بســم الله الـرحمــن الرحيــم
حقيقة الإعلام في عالمنا العربي اليوم .
بعيداً عن نظرية المؤامرة فالموضوع مبني على مراقبة مستمرة للإعلام بطريقة علمية وقياس ما يصدر عن الإعلام بميزان صحيح وهو ميزان العقيدة الإسلامية فكانت النتيجة تشخص واقع الإعلام وسلوكه في عالمنا العربي والإسلامي وتظهر مدى قوة سلاح الإعلام في خوض معارك تفوق قوة المعارك الحربية التي يستخدم فيها أعتى أنواع السلاح .
فالإعلام هو المرسل والمتلقي هو المستقبل لإرسال الإعلام , ولا بد أن لدى المرسل هدف يؤديه لذلك يحتاج إلى التأثير في المتلقي حتى يحقق الهدف ويُحمل المتلقي مفهوماً معيناً عن حدث أو فكرة ما ويخلق عنده دافع يؤثر على سلوكه الحياتي, والتأثير سلباً أو إيجابا في المتلقي يحتاج من المرسل إلى جهد كبير ودراسة لحالة المتلقي وانتقاء أسهل الطرق للوصول إلى عقله وقلبه .
أما التأثير السلبي أو الايجابي في المتلقي فمرجعه إلى وجهة النظر , فالإعلام يعتبر أن تحميل المتلقي لمفهوم الديمقراطية مثلاً نجاح باهر وتأثير ايجابي , وهذا ينافي وجهة نظرنا حيث يعتبر في ميزاننا كمسلمين تأثير سلبي وعقبة من العقبات أمام الفكر القويم الذي نسعى لإيجاده في الأمة .
وللتدقيق في واقع الإعلام الحالي في عالمنا العربي والإسلامي لا بد من التطرق إلى كيفية نقل الحدث حيث أن لكل حدث روايتان , رواية تصف هذا الحدث على حقيقته وتغطي كل جوانبه , ورواية مدروسة لها هدف وتلتزم بمعايير مخصوصة وضعت بشكل مسبق كخط سير له ضوابط .
فالرواية الأولى تغطي المساحة الشاملة الكلية للحدث ولا تبقي أي معلومة مهما صغرت خارج قوسي الخبر دون الالتفات إلى أطراف هذا الحدث ودون الانحياز لطرف دون الآخر وهي غير ملتزمة بمعايير تحد من شمولية التغطية ونقل المعلومات كاملة , على عكس الرواية الثانية التي دائما ما تضطر لاجتزاء وصف الحدث ونقله, أو تهميش جزء مهم منه ذلك للميزان الدقيق الذي يجبر الناقلين أو الواصفين (الإعلام والصحفيين العاملين) على قص وحذف ما لا يخدم دقة الميزان الذي له هدف لا بد من التزامه بدقة .
فمثلاً عندما تريد وسيلة إعلام إظهار حدث وتضخيمه فإنها توعز للمصور أن يظهر الحشود كبيرة تملأ عدسة الكاميرا وعندما تريد التقليل من نفس الحدث فإنها توعز للمصور أن يُظهر جزء يسير من الناس متفرقين في عدسة الكاميرا – هذا بالنسبة للمصور فكيف تكون التوجيهات للمحرر والمذيع ؟ .. حتى أن تلك التوجيهات تصل إلى توجيه المذيع كيف يكون تعبير وجهه عند إذاعة خبر ما .
هذا في الإعلام أمر واقع منذ هدم دولة الإسلام ولا يخفى على أي مراقب للإعلام حقيقة من حقائق سيره ووضوح الأجندات التي يسير عليها في خدمة السياسيين وأهدافهم , وهذه الخدمة أو التابعية للسياسيين وأجنداتهم تمثل الميزان الدقيق الذي يلتزم به , وبما أن الواقع السياسي الذي نعيش هو واقع سيء يشن حرباً ضد الإسلام وأهله وجدنا أن الإعلام هو السلاح الأقوى في أيدي السياسيين والخادم الأوفى في حربهم وتلك حقيقة أيضا.
وللتوضيح نقول أن الحرب الأمريكية الفعلية ضد العراق سبقتها حرب إعلامية طاحنة كان فيها إعلامنا العربي والإسلامي الذراع اليمنى للغرب , حيث مهد الطريق وعبدّها أمام مدرعات وطائرات الغزو الأمريكية ومن حالفها , وبعد الاحتلال عمل الإعلام على قٌبر ما روج له هو قبل الحرب العسكرية من وجود أو عدم وجود أسلحة دمار شامل , ولم يسلط أي ضوء على تصريحات بوش اللعين حين صرح أنه أتى للعراق لمنع إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من اسبانيا إلى اندونيسيا .
