الحلقة السابعة من نظرة قرانية في النفس الانسانية
المحاسبة والنقد بين القبول والرفض
السلام عليكم احبائي في الله ورحمة الله وبركاته:-
اعتنى القران الكريم بالجانب التربوي النفسي للانسان عناية فائقة وركز على بناء نفس زاكية طاهرة نظيفة من الرجس والعفن والامراض الوبائية التي تفتك بالنفوس فترديها في مهالك العذاب والهوان والشقاء وتوردها مهاوي الردى.وتحولها عن الفطرة السليمة ومسار الوحي والهدى والرشاد فتنقلب نفسا شريرة باغية تصنع الشر او تتقبله وتعين على بسط نفوذه ونشر وجوده.صانعة له او مستسلمة له تشقى به وهي تظن انها به تنعم في حين انها به تهلك وتهلك غيرها من حرث ونسل واسباب وجود .
والانسان احبتي لايعيش في الارض وحيدا فردا بل يشاركه جنسه من البشر واخوته في الانسانية والوجود وعوالم اخرى من الكائنات سخر معظمها لخدمته المباشرة وبعضها الاخر لخدمته غير المباشرة من خلال ادوارها المسخرة لها لاداءها في الوجود فسبحان الخالق المعبود. وقد ادرك الانسان بدراساته ومكتشفاته العلمية مؤخرا انه ما وجد صنف من اصناف المخلوقات الا وله دور يؤديه فطريا في هذه الحياة ليحفظ التوازن الحياتي على ظهر هذا الكويكب الذي وكل الانسان بالاستخلاف فيه لعمارته بطاعة الله وجعله مملكة لا يعبد فيها سواه ولا تحكم بغير منهج هداه وشرعه المنزل في كتابه المبجل.
ومن غريب ما قرأت ان امير المؤمنين عمر رضي الله عنه وارضاه بعث بكتاب الى عامله على اليمن يساله فيه عن الجراد تلك الدويبة المحتقرة عند الناس حبث انقطعت رؤيته مدة من الزمن فافتقده فجاءه الجواب انه ما زال موجودا فحمد الله تعالى واثنى عليه ان الجراد ما زال موجودا فلما سئل عن سر اهتمامه بوجوده قال انه يخشى ان تنقرض امة من امم الخلق ابان حكم عمر.فخشي ان يحمل مسؤولية هلاك دويبة تكاثرها بلاء واذى على الناس في مزروعاتهم واقواتهم الا ان انقراضها من الوجود لا يتم الا بسبب وجود خلل ما ادى الى اختلال بيئي . ولعله خشي ان يكون هلاك الاحياء بسبب كسب ايدي الناس وظلمهم فيقع الفساد في الكون والوجود .فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما يوم سئل عن معنى قوله تعالى-- ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس-- والله ان حيتان البحر ووحوش البر لتتضرر من سيئات ابن ادم . فانظر ايها الانسان ما اعظم مسؤوليتك انها تتجاوز حدود النفس وهواها وتتجاوز حدود جنسك لتشمل المسؤولية عن الخلائق في الكون والوجود فانظر ما اعظم المقام الذي دعيت اليه وما احقر المقام الذي نكصت اليه وحبست نفسك محقرا لذاتك يوم جعلتها اسيرة ملذاتك وشهواتك وسجنتها في قمقم الذات واهتماماتها الشهوانية الحيوانية.
نعم اخي الانسان انك لاتعيش فيها فردا فلن تكون فيها مقررا حسب مشيئتك وارادتك فلا بد لك ممن يقيدها او ينظمها لكي لاتصطدم بغيرك فتصبح الحياة نزاع وصراع ارادات وبقاء وكانها غابة موحشة بوحوشها البشرية الفاقدة لانسانيتها فلايستانس بها انسان.
ان من اخطر الحلات التي يواجهها الانسان في حياته الفكرية ومساره العملي هو اعتباره لكل ما يصدر عنه حسنا وانه المتفوق الكامل وان رايه او وجهة نظره غير قابلة للمناقشة او الرد او النقض او التعديل فيريدها قانونا يلزم بها الاخرين وكانه الاه وعليهم التسليم مما يدفعه للحنق والغضب والمغالطة والاصرار على الباطل والخطأ اذا ما اعترض معترض او ناقش مناقش فيستبد برايه ويسعى بشتى الوسائل لفرضه ولا يابه بتصادمه مع ارادات الاخرين او الحاقه للاذى بهم.وكانهم سخروا له خدما وتبعا ليس لهم من خيار امامه الا التسليم والاتباع والطاعة لهاه الذي اتخذه هو في حقيقة الامر الاها.
انه مرض نفسي يسببه الجهل والمكابرة على الباطل والعناد القاتل واسمع معي الى القران وهو يسجل هذه الحالة المعيبة للنفس وشاهد معي كيف يصورها ويبرز ادق خفاياها:
(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام*
واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد*
واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسيه جهنم ولبئس المهاد*)البقرة204--206
انه يفسد في الارض باتباعه هواه ولايقبل نقدا ولا تقويما ولا حسابا من غيره كما انه هو نفسه لا يحاسب نفسه ولا يراجعها ولو فعل وراجع نفسه فسيراجعها بغير هدى ولامقياس لانها ترفض بما استحكم فيها من مرض وجهل و استبداد ان يكون المقياس الا هواها على اعتبار انها الارقى والاعلى والاوحد واسمع الى القران ما اجمله وهو يغوص في اعماقها فاضحا لها ولمن يحملونها تلك النفس المريضة المستبدة:-
(افمن زين له سوء عمله فراه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون)فاطر8
ولخطورة الموقف جاء التوجيه النبوي الكريم بوجوب محاسبة النفس وجهادها مجاهدة لترويضها وتطويعها للامتثال لامر الله دوما وادانتها فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.فقد روى الترمذي رحمه الله عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى دان نفسه :حاسبها ..وقال الفاروق رضي الله عنه عمر بن الخطاب حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا و زنو اعمالكم قبل ان توزن عليكم ) ..وختاما يجب ان تشمل محاسبة النفس والنقد لها افكارها وشهواتها وملذاتها وسائر انشطتها واعمالها لان المحاسبة والنقد وقبولهما هما قوام الاستقامة وضمان امان الرشاد..يقول رسول الله صلوات ربي وسلامه عليهاستحيوا من الله تعالى حق الحياء من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الراس و ما وعى و ليحفظ البطن و ما حوى و ليذكر الموت و البلا و من اراد الاخرة ترك زينه الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء .. ( رواه الترمذى).
اللهم انصرنا على انفسنا وانصرنا على اعدائنا فان النصر على النفس المقدمة والقوة الدافعة الى النصر على الاعداء.
وختاما لكم التحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.