اقتصاد الولايات المتحدة في الدّرك الأسفل؟
أقرت الإدارة الأمريكية (الحزب الديمقراطي) والإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي الأمريكي)، خلال أزمة سنة 2008، دعم المصارف والشركات الكُبرى من المال العام، ما ساعد على عودة النمو السّريع للإقتصاد الأمريكي، لكن لم يستفد العُمّال والفُقراء من هذا النّمو (كما في معظم بلدان العالم)، بل تعمّقت الفوارق والفجوة الطّبقية، وانتهجت الإدارة الحالية (الحزب الجمهوري) والمصرف المركزي نفس سياسات الدّعم الإنتقائي الذي تستفيد منه الشركات الكُبرى، دون الإهتمام بمصير الشركات الصغيرة، والفُقراء...
بعد إنكار دام حوالي ثلاثة أشهر، اضطر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" – الذي يعمل جاهدًا على إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 - إلى الإعتراف بارتفاع حالات الإصابة بوباء "كورونا" (أوفيد 10)، وحالات الوفاة، في الولايات المتحدة، وخاصة في "نيويورك"، وبعدما كان يُسميه "الفيروس الصيني"، ويعتبره مسألة ثانوية وعابرة (إلى غاية يوم 15 آذار/مارس 2020) اضطر إلى الإعتراف بخطورة الوباء (يوم 17 آذار 2020) وإلى اتخاذ إجراءات استثنائية...
أقر "الكونغرس" مساعدات للشركات (مع جزء بسيط للعمال والمواطنين) بقيمة 2,2 تريليون دولارا، أو ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تصل قيمة المساعدات إلى أربعة تريليونات دولارا، لكن سياسات الرئيس والإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي) تُركز على الشركات والأثرياء، وتهمل الفُقراء، إذ ارتفع عدد المُعَطّلين عن العمل الجدد المُسجّلين والمُعتَرَف بهم، خلال ثلاثة أسابيع، من 282 ألف يوم 14 آذار/مارس إلى 6,61 مليون يوم التاسع من نيسان/ابريل 2020، وقَدّرت المصارف ومكاتب الإستشارات انخفاض مبيعات السيارات في الولايات المتحدة، خلال شهر آذار/مارس 2020، بنحو 35%، وانخفض نشاط الشحن بالقطار بأكثر من 60% ، ما يوضّح صورة الإنهيار الإقتصادي لأكبر اقتصاد عالمي، كما تتوقع نفس المصادر تراجع الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي بنحو 10% بنهاية السنة الحالية (2020)، ورغم تضارب أرقام التّوقعات فإنها تتفق على أهمّيّة التراجع وعلى فداحة نتائجه الإقتصادية والإجتماعية، في ظل ارتفاع دُيُون الأُسَر التي بلغ معدّلها 126 ألف دولارا للأُسْرة الواحدة، وارتفاع تكلفة التعليم، وإيجار المسكن الذي عجز الكثير عن تسديده، وارتفاع تكلفة التأمين الصحي بنسبة 30%، خلال ثلاث سنوات، فارتفع عدد المواطنين الذين لا يشملهم نظام التأمين الإجتماعي والصّحّي، وتُقدّر نسبتهم بنحو 8,5% من العدد الإجمالي لسكان الولايات المتحدة، وقد يرتفع عددهم وعدد المُعطّلين عن العمل، بسبب العدد المرتفع من الشركات الصغيرة المُعرّضة للإفلاس، بينما حصلت الشركات الكبرى على مبالغ هامة من المال العام، وعلى سبيل المثال فقد حصلت شركة "بوينغ" لصناعة الطائرات على 17 مليار دولارا، كدفعة أولى، بشرط عدم تسريح العاملين، حتى الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2020...
لم تهتم المؤسسات الرسمية الأمريكية (البيت الأبيض والكونغرس والإحتياطي الإتحادي...) سوى بالشركات الكُبرى، ولم تهتم بالفئات الفقيرة الواقعة في أدنى درجات السُّلَّم الإجتماعي والطّبَقِي، وحتى متوسطي الحال أحيانا، بينما اتّسعت رُقعة الفقر، وقُدّرت نسبة العاجزين عن توفير الغذاء الكافي لهم ولأسرهم بنحو 12,5%، من مواطني أكبر قوة امبريالية، ونشرت جمعيات توزيع الغذاء على المعْوِزين بيانات مُفزعة عن ارتفاع عدد العاجزين عن تسديد الدّيون، وعدد المُحتاجين للغذاء، وعدد المُلْتَحِقِين بصفوف الفُقراء.
