حديث المساء
مع [سورة الحجر : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5).
قال المراغي رحمه الله في تفسيره:-
(( شرح المفردات:-
ربما (بضم الراء وتخفيف الباء وتشديدها) كلمة تدل على أن ما بعدها قليل الحصول، فإذا قيل ربما زارنا فلان دل على أن حصول الزيارة منه قليل، يلههم: أي يشغلهم من قولهم: لهيت عن الشيء ألهى لهيا إذا أعرضت عنه، ما تسبق: أي ما يتقدم زمان أجلها.
الإيضاح
(الر) تقدم القول في بيان معاني هذه الحروف ومبانيها، فذكرنا أنها حروف تنبيه بمنزلة ألا، ويا، وينطق بأسمائها ساكنة فيقال: (ألف. لام. را).
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) أي تلك السورة من آيات ذلك الكتاب الكامل من بين سائر الكتب المنزلة من عند الله، المبين للرشد من الغي، والمظهر في تضاعيفه للحكم والأحكام.
(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) هذا إخبار من الله عن الكفار بأنهم سيندمون في الآخرة على ما كانوا عليه من الكفر، ويتمنون أن لو كانوا في الدنيا مسلمين.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا بلى، قالوا فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، قال ثم قرأ رسول الله ﷺ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم - الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين، ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ».
ونحو الآية قوله تعالى: « وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ». قال الزجاج: إن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب ورأى حالا من أحوال المسلم ودّ أن لو كان مسلما.
وقصارى ذلك - قد يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين حينما يعاينون العذاب وقت الموت: « والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون » وفى الموقف حينما يرون هول العذاب وقد انصرف المسلمون إلى الجنة وسيقوا هم إلى النار، والمسلمون المذنبون عذّبوا بذنوبهم ثم خرجوا منها وبقي الكافرون في جهنم.
وقد جاءت (ربما) للتقليل على سنة العرب في نحو قولهم: ربما تندم على ما فعلت، ولعلك تندم على ما فعلت، لا يقصدون التقليل في نحو ذلك، وإنما يريدون أن الندم لو كان مشكوكا فيه أولو كان قليلا لحق عليك ألا تفعل هذا الفعل، إذ العاقل يتحرز من التعرض للغم المظنون كما يتعرض للغم المتيقن، ويبتعد عن القليل منه كما يبتعد عن الكثير.
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أي دعهم أيها الرسول في غفلاتهم يأكلون كما تأكل الأنعام، ويتمتعون بلذات الدنيا وشهواتها، وتلهيهم الآمال عن الآجال، فيقول الرجل منهم غدا سأنال ثروة عظيمة، وأحظى بما أشتهى، ويعلو ذكرى، ويكثر ولدي، وأبنى القصور، وأكثر الدور، وأقهر الأعداء، وأفاخر الأنداد، إلى نحو ذلك مما يغرق فيه من بحار الأماني والآمال وطلب المحال.
ثم علل الأمر بتركهم بقوله:
(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم إذا هم عاينوا سوء جزائهم، ووخامة عاقبتهم وفى هذا وعيد بعد تهديد، وإلزام لهم بالحجة ومبالغة في الإنذار، وقد جاء في أمثالهم (أعذر من أنذر) وإيماء إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للآخرة والتأهب لها - ليس من أخلاق المؤمنين.
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن عمرو بن شعيب مرفوعا قال: « صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل ».
وروي عن الحسن أنه قال: ما أطال عبد الأمل، إلا أساء العمل.
وروي عن على أنه قال: إنما أخشى عليكم اثنتين، طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسى الآخرة، واتباع الهوى يصدّ عن الحق.
وبعد أن هدد من كذب الرسول بقوله: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل، ذكر سر تأخير عذابهم إلى يوم القيامة وعدم التعجيل به كما فعل بكثير من الأمم السالفة فقال:
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أي وما أهلكنا قرية من القرى بالخسف بها وبأهلها كما فعل ببعضها، أو بإخلائها من أهلها بعد إهلاكهم كما فعل بأخرى، إلا ولها أجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ لا ينسى ولا يغفل عنه ولا يتقدم عن وقته ولا يتأخر.
وخلاصة ذلك - إننا لو شئنا لعجلنا لهم العذاب فصاروا كأمس الدابر، ولكن لكل أجل كتاب، وشأننا الإمهال لا الإهمال.
وبعد أن بين سبحانه أن الأمم المهلكة كان لكل منهم وقت معين لهلاكهم بحسب ما هو مكتوب في اللوح - بين أن كل أمة منهم ومن غيرهم لها أجل لا يمكن التقدم عليه ولا التأخر عنه فقال:
(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أي لا يجىء هلاك أمة قبل محىء أجلها، ولا يتأخر الهلاك متى حل الأجل.
وفي هذا تنبيه لأهل مكة وارشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشرك والإلحاد الذي يستحقون به الهلاك، وزجر لهم بأن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغترّوا به، فالهلاك مدّخر لهم لا يتقدم ولا يتأخر)).اه
وقد اوصانا الله عز وجل كي لا نتعرض للندم يوم لا ينفع الندم ان نحرص على ان لا نموت الا ونحن مسلمون فقال سبحانه:- ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 102 ) المائدة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( اتقوا الله حق تقاته ) أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " . رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث مسعر ، عن زبيد ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، مرفوعا فذكره . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . نسال الله تعالى ان يحيينا على الايمان ويتوفانا على الإسلام والإحسان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع [سورة الحجر : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5).
