قراءة شاكر مصطفى لـ«صلاح الدين وإسرائيل»
بقلم : سعيد الشحات
الأربعاء، 17 مايو 2017 07:05 ص
دفعنى تطاول الدكتور يوسف زيدان على بطلنا التاريخى «صلاح الدين الأيوبى» إلى مراجعة مكتبتى.. لم أفعل ذلك من باب الحنين للماضى على حساب الحاضر، ولا تسلية الوقت بقراءة حكايات عن رجل توفى عام 1193، ولا الرد على الذين يزعمون أن ثورة 23 يوليو 1952 هى التى اخترعت وروجت تاريخ صلاح الدين الأيوبى، وكأنه كان جملة عابرة ليس لها أى أهمية فى تاريخنا.. فعلت من أجل العثور على شىء يربط حاضرنا بماضينا، كما ألحت علىّ فكرة مكانة صلاح الدين الأيوبى عند إسرائيل، بعد أن أشار زيدان إلى أن اليهود معجبون به، لأنه وفقًا لقوله: «أدخلهم إلى إيليا «أورشليم القدس» بعدما كانت العهدة العمرية تحظر دخولهم إليها، ولأنه اتخذ من موسى بن ميمون أهم مفكر يهودى فى العصور الوسطى طبيًبا خاصًا، وسمح له بالارتداد إلى اليهودية بعدما كان قد أعلن إسلامه فى الأندلس قبل مجيئه لمصر».
وجدت شيئًا مما أبحث عنه فى دراسة مهمة بعنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، للمؤرخ السورى الكبير الدكتور شاكر مصطفى، وتقدم بها إلى ندوة «حطين» التى دعت إليها ونظمتها وزارة الثقافة السورية، وعقدت فى دمشق بين يومى 11 و13 يوليو 1987، بمناسبة مرور ثمانية قرون على موقعة «حطين»، ونشرتها مجلة «شؤون عربية» التى تصدرها جامعة الدول العربية فى عددها الخاص عن «فلسطين»، الصادر فى ديسمبر 1987، وشاكر مصطفى درس التاريخ فى جامعة «فؤاد الأول» عام 1945، وله نحو 50 مؤلفًا فى التاريخ والأدب، وعمل أستاذًا للتاريخ لنحو 25 عامًا فى جامعة الكويت.
يكتب «مصطفى» مدخلًا لدراسته، يذكر فيه أنه كان فى المكتبة الشرقية ببيروت عام 1969، ليختار كتبًا باللغة الفرنسية للشراء، واختار كتابًا صغيرًا يقع فى مائتى صفحة، اسمه «الإسلام والصليبيات»، رغم أنه لمؤلف لم يسمع به من قبل بين العلماء، اسمه «عمانويل سيفان»، وبالرغم من تحذير صاحب المكتبة له بأن السعر مرتفع، ويعترف «مصطفى»: «لم أتصور أن يكون الثمن فى ذلك العهد أربعين ليرة لبنانية، وأعترف أننى صدمت، ولم أستطع التراجع، فكان أول ما فعلت فى ذلك اليوم أن أرى ما فى هذا الكتاب».
يعترف «مصطفى» أنه فوجئ بعدد من الكشوف، لو دفع ثمنها الآلاف لكان ذلك «رخيصًا رخيصًا»، ويعدد المفاجآت التى يجب أن نتوقف أمامها بتأمل، هى:
أولها: أن الجماعة اليهودية التى تحتل فلسطين تدرك تشابه غزوها واحتلالها للبلاد مع الغزو والاحتلال الصليبى، تدركه بوضوح وتعالجه جديًا فى المنظور العلمى كتجربة رائدة.
ثانيها: إسرائيل تدرس الموقف فى الشرق العربى الإسلامى، فى جذوره، وتحلل عناصره لتتفادى نهاية كنهاية «حطين»، وما بعد «حطين».
ثالثها: ولعل الأهم، أن ثمة فرق عمل كاملة فى الجامعة العبرية تتخصص فى هذا الموضوع، على رأسها جوزيف براور، صاحب كتاب «تاريخ المملكة اللاتينية فى القدس»، وهو مجلدين بالعبرية نشر سنة 1963، وتستعين هذه الفرق بالعلماء المتصهينين فى الجامعات الغربية لهذا الغرض، فلهم مراكز بحث ومستشارون فى جامعة باريس، لدى العالم اليهودى «كلود كاهن»، وفى الجامعات الأخرى الأمريكية، أمثال آشتور شتراوس، وبرونشفيك، وكيستر، وآيالون المختص بالعصر المملوكى، وغويتان الذى كتب عشرات الأبحاث حول قدسية القدس والصليبيات واليهود والإسلام.
ويؤكد «مصطفى» أن هذا الاهتمام هو «نقلة بين التاريخ والمستقبل»، و«ليست تهمهم الصليبيات بوصفها صليبيات، وإنما تهمهم بوصفها رموزًا تاريخية، وبوصفها إسقاطًا على المستقبل.. زاوية اهتمامهم محصورة فيها فى نقطة وحيدة: كيف تم طرد الصليبيين من هذه البقاع نفسها التى يحتلونها؟.. كيف كانت «حطين» وما بعدها؟»..
