مصطلح التنظير مصطلح حديث ويقابله مصطلح حديث اخر وهو الواقعية.
واخذت كلمة التنظير في العلوم الانسانية من النظر وبناء وجهة النظر، وفي العلوم التطبيقية كالطب وعلم الاحياء مثلا من المنظار الذي يقرب او يكبر، او يمكن من الرؤيا لما خفي عن العين المجردة، فهو امر في الطب والعلوم التطبيقية متعلق بآلة رؤيا.
اما في العلوم الانسانية، فمتعلق بوجهة نظر، فجائت كلمة نظرية اي وجهة نظر او فكرة تصلح ان تكون منطلقا للسلوك او قاعدة فكرية تحتاج الى اثبات وبينات.
فالتنظير بهذا الوجه هو تفكير متعلق بالدراسات السلوكية، او تفكير يتطلب التطبيق في الواقع لتكييف الواقع بحسبه او معالجته او ايجاده حسب الفكر...ونحن نعلم ان الفكر متعلق بالواقع، اما ايجادا له واما تعاملا معه واما تكيفا له، ومعالجة له حسب الفكر. فقبل العمل لا بد من وجود الفكر، ولا عمل بدون فكر، والا كان العمل تخبطا وعبثا، لانه كل عمل لا بد له من غاية ونية ومقصد، والا كان عملا عبثيا ولهوا ولعبا لا مسؤولا .. فالعمل الهادف الغائي لا بد ان يسبقه الفكر ويوضحه ويرسم صورته، كي لا يكون لهوا ولا لعبا وعبثا.. ولنرجع لحديث انما الاعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى...فانه قاعدة عظيمة في استيضاح الامر وتحديده وفهمه...
اما من يقصد بهذه الكلمة ان الامر او الفكرة المطروحة غير عملية وغير قابلة للتطبيق على ارض الواقع، فهذا مبحث اخر يتطلب البحث في نفس الفكرة، وامكانية قبول الواقع لتطبيقها او رفضها، وامكانية احداث واقع جديد بها ولها ...ولعل كثير من المتعالمين حين يعجز عن النقاش، يقول لك هذا الكلام نظري، وغير واقعي...في حين ان ما من نبي ولا داعية اصلاح جاء بدعوته، والواقع المعاش للبشر يقبل دعوته، بل نلاحظ ان البدايات هي الرفض والمقاومة وعدم القبول تشبثا بالموروث والمصالح التي نسجت به، ولكن بعد تصديق الناس لدعوته وايمانهم بها ، يوجدون الواقع الذي يقبل دعوته ، وتكون لهاهي القيادة والسيطرة والمقياس والفكرة السائدة والموجهة للمجتمع وسلوك الامة فيه.
و يجب هنا ملاحظة امر مهم واخذه بعين الاعتبار وهو النظر الى الواقع.. فمن الخطورة بمكان، ان يتعامل الانسان مع الواقع على اساس انه مصدر التفكير فيفرض عليك التعامل معه على انه قدر محتوم كما يفعل من يسمون الواقعيون.. في حين ان الاصل في الواقع لايصح بتاتا ان يكون مصدرا للتفكير بل الواقع يجب ان يكون موضعا للتفكير، وتتفهمه وتتفهم تنزيل الاحكام عليه وفق ما تمليه عليك القاعدة الفكرية اي العقيدة التي هي مصدر فكرك وما ينبثق عنها من احكام وتشريعات، فان اقتضت تغييره غيرته وان اقتضت اصلاحه اصلحته وان اقتضت الرضى به رضيته وان اقتضت انكاره انكرته ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوكم أبو علي الزيادي
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2018-11-28, 6:29 am عدل 1 مرات