لقاءٌ بلا موعد - الحلقة الثالثة ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
خلال عامين لبست الأرض حلتها الخضراء .. يطيب للناظرِ أن يمعن فيها .. ويتمتع بجمالها .. بدأت تؤتي ثمارها .. أشجار البرتقال ترتيبها وتنسقها يبهر العين .. مزارع الخضار المتنوعة لا تقل روعةً وجمالاً لبراعة من قام بالاشراف عليها وههندستها وترتيبها ...
لم تسلم المزارع من شر حمدان وعصابتهِ .. إذ حاول عدة مراتٍ خلع أشجارها .. وحرق مزروعاتها .. إلا أن عثمان والعاملين معهُ .. كانوا العين الساهرة على هذه المزارع ... حيثُ باءت محاولاتهُ بالفشل الذريع ...
ازداد كره الناس لهُ .. حيث أصبح منبوذاً من أهل القرية .. مما أدى إلى عزلهِ عن المخترة .. حتى تخلي أقرب الناس عنهُ .. ولم يعودوا لاحترامه ... وهكذا هي النتيجة لمن يحمل في طيات أفكاره الشر لمن هم آمنين في بيوتهم .. وظلَّ هكذا حتى مات بحسرتهِ .. مع تشفي الناس بهِ .. فارتاحوا منهُ ومن شرّهِ إلى الأبد ....
***********
أكمل عبد الحميد تعليمه في مدرسة القرية (الكتاب) .. تعلم القراءة والكتابة والحساب .. وأصول الدين الإسلامي .. حيث ختم القرآن الكريم ..وختم القرآن في ذلك الوقت .. كان عبارة عن شهادة التوجيهي اليوم ... ما عليه الآن إلا أن يقف إلى جانب عثمان .. ليمسك دفة السفينة لمساعدتهِ .. ويتعلم منه كيفية العناية بالأرض والاشراف عليها .. وتطويرها إلى الأحسن وتعطي منتوجاً أكثر ..لازمهُ مدة عامين أو أكثر .. اكتسب خلالها خبرةً في الطرق الزراعية .. ثم سافر عدة مراتٍ خارج القرية .. للاضطلاع على أساليب الزراعة الحديثة في ري المزارع .. وتحسين النوعيات القديمة .. وإدخال كل ما هو جديد ومفيد .. فرأى أن يستبدل الساقية الخشبية .. التي تقودها أنواع شتى من البهائم ... بمضخة مياه تعمل بموتور .. حيث تضخ المياه أسرع بمئات المرات من الساقية الخشبية .. كذلك رأى أن يجلب أنواعاً محسنةً من المواشي .. كالأبقار وغيرها .. وهذا مما يضيف مردوداً مادياً آخر .. فالأرض موجودة والمراعي متوفرة ... ورأى أيضاً أن يحضر بعض خلايا النحل لإنتاج العسل ...
كل هذه الأشياء اكتسبها عبد الحميد من سفراتٍ عديدة خارج القرية .. ورأى غيرهُ يقوم باستغلال هذه الأصناف الجديدة على قريتهِ ... فكان أول مزارع يقوم بهذه الأعمال التي تدرُ دخلاً لا بأس بهِ ..
توفي عثمان إلى رحمة الله ... تاركاً لعبد الحميد كل شيءٍ يديرهُ بنفسهِ .. لم ينسَ عائلة عثمان .. فقد عمل على تشغيل أبنائهِ من بعدهِ .. إلى جانبهِ في المزارع .. عدا عن المكافأة الجزيلة التي منحها للأسرة ...
ينهض في الصباح ليجدَ والدتهُ تنتظرهُ بالقهوة الصباحية أمام غرفة نومهِ ... فيحتسيان القهوة معاً .. ويتداولان شؤون المزارع والبيت ..
يجلس أمام والدتهِ حاملاً فنجان قهوتهِ قائلاً :
ــ أمي ...!!!
ترد عليه بحنانٍ وتقول :
ــ نعم ياولدي ...!! تكلم ماذا تريد ..؟
وضع الفنجان أمامهُ على المنضدة وأسند ظهرهُ إلى الخلف وقال :
ــ أشيري عليَّ يا أمي ...! ماذا ينقصنا ...؟
ابتسمت الأم وقالت :
ــ أتعرف ماذا ينقصكَ أنتَ بالذات ...؟
قال مندهشاً :
ــ لا يا أمي ...!
قالت بكل حزم :
ــ ينقصكَ زوجة .. تقوم على رعايتكَ ورعاية شؤون بيتك ..!
قال غير مكترثٍ بما تقولهُ والدتهُ :
ــ يا أمي ...! ما زال الوقتُ مبكراً على الزواج ..! أشيري عليَّ بأشياء غير هذا الأمر ...!