لقد تنوعت وسائل الإعلام في عالمنا العربي من وسائل حكومية وأخرى خاصة وثالثة تابعة لحركات أو اتجاهات كما هو معلن على الأقل , لكن هذا التنوع جاء لنفس الهدف وليؤدي نفس الخدمة على اختلاف تنوعه فلا يوجد وسيلة إعلامية حرة ليس لها تابعية سياسية على الإطلاق , جاء هذا التنوع بعد أن فقد الإعلام الحكومي بعضاً من مصداقيته عند المتلقي فكان إنشاء وسائل إعلامية تظهر على أنها حيادية أو معارضة للحكومة أمراً ضرورياً لتمرير وبث أفكار معينة للمتلقي يستسيغها ويتلقاها ويكون لها مصداقية عنده .
ولنأخذ هنا أمثلة على إعلام حكومي وآخر مستقل وآخر تابع لحركة أو حزب أو جماعة من واقع قريب حتى يكون أقرب للفهم . ففي الثورة المصرية كان الإعلام الحكومي يشيد ويمجد ببطل الحرب والسلام مبارك حتى آخر لحظة ولم يكن يخفى على هذا الإعلام حقيقة الأحداث على الأرض ولا حقيقة مبارك قبل وبعد توليه الحكم في مصر , لكن كانت المفارقة عبر القناة المصرية الأولى بعد إعلان تنحي مبارك فقد ذُكر لأول مرة وخلال أقل من ساعة من إعلان التنحي جملة " تنحى الطاغية" في تغيّر وانقلاب سريع للأجندة التي كانت تسير الإعلام المصري ذلك أن المرحلة تستلزم السير مع التيار الرابح وهو بالطبع هنا الثورة والثوار حتى يستطيع السياسيون استخدام هذا السلاح المتمثل في الإعلام في المعركة الجديدة التي بدأت للتو .
أما الإعلام المستقل كما يدّعي كقناة الجزيرة مثلا والتي نعلم يقيناً تابعيتها لأجندات بريطانية فقد كانت أيام الثورة في مصر تقف بشكل كلي مع الثورة والثوار ضد نظام مبارك الأمريكي , وما زالت حتى اليوم تحاول بكل جهد وقوة إغلاق الأبواب في وجه رجالات أمريكا الباقين وتعمل على فضحهم وتعريتهم في نفس الوقت الذي تفتح كل الأبواب وتزيل كل العقبات أمام رجالات بريطانيا وتستضيفهم وتروج لهم عبر أثيرها وتظهرهم على رجالات أمريكا , وقد ظهر ذلك بوضوح في برنامج الاتجاه المعاكس يوم الثلاثاء 18/10/2011 حيث استضاف القاسم اللواء محمود زاهر مقابل عبد الحليم قنديل حيث أعلن الأخير صراحة أن حكومة مبارك كانت عميلة لأمريكا وأن المجلس العسكري الآن له ارتباطات أمريكية وسعودية وهو ضد الثورة في استمرار لمحاولة القناة ضرب رجال أمريكا في مصر .
أما إعلام الحركات فكل يعمل لخدمة حركته وجماعته وهذا ليس بغريب لأنه نشأ بالفعل بهدف الترويج للحركة , لكن هذا النوع من وسائل الإعلام ليس له حصة كبيرة عبر الأثير وتجده ينشط على صفحات الانترنت.. فتكون النظرة للفكر الذي تحمله الحركة والطريق الذي تسير فيه وقياسه في ميزان الشريعة .
في ظل هذا الإعلام المنسلخ عن أمته أمة الإسلام وسيره حسب أجندات خارجية واستخدامه كل الوسائل المتاحة في بث أفكار الكفر والترويج لها وعمله في تخريب عقول أبنائنا ودعوة نسائنا للسفور وشبابنا للرذيلة وأخلاق الغرب الكافر , حتى أن مجرد إعلان دعائي لمنتج "مزيل شعر أو شامبو" عبر قناة إخبارية معتبرة لا بد أن تظهر في الإعلان أنثى شبه عارية, وفي إعلان ضد الارهاب عبر مجموعة قنوات الـ mbc المملوكة للوليد بن طلال والذي يملك الى جانب المجموعة أكثر من ستين قناة جنسية , يظهر في الاعلان طفل بريء اختفطته أيدي الغدر حسب الإعلان , ونظرة الى الخاطفين حسب الإعلان نجدهم يمثلون المسلمين خاصة عند النظر الى لباسهم ووقفتهم ولثامهم وسلاحهم .