على هامش الضجة التى أثارها الدكتور يوسف زيدان بهجومه على «صلاح الدين الأيوبى»، أواصل عرض هذه الدراسة المهمة للمؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى، التى بدأتها أمس، وتحمل عنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، ويعتمد فيها على كتاب وقع بين يديه بالصدفة بعنوان «الإسلام والصليبيات» لمؤلف غير معروف اسمه «عمانويل سيفان»:
يعدد «مصطفى» الجوانب التى ركزت إسرائيل عليها فى البحث عن أسباب هزيمة الصليبيين وخروجهم من المنطقة، والظروف التى أدت إلى انتصار صلاح الدين الأيوبى فى موقعة حطين قائلا: «إنهم «مراكز بحثية صهيونية» يدرسون معنى الجهاد قبل الصليبيات وأثناءها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها فى نفوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، يرون كيف تمت الهدنات، وتم التعايش الفرنجى الإسلامى أولا، وكيف انقلب ذلك حروبا وجهادا من بعد، رغم تطاول الزمن؟ كيف تحول مفهوم الجهاد القديم فحل فى مفاهيم جديدة، ألهبت الناس؟ يبحثون عن مرتكزات الدعاية التى حولته دينيا «الجهاد» إلى عنصر كره للفرنج».
درسوا جذور الترابط فى المنطقة من مصر إلى العراق، وعن أسباب توحدها فى حطين وما بعدها، بل يحللون نصر «عين جالوت» ضد المغول، ويلحقون بالتحليل الفتاوى الشرعية، ويحللون أسباب سقوط عكا الأخير، وخروج آخر الصليبيين على آخر المراكب من المشرق، يبحثون عن أسباب ذلك وجذوره حتى فى لا وعى الشعب نفسه.
واصلت هذه المراكز البحثية الصهيونية أسئلتها: لماذا لم تستيقظ فكرة الجهاد فى العصر الحمدانى إلا على الثغور والحدود، رغم دعاية سيف الدولة الحمدانى، ورغم خطب «ابن نباتة» وأشعار المتنبى؟ ولماذا استيقظت فى العصر الصليبى فى دمشق وحلب خاصة؟ لماذا أخذ الجهاد الشكل الدفاعى السلبى والمحدود قبل الصليبيات؟ ثم أخذ الشكل الواسع بعدها؟ كيف أقيمت الصلة بين فكرة الجهاد وبين قدسية القدس مع أنها لم تكن موضوع جهاد من قبل ولا موضوع قدسية؟ ماذا زادت الصليبيات من العناصر على قدسية القدس لدى المسلمين؟
تتواصل الأسئلة: لماذا كانت معركة «ملازكرد» سنة 1071 نصرا إسلاميا نسيه الناس بسرعة، مع أنها كانت معركة حاسمة أسر فيها إمبراطور بيزنطة لأول مرة ولآخر مرة فى التاريخ بيد سلطان السلاجقة ملك شاه؟ ولماذا لم تثر المعركة فكرة الجهاد لدى أهل الشام والعراق خاصة؟ لماذا لم يذكر علماء الإسلام فى القرن الثانى عشر فكرة «طلب الشهادة» بين دوافع الجهاد؟ ولم يذكروا القدس؟ إن أعمل 12 عالما فى ذلك العصر لم تذكر ذلك، لم يذكرها إلا عالم داعية هو عز الدين السلمى فى العهد الأيوبى والإمام النووى أيام بيبرس. ما موقف الشرع الإسلامى من الأموال الإسلامية التى تقع فى يد الكفار؟ هل تبقى ملكا للمسلم مهما طال العهد، أم هى غنائم للمتحاربين؟ المذهب الحنفى وحده يجعلها غنائم، لكن استعادة القوى الإسلامية لتلك الأموال تعيدها إلى أصحابها، ومع ذلك فإن «زنكى» رغم أنه «حنفى»، أعاد أملاك «معرة النعمان» سنة 1136 إلى أصحابها، وابنه محمود وهو مثله فى الحنفية أعاد أملاك أعزاز سنة 1150 لأصحابها، فما تفسير ذلك، ما معنى أن لا نجد لدى الشعراء الذين رثوا الدولة الحمدانية أى ذكر للجهاد، ويذكر الكرم وحده؟
يعلق شكر مصطفى: «التراث الذى نتصور أنه نائم فى دمائنا وفى أدراجنا هو لديهم كيان كامل على المشرحة، يستنطقونه ويحكمون عليها من خلاله». يدرسون: خطب الجهاد منذ عهد الفتوح مرورا بـ«الحمدانيين» حتى العهد المملوكى، كما يدرسون: كل الكتب التى ألفت فى الجهاد، أو كتبت عنه، ويتوقفون بخاصة عند كتب الجهاد التى ظهرت قبيل العصر الصليبى وخلاله ومن بعده.