أما الوباء فقد انتشر بين الفُقراء والمشردين، وفاق عدد حالات الإصابة 510 آلاف (يوم العاشر من نيسان/ابريل 2020) وحالات الوفاة نحو 18500، بحسب الإحصاء الرسمي لمن توفوا في المستشفيات، وفق جامعة "جون هوبكينز"، وكنتيجة منطقية لتعميق الفجوة الطبقية، ارتفعت حالات الإصابة والوفاة بالوباء، بين الفُقراء، والسّكّان الأصليين للبلاد، والمواطنين السّود، بشكل خاص، حيث لا تتناسب نسبة الإصابات والوفاة مع عددهم ومع نسبتهم من إجمالي عدد السكان، وتتوقع مجمل الدّراسات ارتفاع عدد حالات الإصابة وحالات الوفاة إلى مستويات قياسية عالمية، في الولايات المتحدة، مقارنة بدول أوروبا وآسيا، ليفوق عدد الموتى بالوباء، بكثير عدد القتلى من الجنود الأمريكيين، خلال العدوان على فيتنام، أو نصف عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتِلُوا خلال الحرب العالمية الثانية...
كشفj هذه الأزمة حدود ما يسمى "حرية الإستثمار"، وحدود حرية السوق، ونظرية "اليد الخفية" التي قيل أنها قادرة على تنظيم السوق، دون تدخل الدولة. كما تسلط هذه الأزمة الضوء على ازدراء الاقتصادات الرأسمالية النيوليبرالية للإنسان، ما يُبَرِّرُ الحاجة إلى التخطيط الديمقراطي والاجتماعي لإدارة المجتمع والإقتصاد، وأي أزمة اقتصادية أو صحية، طارئة أو عميقة، والحاجة إلى بديل يمكن أن نسميه "الإقتصاد مخطط، ذي البُعد الاشتراكي".
أظهر الاقتصاد النيوليبرالي، في أوروبا وأمريكا الشمالية، عجزه عن إدارة مخزون الأدوية، وإنتاج اختبارات الإصابة (أو عدم الإصابة) بالوباء، وإنتاج أقنعة ومُطهِّرات وأجهزة تنفُّس، وغير ذلك مما تتطلبه مكافحة وباء "كوفيد 19". أما الإقتصاد الرأسمالي المَرْكَزِي الذي تُشرف عليه الدّولة في الصين، فإنه تمكن، بسرعة قياسية، من الحد من انتشار الوباء، عبر اتخاذ قرار العَزْل، وعبر إنتاج الأقنعة والقفازات والأدوية والاختبارات، وبناء مستشفيات جديدة، بسرعة استثنائية ...
إن الهدف الوحيد للاقتصاد النيوليبرالي هو تحقيق أقصى قدر من الأرباح، أما الاقتصاد الاشتراكي المخطط الإنتاج ، فيوجّه الإنتاج نحو تلبية الاحتياجات البشرية للأغذية والصحة والإسكان، وغير ذلك. إنه اقتصاد اجتماعي يعطي الأولوية للبشر واحتياجاتهم المادية والعنوية (الثقافة والرياضة). لقد يَسّرت "المركزية الديمقراطية" والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، مقاومة الشعوب السوفييتية، وتحرير الأرض من الإحتلال النازي، وتحرير بلدان أوروبا الشرقية، وتحرير المُعتقلين، وإغلاق المُعتقَلات، نهائيا، بالتوازي مع تطوير صناعة الأسلحة الدفاعية، بدون أي دعم خارجي، وتمكنت الدول الإشتراكية من تحقيق الإكتفاء الذاتي، بفضل التعاون والتنسيق فيما بينها، ولا تزال كوبا المُحاصرة منذ ستة عقود نموذجًا للقضاء على الأمية، وتطوير الصحة والتعليم والعمل الإجتماعي والدفاع المدني ومقاومة الكوارث التي تقتل العشرات أو المئات سنويا في الولايات المتحدة، بينما يعد الموت استثنائيا جراء العواصف والزوابع في كوبا...