قال المراغي رحمه الله في تفسيره:-
(( شرح المفردات:-
ربما (بضم الراء وتخفيف الباء وتشديدها) كلمة تدل على أن ما بعدها قليل الحصول، فإذا قيل ربما زارنا فلان دل على أن حصول الزيارة منه قليل، يلههم: أي يشغلهم من قولهم: لهيت عن الشيء ألهى لهيا إذا أعرضت عنه، ما تسبق: أي ما يتقدم زمان أجلها.
الإيضاح
(الر) تقدم القول في بيان معاني هذه الحروف ومبانيها، فذكرنا أنها حروف تنبيه بمنزلة ألا، ويا، وينطق بأسمائها ساكنة فيقال: (ألف. لام. را).
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) أي تلك السورة من آيات ذلك الكتاب الكامل من بين سائر الكتب المنزلة من عند الله، المبين للرشد من الغي، والمظهر في تضاعيفه للحكم والأحكام.
(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) هذا إخبار من الله عن الكفار بأنهم سيندمون في الآخرة على ما كانوا عليه من الكفر، ويتمنون أن لو كانوا في الدنيا مسلمين.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا بلى، قالوا فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، قال ثم قرأ رسول الله ﷺ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم - الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين، ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ».
ونحو الآية قوله تعالى: « وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ». قال الزجاج: إن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب ورأى حالا من أحوال المسلم ودّ أن لو كان مسلما.
وقصارى ذلك - قد يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين حينما يعاينون العذاب وقت الموت: « والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون » وفى الموقف حينما يرون هول العذاب وقد انصرف المسلمون إلى الجنة وسيقوا هم إلى النار، والمسلمون المذنبون عذّبوا بذنوبهم ثم خرجوا منها وبقي الكافرون في جهنم.
وقد جاءت (ربما) للتقليل على سنة العرب في نحو قولهم: ربما تندم على ما فعلت، ولعلك تندم على ما فعلت، لا يقصدون التقليل في نحو ذلك، وإنما يريدون أن الندم لو كان مشكوكا فيه أولو كان قليلا لحق عليك ألا تفعل هذا الفعل، إذ العاقل يتحرز من التعرض للغم المظنون كما يتعرض للغم المتيقن، ويبتعد عن القليل منه كما يبتعد عن الكثير.
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أي دعهم أيها الرسول في غفلاتهم يأكلون كما تأكل الأنعام، ويتمتعون بلذات الدنيا وشهواتها، وتلهيهم الآمال عن الآجال، فيقول الرجل منهم غدا سأنال ثروة عظيمة، وأحظى بما أشتهى، ويعلو ذكرى، ويكثر ولدي، وأبنى القصور، وأكثر الدور، وأقهر الأعداء، وأفاخر الأنداد، إلى نحو ذلك مما يغرق فيه من بحار الأماني والآمال وطلب المحال.
ثم علل الأمر بتركهم بقوله:
(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم إذا هم عاينوا سوء جزائهم، ووخامة عاقبتهم وفى هذا وعيد بعد تهديد، وإلزام لهم بالحجة ومبالغة في الإنذار، وقد جاء في أمثالهم (أعذر من أنذر) وإيماء إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للآخرة والتأهب لها - ليس من أخلاق المؤمنين.
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن عمرو بن شعيب مرفوعا قال: « صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل ».
وروي عن الحسن أنه قال: ما أطال عبد الأمل، إلا أساء العمل.
وروي عن على أنه قال: إنما أخشى عليكم اثنتين، طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسى الآخرة، واتباع الهوى يصدّ عن الحق.
وبعد أن هدد من كذب الرسول بقوله: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل، ذكر سر تأخير عذابهم إلى يوم القيامة وعدم التعجيل به كما فعل بكثير من الأمم السالفة فقال:
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أي وما أهلكنا قرية من القرى بالخسف بها وبأهلها كما فعل ببعضها، أو بإخلائها من أهلها بعد إهلاكهم كما فعل بأخرى، إلا ولها أجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ لا ينسى ولا يغفل عنه ولا يتقدم عن وقته ولا يتأخر.
وخلاصة ذلك - إننا لو شئنا لعجلنا لهم العذاب فصاروا كأمس الدابر، ولكن لكل أجل كتاب، وشأننا الإمهال لا الإهمال.
وبعد أن بين سبحانه أن الأمم المهلكة كان لكل منهم وقت معين لهلاكهم بحسب ما هو مكتوب في اللوح - بين أن كل أمة منهم ومن غيرهم لها أجل لا يمكن التقدم عليه ولا التأخر عنه فقال:
(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أي لا يجىء هلاك أمة قبل محىء أجلها، ولا يتأخر الهلاك متى حل الأجل.
وفي هذا تنبيه لأهل مكة وارشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشرك والإلحاد الذي يستحقون به الهلاك، وزجر لهم بأن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغترّوا به، فالهلاك مدّخر لهم لا يتقدم ولا يتأخر)).اه
وقد اوصانا الله عز وجل كي لا نتعرض للندم يوم لا ينفع الندم ان نحرص على ان لا نموت الا ونحن مسلمون فقال سبحانه:- ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 102 ) المائدة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( اتقوا الله حق تقاته ) أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " . رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث مسعر ، عن زبيد ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، مرفوعا فذكره . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . نسال الله تعالى ان يحيينا على الايمان ويتوفانا على الإسلام والإحسان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.