على هامش الضجة التى أثارها الدكتور يوسف زيدان بهجومه على «صلاح الدين الأيوبى»، أواصل عرض هذه الدراسة المهمة للمؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى، التى بدأتها أمس، وتحمل عنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، ويعتمد فيها على كتاب وقع بين يديه بالصدفة بعنوان «الإسلام والصليبيات» لمؤلف غير معروف اسمه «عمانويل سيفان»:
يعدد «مصطفى» الجوانب التى ركزت إسرائيل عليها فى البحث عن أسباب هزيمة الصليبيين وخروجهم من المنطقة، والظروف التى أدت إلى انتصار صلاح الدين الأيوبى فى موقعة حطين قائلا: «إنهم «مراكز بحثية صهيونية» يدرسون معنى الجهاد قبل الصليبيات وأثناءها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها فى نفوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، يرون كيف تمت الهدنات، وتم التعايش الفرنجى الإسلامى أولا، وكيف انقلب ذلك حروبا وجهادا من بعد، رغم تطاول الزمن؟ كيف تحول مفهوم الجهاد القديم فحل فى مفاهيم جديدة، ألهبت الناس؟ يبحثون عن مرتكزات الدعاية التى حولته دينيا «الجهاد» إلى عنصر كره للفرنج».
درسوا جذور الترابط فى المنطقة من مصر إلى العراق، وعن أسباب توحدها فى حطين وما بعدها، بل يحللون نصر «عين جالوت» ضد المغول، ويلحقون بالتحليل الفتاوى الشرعية، ويحللون أسباب سقوط عكا الأخير، وخروج آخر الصليبيين على آخر المراكب من المشرق، يبحثون عن أسباب ذلك وجذوره حتى فى لا وعى الشعب نفسه.
يواصل المؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى شرح وتوضيح ما تقوم به مراكز بحوث صهيونية من دراسات حول أسباب فشل الحملات الصليبية، وقدرة صلاح الدين الأيوبى على الانتصار فى موقعة حطين.
يقول «مصطفى» فى دراسته: «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، إنهم يدرسون كتاب «أحكام الجهاد وفضائله» لعز الدين السلمى، وكتاب «الجهاد» لكاتب مجهول من العهد نفسه، وكتاب «الجهاد» الذى وضعه القاضى بهاء الدين بن شداد لصلاح الدين الأيوبى ضمن كتابه «دلائل الأحكام»، ويتساءلون: لماذا لم يضع «ابن شداد» فى هذا الكتاب كلمة واحدة عن القدس؟ ولا قال هو ولا أحد قبله: إن الجهاد من أركان الإسلام الأساسية إلا الخوارج وإلا علماء العصر المملوكى.
يضيف مصطفى، أن من بين ما تدرسه هذه المراكز، كل الكتب الصادرة فى هذه الفترة وتتحدث عن فضائل الشام والقدس ومقارنتها بمكة والمدينة، ولاحظوا أن الاسم فى زيارة مكة هو الحج وفى القدس لا أكثر من زيارة، ويحللون فى هذا السبيل خمسة وثلاثين كتابا تتحدث فى فضائل القدس والشام، ككتاب ابن الخورى «فضائل القدس الشريف»، وتقى الدين بن تيمية «قاعدة فى زيارة القدس»، والكنجى الصوفى «فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيها»، وشهاب الدين القدسى «مثير الغرام فى فضائل القدس والشام» وأبى أسحق إبراهيم المكناسى «فضائل بيت المقدس» وعز الدين السلمى «ترغيب أهل الإسلام فى سكنى الشام»، وابن المرجى «فضائل بيت المقدس والخليل» وابن الفركاح إبراهيم الفزارى «بعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» ومجير الدين العليمى «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل».
وتدرس مراكز البحوث الصهيونية، دواوين الشعراء، ويلاحقون حتى الصغار منهم، لا يهملون المتنبى والمعرى، لكنهم يدرسون الغزى، وديوان ابن النبيه، وابن الساعاتى، وابن الخياط، وابن سناء الملك، والبوصيرى، وابن عنين، والبهاء زهير، وعمارة اليمنى، والملك الأمجد، وسبط ابن التعاويذى، وغيرهم ممن عاشوا الفترة الصليبية لعلهم يكشفون آثارها فى قوافيهم، ويدرسون مؤلفات العماد الأصفهانى، والقاضى الفاضل، والثعالبى، وابن جبير، ورسائل ضياء الدين ابن الأثير، وكتاب الإشارات للهروى، ورسائل ابن عبدالظاهر، وكتابات أسامة بن منقذ، وخطب عبدالرحيم ابن نباتة.
ويدرسون كتب الفقه والفتاوى، بخاصة التى أصدرها العلماء، كالإمام النووى، وكتاب المغنى لموفق الدين بن قدامة، ويدرسون ويسألون حتى السير الشعبية، ويرونها منجم المشاعر العميقة للجموع المقاتلة، يرون فيها المرآة الحقيقية.
