السودان في الشهر السادس للحراك الإجتماعي:
كان الجيش السوداني ولا يزال شريكًا أساسياًّ في الحُكْم، وعرف السودان منذ إعلان الإستقلال سنة 1956، عددًا من الإنقلابات العسكرية، وتمكَّن نضال الشعب السُّوداني، خلال العُقُود الأخيرة، من إسقاط حُكْمَيْنِ عَسْكَرِيَّيْنِ، بفضل التقاليد العريقة للتجارب الحزبية والنقابية، فكانت المرة الأولى، من خلال انتفاضة جماهيرية في تشرين الأول/اكتوبر 1964، والتي سُمِّيَت في التراث السياسي السوداني "ثورة اكتوبر"، ضد الحكم العسكري الذي كان يقوده الفريق "إبراهيم عبود"، منذ انقلاب 1958 (بعد سنَتَيْن من إعلان الإستقلال، سنة 1956 )، والمرة الثانية كانت في نيسان/ابريل 1985 (سُمِّيَتْ "انتفاضة ابريل") ضد حكم الفريق "جعفر النميري" الذي قاد انقلابًا عسكريًّا سنة 1969...
تَمَيَّزت الحركة الأخيرة (2018/2019) بانطلاقها من الإحتجاج ضد ارتفاع أسعار البنزين والطحين والخُبْز، إلى التنديد بالفساد وبنظام الحُكْم كَكُل، وتميزت أيضًا باتساع نطاقها لتنتشر في مختلف مناطق البلاد، ولتشمل فئات من الشرائح العُلْيَا للبرجوازية الصّغِيرة ( تحالف "قوى الحُرِّيّة والتّغْيِير" الذي يَضُمُّ "تجمع المهنيين" )، إلى جانب المُشاركة القوية والنّشطة لفئات الشباب والنساء، وهذا من أسباب استمرار وتيرة الإحتجاجات طيلة ستة أشهر، وتجذّر المطالب (نسبيًّا)، ورفْضِ مناورات قيادات الجيش، المدعومة من أنظمة الحُكْم في السعودية والإمارات ومصر، وهي القُوى الوكيلة مَحَلِّيًّا للإمبريالية، وأصبح المتظاهرون، يُطالبون، منذ الإعتصام أمام القصر الجمهوري وقيادة أركان الجيش، بتغيير النظام كَكُل، وعدم الإكتفاء بالرأس، رغم قُصُور شعار "السلطة المدنية"، لأن القمع ورَهْن ثروات البلاد للخارج (للإمبريالية) لا يقتصر على قيادات الجيش، بل يمكن أن يكون الحُكْمُ "مَدَنِيًّا" ودكتاتورِيًّا، وقَمْعِيًّا، ويكون الحُكّام وُكَلاء على مصالح الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات...
انطلقت المظاهرات (وهي ليست الأولى) ضد ارتفاع سعر الخُبْز، في بلد واسع يمتلك أراضي زراعية تُعادل مساحتها نحو 40% من إجمالي مساحة الأراضي القابلة للزراعة في الوطن العربي، ولا تُسْتَغَلُّ سوى نحو 25% منها، ويُعتبر عدد السكان قليلاً، مقارنة بالمساحة، إذ لا يتجاوز أربعين مليون نسمة، لكن السودانيين مُشردين في بلدان العالم، بحثًا عن القُوت، رغم النفط الذي بلغ معدل إيراداته 3,5 مليارات دولارا سنويا بين 200 و2011، سنة انفصال الجنوب واستحواذه على 75% من حُقُول النّفط، ورغم الأراضي الزراعية الخصبة والمياه...
