الصين والحرب التجارية: كانت الصين، مثل معظم بلدان "الأَطْرَاف" (أو المُحِيط) تُنْتِجُ قبل أربعين سنة سِلَعًا منخفضة التكلفة، يتطلب تصنيعها عمالة كثيفة، وكانت تستخدم الآلات المستوردة، فيما كانت الشركات الأجنبية تحقق أرباحًا ضخمة عبر استغلال العُمّال الصينيين برواتب منخفضة، وكانت الصين تتمدّدُ في إفريقيا وآسيا بشكل سريع، عبر استغلال المواد الأولية (المحروقات والمعادن والمواد الأولية)، وتتجنب منافسة الشركات الأوروبية والأمريكية، واستخدمت الدّولة عائدات الصادرات للاستثمار في البنية التحتية والتّدريب والتّأهيل ودعم النّمو، إلى أن أصبحت الصين تصنع السيارات والحواسيب والآلات الصناعية واستثمرت في البحث العلمي فطوّرَتْ صناعات التكنولوجيا الدقيقة، إلى أن حدثت أزمة 2008-2009 التي هَدّدت اقتصاد الصّين المرتبط بالإقتصاد العالمي، فعمدت الدولة إلى رفع الرواتب (ما أدّى إلى انتقال عدد من الشركات الأجنبية إلى فيتنام وبنغلادش وكمبوديا وغيرها) وتشجيع استهلاك إنتاج المصانع الصينية، عبر حَوافِزَ عديدة، لتعتمدَ عملية نمو الإقتصاد (إجمالي النّاتج المحلِّي) على ارتفاع الطلب المَحَلِّي والإستهلاك الداخلي، بدل التّصْدِير كعمود فقري لزيادة النّمو، وعمدت الدولة إلى محاولة منافسة الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية في مجالات التكنولوجيا والطاقات المتجددة وبعض القطاعات ذات القيمة الزائدة المُرْتَفِعَة، وهو ما دَفَعَ أوروبا وأمريكا قبل بضع سنوات إلى فَرْضِ رُسُوم على الألواح الشمسية وعلى الصلب والألمنيوم وبعض السلع القادمة من الصين، بذريعة "المنافسة غير النّزِيهة"، وهذه القرارات سابقة لانتخاب "دونالد ترامب" رئيسًا للولايات المتحدة، ولكنه أعلن بعد انتخابه حربًا تجارية على العالم، واستهدَفَ الصّين بشكل خاص، لكن قد تُؤَدِّي هذه الحرب والعُقُوبات إلى حدوث بعض الصّعوبات، وانخفاض نسبة النّمو، لكن يَعْسُرُ على أمريكا خَنْقَ الإقتصاد الصيني لسببيْن أولهما العلاقات الإقتصادية والتجارية الواسعة التي نسجَتْها الصّين في مناطق عديدة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، بالإضافة إلى مشروع "طريق الحرير الجديد الذي رَبَط اقتصاد الصّين بعدد من البلدان في آسيا وحوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج والقرن الإفريقي ومناطق عديدة من أوروبا، مُرُورًا بآسيا الوُسطى، وثانيهما، وثانيهما مساحة الصين وعدد سكانها وارتفاع متوسط الدّخل، لتشكل الصين سوقًا داخلية هامة لإنتاج الصين...
تمكّنت الصين من تحقيق مستوى مرتفع من الإنتاج مع المحافظة على تنافسية الشركات المحلية، لإنتاج ما يُلَبِّي حاجة 1,4 مليار نسمة، ويمكن للهند أيضًا بعد بضع سنوات أن تفعل ذلك، لكن الأمر يختلف بالنسبة للولايات المتحدة بسبب عدد السكان (أكثر من 300 مليون نسمة) وبسبب تعويل أمريكا على توريد العديد من المواد التي تنخفض تكلفة إنتاجها في الخارج، يُساعدها اعتماد الدّولار كعملة تبادل عالمي، وقد ينطبق نفس الأمر على الإتحاد الأوروبي (أقل من 500 مليون نسمة)، لأن أوروبا لا تشكل وحدة سياسية، ولا يمكنها حاليّا الخروج عن "طاعة" أمريكا في مجالات العلاقات الخارجية (السياسة العالمية) وشُؤُون الحرب والسّلم، كما لم ترتَقِ أوروبا بعدُ إلى توحيد كافة المَعايير ذات الصّبغة الإقتصادية، وهي تَسِير بِبُطْءٍ في الطريق إلى ذلك...