ويتساءل مصطفى: هل فتح أحد منا قصة الأميرة ذات الهمة «سيرة المجاهدين وأبطال الموحدين»، أوسيرة عنترة، أو فتوح الشام للواقدى، أو فتوح الشام الأخرى للأزدى البصرى، أو قصة على نور الدين المصرى مع مريم الزنارية، ويجيب: «أنه سيرى فيها ما يكشفه الصهيونيون من المشاعر، إنهم يصلون حتى إلى تحليل النكات والنوادر».
لماذا كل هذا العناء والجهد؟ السؤال يطرحه «مصطفى»، ويجيب: «ليس العلم وحده هو ما يقصدون، وإلا كانت لديهم آلاف المواضيع الأخرى الجديرة بالدراسة، إنهم يتحسسون فى الصليبيات ونهايتها وجعهم، قلقهم، مصير الغد، إن عقدة الصليبيات تلاحقهم، تؤرق استقرار المشروع الصهيونى كله، السؤال الأساسى الذى يطرحونه أمامهم: كيف يتخلصون من مصير مملكة القدس الصليبية وتوابعها؟ كيف يأمنون من حطين أخرى مقبلة؟ يريدون أن يعرفوا كيف نبتت خيول حطين وامتطتها العواصف؟ كان الناس عند وصول الفرنج إلى الشام أكواما من الرمال ذرتها السيوف الصليبية مع الريح، فكيف تحول مواطنو الريح هؤلاء إلى كتل صخرية صلدة تحطم عليها الفولاذ الفرنجى فجأة ومرة واحدة؟
وختاما، وبالرغم من أن هذه الدراسة، مضى ثلاثون عاما عليها، وبالرغم من إسرائيل تعيش أزهى عصورها بسبب التخاذل العربى، إلا أنه علينا أن نتأمل كيف تعاملت مع «الحالة الصليبية» ومع «صلاح الدين الأيوبى وانتصاره فى حطين»، هى أخضعت كل شىء للبحث حتى لا يكون مصيرها كمصير الصليبيين، وحتى لا تتكرر «حطين» بصورة عصرية، وذلك بضرب سيرة رمزها التاريخى كما يفعل يوسف زيدان.
واصلت هذه المراكز البحثية الصهيونية أسئلتها: لماذا لم تستيقظ فكرة الجهاد فى العصر الحمدانى إلا على الثغور والحدود، رغم دعاية سيف الدولة الحمدانى، ورغم خطب «ابن نباتة» وأشعار المتنبى؟ ولماذا استيقظت فى العصر الصليبى فى دمشق وحلب خاصة؟ لماذا أخذ الجهاد الشكل الدفاعى السلبى والمحدود قبل الصليبيات؟ ثم أخذ الشكل الواسع بعدها؟ كيف أقيمت الصلة بين فكرة الجهاد وبين قدسية القدس مع أنها لم تكن موضوع جهاد من قبل ولا موضوع قدسية؟ ماذا زادت الصليبيات من العناصر على قدسية القدس لدى المسلمين؟
تتواصل الأسئلة: لماذا كانت معركة «ملازكرد» سنة 1071 نصرا إسلاميا نسيه الناس بسرعة، مع أنها كانت معركة حاسمة أسر فيها إمبراطور بيزنطة لأول مرة ولآخر مرة فى التاريخ بيد سلطان السلاجقة ملك شاه؟ ولماذا لم تثر المعركة فكرة الجهاد لدى أهل الشام والعراق خاصة؟ لماذا لم يذكر علماء الإسلام فى القرن الثانى عشر فكرة «طلب الشهادة» بين دوافع الجهاد؟ ولم يذكروا القدس؟ إن أعمل 12 عالما فى ذلك العصر لم تذكر ذلك، لم يذكرها إلا عالم داعية هو عز الدين السلمى فى العهد الأيوبى والإمام النووى أيام بيبرس. ما موقف الشرع الإسلامى من الأموال الإسلامية التى تقع فى يد الكفار؟ هل تبقى ملكا للمسلم مهما طال العهد، أم هى غنائم للمتحاربين؟ المذهب الحنفى وحده يجعلها غنائم، لكن استعادة القوى الإسلامية لتلك الأموال تعيدها إلى أصحابها، ومع ذلك فإن «زنكى» رغم أنه «حنفى»، أعاد أملاك «معرة النعمان» سنة 1136 إلى أصحابها، وابنه محمود وهو مثله فى الحنفية أعاد أملاك أعزاز سنة 1150 لأصحابها، فما تفسير ذلك، ما معنى أن لا نجد لدى الشعراء الذين رثوا الدولة الحمدانية أى ذكر للجهاد، ويذكر الكرم وحده؟
يعلق شكر مصطفى: «التراث الذى نتصور أنه نائم فى دمائنا وفى أدراجنا هو لديهم كيان كامل على المشرحة، يستنطقونه ويحكمون عليها من خلاله». يدرسون: خطب الجهاد منذ عهد الفتوح مرورا بـ«الحمدانيين» حتى العهد المملوكى، كما يدرسون: كل الكتب التى ألفت فى الجهاد، أو كتبت عنه، ويتوقفون بخاصة عند كتب الجهاد التى ظهرت قبيل العصر الصليبى وخلاله ومن بعده.
