سألتني ابنتي: ماذا ستقدمين لي هدية بمناسبة تخرجي من الثانوية؟.
فأجبت: سأقدم لك هدية مميزة، كتميزك، هدية لم تقدمها أم لابنتها من قبل، هدية لن تنسيها طوال حياتك. سأخلع لك ضروس العقل الأربعة وبالمجان.
وافقت ابنتي فورا، فلقد عانت من آلام ضرس العقل وقت الاختبارات.
كثرت الرسائل تطالبني بالحديث عن ضرس العقل.
وسأبسط لكم الموضوع بقدر ما أستطيع.
ضرس العقل يا سادة هو ضرس مثل بقية الأسنان، لكن مشكلته تكمن في اكتمال نموه متأخرا عن بقية الأسنان، يكتمل نموه في سن من١٦-١٨ سنة، وحينها يقرر أن يأخذ مكانه في الفك مثل إخوته، ولكنه يفاجأ بأن إخوته قد حازوا على كل الأمكنة الممكنة في الفك، فيتضايق للظلم الواقع عليه، ويشعر بالغيرة من إخوته، فلم هم يأخذون حقهم كاملا وهو لا؟! هل هؤلاء الإخوة من أبناء الحرة وهو ابن أمة مثلا؟! فينضم للربيع العربي، ويعلن الاحتجاج، وبالطبع هناك في كل جهة سبعة أسنان تقف له بالمرصاد، وترفض أن تفسح له مجالا، لكن ضرس العقل لا يفقد الأمل ويستمر في الدفع، وما علم ولا درى ضرس العقل أن احتجاجاته في موقع إستراتيجي خطر، فبالقرب منه عصب قوي وكبير يقوم على تغذيته، وأن ضحايا الاحتجاجات جسيمة، فالجسد كله سيتألم فيشعر المرء بصداع أو ألم في أذنه أو عينه، أو يصر أن الألم من أسنانه العلوية، رغم أن السبب هو ضرس العقل السفلي، والمرء لا يلام لأن العصب الكبير المسؤول عن ضرس العقل يغطي نصف الوجه.
والبعض يصاب بالتهاب في الأنسجة التي تغطي ضرس العقل، فلا يستطيع أن يفتح فمه، ويجد صعوبة في الأكل، فينقص وزنه وتتدهور صحته.
آلام ضرس العقل لا تأتي إلا في الوقت الضيق والزمن الصعب، في وقت لا ترغبين فيه، الوقت الذي تنقص عندك المناعة لمرض أو ضغوط نفسية، فهو يأتي في الاختبارات، أو أثناء الحمل، ويأتي قبل السفر، أو في شهر الصيام، أو العزاء، ولقد حضرت أكثر من عزاء كانوا يوزعون البندول كما توزع الحلوى في الأفراح، فسألتهم لماذا ؟! فقالوا أكثر من معزية طلبت مسكنا لآلام أسنانهم.
زارتني في العيادة من كانت بالأمس قد توفي زوجها، خطفها أهلها من بين المعزين ظهرا، للذهاب بها إلى عيادة الأسنان.
تقول: والله ألم سني أنساني حزني على زوجي، كنت أنظر برعب لصفوف المعزيات وكأن بيد كل واحدة منهن مطرقة تطرق بها رأسي كلما قبلتني على خدي الذي تحته السن الذي يؤلمني.
فتنهمر دموعي ألما، فتظنني أبكي حزنا علي فراق زوجي، فتضاعف لي التقبيل بمطارق منهمرة، فلم أستطع الصمود، فوضع أهلي أكبر ملصق طبي علي الجهة التي تؤلمني، ورغم ذلك ما زال هناك من يصر على طرقي.
والكثيرات ممن يكن في الحداد على أزواجهن تنقض عليهن ألام الأسنان.
ولقد زارتني في العيادة عروس بقي أسبوع علي حفل زفافها، حيث كانت في قمة التوتر والخوف والقلق وأصرت على أن تخلع ضروس العقل كلها من عظم ما تعانيه من آلام.
وحين فحصتها وجدت أن خلعها سيحتاج لجراحة، فأقنعتها بتأجيل الفكرة بعد انقضاء شهر العسل، وأعطيتها مسكنا قويا مع مضاد.
تزورني الكثيرات في العيادة ويتكرر السيناريو نفسه.
- ضرس عقل سيسبب لك الكثير من المشاكل ليس له حل إلا الخلع.
- لا، لا أريد الخلع، أعطيني مسكنا ومضادا.
تغيب ثم ترجع بآلام أشد من سابقتها
- لا، لا، أنا حامل لا أرغب في خلعه.