يَعِيشُ نحو 46,5% من السكان تحت خط الفقر، ولا يتمتع بالتيار الكهربائي سوى ثلث السّكّان، فيما تعاني المصانع من ضُعْف وانقطاع التّيّار الكهربائي، ولا تُخَصِّصُ الدولة سوى 5% من الميزانية للإنفاق على الصحة والتعليم والرعاية الإجتماعية، فيما تخصص أكثر من 70% من الميزانية للأمن، أي الجيش والشرطة والمخابرات والمليشيات... وأدّى ارتفاع نسبة الجوع والفقر إلى بقاء حوالي 40% من أطفال البلاد، الذين لم يبلغوا سن العاشرة، خارج نظام التعليم، بسبب الفَقْر، وإثر انقلاب عُمر البشير، واستحواذ الجيش على الحُكم (سنة 1989)، انخفض معدّل النمو السنوي لقطاع الزراعة، بسبب ضُعْفِ الإستثمارات، من 10,8% سنة 1989 إلى 3,6% سنة 1999، وبدأت الحكومة تستخدم جزءًا من عائدات النفط، لاستيراد المواد الغذائية، التي كانت تنتجها البلاد، والتي يمكن إنتاجها محليا، لو خُصِّصَتْ بعض الإستثمارات للقطاع الزراعي، وعندما فقدت الدولة النفط وإيراداته، سنة 2011 (حوالي 300 مليون دولارا شهريا)، انخفض احتياطي العملة الأجنبية، بالتوازي مع نمو الواردات الغذائية، فتعمقت الفجوة بين الصادرات التي انخفضت قيمتها، والواردات التي ارتفعت قيمتها، فارتفع عجز الميزان التجاري، وخفضت الحكومة قيمة الجُنَيْه السّوداني، مما زاد من ارتفاع الأسعار ومن تجاوز التضخم نسبة 50%، مرات عديدة...
صادر الإستعمار البريطاني (وكذلك الفرنسي في البلدان التي احتلها) مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، في كافة البلدان التي استعمَرها، وهي أراضي "مشاع"، أي تملكها مجموعة من السّكّان، أو أهالي قرية أو أُسْرة، واعتمد الإستعمار الفرنسي أو البريطاني (ثم الصهيوني من بعده في فلسطين) على عدم تسجيل هذه الأراضي في الدّوائر الحكومية الرّسمية، لمُصادرتها واعتبارها ملكًا للدّولة (أي ملكًا للْمُسْتَعْمِرِين القادمين من وراء البحار، على بعد آلاف الكيلومترات)، وفي السودان، أدّت مصادرة الأراضي خلال فترة الإستعمار البريطاني ( 1899 - 1956 ) إلى طرد وتهجير مجموعات من السكان، من الأراضي التي كانت تستغلها لتأمين العَيْش، وبعد الإستقلال، لم تُلْغِ الحُكومات هذه القرارات الإستعمارية، بل حافظت على نفس الجوهر، مما أدّى إلى اتساع رقعة الفقر، ودفع الآلاف للنزوح من الريف إلى أطراف المُدُن، أو إلى الخارج، وساهمت سياسة مصادرة الأراضي، بالتوازي مع الجفاف والعوامل الطبيعية السّلْبِية، في تأجيج الصراعات حول "الماء والكَلأ"، وتحولت الصراعات إلى نزاعات ذات صبغة قَبَلِيّة أو أثنِيّة، في بلد تعددت فيه الأعراق والأثنيات، ورخّصت الدولة، منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، بيع الأراضي الزراعية للرأسماليين المحليين وللشركات الأجنبية، التي حَوّلت الأراضي إلى مزارع كبيرة، للزراعات الآلية، وزراعة إنتاج مُعدّ للتصدير، بهدف تحقيق الأرباح، مما يُعَرّض الأمن الغذائي المحلي للخطر، ويُقَوِّضُ النّسيج الإجتماعي في الأرياف، عبر إفقار السكان وإجلائهم من مُحيطهم، بالإضافة إلى تدمير المُحيط والبيئة المَحَلِّيّة، عبر استخدام الآلات والبذور المُعدّلة وراثيا والسماد الكيميائي الإصطناعي، والمُبيدات المُضِرّة بصحة الإنسان وبالمُحيط والمياه، وكانت هذه المسائل المتعلقة بالأراضي الزراعية والمَراعي، سببًا من أسباب النزاعات المُسلحة العديدة في البلاد...
