التغير المطلوب للتغيير
التغيير في الحياة سنة جارية ، اجراها الله تعالى لانه جعل امور الحياة متجددة، ومع كل تجديد لابد من تغيير، اما من الاحسن الى الاسوأ، او من السيء الى الأحسن، ومن اسباب التغيير الى الاحسن والحسن في حياة الناس، وجود الانبياء والرسل والدعاة والهداة وورثتهم من الدعاة، فلذلك ما خلا زمن من نذير.
ولما كانت نبوة رسولنا خاتمة النبوات فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، جعل العلماء ورثة الانبياء ، يرثون مهامهم في حمل الدعوة والتجديد على اساسها ، كلما طال بالناس الامد وانحرفوا بفعل المؤثرات عن منهج الله ، واتبعوا هبوطا منهج ابليس الذي يربط الانسان بالشهوات والنزوات والهوى فيصنع الواقع المناسب الذي تتحقق فيه شهواته ونزواته واهواءه، ويجعله يهبط ويسفل فكرا وسلوكا وقيما، فيتخذ من الواقع السيء مصدرا لتفكيره .. فمن نهج ابليس وغايته من الغواية هو ان يجعل الحق جل وعلا حسب وهمه، يقف امام امر واقع، وهو ان القوى التي خلقها سبحانه لعبادته وطاعته لم تحقق الغاية وغوت عن الهداية التي ارادها الله. فيجعل الله -تعالى عن اوهامه سبحانه واوهام اتباعه- يجعله يصبح امام امر واقع مما يجعله يغير ويبديء فيما قضى من قبل. فابليس اول من قال بالبداء وتبعه اليهود والروافض. والواقع الذي اراد ابليس واتباعه ان يجعلوه مصدرا للاحكام ومنطلقا يستند اليه الفكر انما هو في اصل وجوده بحاجة الى فكرة وقرار ينفذها، اي ارادة ومشيئة ارتبطت بالايجاد، فكيف يصح ان يكون مصدر فكر وتفكير!!
ان الواقع يوجده الفكر، ولا يصح ان يوجد هو الفكر، فلا يستسلم المسلم للواقع، ولا يستكين له، لان المسلم المستسلم لله لا ينقاد الا له تعالى، ووفق هدي احكامه وهداه، ولا يهبط ابدا ليتخذ من الواقع الها ملهما ومصدرا للفكر والاحكام و الاحتكام، فالامر الواقع ينظره المسلم، فان كان امر الله واحكامه ووفق هداه قبله، وحافظ عليه، وان كان مناقضا لاحكام دينه وهدي نبيه رفضه المسلم، وعمل على تغييره، لان المسلم غايته فقط العيش لارضاء الله تعالى بما شرع، وفقط بما شرع ..ان الله تعالى هو خالق الوقائع وهو مجري التغيير فيها بحسب سننه المودعة في هذا الوجود، والابداء والاعادة انما هي وفق ما اراده للخلق من سير وفق نظم واسرار ونواميس، فمن اراد اصلاحا هيأ له اسبابه، ومن اراد افسادا خلق له اسبابه ، ليقضي وطره وتقوم الحجة والبينة على الناس، ليحيى من حيي منهم عن بينة ، ويهلك من هلك منهم عن بينة ، وتكون العبرة والدرس للاجيال المتجددة مع مرور الزمن وجعل له عاقبة وعقبى ، فهو سبحانه يرفع ويخفض وينهي ويبدي ويظهر ويخفي وينهي خلقا ويعيد غيره ويبلي ويجدد. لذلك جعل لهذه الامة التي لا نبي يجدد لها بعد نبيها سنة بان يجعل المجددين فيها متجددي الوجود، فلا يمر قرن الا وبعث لها على راسه او خلاله من يجدد الامر لها بدينها الذي تنحرف عنه بعوامل التقليد والغزو والتبعية وبعد الشقة وطول الامد. وقد اخبر نبينا عن ذلك فقد روى أبو داود في سننه عن سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".وهذا متفق ومنسجم مع قوله تعالى وتاكيد له {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. هذه الضمانة الكبرى لاستمرار هذا المنهج الحق وبقائه في الوجود.مستمر يتجدد عبر الاجيال ومرور السنون، ولو ان الامم تمر في فترات ضعف وانحدار، واحيانا سفول يوم تتنكب طريق الهداية وسنن الفطرة والبراءة الاولى للخلق التي اراد لنا الخالق ان نزكوا بها ،وجعلها من فضله علينا ..(ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ولكن الله يزكي من يشاء..21النور)..(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)2الجمعة