بقلم : سعيد الشحات
الأربعاء، 17 مايو 2017 07:05 ص
دفعنى تطاول الدكتور يوسف زيدان على بطلنا التاريخى «صلاح الدين الأيوبى» إلى مراجعة مكتبتى.. لم أفعل ذلك من باب الحنين للماضى على حساب الحاضر، ولا تسلية الوقت بقراءة حكايات عن رجل توفى عام 1193، ولا الرد على الذين يزعمون أن ثورة 23 يوليو 1952 هى التى اخترعت وروجت تاريخ صلاح الدين الأيوبى، وكأنه كان جملة عابرة ليس لها أى أهمية فى تاريخنا.. فعلت من أجل العثور على شىء يربط حاضرنا بماضينا، كما ألحت علىّ فكرة مكانة صلاح الدين الأيوبى عند إسرائيل، بعد أن أشار زيدان إلى أن اليهود معجبون به، لأنه وفقًا لقوله: «أدخلهم إلى إيليا «أورشليم القدس» بعدما كانت العهدة العمرية تحظر دخولهم إليها، ولأنه اتخذ من موسى بن ميمون أهم مفكر يهودى فى العصور الوسطى طبيًبا خاصًا، وسمح له بالارتداد إلى اليهودية بعدما كان قد أعلن إسلامه فى الأندلس قبل مجيئه لمصر».
وجدت شيئًا مما أبحث عنه فى دراسة مهمة بعنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، للمؤرخ السورى الكبير الدكتور شاكر مصطفى، وتقدم بها إلى ندوة «حطين» التى دعت إليها ونظمتها وزارة الثقافة السورية، وعقدت فى دمشق بين يومى 11 و13 يوليو 1987، بمناسبة مرور ثمانية قرون على موقعة «حطين»، ونشرتها مجلة «شؤون عربية» التى تصدرها جامعة الدول العربية فى عددها الخاص عن «فلسطين»، الصادر فى ديسمبر 1987، وشاكر مصطفى درس التاريخ فى جامعة «فؤاد الأول» عام 1945، وله نحو 50 مؤلفًا فى التاريخ والأدب، وعمل أستاذًا للتاريخ لنحو 25 عامًا فى جامعة الكويت.
يكتب «مصطفى» مدخلًا لدراسته، يذكر فيه أنه كان فى المكتبة الشرقية ببيروت عام 1969، ليختار كتبًا باللغة الفرنسية للشراء، واختار كتابًا صغيرًا يقع فى مائتى صفحة، اسمه «الإسلام والصليبيات»، رغم أنه لمؤلف لم يسمع به من قبل بين العلماء، اسمه «عمانويل سيفان»، وبالرغم من تحذير صاحب المكتبة له بأن السعر مرتفع، ويعترف «مصطفى»: «لم أتصور أن يكون الثمن فى ذلك العهد أربعين ليرة لبنانية، وأعترف أننى صدمت، ولم أستطع التراجع، فكان أول ما فعلت فى ذلك اليوم أن أرى ما فى هذا الكتاب».
يعترف «مصطفى» أنه فوجئ بعدد من الكشوف، لو دفع ثمنها الآلاف لكان ذلك «رخيصًا رخيصًا»، ويعدد المفاجآت التى يجب أن نتوقف أمامها بتأمل، هى:
أولها: أن الجماعة اليهودية التى تحتل فلسطين تدرك تشابه غزوها واحتلالها للبلاد مع الغزو والاحتلال الصليبى، تدركه بوضوح وتعالجه جديًا فى المنظور العلمى كتجربة رائدة.
ثانيها: إسرائيل تدرس الموقف فى الشرق العربى الإسلامى، فى جذوره، وتحلل عناصره لتتفادى نهاية كنهاية «حطين»، وما بعد «حطين».
ثالثها: ولعل الأهم، أن ثمة فرق عمل كاملة فى الجامعة العبرية تتخصص فى هذا الموضوع، على رأسها جوزيف براور، صاحب كتاب «تاريخ المملكة اللاتينية فى القدس»، وهو مجلدين بالعبرية نشر سنة 1963، وتستعين هذه الفرق بالعلماء المتصهينين فى الجامعات الغربية لهذا الغرض، فلهم مراكز بحث ومستشارون فى جامعة باريس، لدى العالم اليهودى «كلود كاهن»، وفى الجامعات الأخرى الأمريكية، أمثال آشتور شتراوس، وبرونشفيك، وكيستر، وآيالون المختص بالعصر المملوكى، وغويتان الذى كتب عشرات الأبحاث حول قدسية القدس والصليبيات واليهود والإسلام.
ويؤكد «مصطفى» أن هذا الاهتمام هو «نقلة بين التاريخ والمستقبل»، و«ليست تهمهم الصليبيات بوصفها صليبيات، وإنما تهمهم بوصفها رموزًا تاريخية، وبوصفها إسقاطًا على المستقبل.. زاوية اهتمامهم محصورة فيها فى نقطة وحيدة: كيف تم طرد الصليبيين من هذه البقاع نفسها التى يحتلونها؟.. كيف كانت «حطين» وما بعدها؟»..