مَنَحت الحكومات السودانية (منذ فترة حكم "جعفر النّميري" من 1971 إلى 1985 ) أراضي زراعية لمشيخات الخليج، في ظروف بعيدة عن الشفافية، ونتج عن هذه البرامج إلحاق بالغ الضّرر بمئات الىلاف من السكان (صغار المُزارعين والرعاة)، الذي لم تقع استشارتهم، ولا إعلامُهُم ولا إعداد برامج لاستيعابهم، ولم تشترط الدولة السودانية التزام المستثمرين الأجانب بتشغيل السّودانِيِّين، ولا إجبار المُستثمرين على زراعة أنواع من الخضار والفواكه والحبوب، وتسويق نسبة من الإنتاج في السوق الدّاخلية، بأسعار تتوافق مع مستوى دخل المواطنين...
هذه صُورة - قد تكون غير مُكْتَمِلَة- عن الوضع، فما هو برنامج "قُوى الحُرِّيّة والتّغْيِير" لتغيير الوضع، وإطعام الجائعين والفُقراء، وتشغيل العاطلين، وتوفير الطاقة الكهربائية، وغير ذلك من الإجراءات التي قد تُغَيِّرُ حياة أغلبية المواطنين الفُقراء، والمشاكل التي عَدّدْنا بعضها، لا تُحل بمجرّد وجود "حُكْمٍ مَدَنِي"، بل تتطلب إرادة سياسية، وتشاور مع المواطنين وإيجاد أموال لاستثمارها في الزراعة والصناعة والبُنْيَة التحتية، وغيرها...
يتمتع جنرالات "المجلس العسكري الانتقالي" بدعم السعودية والامارات (لحماية مصالحهما في السودان)، ودعم حكم العسكر ورجال الأعمال في مصر، ويُعتبر الجنرال "صلاح قوش" عميلاً للإمبريالية الأمريكية، التي دعمت (مع بريطانيا) ائتلاف "الجبهة الوطنية للتغيير" التي كانت تدعم عمر البشير، لتَظْهَر من جديد، منادية "بالحرية والتغيير"، وتدعم بدورها شعار "حكومة مدنية" انتقالية، ومؤتمر دستوري، و"انتخابات حرة وسلطة مدنية"، وفي الصف المُقابل يُشارك الآلاف من الشبان والنساء والبرجوازية الصغيرة في التحركات التي تستمر منذ ستة أشهر، لكن هؤلاء يُشكّلون "وقود الثورة"، دون المُساهمة الفعلية في اتخاذ القرار، وفي رسم خطط مستقبلية، بل يُعْتَبَرُ ائتلاف "قُوى الحرية والتغيير"، وبالخصوص مُكَوّنها الأساسي، "تجمع المهنيين"، ناطقًا رسْمِيًّا باسم المُحْتَجِّين والمُعارضين لبقاء رموز النظام السابق في الحكم، وتأسس "تجمع المهنيين" في أوساط الأطباء والصيادلة والمحامين والمعلمين والصحافيين، وهم لا يُمثلون العُمّال والفُقراء والفئات المسحوقة في البلاد، ولكن التجمع ساهم في الإرتقاء بالمطالب من الإحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية (الخبز) والمحروقات، إلى معارضة النظام برمّته، وطرح شعارات سياسية...
ظهر الدور الهام للحزب الشيوعي السوداني في الشارع، ولم يُترجَمْ ذلك إلى نُفُوذ يجعل من الحزب فاعِلاً في "ائتلاف الحرية والتغيير"، بل وقَعَ إقصاء ممثلي الحزب من المُفاوضات التي تجري دون عِلْمِهم، من جهة أخرى، لم تتجاوز شعارات الحزب ومقترحاته العُموميات التي تطرحها القوى الأخرى...