● ● ●
أقرت الإدارة الأمريكية (الحزب الديمقراطي) والإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي الأمريكي)، خلال أزمة سنة 2008، دعم المصارف والشركات الكُبرى من المال العام، ما ساعد على عودة النمو السّريع للإقتصاد الأمريكي، لكن لم يستفد العُمّال والفُقراء من هذا النّمو (كما في معظم بلدان العالم)، بل تعمّقت الفوارق والفجوة الطّبقية، وانتهجت الإدارة الحالية (الحزب الجمهوري) والمصرف المركزي نفس سياسات الدّعم الإنتقائي الذي تستفيد منه الشركات الكُبرى، دون الإهتمام بمصير الشركات الصغيرة، والفُقراء...
بعد إنكار دام حوالي ثلاثة أشهر، اضطر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" – الذي يعمل جاهدًا على إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 - إلى الإعتراف بارتفاع حالات الإصابة بوباء "كورونا" (أوفيد 10)، وحالات الوفاة، في الولايات المتحدة، وخاصة في "نيويورك"، وبعدما كان يُسميه "الفيروس الصيني"، ويعتبره مسألة ثانوية وعابرة (إلى غاية يوم 15 آذار/مارس 2020) اضطر إلى الإعتراف بخطورة الوباء (يوم 17 آذار 2020) وإلى اتخاذ إجراءات استثنائية...
أقر "الكونغرس" مساعدات للشركات (مع جزء بسيط للعمال والمواطنين) بقيمة 2,2 تريليون دولارا، أو ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تصل قيمة المساعدات إلى أربعة تريليونات دولارا، لكن سياسات الرئيس والإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي) تُركز على الشركات والأثرياء، وتهمل الفُقراء، إذ ارتفع عدد المُعَطّلين عن العمل الجدد المُسجّلين والمُعتَرَف بهم، خلال ثلاثة أسابيع، من 282 ألف يوم 14 آذار/مارس إلى 6,61 مليون يوم التاسع من نيسان/ابريل 2020، وقَدّرت المصارف ومكاتب الإستشارات انخفاض مبيعات السيارات في الولايات المتحدة، خلال شهر آذار/مارس 2020، بنحو 35%، وانخفض نشاط الشحن بالقطار بأكثر من 60% ، ما يوضّح صورة الإنهيار الإقتصادي لأكبر اقتصاد عالمي، كما تتوقع نفس المصادر تراجع الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي بنحو 10% بنهاية السنة الحالية (2020)، ورغم تضارب أرقام التّوقعات فإنها تتفق على أهمّيّة التراجع وعلى فداحة نتائجه الإقتصادية والإجتماعية، في ظل ارتفاع دُيُون الأُسَر التي بلغ معدّلها 126 ألف دولارا للأُسْرة الواحدة، وارتفاع تكلفة التعليم، وإيجار المسكن الذي عجز الكثير عن تسديده، وارتفاع تكلفة التأمين الصحي بنسبة 30%، خلال ثلاث سنوات، فارتفع عدد المواطنين الذين لا يشملهم نظام التأمين الإجتماعي والصّحّي، وتُقدّر نسبتهم بنحو 8,5% من العدد الإجمالي لسكان الولايات المتحدة، وقد يرتفع عددهم وعدد المُعطّلين عن العمل، بسبب العدد المرتفع من الشركات الصغيرة المُعرّضة للإفلاس، بينما حصلت الشركات الكبرى على مبالغ هامة من المال العام، وعلى سبيل المثال فقد حصلت شركة "بوينغ" لصناعة الطائرات على 17 مليار دولارا، كدفعة أولى، بشرط عدم تسريح العاملين، حتى الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2020...
لم تهتم المؤسسات الرسمية الأمريكية (البيت الأبيض والكونغرس والإحتياطي الإتحادي...) سوى بالشركات الكُبرى، ولم تهتم بالفئات الفقيرة الواقعة في أدنى درجات السُّلَّم الإجتماعي والطّبَقِي، وحتى متوسطي الحال أحيانا، بينما اتّسعت رُقعة الفقر، وقُدّرت نسبة العاجزين عن توفير الغذاء الكافي لهم ولأسرهم بنحو 12,5%، من مواطني أكبر قوة امبريالية، ونشرت جمعيات توزيع الغذاء على المعْوِزين بيانات مُفزعة عن ارتفاع عدد العاجزين عن تسديد الدّيون، وعدد المُحتاجين للغذاء، وعدد المُلْتَحِقِين بصفوف الفُقراء.