قالت وهي عابسة :
ــ بماذا أشير عليك .. ؟ كل شيءٍ يسير على ما يرام ...! والحمد لله أنك الآن أصبحتَ من أكبر أغنياء المنطقة وتتمتع بمركزٍ مرموق ..! ماذا ينقصكَ غير الزواج ...؟
قال بحزم :
ــ لا يا أمي ...! ينقصنا بيتٌ جديدٌ .. غير هذا البيت ..! سوف أعمل على إنشائهِ على الطراز الحديث ..! وسأملأه بالخدم والحشم ...! أريدُ لكِ الراحة يا أمي ..! ولا أريدكِ أن تتعبي نفسكِ بأي شيء ..!
عبست صفية عندما سمعت من ابنها هذا الكلام وقالت :
ــ وهذا البيت الذي ترعرعتَ فيهِ ..! وشهد حياتي مع والدكَ وفيهِ كل ذكرياتي ...؟ تريد أن تهدمهُ ...؟
قال وقد شعر بانزعاج أمهِ :
ــ لا لا يا أمي ...! أنا لم أقل أننا سنهدم بيتنا القديم ...! أنا سأبني بيتاً جديداً إلى جانبهِ ...! اطمئني يا أمي ستبقى ذكرياتكِ كما هيَ ...! ولكن هذا البيت لا يليق بما أصبحنا عليهِ من سعة الثراء ....!
قالت الأم بعد أن اطمأنت :
ــ افعل ما بدا لكَ ..! ولكن لا تقترب من بيتي ..!
قال ضاحكاً :
ــ اطمئني يا أمي ..! يا أعز أم في الدنيا ... ! أنتِ أغلى عندي من أيِّ شيءٍ في حياتي ...!!
***********
صمم عبد الحميد في قرارة نفسهِ أن يبني بيتاً كأحد البيوت التي شاهدها في المدينة.. لإضفاء صفة التقدم والحضارة على البيت الذي سيبنيهِ .. ويعطي دلالةً واضحةً على النعمة التي وهبها الله لهُ ...
أثناء تجوالهِ في مدينة يافا عروس البحر .. أعجبهُ أحد البيوت المنعزلة تقريباً عن المدينة وهيَ عبارة عن فيلا كبيرة .. يغطي سطحها القرميد الأحمر ... تعاقد مع أحد المهندسين الذين لديهم الخبرة في هذا المجال .. وخلال عدة أشهر تم لهُ ما أراد ... وكان هذا البيت عبارة عن وردة في صحراء قاحلة ....
يتبع ـــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء مع الحلقة القادمة
مع تحيات رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
خلال عامين لبست الأرض حلتها الخضراء .. يطيب للناظرِ أن يمعن فيها .. ويتمتع بجمالها .. بدأت تؤتي ثمارها .. أشجار البرتقال ترتيبها وتنسقها يبهر العين .. مزارع الخضار المتنوعة لا تقل روعةً وجمالاً لبراعة من قام بالاشراف عليها وههندستها وترتيبها ...
لم تسلم المزارع من شر حمدان وعصابتهِ .. إذ حاول عدة مراتٍ خلع أشجارها .. وحرق مزروعاتها .. إلا أن عثمان والعاملين معهُ .. كانوا العين الساهرة على هذه المزارع ... حيثُ باءت محاولاتهُ بالفشل الذريع ...
ازداد كره الناس لهُ .. حيث أصبح منبوذاً من أهل القرية .. مما أدى إلى عزلهِ عن المخترة .. حتى تخلي أقرب الناس عنهُ .. ولم يعودوا لاحترامه ... وهكذا هي النتيجة لمن يحمل في طيات أفكاره الشر لمن هم آمنين في بيوتهم .. وظلَّ هكذا حتى مات بحسرتهِ .. مع تشفي الناس بهِ .. فارتاحوا منهُ ومن شرّهِ إلى الأبد ....
***********
أكمل عبد الحميد تعليمه في مدرسة القرية (الكتاب) .. تعلم القراءة والكتابة والحساب .. وأصول الدين الإسلامي .. حيث ختم القرآن الكريم ..وختم القرآن في ذلك الوقت .. كان عبارة عن شهادة التوجيهي اليوم ... ما عليه الآن إلا أن يقف إلى جانب عثمان .. ليمسك دفة السفينة لمساعدتهِ .. ويتعلم منه كيفية العناية بالأرض والاشراف عليها .. وتطويرها إلى الأحسن وتعطي منتوجاً أكثر ..لازمهُ مدة عامين أو أكثر .. اكتسب خلالها خبرةً في الطرق الزراعية .. ثم سافر عدة مراتٍ خارج القرية .. للاضطلاع على أساليب الزراعة الحديثة في ري المزارع .. وتحسين النوعيات القديمة .. وإدخال كل ما هو جديد ومفيد .. فرأى أن يستبدل الساقية الخشبية .. التي تقودها أنواع شتى من البهائم ... بمضخة مياه تعمل بموتور .. حيث تضخ المياه أسرع بمئات المرات من الساقية الخشبية .. كذلك رأى أن يجلب أنواعاً محسنةً من المواشي .. كالأبقار وغيرها .. وهذا مما يضيف مردوداً مادياً آخر .. فالأرض موجودة والمراعي متوفرة ... ورأى أيضاً أن يحضر بعض خلايا النحل لإنتاج العسل ...