تغيب ثم ترجع وإذ قد انتفخ خدها ومرهقة
-أرجوك أرجوك اخلعيه الآن.
- آسفة لا أستطيع المكان به التهاب، ويجب أن يغطى بمضاد حيوي.
-لا أستطيع الانتظار وتحمل الآلام.
- سأعطيك مسكنا.
- أخذت أقوى المسكنات ولم تؤثر بي.
- إذن سأعطيك مسكنا أقوى، ومع المضاد حتى يهدأ الوضع قليلا.
حينها فقط ستخلعه، بالطبع أصبح خلعه أصعب، لأنه قد تسوس، وأصبح يحتاج لجراحة.
لذا من كان عنده ضرس عقل لم يسبب له مشاكل ورغب في الاحتفاظ به فهذا من حقه، وحرية شخصية، ولكن من سبب له ضرس العقل آلاما فسيجري عليه نفس السيناريو السابق؟ فلم هذا العذاب؟!!
فإحدى مشاكل ضرس العقل أنه لا يستخدم في الأكل ولا تستطيع أن تصل له فرشاة الأسنان،
وهذا ما أحرص أن أريه لمراجعاتي في المرآة بأعينهن، فقد يكون المرء شديد العناية بنظافة أسنانه،
ولا يصدق أنني من النادر أن أشاهد ضرس عقل نظيفا، فعادة ما يكون غارقا بطبقة بكتيرية تسبب أحد أمرين: إما أن يتسبب في تسوس، أو في التهاب لثة، فهو كسلة المهملات في فمك مع الفارق أن سلة المهملات نقوم بتنظيفها دائماً، بينما ضرس العقل تتجمع البكتيريا عليه حتى تشعل صفارة الإنذار.
قيل إن الإنسان القديم يوم أن كان يأكل اللحم نيئا كان يستخدم ضرس العقل في المضغ، فحين تمدين الإنسان أصبح لا يعرف ما هي فائدة ضرس العقل.
لكنني مؤمنة أن الله لم يخلق أي شيء عبثا، وأن هناك حكمة نعلمها أو تخفى علينا.
بالنسبة لي نصف دخلي يأتي من خلع ضرس العقل.
فحين أرى ضرس عقل، دائما أردد: ضرس العقل ما أحلاك.
د بشرى عبدالله اللهو..
فأجبت: سأقدم لك هدية مميزة، كتميزك، هدية لم تقدمها أم لابنتها من قبل، هدية لن تنسيها طوال حياتك. سأخلع لك ضروس العقل الأربعة وبالمجان.
وافقت ابنتي فورا، فلقد عانت من آلام ضرس العقل وقت الاختبارات.
كثرت الرسائل تطالبني بالحديث عن ضرس العقل.
وسأبسط لكم الموضوع بقدر ما أستطيع.
ضرس العقل يا سادة هو ضرس مثل بقية الأسنان، لكن مشكلته تكمن في اكتمال نموه متأخرا عن بقية الأسنان، يكتمل نموه في سن من١٦-١٨ سنة، وحينها يقرر أن يأخذ مكانه في الفك مثل إخوته، ولكنه يفاجأ بأن إخوته قد حازوا على كل الأمكنة الممكنة في الفك، فيتضايق للظلم الواقع عليه، ويشعر بالغيرة من إخوته، فلم هم يأخذون حقهم كاملا وهو لا؟! هل هؤلاء الإخوة من أبناء الحرة وهو ابن أمة مثلا؟! فينضم للربيع العربي، ويعلن الاحتجاج، وبالطبع هناك في كل جهة سبعة أسنان تقف له بالمرصاد، وترفض أن تفسح له مجالا، لكن ضرس العقل لا يفقد الأمل ويستمر في الدفع، وما علم ولا درى ضرس العقل أن احتجاجاته في موقع إستراتيجي خطر، فبالقرب منه عصب قوي وكبير يقوم على تغذيته، وأن ضحايا الاحتجاجات جسيمة، فالجسد كله سيتألم فيشعر المرء بصداع أو ألم في أذنه أو عينه، أو يصر أن الألم من أسنانه العلوية، رغم أن السبب هو ضرس العقل السفلي، والمرء لا يلام لأن العصب الكبير المسؤول عن ضرس العقل يغطي نصف الوجه.
والبعض يصاب بالتهاب في الأنسجة التي تغطي ضرس العقل، فلا يستطيع أن يفتح فمه، ويجد صعوبة في الأكل، فينقص وزنه وتتدهور صحته.
آلام ضرس العقل لا تأتي إلا في الوقت الضيق والزمن الصعب، في وقت لا ترغبين فيه، الوقت الذي تنقص عندك المناعة لمرض أو ضغوط نفسية، فهو يأتي في الاختبارات، أو أثناء الحمل، ويأتي قبل السفر، أو في شهر الصيام، أو العزاء، ولقد حضرت أكثر من عزاء كانوا يوزعون البندول كما توزع الحلوى في الأفراح، فسألتهم لماذا ؟! فقالوا أكثر من معزية طلبت مسكنا لآلام أسنانهم.
زارتني في العيادة من كانت بالأمس قد توفي زوجها، خطفها أهلها من بين المعزين ظهرا، للذهاب بها إلى عيادة الأسنان.
تقول: والله ألم سني أنساني حزني على زوجي، كنت أنظر برعب لصفوف المعزيات وكأن بيد كل واحدة منهن مطرقة تطرق بها رأسي كلما قبلتني على خدي الذي تحته السن الذي يؤلمني.
فتنهمر دموعي ألما، فتظنني أبكي حزنا علي فراق زوجي، فتضاعف لي التقبيل بمطارق منهمرة، فلم أستطع الصمود، فوضع أهلي أكبر ملصق طبي علي الجهة التي تؤلمني، ورغم ذلك ما زال هناك من يصر على طرقي.
والكثيرات ممن يكن في الحداد على أزواجهن تنقض عليهن ألام الأسنان.
ولقد زارتني في العيادة عروس بقي أسبوع علي حفل زفافها، حيث كانت في قمة التوتر والخوف والقلق وأصرت على أن تخلع ضروس العقل كلها من عظم ما تعانيه من آلام.
وحين فحصتها وجدت أن خلعها سيحتاج لجراحة، فأقنعتها بتأجيل الفكرة بعد انقضاء شهر العسل، وأعطيتها مسكنا قويا مع مضاد.
تزورني الكثيرات في العيادة ويتكرر السيناريو نفسه.
- ضرس عقل سيسبب لك الكثير من المشاكل ليس له حل إلا الخلع.
- لا، لا أريد الخلع، أعطيني مسكنا ومضادا.
تغيب ثم ترجع بآلام أشد من سابقتها
- لا، لا، أنا حامل لا أرغب في خلعه.
تغيب ثم ترجع وإذ قد انتفخ خدها ومرهقة
-أرجوك أرجوك اخلعيه الآن.
- آسفة لا أستطيع المكان به التهاب، ويجب أن يغطى بمضاد حيوي.
-لا أستطيع الانتظار وتحمل الآلام.
- سأعطيك مسكنا.
- أخذت أقوى المسكنات ولم تؤثر بي.
- إذن سأعطيك مسكنا أقوى، ومع المضاد حتى يهدأ الوضع قليلا.
حينها فقط ستخلعه، بالطبع أصبح خلعه أصعب، لأنه قد تسوس، وأصبح يحتاج لجراحة.
لذا من كان عنده ضرس عقل لم يسبب له مشاكل ورغب في الاحتفاظ به فهذا من حقه، وحرية شخصية، ولكن من سبب له ضرس العقل آلاما فسيجري عليه نفس السيناريو السابق؟ فلم هذا العذاب؟!!
فإحدى مشاكل ضرس العقل أنه لا يستخدم في الأكل ولا تستطيع أن تصل له فرشاة الأسنان،
وهذا ما أحرص أن أريه لمراجعاتي في المرآة بأعينهن، فقد يكون المرء شديد العناية بنظافة أسنانه،
ولا يصدق أنني من النادر أن أشاهد ضرس عقل نظيفا، فعادة ما يكون غارقا بطبقة بكتيرية تسبب أحد أمرين: إما أن يتسبب في تسوس، أو في التهاب لثة، فهو كسلة المهملات في فمك مع الفارق أن سلة المهملات نقوم بتنظيفها دائماً، بينما ضرس العقل تتجمع البكتيريا عليه حتى تشعل صفارة الإنذار.
قيل إن الإنسان القديم يوم أن كان يأكل اللحم نيئا كان يستخدم ضرس العقل في المضغ، فحين تمدين الإنسان أصبح لا يعرف ما هي فائدة ضرس العقل.
لكنني مؤمنة أن الله لم يخلق أي شيء عبثا، وأن هناك حكمة نعلمها أو تخفى علينا.
بالنسبة لي نصف دخلي يأتي من خلع ضرس العقل.
فحين أرى ضرس عقل، دائما أردد: ضرس العقل ما أحلاك.
د بشرى عبدالله اللهو..