأبد ولا يعني هذا أن الفكر الحر في حراكه الثقافي وعدم خضوعهِ لسلطة الثقافة السائدة وقدرته الديناميكية على التجدد والتطور يرتكز على منطق أنه الأفضل والأقدس والأنقى ويلغي الآخر ويقصيه لأن الاعتقاد بهذه الصفات تميته وتقعده عن الحركة والتوثب كما أماتت من قبل الأمة التي لا زالت تعتقد إنها الأفضل ولا زالت تعتمد منطق الإقصاء ونبذ الآخر..
عدل سابقا من قبل زهرة اللوتس في 2011-01-13, 2:32 pm عدل 2 مرات