في ظل إعلام هذا واقعه وهذه أوصافه وأعماله حيث يعمل ليل نهار ضد الاسلام بشكل عام وضد حملة الدعوة وما يحملون من فكر بشكل خاص , فلو قلنا خلافة استضاف من يقول رجعيون ولو قلنا دولة اسلامية استضاف من يحسب على جماعات "اسلامية" ليقول مدنية ديموقراطية . إعلام يعمل على ضرب كل فكرة نحملها كعاملين لتحكيم شرع الله في الأرض في ظل دولة إسلامية ويعمل ويروج لأفكار الكفر ويحاول ايجاد رأي عام على تلك الأفكار وكأنها مطلب جماهيري لا خيار غيره , وأن السعادة والحرية والهناء لا يكون إلا في ظل نظام ديموقراطي . وفي ظل إغلاق الأبواب أمام إعلام إسلامي ملتزم بقضايا الأمة المصيرية ووضع كل العقبات أمام نقل صوت الحق الذي يدعو لقيام دولة الحق ,,, فلا بد من تفكير عميق وتصرف حكيم منا نحن الذين أخذنا على عاتقنا نهضة الأمة , وهذا التصرف الحكيم ينقسم الى شقين . الأول : كيف نأخذ إعلامنا في ظل غياب إعلام إسلامي ملتزم . والثاني : كيف نعمل على ايصال صوت الحق الى أبناء الأمة .
أما الشق الأول فإن الأفكار الاسلامية التي نحملها وميزان العقيدة السليم الذي نقيس عليه أعمالنا والمعلومات السابقة عن وسائل الاعلام وحقيقتها تجعلنا محصنين من سموم الإعلام وتجعلنا نقرأ ما بين السطور ونحلل ما يصلنا من أخبار ونقل تحليلاتنا ورؤيتنا للأمور لعامة الناس كيلا يجد الغعلام سبيلا اليهم .
أما الشق الثاني وهو ايصال صوت الحق الى أبناء الأمة ونقل أخبار الدعوة لهم والفكر الصحيح الذي فيه نهضتهم ورضى ربهم وفضح المؤامرات التي تحاك ضدهم فالواجب استخدام كل الوسائل المتاحة بين أيدينا , حيث أن النشرة وتوزيعها إعلام - والدرس والخطبة في المسجد إعلام ومنبر لايصال الأفكار- وحمل الدعوة بحق والصدع بها في كل ميدان إعلام . كما بمقدورنا امتطاء الإعلام الحالي كإمتطاء الدابة التي توصل صاحبها حيث يريد ونحن أصحاب هذا الإعلام بمؤسساته ومبانيه وتجهيزاته وفضائياته فهي ملكية عامة سيأتي الوقت لنعيدها للعمل الصحيح والطريق القويم وهذا العمل " امتطاء الاعلام" يتطلب منا مراقبة الاعلام بوسائله ووضعه تحت المجهر واستغلال كل ثغرة تمكننا من الولوج عبر أثيره وايصال ولو جزء من فكرة الى أبناء الأمة .
في النهاية أقول وبعد مراقبة مستمرة لوسائل الإعلام على اختلاف أشكالها مكتوبة أو مرئية أو مسموعة لسنوات وبعد أن تكونت قناعة أن الإعلام من أقوى الأسلحة في عصرنا هذا وأنه يسير حسب أجندات سياسية لا تخدم الاسلام وأمته بل تعمل ضده , أقول احذروا هذا الاعلام على أنفسكم وأهليكم بكل وسائله ولا تستهينوا بصغائر الأمور حتى أن مجرد فيلم كرتوني أصبحنا نجد فيه من الأفكار ما يخالف عقيدتنا ويبعد أطفالنا عن التربية الاسلامية الصحيحة ومسلسل أو فيلم أو مسرحية يبث عبرها سم زعاف موجه نحو حرائرنا , احذروه وحذروا منه لأن هذا واجب علينا من أجل مستقبل نعمل كلنا من أجله ابتغاء مرضاة الله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
من موقع :منتدى الناقد الاعلامي