وردت العديد من البيانات في ملف عن السودان نشَرَهُ موقع "السفير العربي" 24/05/2019 بالإضافة إلى فقرات عديدة، نُشِرَتْ سابقًا في نشرة الإقتصاد السياسي
كان الجيش السوداني ولا يزال شريكًا أساسياًّ في الحُكْم، وعرف السودان منذ إعلان الإستقلال سنة 1956، عددًا من الإنقلابات العسكرية، وتمكَّن نضال الشعب السُّوداني، خلال العُقُود الأخيرة، من إسقاط حُكْمَيْنِ عَسْكَرِيَّيْنِ، بفضل التقاليد العريقة للتجارب الحزبية والنقابية، فكانت المرة الأولى، من خلال انتفاضة جماهيرية في تشرين الأول/اكتوبر 1964، والتي سُمِّيَت في التراث السياسي السوداني "ثورة اكتوبر"، ضد الحكم العسكري الذي كان يقوده الفريق "إبراهيم عبود"، منذ انقلاب 1958 (بعد سنَتَيْن من إعلان الإستقلال، سنة 1956 )، والمرة الثانية كانت في نيسان/ابريل 1985 (سُمِّيَتْ "انتفاضة ابريل") ضد حكم الفريق "جعفر النميري" الذي قاد انقلابًا عسكريًّا سنة 1969...
تَمَيَّزت الحركة الأخيرة (2018/2019) بانطلاقها من الإحتجاج ضد ارتفاع أسعار البنزين والطحين والخُبْز، إلى التنديد بالفساد وبنظام الحُكْم كَكُل، وتميزت أيضًا باتساع نطاقها لتنتشر في مختلف مناطق البلاد، ولتشمل فئات من الشرائح العُلْيَا للبرجوازية الصّغِيرة ( تحالف "قوى الحُرِّيّة والتّغْيِير" الذي يَضُمُّ "تجمع المهنيين" )، إلى جانب المُشاركة القوية والنّشطة لفئات الشباب والنساء، وهذا من أسباب استمرار وتيرة الإحتجاجات طيلة ستة أشهر، وتجذّر المطالب (نسبيًّا)، ورفْضِ مناورات قيادات الجيش، المدعومة من أنظمة الحُكْم في السعودية والإمارات ومصر، وهي القُوى الوكيلة مَحَلِّيًّا للإمبريالية، وأصبح المتظاهرون، يُطالبون، منذ الإعتصام أمام القصر الجمهوري وقيادة أركان الجيش، بتغيير النظام كَكُل، وعدم الإكتفاء بالرأس، رغم قُصُور شعار "السلطة المدنية"، لأن القمع ورَهْن ثروات البلاد للخارج (للإمبريالية) لا يقتصر على قيادات الجيش، بل يمكن أن يكون الحُكْمُ "مَدَنِيًّا" ودكتاتورِيًّا، وقَمْعِيًّا، ويكون الحُكّام وُكَلاء على مصالح الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات...
انطلقت المظاهرات (وهي ليست الأولى) ضد ارتفاع سعر الخُبْز، في بلد واسع يمتلك أراضي زراعية تُعادل مساحتها نحو 40% من إجمالي مساحة الأراضي القابلة للزراعة في الوطن العربي، ولا تُسْتَغَلُّ سوى نحو 25% منها، ويُعتبر عدد السكان قليلاً، مقارنة بالمساحة، إذ لا يتجاوز أربعين مليون نسمة، لكن السودانيين مُشردين في بلدان العالم، بحثًا عن القُوت، رغم النفط الذي بلغ معدل إيراداته 3,5 مليارات دولارا سنويا بين 200 و2011، سنة انفصال الجنوب واستحواذه على 75% من حُقُول النّفط، ورغم الأراضي الزراعية الخصبة والمياه...