كل هذه الأشياء اكتسبها عبد الحميد من سفراتٍ عديدة خارج القرية .. ورأى غيرهُ يقوم باستغلال هذه الأصناف الجديدة على قريتهِ ... فكان أول مزارع يقوم بهذه الأعمال التي تدرُ دخلاً لا بأس بهِ ..
توفي عثمان إلى رحمة الله ... تاركاً لعبد الحميد كل شيءٍ يديرهُ بنفسهِ .. لم ينسَ عائلة عثمان .. فقد عمل على تشغيل أبنائهِ من بعدهِ .. إلى جانبهِ في المزارع .. عدا عن المكافأة الجزيلة التي منحها للأسرة ...
ينهض في الصباح ليجدَ والدتهُ تنتظرهُ بالقهوة الصباحية أمام غرفة نومهِ ... فيحتسيان القهوة معاً .. ويتداولان شؤون المزارع والبيت ..
يجلس أمام والدتهِ حاملاً فنجان قهوتهِ قائلاً :
ــ أمي ...!!!
ترد عليه بحنانٍ وتقول :
ــ نعم ياولدي ...!! تكلم ماذا تريد ..؟
وضع الفنجان أمامهُ على المنضدة وأسند ظهرهُ إلى الخلف وقال :
ــ أشيري عليَّ يا أمي ...! ماذا ينقصنا ...؟
ابتسمت الأم وقالت :
ــ أتعرف ماذا ينقصكَ أنتَ بالذات ...؟
قال مندهشاً :
ــ لا يا أمي ...!
قالت بكل حزم :
ــ ينقصكَ زوجة .. تقوم على رعايتكَ ورعاية شؤون بيتك ..!
قال غير مكترثٍ بما تقولهُ والدتهُ :
ــ يا أمي ...! ما زال الوقتُ مبكراً على الزواج ..! أشيري عليَّ بأشياء غير هذا الأمر ...!
قالت وهي عابسة :
ــ بماذا أشير عليك .. ؟ كل شيءٍ يسير على ما يرام ...! والحمد لله أنك الآن أصبحتَ من أكبر أغنياء المنطقة وتتمتع بمركزٍ مرموق ..! ماذا ينقصكَ غير الزواج ...؟
قال بحزم :
ــ لا يا أمي ...! ينقصنا بيتٌ جديدٌ .. غير هذا البيت ..! سوف أعمل على إنشائهِ على الطراز الحديث ..! وسأملأه بالخدم والحشم ...! أريدُ لكِ الراحة يا أمي ..! ولا أريدكِ أن تتعبي نفسكِ بأي شيء ..!
عبست صفية عندما سمعت من ابنها هذا الكلام وقالت :
ــ وهذا البيت الذي ترعرعتَ فيهِ ..! وشهد حياتي مع والدكَ وفيهِ كل ذكرياتي ...؟ تريد أن تهدمهُ ...؟
قال وقد شعر بانزعاج أمهِ :
ــ لا لا يا أمي ...! أنا لم أقل أننا سنهدم بيتنا القديم ...! أنا سأبني بيتاً جديداً إلى جانبهِ ...! اطمئني يا أمي ستبقى ذكرياتكِ كما هيَ ...! ولكن هذا البيت لا يليق بما أصبحنا عليهِ من سعة الثراء ....!
قالت الأم بعد أن اطمأنت :
ــ افعل ما بدا لكَ ..! ولكن لا تقترب من بيتي ..!
قال ضاحكاً :
ــ اطمئني يا أمي ..! يا أعز أم في الدنيا ... ! أنتِ أغلى عندي من أيِّ شيءٍ في حياتي ...!!
***********
صمم عبد الحميد في قرارة نفسهِ أن يبني بيتاً كأحد البيوت التي شاهدها في المدينة.. لإضفاء صفة التقدم والحضارة على البيت الذي سيبنيهِ .. ويعطي دلالةً واضحةً على النعمة التي وهبها الله لهُ ...
أثناء تجوالهِ في مدينة يافا عروس البحر .. أعجبهُ أحد البيوت المنعزلة تقريباً عن المدينة وهيَ عبارة عن فيلا كبيرة .. يغطي سطحها القرميد الأحمر ... تعاقد مع أحد المهندسين الذين لديهم الخبرة في هذا المجال .. وخلال عدة أشهر تم لهُ ما أراد ... وكان هذا البيت عبارة عن وردة في صحراء قاحلة ....
يتبع ـــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء مع الحلقة القادمة
مع تحيات رجب الجوابرة