الشعر والخبز
(من قصص زمن الكورونا)
رشاد أبوشاور
على سطح هاتفي الخلوي ظهر اسم المتصل: أبوفرات لافي.
صوت محمد لافي، صديقي الشاعر الذي يعيش في بيت متواضع على مقربة من مخيم شنلر، هو وابنه وابنته، بعد رحيل زوجته الشابة قبل سنوات ..بذلك المرض اللعين.
جاءني صوته:
كيفك مع..الكورونا؟
ضحكت:
لا تكورونا ..ولا بنكوركم...
منذ أسابيع لم نلتقي...
عادة نلتقي معا: أبوفرات..الشاعر والروائي أحمد أبوسليم..والشاعر صلاح أبولاوي..وغالبا في بيتي. لعلي الأكثر استمتاعا بينهم في لقاءاتنا، فأنا أسمع آخر قصائدهم، وأحيانا أحكي كثيرا، بسبب عدم لقائي سوى بعدد محدود من الأصدقاء..وفي أوقات متباعدة.
اليوم سيسمحون بالتجول بين العاشرة صباحا والسادسة مساءً..ولذلك قلت لفرات: أنت فوق السادسة عشرة ..وأنا فوق الستين، ولذا فأنت مسؤول عن تنظيم شؤون حياتنا، فأنت مسموح لك بالتجول، وأنا وأختك سنبقى في البيت...
صمت
كنت أفكر في الوحشة التي يعانيها، والهموم التي يتحملها بعد فقدان زوجته..وما يعانيه ابنه وابنته من يتيم..يفاقم ألمه ومعاناته.
- أول أمس رحت إلى الفرن. أول أمس وقفت على الدور..وفجأة أعلن الفران وهو يرفع يديه مستسلما: نحن تعبنا، فنحن نخبز بأيدينا..ففرننا كما ترون ليس آليا..تعالوا غدا. أمس عدت إلى الفرن فوجدت ازدحاما..وبعد طول انتظار صاح الفران: خلاص..لا نستطيع العمل..تعالوا غدا..ارحمونا. صحت: أنا حضرت أمس، وأنت وعدتني..ولن أغادر قبل الحصول على الخبز. فجأة اقترب مني رجل شرطة وأمسك بذراعي بلطف: يا عم..يا حاج..صحت: أنا لست حاجا..إن شاء الله تحج..لن أحج ..لن أزور بلاد النبي وفيها آل سعود. طيب: طول بالك. تعال غدا ..وأنا أكفل أن..هنا اقترب شاب مني وأمسك بيدي: تعال يا أستاذ محمد..تزحزحت قليلاً، ومشيت خطوات قليلة فإذا به يضع بين يدي ربطة خبز. قلت له: هذه لك. قال: لا..هذه لك..اعتبرها تحية لشعرك الذي أحرص دائما على قراءته. احترت كيف أشكره. سألته مجاملا: أتكتب الشعر. أجاب: لا ..أقرأه ..وهذا يكفي..وأسمعه أحيانا..وأنا سمعتك بمتعة في أمسيات كثيرة. أحب شعرك..وسمعتك في عدّة أمسيات. ولكنك تحتاج لربطة الخبز هذه.طمأنني: عندي كام رغيف في البيت ..وأنا أعيش مع والدتي. قلت: يقولون عادة أن الشعر لا يطعم خبزا..ولكنك اليوم برهنت على العكس، فها هو الشعر يطعم خبزا. مضى متجها إلى بيته في مخيم شنلر..ووقفت أتابعه، ثم داخلني الندم لأنني لم أساله عن اسمه، وعمله. قلت في نفسي: يكفي انه شاب يقدّر الشعر و..يتخلى عن أرغفة يحتاجها و..يقدمها لشاعر يحتاجها وأسرته..ومتى؟ في زمن الكورونا.
(من قصص زمن الكورونا)
رشاد أبوشاور
على سطح هاتفي الخلوي ظهر اسم المتصل: أبوفرات لافي.
صوت محمد لافي، صديقي الشاعر الذي يعيش في بيت متواضع على مقربة من مخيم شنلر، هو وابنه وابنته، بعد رحيل زوجته الشابة قبل سنوات ..بذلك المرض اللعين.
جاءني صوته:
كيفك مع..الكورونا؟
ضحكت:
لا تكورونا ..ولا بنكوركم...
منذ أسابيع لم نلتقي...
عادة نلتقي معا: أبوفرات..الشاعر والروائي أحمد أبوسليم..والشاعر صلاح أبولاوي..وغالبا في بيتي. لعلي الأكثر استمتاعا بينهم في لقاءاتنا، فأنا أسمع آخر قصائدهم، وأحيانا أحكي كثيرا، بسبب عدم لقائي سوى بعدد محدود من الأصدقاء..وفي أوقات متباعدة.
اليوم سيسمحون بالتجول بين العاشرة صباحا والسادسة مساءً..ولذلك قلت لفرات: أنت فوق السادسة عشرة ..وأنا فوق الستين، ولذا فأنت مسؤول عن تنظيم شؤون حياتنا، فأنت مسموح لك بالتجول، وأنا وأختك سنبقى في البيت...
صمت
كنت أفكر في الوحشة التي يعانيها، والهموم التي يتحملها بعد فقدان زوجته..وما يعانيه ابنه وابنته من يتيم..يفاقم ألمه ومعاناته.
- أول أمس رحت إلى الفرن. أول أمس وقفت على الدور..وفجأة أعلن الفران وهو يرفع يديه مستسلما: نحن تعبنا، فنحن نخبز بأيدينا..ففرننا كما ترون ليس آليا..تعالوا غدا. أمس عدت إلى الفرن فوجدت ازدحاما..وبعد طول انتظار صاح الفران: خلاص..لا نستطيع العمل..تعالوا غدا..ارحمونا. صحت: أنا حضرت أمس، وأنت وعدتني..ولن أغادر قبل الحصول على الخبز. فجأة اقترب مني رجل شرطة وأمسك بذراعي بلطف: يا عم..يا حاج..صحت: أنا لست حاجا..إن شاء الله تحج..لن أحج ..لن أزور بلاد النبي وفيها آل سعود. طيب: طول بالك. تعال غدا ..وأنا أكفل أن..هنا اقترب شاب مني وأمسك بيدي: تعال يا أستاذ محمد..تزحزحت قليلاً، ومشيت خطوات قليلة فإذا به يضع بين يدي ربطة خبز. قلت له: هذه لك. قال: لا..هذه لك..اعتبرها تحية لشعرك الذي أحرص دائما على قراءته. احترت كيف أشكره. سألته مجاملا: أتكتب الشعر. أجاب: لا ..أقرأه ..وهذا يكفي..وأسمعه أحيانا..وأنا سمعتك بمتعة في أمسيات كثيرة. أحب شعرك..وسمعتك في عدّة أمسيات. ولكنك تحتاج لربطة الخبز هذه.طمأنني: عندي كام رغيف في البيت ..وأنا أعيش مع والدتي. قلت: يقولون عادة أن الشعر لا يطعم خبزا..ولكنك اليوم برهنت على العكس، فها هو الشعر يطعم خبزا. مضى متجها إلى بيته في مخيم شنلر..ووقفت أتابعه، ثم داخلني الندم لأنني لم أساله عن اسمه، وعمله. قلت في نفسي: يكفي انه شاب يقدّر الشعر و..يتخلى عن أرغفة يحتاجها و..يقدمها لشاعر يحتاجها وأسرته..ومتى؟ في زمن الكورونا.