يَعِيشُ نحو 46,5% من السكان تحت خط الفقر، ولا يتمتع بالتيار الكهربائي سوى ثلث السّكّان، فيما تعاني المصانع من ضُعْف وانقطاع التّيّار الكهربائي، ولا تُخَصِّصُ الدولة سوى 5% من الميزانية للإنفاق على الصحة والتعليم والرعاية الإجتماعية، فيما تخصص أكثر من 70% من الميزانية للأمن، أي الجيش والشرطة والمخابرات والمليشيات... وأدّى ارتفاع نسبة الجوع والفقر إلى بقاء حوالي 40% من أطفال البلاد، الذين لم يبلغوا سن العاشرة، خارج نظام التعليم، بسبب الفَقْر، وإثر انقلاب عُمر البشير، واستحواذ الجيش على الحُكم (سنة 1989)، انخفض معدّل النمو السنوي لقطاع الزراعة، بسبب ضُعْفِ الإستثمارات، من 10,8% سنة 1989 إلى 3,6% سنة 1999، وبدأت الحكومة تستخدم جزءًا من عائدات النفط، لاستيراد المواد الغذائية، التي كانت تنتجها البلاد، والتي يمكن إنتاجها محليا، لو خُصِّصَتْ بعض الإستثمارات للقطاع الزراعي، وعندما فقدت الدولة النفط وإيراداته، سنة 2011 (حوالي 300 مليون دولارا شهريا)، انخفض احتياطي العملة الأجنبية، بالتوازي مع نمو الواردات الغذائية، فتعمقت الفجوة بين الصادرات التي انخفضت قيمتها، والواردات التي ارتفعت قيمتها، فارتفع عجز الميزان التجاري، وخفضت الحكومة قيمة الجُنَيْه السّوداني، مما زاد من ارتفاع الأسعار ومن تجاوز التضخم نسبة 50%، مرات عديدة...
صادر الإستعمار البريطاني (وكذلك الفرنسي في البلدان التي احتلها) مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، في كافة البلدان التي استعمَرها، وهي أراضي "مشاع"، أي تملكها مجموعة من السّكّان، أو أهالي قرية أو أُسْرة، واعتمد الإستعمار الفرنسي أو البريطاني (ثم الصهيوني من بعده في فلسطين) على عدم تسجيل هذه الأراضي في الدّوائر الحكومية الرّسمية، لمُصادرتها واعتبارها ملكًا للدّولة (أي ملكًا للْمُسْتَعْمِرِين القادمين من وراء البحار، على بعد آلاف الكيلومترات)، وفي السودان، أدّت مصادرة الأراضي خلال فترة الإستعمار البريطاني ( 1899 - 1956 ) إلى طرد وتهجير مجموعات من السكان، من الأراضي التي كانت تستغلها لتأمين العَيْش، وبعد الإستقلال، لم تُلْغِ الحُكومات هذه القرارات الإستعمارية، بل حافظت على نفس الجوهر، مما أدّى إلى اتساع رقعة الفقر، ودفع الآلاف للنزوح من الريف إلى أطراف المُدُن، أو إلى الخارج، وساهمت سياسة مصادرة الأراضي، بالتوازي مع الجفاف والعوامل الطبيعية السّلْبِية، في تأجيج الصراعات حول "الماء والكَلأ"، وتحولت الصراعات إلى نزاعات ذات صبغة قَبَلِيّة أو أثنِيّة، في بلد تعددت فيه الأعراق والأثنيات، ورخّصت الدولة، منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، بيع الأراضي الزراعية للرأسماليين المحليين وللشركات الأجنبية، التي حَوّلت الأراضي إلى مزارع كبيرة، للزراعات الآلية، وزراعة إنتاج مُعدّ للتصدير، بهدف تحقيق الأرباح، مما يُعَرّض الأمن الغذائي المحلي للخطر، ويُقَوِّضُ النّسيج الإجتماعي في الأرياف، عبر إفقار السكان وإجلائهم من مُحيطهم، بالإضافة إلى تدمير المُحيط والبيئة المَحَلِّيّة، عبر استخدام الآلات والبذور المُعدّلة وراثيا والسماد الكيميائي الإصطناعي، والمُبيدات المُضِرّة بصحة الإنسان وبالمُحيط والمياه، وكانت هذه المسائل المتعلقة بالأراضي الزراعية والمَراعي، سببًا من أسباب النزاعات المُسلحة العديدة في البلاد...