على هامش الضجة التى أثارها الدكتور يوسف زيدان بهجومه على «صلاح الدين الأيوبى»، أواصل عرض هذه الدراسة المهمة للمؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى، التى بدأتها أمس، وتحمل عنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، ويعتمد فيها على كتاب وقع بين يديه بالصدفة بعنوان «الإسلام والصليبيات» لمؤلف غير معروف اسمه «عمانويل سيفان»:
يعدد «مصطفى» الجوانب التى ركزت إسرائيل عليها فى البحث عن أسباب هزيمة الصليبيين وخروجهم من المنطقة، والظروف التى أدت إلى انتصار صلاح الدين الأيوبى فى موقعة حطين قائلا: «إنهم «مراكز بحثية صهيونية» يدرسون معنى الجهاد قبل الصليبيات وأثناءها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها فى نفوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، يرون كيف تمت الهدنات، وتم التعايش الفرنجى الإسلامى أولا، وكيف انقلب ذلك حروبا وجهادا من بعد، رغم تطاول الزمن؟ كيف تحول مفهوم الجهاد القديم فحل فى مفاهيم جديدة، ألهبت الناس؟ يبحثون عن مرتكزات الدعاية التى حولته دينيا «الجهاد» إلى عنصر كره للفرنج».
درسوا جذور الترابط فى المنطقة من مصر إلى العراق، وعن أسباب توحدها فى حطين وما بعدها، بل يحللون نصر «عين جالوت» ضد المغول، ويلحقون بالتحليل الفتاوى الشرعية، ويحللون أسباب سقوط عكا الأخير، وخروج آخر الصليبيين على آخر المراكب من المشرق، يبحثون عن أسباب ذلك وجذوره حتى فى لا وعى الشعب نفسه.
واصلت هذه المراكز البحثية الصهيونية أسئلتها: لماذا لم تستيقظ فكرة الجهاد فى العصر الحمدانى إلا على الثغور والحدود، رغم دعاية سيف الدولة الحمدانى، ورغم خطب «ابن نباتة» وأشعار المتنبى؟ ولماذا استيقظت فى العصر الصليبى فى دمشق وحلب خاصة؟ لماذا أخذ الجهاد الشكل الدفاعى السلبى والمحدود قبل الصليبيات؟ ثم أخذ الشكل الواسع بعدها؟ كيف أقيمت الصلة بين فكرة الجهاد وبين قدسية القدس مع أنها لم تكن موضوع جهاد من قبل ولا موضوع قدسية؟ ماذا زادت الصليبيات من العناصر على قدسية القدس لدى المسلمين؟
تتواصل الأسئلة: لماذا كانت معركة «ملازكرد» سنة 1071 نصرا إسلاميا نسيه الناس بسرعة، مع أنها كانت معركة حاسمة أسر فيها إمبراطور بيزنطة لأول مرة ولآخر مرة فى التاريخ بيد سلطان السلاجقة ملك شاه؟ ولماذا لم تثر المعركة فكرة الجهاد لدى أهل الشام والعراق خاصة؟ لماذا لم يذكر علماء الإسلام فى القرن الثانى عشر فكرة «طلب الشهادة» بين دوافع الجهاد؟ ولم يذكروا القدس؟ إن أعمل 12 عالما فى ذلك العصر لم تذكر ذلك، لم يذكرها إلا عالم داعية هو عز الدين السلمى فى العهد الأيوبى والإمام النووى أيام بيبرس. ما موقف الشرع الإسلامى من الأموال الإسلامية التى تقع فى يد الكفار؟ هل تبقى ملكا للمسلم مهما طال العهد، أم هى غنائم للمتحاربين؟ المذهب الحنفى وحده يجعلها غنائم، لكن استعادة القوى الإسلامية لتلك الأموال تعيدها إلى أصحابها، ومع ذلك فإن «زنكى» رغم أنه «حنفى»، أعاد أملاك «معرة النعمان» سنة 1136 إلى أصحابها، وابنه محمود وهو مثله فى الحنفية أعاد أملاك أعزاز سنة 1150 لأصحابها، فما تفسير ذلك، ما معنى أن لا نجد لدى الشعراء الذين رثوا الدولة الحمدانية أى ذكر للجهاد، ويذكر الكرم وحده؟
يعلق شكر مصطفى: «التراث الذى نتصور أنه نائم فى دمائنا وفى أدراجنا هو لديهم كيان كامل على المشرحة، يستنطقونه ويحكمون عليها من خلاله». يدرسون: خطب الجهاد منذ عهد الفتوح مرورا بـ«الحمدانيين» حتى العهد المملوكى، كما يدرسون: كل الكتب التى ألفت فى الجهاد، أو كتبت عنه، ويتوقفون بخاصة عند كتب الجهاد التى ظهرت قبيل العصر الصليبى وخلاله ومن بعده.