أما الوباء فقد انتشر بين الفُقراء والمشردين، وفاق عدد حالات الإصابة 510 آلاف (يوم العاشر من نيسان/ابريل 2020) وحالات الوفاة نحو 18500، بحسب الإحصاء الرسمي لمن توفوا في المستشفيات، وفق جامعة "جون هوبكينز"، وكنتيجة منطقية لتعميق الفجوة الطبقية، ارتفعت حالات الإصابة والوفاة بالوباء، بين الفُقراء، والسّكّان الأصليين للبلاد، والمواطنين السّود، بشكل خاص، حيث لا تتناسب نسبة الإصابات والوفاة مع عددهم ومع نسبتهم من إجمالي عدد السكان، وتتوقع مجمل الدّراسات ارتفاع عدد حالات الإصابة وحالات الوفاة إلى مستويات قياسية عالمية، في الولايات المتحدة، مقارنة بدول أوروبا وآسيا، ليفوق عدد الموتى بالوباء، بكثير عدد القتلى من الجنود الأمريكيين، خلال العدوان على فيتنام، أو نصف عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتِلُوا خلال الحرب العالمية الثانية...
كشفj هذه الأزمة حدود ما يسمى "حرية الإستثمار"، وحدود حرية السوق، ونظرية "اليد الخفية" التي قيل أنها قادرة على تنظيم السوق، دون تدخل الدولة. كما تسلط هذه الأزمة الضوء على ازدراء الاقتصادات الرأسمالية النيوليبرالية للإنسان، ما يُبَرِّرُ الحاجة إلى التخطيط الديمقراطي والاجتماعي لإدارة المجتمع والإقتصاد، وأي أزمة اقتصادية أو صحية، طارئة أو عميقة، والحاجة إلى بديل يمكن أن نسميه "الإقتصاد مخطط، ذي البُعد الاشتراكي".
أظهر الاقتصاد النيوليبرالي، في أوروبا وأمريكا الشمالية، عجزه عن إدارة مخزون الأدوية، وإنتاج اختبارات الإصابة (أو عدم الإصابة) بالوباء، وإنتاج أقنعة ومُطهِّرات وأجهزة تنفُّس، وغير ذلك مما تتطلبه مكافحة وباء "كوفيد 19". أما الإقتصاد الرأسمالي المَرْكَزِي الذي تُشرف عليه الدّولة في الصين، فإنه تمكن، بسرعة قياسية، من الحد من انتشار الوباء، عبر اتخاذ قرار العَزْل، وعبر إنتاج الأقنعة والقفازات والأدوية والاختبارات، وبناء مستشفيات جديدة، بسرعة استثنائية ...
إن الهدف الوحيد للاقتصاد النيوليبرالي هو تحقيق أقصى قدر من الأرباح، أما الاقتصاد الاشتراكي المخطط الإنتاج ، فيوجّه الإنتاج نحو تلبية الاحتياجات البشرية للأغذية والصحة والإسكان، وغير ذلك. إنه اقتصاد اجتماعي يعطي الأولوية للبشر واحتياجاتهم المادية والعنوية (الثقافة والرياضة). لقد يَسّرت "المركزية الديمقراطية" والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، مقاومة الشعوب السوفييتية، وتحرير الأرض من الإحتلال النازي، وتحرير بلدان أوروبا الشرقية، وتحرير المُعتقلين، وإغلاق المُعتقَلات، نهائيا، بالتوازي مع تطوير صناعة الأسلحة الدفاعية، بدون أي دعم خارجي، وتمكنت الدول الإشتراكية من تحقيق الإكتفاء الذاتي، بفضل التعاون والتنسيق فيما بينها، ولا تزال كوبا المُحاصرة منذ ستة عقود نموذجًا للقضاء على الأمية، وتطوير الصحة والتعليم والعمل الإجتماعي والدفاع المدني ومقاومة الكوارث التي تقتل العشرات أو المئات سنويا في الولايات المتحدة، بينما يعد الموت استثنائيا جراء العواصف والزوابع في كوبا...
● ● ●