تعمل الولايات المتحدة على عرقلة تدفق الاستثمارات نحو الصّين (ونحو روسيا كذلك، عبر فرض عقوبات وحظْر) وتُعرْقِلُ نقل المعرفة والتكنولوجيا، وما تُسَمِّيه أمريكا "الملكية الفكرية"، لكن الصين تمكنت خلال العقود الثلاثة الماضية من زيادة النمو بشكل استثنائي بفضل الإستغلال الفاحش للعمال الذين اضطرّهم تطور رأس المال إلى النزوح والهجرة نحو أطراف المدن، ليتحولوا إلى عُمال بتكلفة منخفضة (وهو نفس مسار صغار الفلاحين في أوروبا منذ الثورة الصناعية)، وبفضل النقل المكثف للمعرفة، عبر تشجيع البحث والدّراسات، وعبر التجسس الصناعي أيضًا، واشتراط الصّين (قبل إبرام الصّفقات الضخمة) تلبية معايير مُعَيّنة، من بينها تعليم العمال والفَنِّيِّين والمديرين الصينيين تقنيات جديدة، مما جعل المشاريع المُشتركة (بين الصين والشركات الأجنبية) مدْرَسَةً لنقل المعرفة إلى الشركاء المحليين، مقابل تمكين الشركات الأجنبية من دخول السوق المحلي الصيني الضّخم، ويُزْعِجُ هذا الجانب الأخير الولايات المتحدة، لأنه يُفْقِدُ الشركات الأمريكية تَفَوُّقَها التكنولوجي، مما يُفَسِّرُ قرار أمريكا فَرْضَ قُيود على استحواذ شركات ومصارف صينية (معظمها حكومية) على شركات التكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى فَرْضِ تعريفات جمركية مُرْتَفِعَة، ولكن هذه الإجراءات قد تُؤَخِّرُ صعود الإقتصاد الصيني إلى مصاف "قاطرة الإقتصاد العالمي"، ولكنها لا تستطيع مَنْعَ الصّين من التّطوّر والتحول إلى قوة تعتمد على السوق الداخلية (بدل التصدير) وعلى ما يُسَمّى "الذّكاء" الإصطناعي وصناعة الإنسان الآلي ("الرُّبو") والابتكار، والطاقة المتجددة، بدل الفحم والنفط الأحفوري، وتطمح حكومة الصين إلى الإعتماد على البحث العلمي لتطوير التصنيع عالي القيمة، وإنجاز برنامج "صنع في الصين" سنة 2025، ويهدف تلْبِية الطلب الداخلي على المنتجات المتطورة، بالإنتاج المحلي الصيني، مما يُخَفِّفُ كثيرًا من آثار العقوبات الأمريكية (وغير الأمريكية)... المعلومات الواردة من موقع "بي بي سي" ومن "فايننشال تايمز" و"وول ستريت جورنال" من 23 حزيران إلى 18 تموز 2018
تمكّنت الصين من تحقيق مستوى مرتفع من الإنتاج مع المحافظة على تنافسية الشركات المحلية، لإنتاج ما يُلَبِّي حاجة 1,4 مليار نسمة، ويمكن للهند أيضًا بعد بضع سنوات أن تفعل ذلك، لكن الأمر يختلف بالنسبة للولايات المتحدة بسبب عدد السكان (أكثر من 300 مليون نسمة) وبسبب تعويل أمريكا على توريد العديد من المواد التي تنخفض تكلفة إنتاجها في الخارج، يُساعدها اعتماد الدّولار كعملة تبادل عالمي، وقد ينطبق نفس الأمر على الإتحاد الأوروبي (أقل من 500 مليون نسمة)، لأن أوروبا لا تشكل وحدة سياسية، ولا يمكنها حاليّا الخروج عن "طاعة" أمريكا في مجالات العلاقات الخارجية (السياسة العالمية) وشُؤُون الحرب والسّلم، كما لم ترتَقِ أوروبا بعدُ إلى توحيد كافة المَعايير ذات الصّبغة الإقتصادية، وهي تَسِير بِبُطْءٍ في الطريق إلى ذلك...
تعمل الولايات المتحدة على عرقلة تدفق الاستثمارات نحو الصّين (ونحو روسيا كذلك، عبر فرض عقوبات وحظْر) وتُعرْقِلُ نقل المعرفة والتكنولوجيا، وما تُسَمِّيه أمريكا "الملكية الفكرية"، لكن الصين تمكنت خلال العقود الثلاثة الماضية من زيادة النمو بشكل استثنائي بفضل الإستغلال الفاحش للعمال الذين اضطرّهم تطور رأس المال إلى النزوح والهجرة نحو أطراف المدن، ليتحولوا إلى عُمال بتكلفة منخفضة (وهو نفس مسار صغار الفلاحين في أوروبا منذ الثورة الصناعية)، وبفضل النقل المكثف للمعرفة، عبر تشجيع البحث والدّراسات، وعبر التجسس الصناعي أيضًا، واشتراط الصّين (قبل إبرام الصّفقات الضخمة) تلبية معايير مُعَيّنة، من بينها تعليم العمال والفَنِّيِّين والمديرين الصينيين تقنيات جديدة، مما جعل المشاريع المُشتركة (بين الصين والشركات الأجنبية) مدْرَسَةً لنقل المعرفة إلى الشركاء المحليين، مقابل تمكين الشركات الأجنبية من دخول السوق المحلي الصيني الضّخم، ويُزْعِجُ هذا الجانب الأخير الولايات المتحدة، لأنه يُفْقِدُ الشركات الأمريكية تَفَوُّقَها التكنولوجي، مما يُفَسِّرُ قرار أمريكا فَرْضَ قُيود على استحواذ شركات ومصارف صينية (معظمها حكومية) على شركات التكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى فَرْضِ تعريفات جمركية مُرْتَفِعَة، ولكن هذه الإجراءات قد تُؤَخِّرُ صعود الإقتصاد الصيني إلى مصاف "قاطرة الإقتصاد العالمي"، ولكنها لا تستطيع مَنْعَ الصّين من التّطوّر والتحول إلى قوة تعتمد على السوق الداخلية (بدل التصدير) وعلى ما يُسَمّى "الذّكاء" الإصطناعي وصناعة الإنسان الآلي ("الرُّبو") والابتكار، والطاقة المتجددة، بدل الفحم والنفط الأحفوري، وتطمح حكومة الصين إلى الإعتماد على البحث العلمي لتطوير التصنيع عالي القيمة، وإنجاز برنامج "صنع في الصين" سنة 2025، ويهدف تلْبِية الطلب الداخلي على المنتجات المتطورة، بالإنتاج المحلي الصيني، مما يُخَفِّفُ كثيرًا من آثار العقوبات الأمريكية (وغير الأمريكية)... المعلومات الواردة من موقع "بي بي سي" ومن "فايننشال تايمز" و"وول ستريت جورنال" من 23 حزيران إلى 18 تموز 2018