على هامش الضجة التى أثارها الدكتور يوسف زيدان بهجومه على «صلاح الدين الأيوبى»، أواصل عرض هذه الدراسة المهمة للمؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى، التى بدأتها أمس، وتحمل عنوان «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، ويعتمد فيها على كتاب وقع بين يديه بالصدفة بعنوان «الإسلام والصليبيات» لمؤلف غير معروف اسمه «عمانويل سيفان»:
يعدد «مصطفى» الجوانب التى ركزت إسرائيل عليها فى البحث عن أسباب هزيمة الصليبيين وخروجهم من المنطقة، والظروف التى أدت إلى انتصار صلاح الدين الأيوبى فى موقعة حطين قائلا: «إنهم «مراكز بحثية صهيونية» يدرسون معنى الجهاد قبل الصليبيات وأثناءها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها فى نفوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، يرون كيف تمت الهدنات، وتم التعايش الفرنجى الإسلامى أولا، وكيف انقلب ذلك حروبا وجهادا من بعد، رغم تطاول الزمن؟ كيف تحول مفهوم الجهاد القديم فحل فى مفاهيم جديدة، ألهبت الناس؟ يبحثون عن مرتكزات الدعاية التى حولته دينيا «الجهاد» إلى عنصر كره للفرنج».
درسوا جذور الترابط فى المنطقة من مصر إلى العراق، وعن أسباب توحدها فى حطين وما بعدها، بل يحللون نصر «عين جالوت» ضد المغول، ويلحقون بالتحليل الفتاوى الشرعية، ويحللون أسباب سقوط عكا الأخير، وخروج آخر الصليبيين على آخر المراكب من المشرق، يبحثون عن أسباب ذلك وجذوره حتى فى لا وعى الشعب نفسه.
يواصل المؤرخ السورى الدكتور شاكر مصطفى شرح وتوضيح ما تقوم به مراكز بحوث صهيونية من دراسات حول أسباب فشل الحملات الصليبية، وقدرة صلاح الدين الأيوبى على الانتصار فى موقعة حطين.
يقول «مصطفى» فى دراسته: «من الغزو الصليبى إلى الغزو الصهيونى وبالعكس»، إنهم يدرسون كتاب «أحكام الجهاد وفضائله» لعز الدين السلمى، وكتاب «الجهاد» لكاتب مجهول من العهد نفسه، وكتاب «الجهاد» الذى وضعه القاضى بهاء الدين بن شداد لصلاح الدين الأيوبى ضمن كتابه «دلائل الأحكام»، ويتساءلون: لماذا لم يضع «ابن شداد» فى هذا الكتاب كلمة واحدة عن القدس؟ ولا قال هو ولا أحد قبله: إن الجهاد من أركان الإسلام الأساسية إلا الخوارج وإلا علماء العصر المملوكى.
يضيف مصطفى، أن من بين ما تدرسه هذه المراكز، كل الكتب الصادرة فى هذه الفترة وتتحدث عن فضائل الشام والقدس ومقارنتها بمكة والمدينة، ولاحظوا أن الاسم فى زيارة مكة هو الحج وفى القدس لا أكثر من زيارة، ويحللون فى هذا السبيل خمسة وثلاثين كتابا تتحدث فى فضائل القدس والشام، ككتاب ابن الخورى «فضائل القدس الشريف»، وتقى الدين بن تيمية «قاعدة فى زيارة القدس»، والكنجى الصوفى «فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيها»، وشهاب الدين القدسى «مثير الغرام فى فضائل القدس والشام» وأبى أسحق إبراهيم المكناسى «فضائل بيت المقدس» وعز الدين السلمى «ترغيب أهل الإسلام فى سكنى الشام»، وابن المرجى «فضائل بيت المقدس والخليل» وابن الفركاح إبراهيم الفزارى «بعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» ومجير الدين العليمى «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل».
وتدرس مراكز البحوث الصهيونية، دواوين الشعراء، ويلاحقون حتى الصغار منهم، لا يهملون المتنبى والمعرى، لكنهم يدرسون الغزى، وديوان ابن النبيه، وابن الساعاتى، وابن الخياط، وابن سناء الملك، والبوصيرى، وابن عنين، والبهاء زهير، وعمارة اليمنى، والملك الأمجد، وسبط ابن التعاويذى، وغيرهم ممن عاشوا الفترة الصليبية لعلهم يكشفون آثارها فى قوافيهم، ويدرسون مؤلفات العماد الأصفهانى، والقاضى الفاضل، والثعالبى، وابن جبير، ورسائل ضياء الدين ابن الأثير، وكتاب الإشارات للهروى، ورسائل ابن عبدالظاهر، وكتابات أسامة بن منقذ، وخطب عبدالرحيم ابن نباتة.
ويدرسون كتب الفقه والفتاوى، بخاصة التى أصدرها العلماء، كالإمام النووى، وكتاب المغنى لموفق الدين بن قدامة، ويدرسون ويسألون حتى السير الشعبية، ويرونها منجم المشاعر العميقة للجموع المقاتلة، يرون فيها المرآة الحقيقية.
