الحلقة (15)من سلسلة ربط العبادات بالسلوك والعقيدة
الاخوة والاخوات الاكارم، اود ان انوه الى ان كتاباتي في هذه السلسلة، ليست ابحاثا فقهية لبيان الاحكام، ومحاكمة الاراء للادلة، فمن اراد ذلك فقد اغنانا فقهائنا عناء ذلك جزاهم الله عنا كل خير، ولكني سلكت منهجا اريد ان اذكر به اولا اساتذتي العلماء، ومن ثم اخواني المهتمين والباحثين، وزملائي طلبة العلم الشريف، ومن ثم كل متابع كريم يبغي الاستفادة.
وقدسلك هذا المنهج من قبل وكنت عالة عليهم، الامام الفذ ابو حامد الغزالي في مؤلفه الضخم =احياء علوم الدين=،وكذلك الامام الحارث بن اسيد المحاسبي في كتابه =الخشوع في الصلاة= وكتابه=التوهم=، فجزاهما الله خير الجزاءو رحمهما الله تعالى .
ونهدف من انتهاج هذا المنهج، فعلا احياء علوم الدين، باحياء ادراك العبد لصلته بربه ، ورقابة ربه وحضوره وشهوده اعمالنا واقوالنا، وكل لحظات حياتنا، فلا نتوهم اننا في معزل عنه او منه، ولاساتر يحجبنا عنه ابدا، وهو العليم بالانفس ومكنوناتها والرقيب على الاعمال ونياتها، والمحصي للالفاظ ومدلولاتها، وعالم السر وما تخفى الصدور. وخاصة ونحن نقف بين يديه نؤدي له اعظم طاعة واعظم عبادة -الصلاة- .
وذلك لتعود حياتنا كلها مرتبطة بالله الذي وهبنا اياها ليبلونا بالموت والحياة اينا احسن عملا، ولبقى ذكره رادعا وزاجرا لنا عما تسوله النفوس اذا غفلت، ووساوس الشياطين اذا وجدت مدخلا للقلوب التي من ذكر ربها فرغت. فلا بد من اعادة الروح لعباداتنا خاصة، واعمالناعامة،والتي فرغت من الروح والروحانية،وذلك باعادة ادراك الصلة بالله عز وجل ومزج المادة بالروح، فنسير كل اعمال الحياة بموجب هذه الرؤيا التي هي غاية من غايات الايمان،وثمرة من ثمراته، التي يسعى لتحقيقها في ارضية الواقع، وهي ربط المخلوق بالخالق على الدوام، فلا يضل ولا يشقى بهذا الارتباط التعبدي المقدس.
واني لست معصوم الفهم ولا معصوم الكلام، وانما انا واحد من زمرة الخطائين، فمن وجد صوابا فلياخذ ماجورا ومن وجد خطاءََ فليصحح مشكورا وينصح مأجوراََ، جعلنا الله واياكم من التوابين الاوابين، واعاذنا الله ان نكون من اهل العناد والضلال، وهدانا واياكم سبيل الرشاد.
وبعد:---
فاننا تحدثنا في الحلقة الماضية عن بعض عظات وعبر وحكم السجود، اجلالا و تعظيما واستسلاما وتذللا للمعبود، ونضيف هنا ان حركة السجود لو تاملتها لوجدتها حركة دائرية تنتهي بك برسم نصف دائرة يستوي بانتهائها طرفاك، اعلى ما فيك راسك مع ادنا ما فيك قدماك، على امك الارض التي منها اخرجت واليها تعود، ومنها يخرجك الله تارة اخرى. وانت بهذا الدوران ماثلت اجرام الكون وذرات الوجود الدائرة في عالم السجود لباريها، وكانك تعلن انك لن تكون نشازا في هذا الكون، الاتي لله طوعا والسائر مستقيما، بما فرض عليه من نظام، لايصلح وجوده الا به ولا يستمر الا بالتزامه والاستقامة عليه، وما للنشاز والشاذ في مجموعات الانتظام بالنظام الا الهلاك والاحتراق والدمار.
اما نصف الدائرة الذي رسمت، فانه حياتك الدنيا ترسمها بطاعة ربك ملتزماهداه، تاركا لما سواه، مستسلما متذللا له باتباع امره ومبتغاه، لتعيش بهداه راسما ما حجبتك الارض بماديتها الصماء عن رؤياه، وهو حياتك الاخرى التي بها تنتهي دورة الحياة. فاسجد واقترب شكرا وتعظيما وامتثالا وطاعة.
فاذا انتهيت من صلاتك فاجلس محييا ربك واسر بعقلك وفكرك واخترق حجب النور لتحيي ربك بتحية ليلة الاسراء، التي الهمها نبيك وحبيبك وشفيعك صلى الله عليه و سلم ليحيي بها رب العزة والجلال، فسلم بالتحيات المباركات وبالصلوات الطيبات لله تعالى فلا تجعل منها لغيره شيئا فرد الله بالسلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فاجاب الحبيب السلام علينا وعلى عباد الله الصلحين لانهم جماعته، وهو منهم وهم منه، وانعم به من نسب وانتساب، اللهم انسبنا لهم واكتبنا منهم ولك دوما نسجد ونقترب ربنا العظيم.
وابقيكم ايضا اليوم مع لذة السجود فاستمتعوا بارككم الله فانها لذة القرب والصلة والوصال واللقاء بالعظيم، اعظم العظماء، اللهم لا تقطعنا من وصلك وصلتك، ولكم مني السلام والتحية والى لقاء اخر استودعكم الله دينكم وخواتم اعمالكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2017-11-01, 12:08 pm عدل 1 مرات