والزكاة للامم او للافراد والاشخاص المقصد منها تحقق امور في الزاكي اولها النظافة والطهارة، وهذا بنفض غبار السنين وتنظيف اطيان الانجرافات عبر السنين عن العقلية والمفاهيم التي انحرف وانجرف بها طول الامد وبعد الشقة، وثانيا النماء على الحسن واحسن صور البهاء وهو اعادة نمو النفس البشرية الى فطرتها السليمة الاولى، وتعود صافية طاهرة نقية من كل الملوثات الارضية والابليسية الهابطة المهبطة للانسان، حتى انها لتضل به سفولا عن درك الحيوان. وبالتالي فان عملية التزكية هي عملية نمو ونماء مستمر ومتجدد للامم وللافراد وللشعوب، فهي عملية تغييرية مستمرة.. فالتغيير المطلوب للتغيير يقتضي وجود العقيدة الصحيحة لبناء الفكر الحق الصحيح الذي ينتج التغيير للوقائع اذا انصب عليها ونزل عليها.. والتغيير المطلوب هو التغيير الهادف الذي له غاية ثابتة ابدية لانه يستند الى فكرة منبثقة من عقيدة ثابتة ابدية، مصدرها الحق تعالى، وليس الواقع المفعول به وفيه ، وليس اوهامه وخيالات الحالميين من الابليسين ، بل الحق الذي لا يخبر الا بالحقيقة .. ذلك ان التغيير لما في النفس انما هو تغيير للافكار والمفاهيم، وما سفل منها وابدالها بعقيدة سامية وافكار سامية تسمو بالانسان و مفاهيمه، وترتقي به ، حيث ان الانسان انما يحدث مسيرة سلوكه وتصرفاته في الحياة بناء على ما يحمل من افكار ومفاهيم تشكل وجهة نظره في الحياة عن الكون والانسان والحياة وعلاقتها بخالقها جل وعلا، وبالتالي يكون الباعث على السلوك والموجه له والمحدد لشكله انما هو العقيدة ، فلذلك نجد ان القران ربط كلمة الايمان الدالة على المعتقد بالعمل في كل اياته او معظمها التي تحدثت عن الايمان، لانه لا ثمرة لايمان لا يدفع الى عمل، ولا قيمة لايمان لا يصبغ سلوكا ويميزه عن غيره، فتتميز به شخصية وطريقة عيش من يحمله، ويبرز له هويته الخاصة ليتميز به بين اتباع الملل والنحل والاديان والعقائد والمناهج .
لابد لكل صاحب مشروع تغييري من بناء نفسه بالعقيدة الصحيحة، واجراء التغيير على اساسها وبها منهجا وفكرة وطريقة، لان ما ينغرس في النفوس ويصبغها هو فكر وقيم العقيدة، فان كانت ثابتة اتصفت بالثبات، وان كانت افكارها مهزوزة او اوهام اتصفت بالغرور والخواء والفراغ وميوعة الشخصية، وبالتالي ميوعة المواقف وعدم الثبات.. ولا ننس ان الذي يحدث التغيير ويجريه ويحققه هو ارادة الله تعالى..فلا يغير حالهم من النعمة الى النقمة الا اذا استحقوا ذلك، وكانوا اهلا للنقمة، واعمالهم تستدعي ذلك، قال تعالى في سورة الانفال ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .
وكذلك لن يغير الله ما بهم من ضلال وفساد ومهانة وسفول حتى يستعدوا هم للتغيير بتغيير ما انغرس في انفسهم من افكار ضلال وباطل وزور ومفاهيم ضلالة وقيم ومقاييس جاهلية ، وينغرس في نفوسهم مفاهيم الايمان وقيمه ومقيايسه ، قال الله تعال ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)11الرعد) واذا اراد الله تعالى ان ينصر ورثة رسله الذين يحملون الكتاب ومشعل الهداية والنور بلا شك قيض لهم المجدد ليقودهم بالهدى والنور، وهذا المجدد قد يكون شخص بعينه او كتلة او حزب تكتل الدعاة على افكاره، فنهضوا بها دعاة في العالمين للتغيير والتجديد.
فقبل ان تفكر بتجديد الواقع ، جدد نفسك ومفاهيم وقيم ايمانك ، وقبل ان تفكر بتغيير الواقع غير ما بنفسك من فكر ومفاهيم وقيم انغرست فيها بتأثير الواقع ، ليحقق الله تعالى لك التغيير المنشود ويوفقك اليه ...
قال ﷺ: (جددوا إيمانكم فإن الإيمان يَبلى كما يَبلى الثوب. فقالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا لا إله إلا الله).اخرجه الامام احمد والحاكم وغيرهما .
جعلنا الله واياكم ممن ينال شرف الاستجابة والنصرة لله ولرسوله ولدعوة الحق والايمان ....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2023-02-27, 6:48 am عدل 2 مرات