ويتساءل مصطفى: هل فتح أحد منا قصة الأميرة ذات الهمة «سيرة المجاهدين وأبطال الموحدين»، أوسيرة عنترة، أو فتوح الشام للواقدى، أو فتوح الشام الأخرى للأزدى البصرى، أو قصة على نور الدين المصرى مع مريم الزنارية، ويجيب: «أنه سيرى فيها ما يكشفه الصهيونيون من المشاعر، إنهم يصلون حتى إلى تحليل النكات والنوادر».
لماذا كل هذا العناء والجهد؟ السؤال يطرحه «مصطفى»، ويجيب: «ليس العلم وحده هو ما يقصدون، وإلا كانت لديهم آلاف المواضيع الأخرى الجديرة بالدراسة، إنهم يتحسسون فى الصليبيات ونهايتها وجعهم، قلقهم، مصير الغد، إن عقدة الصليبيات تلاحقهم، تؤرق استقرار المشروع الصهيونى كله، السؤال الأساسى الذى يطرحونه أمامهم: كيف يتخلصون من مصير مملكة القدس الصليبية وتوابعها؟ كيف يأمنون من حطين أخرى مقبلة؟ يريدون أن يعرفوا كيف نبتت خيول حطين وامتطتها العواصف؟ كان الناس عند وصول الفرنج إلى الشام أكواما من الرمال ذرتها السيوف الصليبية مع الريح، فكيف تحول مواطنو الريح هؤلاء إلى كتل صخرية صلدة تحطم عليها الفولاذ الفرنجى فجأة ومرة واحدة؟
وختاما، وبالرغم من أن هذه الدراسة، مضى ثلاثون عاما عليها، وبالرغم من إسرائيل تعيش أزهى عصورها بسبب التخاذل العربى، إلا أنه علينا أن نتأمل كيف تعاملت مع «الحالة الصليبية» ومع «صلاح الدين الأيوبى وانتصاره فى حطين»، هى أخضعت كل شىء للبحث حتى لا يكون مصيرها كمصير الصليبيين، وحتى لا تتكرر «حطين» بصورة عصرية، وذلك بضرب سيرة رمزها التاريخى كما يفعل يوسف زيدان.
واصلت هذه المراكز البحثية الصهيونية أسئلتها: لماذا لم تستيقظ فكرة الجهاد فى العصر الحمدانى إلا على الثغور والحدود، رغم دعاية سيف الدولة الحمدانى، ورغم خطب «ابن نباتة» وأشعار المتنبى؟ ولماذا استيقظت فى العصر الصليبى فى دمشق وحلب خاصة؟ لماذا أخذ الجهاد الشكل الدفاعى السلبى والمحدود قبل الصليبيات؟ ثم أخذ الشكل الواسع بعدها؟ كيف أقيمت الصلة بين فكرة الجهاد وبين قدسية القدس مع أنها لم تكن موضوع جهاد من قبل ولا موضوع قدسية؟ ماذا زادت الصليبيات من العناصر على قدسية القدس لدى المسلمين؟
تتواصل الأسئلة: لماذا كانت معركة «ملازكرد» سنة 1071 نصرا إسلاميا نسيه الناس بسرعة، مع أنها كانت معركة حاسمة أسر فيها إمبراطور بيزنطة لأول مرة ولآخر مرة فى التاريخ بيد سلطان السلاجقة ملك شاه؟ ولماذا لم تثر المعركة فكرة الجهاد لدى أهل الشام والعراق خاصة؟ لماذا لم يذكر علماء الإسلام فى القرن الثانى عشر فكرة «طلب الشهادة» بين دوافع الجهاد؟ ولم يذكروا القدس؟ إن أعمل 12 عالما فى ذلك العصر لم تذكر ذلك، لم يذكرها إلا عالم داعية هو عز الدين السلمى فى العهد الأيوبى والإمام النووى أيام بيبرس. ما موقف الشرع الإسلامى من الأموال الإسلامية التى تقع فى يد الكفار؟ هل تبقى ملكا للمسلم مهما طال العهد، أم هى غنائم للمتحاربين؟ المذهب الحنفى وحده يجعلها غنائم، لكن استعادة القوى الإسلامية لتلك الأموال تعيدها إلى أصحابها، ومع ذلك فإن «زنكى» رغم أنه «حنفى»، أعاد أملاك «معرة النعمان» سنة 1136 إلى أصحابها، وابنه محمود وهو مثله فى الحنفية أعاد أملاك أعزاز سنة 1150 لأصحابها، فما تفسير ذلك، ما معنى أن لا نجد لدى الشعراء الذين رثوا الدولة الحمدانية أى ذكر للجهاد، ويذكر الكرم وحده؟
يعلق شكر مصطفى: «التراث الذى نتصور أنه نائم فى دمائنا وفى أدراجنا هو لديهم كيان كامل على المشرحة، يستنطقونه ويحكمون عليها من خلاله». يدرسون: خطب الجهاد منذ عهد الفتوح مرورا بـ«الحمدانيين» حتى العهد المملوكى، كما يدرسون: كل الكتب التى ألفت فى الجهاد، أو كتبت عنه، ويتوقفون بخاصة عند كتب الجهاد التى ظهرت قبيل العصر الصليبى وخلاله ومن بعده.