بقلم: طارق بصول (ماجستير في الجغرافيا والدّراسات البيئيّة)
بسم الله والحمد لله الذي أحصى جميع الأشياء ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وبعد:
عُرفت بلادنا عبر التاريخ ببلاد الشام، حدودها من الغرب السهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، وفي الشرق الحدود الأردنية–العراقية اليوم وفي الشمال الحدود التركية–السورية، وجنوبا الحدود السعودية-الأردنية اليوم.
وفق هذه الحدود منطقة الشام تضم بلادنا والأردن وسوريا ولبنان. حتى أواخر العهد العثماني سميت هذه المنطقة ببلاد الشام، فلم يكن آنذاك دول كالأردن والعراق أو غيرها. فكانت البلاد مقسمة لألوية ومديريات بموجب قانون الولايات الذي وضعته الدولة العثمانية عام 1864.
تقع بلادنا (الشام الكبرى) شمالي بلاد الحجاز (السعودية اليوم). وعبر التاريخ كانت القوافل التجارية تخرج من الشام إلى بلاد الحجاز من أجل البيع والشراء وما شابه، والعكس صحيح؛ كانت القوافل الحجازية تأتي إلى منطقة الشام من أجل ذلك، بحيث كل قافلة (الحجازية والشامية) كانت تخرج للتجارة في موسم يختلف عن القافلة الأخرى وفق نوع وموسم التجارة، فإذا خرجت القافلة الحجازية في الشتاء خرجت قافلة الشام في الصيف، قال تعالى: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (قريش: 1-2).
ليس فقط قوافل الشام كانت تتجه نحو الحجاز، بل القوافل العراقية والمصرية أيضا كان لها دور في التجارة، وعند وصول تلك القوافل إلى مشارف مكة كان ينتظرها تجار الحجاز، فيقولون (تجار الحجاز) فيما بينهم: "ها قد وصلت قوافل العراق أو قوافل مصر"، أما إذا وصلت قافلة الشام فيقولون: ها قد وصلت قافلة الشمال، كونها تأتي من شمال مكة.
القوافل المصرية والعراقية أيضا كانت تأتي من شمال مكة، ولكن ذلك لكون مصر والعراق أسماء معروفة منذ القدم، ومن جهة أخرى من أجل التفرقة بين قوافل الشمال "الشام" وقوافل مصر والعراق. ومع مرور الزمن تغيرت كلمة الشمال إلى كلمة الشام، حتى أصبحت القوافل التي تخرج من منطقتنا تسمى بقوافل الشام، وهكذا أصبح اسم الشام يطلق على كل المنطقة (والشآم بمد الألف تعني الشمال. وقد ورد في الحديث: "فإذا نظر إلى أشأم منه..."، أي إلى شماله).
"لا بد من لفت النظر إلى أن أهل الحجاز كانوا يعرفون القافلة (مصرية أو شامية أو عراقية) عن مسافة بعيدة وفق ملابس التجار التي تختلف من قافلة إلى أخرى، فلباس أهل مصر يختلف عن الشام والعراق، ولباس أهل الشام يختلف عن أهل العراق ومصر".
أما بالنسبة إلى تحديد دمشق عاصمة سوريا بالشام فيعود إلى كونها محطة انطلاق القوافل التجارية، فدمشق كانت محطة تجميع القوافل السورية واللبنانية، ومن هناك تنطلق نحو بلاد الحجاز، بالإضافة إلى بعض المحطات التي كانت تنتظر في الطريق وتنضم إلى القافلة، مثل: القوافل الأردنية وغيرها. فمن الناحية الجغرافية تقع دمشق وسط الشام، وهي محور بين مناطق بلاد الشام؛ ففي غربها تقع لبنان وفي شرقها سوريا وفي الجنوب الأردن وفي غرب جنوبها تقع بلادنا.
حتى في العصر الحديث عندما قرر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مد السكة الحديدية الحجازية (1908-1900) لنقل الحجاج من الشام إلى مكة المكرمة كانت نقطة الانطلاق دمشق. إذن كون دمشق منطقة انطلاق القوافل الشامية نحو الحجاز جعلها تكتسب اسم الشام عن غيرها.
في الختام: هنالك العديد من المواقع والمناطق التي سميت عبر التاريخ نسبة إلى موقعها الجغرافي، ومنها الشام التي كسبت هذا الاسم كونها تقع شمالي مكة المكرمة، التي تميزت بالحركة التجارية منذ القدم.
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات.