هيام محي الدين
يا محترفي السياسة هل تحبون مصر حقاً !؟
أضيف بتاريخ: 20 أبريل 2013
نشأت الممارسة السياسية المصرية في العصر الحديث مقصورة على الصفوة الحاكمة ، ومرتبطة برؤية ورأي الحاكم الفرد ، متأثرة بنظرية التفويض الإلهي أو الخلافة الدينية ، فالوالي ينوب عن السلطان الذي يمثل خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومهما بلغ الوالي من الاستقلال والقوة فهو يستمد شرعية حكمه من الخليفة المفوض من الله ورسوله ، وهي نظرية فقهية سادت طوال العصور الوسطى واستغلها الحاكم المطلق في تنفيذ سياسته الداخلية والخارجية ، بحيث تعد مشاورة الآخرين تفضلاً منه لا يلزمه بما يراه مستشاروه ، وكان محمد على باشا أول من وضع لمصر سياسة ثابتة في العصر الحديث تخطط وتنفذ مشروعات التنمية من ري وتعليم وتصنيع ، ولكنها تظل خاضعة لرأيه ورؤيته كحاكم مطلق ، ونشأت نتيجة لذلك طبقة نالت حظاً من التعليم والثقافة كان معظمها من الأتراك والأرمن بدأت ممارسة السياسة وتولى ما يمكن أن يطلق عليه سلطة تنفيذية تحولت إلى نظارات ” وزارات ” في عصر إسماعيل وتأثرت هذه الطبقة بالمدارس السياسية في أوربا خاصة المدرستين الإنجليزية والفرنسية ، ونشأ أول حزب وطني مصري في أواخر عصر إسماعيل كان خليطاً بين الصفوة المثقفة مثل محمد شريف باشا ومحمود سامي البارودي والطبقة الشعبية التي مثلها أحمد عرابي وعبد الله النديم والأزهر ممثلاً لرجال الدين في شخص الإمام محمد عبده ، وقد انهار هذا الحزب بعد هزيمة التل الكبير واحتلال الإنجليز لمصر وفي ظل الاحتلال انتعشت طبقة محترفي السياسة الذين أسهموا في تنفيذ سياسة الاحتلال وتولوا مناصب الوزراء ورئاسة الوزراء ومديري المديريات وغيرها ونشأت في المقابل قوى وطنية معارضة مثل الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل ، وبعده حزب الوفد بزعامة سعد زغلول واتسعت الطبقة السياسية المصرية بشكل كبير خلال وبعد ثورة 1919 ولكنها ظلت في غالبيتها تتكون من الصفوة المتعلمة الإقطاعية الثرية ، والتي كانت تدير مصالحها كطبقة ونفوذها كأفراد أكثر مما تدير مصر كوطن ، ومع ثورة يوليو 1952 انحصرت المنافسة السياسية العليا في مجموعة التكنوقراط الذين أسهموا في تنفيذ مشروعات تنموية كبرى مثل التصنيع والسد العالي والتعليم والصحة والتسليح ، واعتمدت الممارسة السياسية في هذه الفترة على الانتماء الوطني العميق وعلى قدرة المسئول السياسي على التخطيط والتنفيذ ونسبة إنجازه لما خطط له ، ثم أعاد لنا الرئيس السادات الأحزاب السياسية 1977 التي أنتجت أجيالاً تتسم رؤيتها بالمراهقة السياسية وتم تحجيمها كديكور سياسي يكمل به الحزب الحاكم الأوحد رسم صورته حيث عاشت قيادات وكوادر هذه الأحزاب رؤية سياسية احترافية منغلقة مقطوعة التواصل مع القواعد الجماهيرية تتعامل على أن السياسة هي فن الممكن في عصر ضاق فيه هذا الممكن وتضاءل وارتبط بمدى ما يتفضل به الحزب الحاكم على هذه الكيانات الديكورية من بقايا مائدته السياسية متعمداً اجتذاب كوادرها المبشرة وعقولها المتميزة ليحتكر الحزب الحاكم معظم الكوادر السياسية المصرية المؤثرة ويصبغها بفساده وطغيانه ففقدت العقلية السياسية المصرية المتميزة نقاءها وطهارتها ، وأغوتها مكاسب الفساد والطغيان مما أتاح فرصة ذهبية لجماعات الإسلام السياسي التي كانت خارج هذا الإطار قانونا ” محظورة ” لتوفيق أوضاعها وتكوين قاعدة شعبية لها ، رغم أن فكرها السياسي ، وكوادرها البشرية شديدة الضعف والقصور وفقيرة الفكر اقتصادياً واجتماعياً ومنعدمة الرؤية ومعادية للتقدم والحضارة كما أن انتماءها الوطني شديد الهشاشة حيث يتفوق عندهم الانتماء الديني على الانتماء الوطني ويتناقض معه أحياناً ، إلا أنهم وجدوا فراغاً سياسياً شاملاً فانطلقوا ليملئوا هذا الفراغ واكتسبوا شعبية كبيرة من خلال يأس القاعدة الجماهيرية من فساد الحزب الحاكم وضعف الأحزاب الديكورية التي احترفت السياسة لنيل الفتات ، وهذا هو الوضع الذي وجدت مصر نفسها فيه بعد ثورة شعبية عظيمة نقية طاهرة قضت على أكثر النظم التي عرفتها مصر فساداً .. طوال تاريخها ، وكان طبيعياً أن تركب تيارات الإسلام السياسي الموجة الثورية دون أن تبذل فيها جهداً وأن تتصدر المشهد وظهرت سلبيات هذا التيار وممارساته التي تتسم بغباء سياسي فاضح وانعدام تام للرؤية السياسية ومحاولات فجة للسيطرة الشاملة والإقصاء الكامل للآخر فأرادت التيارات السياسية المدنية والليبرالية أن تقلدهم في ركوب الموجة الثورية مستغلين الغباء السياسي الفاضح لهم ، فانقسمت الأمة ما بين أولئك وهؤلاء دون أن يستطيع طرف استقطاب أغلبية مؤثرة تقنع الأمة لأن الحس التاريخي الدقيق لهذا الشعب العريق اكتشف بسهولة أنهم جميعاً لا يحبون مصر حقا وإنما ينتمون إلى فكر سياسي أو ديني أو رؤية اقتصادية أو عقيدة مجتمعية ليست مصر كوطن محوراً أساسياً لها فمذاهبهم الفكرية أو الدينية أكبر من انتمائهم الوطني والقومي ومصر لا تمثل لهم إلا حقل تجارب لمعتقداتهم ورؤيتهم فهؤلاء يريدون مصر دولة دينية تكون نواة لخلافة إسلامية وأولئك يريدون مصر دولة ليبرالية مدنية تطبق النموذج الأوربي وتنتمي إليه ، ولم يفكر أي منهم فيم تحتاجه مصر فعلا وتريده ، لم يفكر أيهم كيف يحقق لشعب مصر مطالب ثورته :عيش حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة إنسانية ؛ إنهم جميعاً لا يحبون مصر حقاً وإلا لفضلوا مصلحتها على معتقداتهم الغبية ، التي لن تحقق لمصر هدفا من أهداف ثورتها ، فالدين متأصل في نفوس المصريين منذ آلاف السنين ولا يحتاج تيارهم السياسي لترسيخه فهو راسخ أصيل في نفوس المصريين ، والدولة المدنية الليبرالية عرفها المصريون وعاشوها ومارسوها كشعب وأمة ومجتمع رغم طغيان أي نظام حاكم منذ الفراعنة حتى اليوم ففكرهم العقائدي والسياسي هراء مستورد بعيد عن مصالح مصر ومتطلبات المرحلة التي تعيشها اليوم ، فهل هم حقا يحبون مصر .. لا أعتقد