مَنَحت الحكومات السودانية (منذ فترة حكم "جعفر النّميري" من 1971 إلى 1985 ) أراضي زراعية لمشيخات الخليج، في ظروف بعيدة عن الشفافية، ونتج عن هذه البرامج إلحاق بالغ الضّرر بمئات الىلاف من السكان (صغار المُزارعين والرعاة)، الذي لم تقع استشارتهم، ولا إعلامُهُم ولا إعداد برامج لاستيعابهم، ولم تشترط الدولة السودانية التزام المستثمرين الأجانب بتشغيل السّودانِيِّين، ولا إجبار المُستثمرين على زراعة أنواع من الخضار والفواكه والحبوب، وتسويق نسبة من الإنتاج في السوق الدّاخلية، بأسعار تتوافق مع مستوى دخل المواطنين...
هذه صُورة - قد تكون غير مُكْتَمِلَة- عن الوضع، فما هو برنامج "قُوى الحُرِّيّة والتّغْيِير" لتغيير الوضع، وإطعام الجائعين والفُقراء، وتشغيل العاطلين، وتوفير الطاقة الكهربائية، وغير ذلك من الإجراءات التي قد تُغَيِّرُ حياة أغلبية المواطنين الفُقراء، والمشاكل التي عَدّدْنا بعضها، لا تُحل بمجرّد وجود "حُكْمٍ مَدَنِي"، بل تتطلب إرادة سياسية، وتشاور مع المواطنين وإيجاد أموال لاستثمارها في الزراعة والصناعة والبُنْيَة التحتية، وغيرها...
يتمتع جنرالات "المجلس العسكري الانتقالي" بدعم السعودية والامارات (لحماية مصالحهما في السودان)، ودعم حكم العسكر ورجال الأعمال في مصر، ويُعتبر الجنرال "صلاح قوش" عميلاً للإمبريالية الأمريكية، التي دعمت (مع بريطانيا) ائتلاف "الجبهة الوطنية للتغيير" التي كانت تدعم عمر البشير، لتَظْهَر من جديد، منادية "بالحرية والتغيير"، وتدعم بدورها شعار "حكومة مدنية" انتقالية، ومؤتمر دستوري، و"انتخابات حرة وسلطة مدنية"، وفي الصف المُقابل يُشارك الآلاف من الشبان والنساء والبرجوازية الصغيرة في التحركات التي تستمر منذ ستة أشهر، لكن هؤلاء يُشكّلون "وقود الثورة"، دون المُساهمة الفعلية في اتخاذ القرار، وفي رسم خطط مستقبلية، بل يُعْتَبَرُ ائتلاف "قُوى الحرية والتغيير"، وبالخصوص مُكَوّنها الأساسي، "تجمع المهنيين"، ناطقًا رسْمِيًّا باسم المُحْتَجِّين والمُعارضين لبقاء رموز النظام السابق في الحكم، وتأسس "تجمع المهنيين" في أوساط الأطباء والصيادلة والمحامين والمعلمين والصحافيين، وهم لا يُمثلون العُمّال والفُقراء والفئات المسحوقة في البلاد، ولكن التجمع ساهم في الإرتقاء بالمطالب من الإحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية (الخبز) والمحروقات، إلى معارضة النظام برمّته، وطرح شعارات سياسية...
ظهر الدور الهام للحزب الشيوعي السوداني في الشارع، ولم يُترجَمْ ذلك إلى نُفُوذ يجعل من الحزب فاعِلاً في "ائتلاف الحرية والتغيير"، بل وقَعَ إقصاء ممثلي الحزب من المُفاوضات التي تجري دون عِلْمِهم، من جهة أخرى، لم تتجاوز شعارات الحزب ومقترحاته العُموميات التي تطرحها القوى الأخرى...
وردت العديد من البيانات في ملف عن السودان نشَرَهُ موقع "السفير العربي" 24/05/2019 بالإضافة إلى فقرات عديدة، نُشِرَتْ سابقًا في نشرة الإقتصاد السياسي